ومن مرامي هذه الكلمة أيضا أن هؤلاء المعنيين بهذا الأمر مع اشتغالهم عن العلم محتاجون إليه أكثر من ذي قبل، لأن هذه المناصب والمهام الجديدة التي أنيطت بهم تحتاج إلى العلم والفقه في الدين، وإن تصرف أهل الولايات والمناصب بلا علم طريق لفساد البلدان، كما أن تكلم الأئمة المتبوعين بلا علم طريق لإفساد الأديان.
ومن هنا نخلص إلى أن هذه الكلمة من أعظم القواعد التي ينبغي إعمالها في كل ميدان، وخاصة في الجوانب المنهجية الدعوية والسياسية التي بها يتحدد مصير الدعوة والأمة، وفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يؤيدها كتحذيره من تضييع الأمانة وتوسيد الأمر إلى غيره، وإخباره عن ارتفاع العلم وانقلاب الموازين واختلال المعايير الذي يكون في آخر الزمان.
وإذا جئنا إلى واقعنا اليوم ونظرنا بعين الإنصاف في صفنا وفي صفوف غيرنا علمنا علم اليقين أن الرويبضة قد تكلم وقاد وساد ولمسنا غياب الميزان الشرعي لاستئهال القيادة الدينية والدنيوية، حيث أصبح الميزان في كثير من الأحيان هو الأثرة والولاءات الحزبية والشرعية التاريخية بدلا من الأهلية، ولقد استجيز هذا الصنيع في زمن مضى بدافع ملء الساحة وسد الفراغ، وهذه حقيقة كانوا جميعا يعترفون بها، لكن لما تقدم الزمن وحصلوا على ما حصلوه من مكاسب مادية ومعنوية أصبح أكثرهم ينكر ذلك، ويزعم أنه أفهم ممن تعلم وأحكم ممن درس تجربتهم وتجارب من قبلهم، لكل واحد منهم مدينة فاضلة تسكن عقله يريد تجسيدها في أرض الله ويفرض تعاليمها على عباد الله، وصيروا الأمة جنسا من أجناس فئران التجارب اليوم طريق وغدا طريق مغاير، اليوم دين وغدا دين آخر، والأمم تتقدم وأمتنا تراوح مكانها بل ترجع القهقرى.... فضل السابق لا ينكر، وربنا عز وجل نهانا أن نبخس الناس أشياءهم، ولكن كلمة الحق لا بد أن تقال والواقع لا بد أن يتغير والأمانات لا بد أن ترجع إلى أهلها.