طباعة
الأحد 25 شوال 1431

صفات المولى عز وجل بين القرآن والكتاب المقدس (الحلقة الثالثة)

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

تاسعا : قدرة الله تعالى

  من أسس الإيمان بالله عز وجل في القرآن الإيمان بقدرته الكاملة ، القدرة التي لا يعجزها شيء، قال تعالى: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)  [يس/81، 82] ولا يتعبه شيء قال سبحانه : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة/255] وله أسماء كثير تدل على القدرة كالقادر والقدير والمقتدر والعزيز والجبار والقاهر والقهار والشديد والمتين.

   وأما النصارى وسلفهم من اليهود فينسبون الله تعالى إلى الضعف وإلى العجز أمام مخلوقاتهن ومن ذلك ما جاء في الرسالة الأولى على أهل كورنثوس (1/25) "لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس". وهو فهو حسب ظنهم غير قادر على مقاومة العربات الحديدية، كما جاء في ( القضاة 1/19 ) "وكان الرب مع يهوذا، فملك الجبل، ولم يطرد سكان الوادي، لأن لهم مركبات من حديد"، وإذا كان ذلك سبباً لعجز الإله عن طرد هؤلاء الأعداء، فكيف يكون حاله مع الأسلحة الحديثة المتطورة!؟ تعالى الله عما يفترون علوا كبيرا.
 

صفات المولى عز وجل بين القرآن والكتاب المقدس (الحلقة الثالثة)

   ومن افتراءاتهم الشنيعة زعمهم أن الإله صارع يعقوب ليلا كاملا حتى الفجر، ولم يقدر على صرعه، يقول (سفر التكوين 32/24 - 32): " فبقي يعقوب وحده، وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حقّ فخذه، فانخلع حقّ فخذ يعقوب في مصارعته معه، وقال: أطلقني لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك إن لم تباركني. فقال له: ما اسمك؟ فقال يعقوب: فقال: لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. وسأل يعقوبُ وقال: أخبرني باسمك. فقال: لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك. فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل، قائلاً: لأني نظرت الله وجهاً لوجه".

  تأمل كيف جعلوا يتجسد في صورة بشر ثم لم يقدر على مقاتلة عبد واحد اسمه يعقوب حتى ترجاه، وتأمل كيف أنه لم يعرفه حتى سأله عن اسمه، لأنه صارعه في الظلمة!!

  والإله في الكتاب المقدس يتعب ويصيبه الإرهاق، جاء في سفر التكوين (2/1):"وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح" والمعنى مكرر في سفر الخروج(31 :17( وهو لذلك يحتاج للراحة، فيسكن في مساكن متعددة كما في سفر إشعيا (66/1) "هكذا قال الرب.. أين البيت الذي تبنون لي ؟ وأين مكان راحتي ؟ ".

   وقد رد ربنا عز وجل على هذه الفرية في القرآن الكريم فقال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب) [ق/38].

عاشرا : صفة الخوف

   من الصفات التي تتبع الضعف وعدم القدرة صفة الخوف، فالإله عندهم موصوف بصفة الخوف ، وقد طرد آدم خوفا من أن يصير مثله من الخالدين.

   ومن العجب أنهم ينكرون أن يكون من أسماء الله الجبار والمتكبر لأنه عندهم هذه صفات نقص، وبالمقابل يثبتون له أسماء الخروف والوديع والفادي، فقد جاء في رؤيا يوحنا 17/14:" هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم لأنه ربُّ الأرباب وملك الملوك". وفي أعمال الرسل 8/32 :"مِثْلَ شَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ وَمِثْلَ خَرُوفٍ صَامِتٍ أَمَامَ الَّذِي يَجُزُّهُ هَكَذَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ".

   وهذا الإله الخروف يخاف من عباده الذين خلقهم، فقد جاء في سفر التكوين أن الرب الإله خشي على مملكته من الزوال وحكمه من الإنهيار, عندما رأى البشر متحدين ومتحابين، يبنون مدينة كبيرة وبرجها في السماء، فدعا ملائكته ونزل وحطم مدينتهم، وبلبل ألسنتهم وفرقهم في الأرض, حتى لا ينافسوه في ملكه وملكوته- تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- "وكانت الأرض كلها لسانا واحدا ولغة واحدة، وحدث في ارتحالهم شرقا أنهم وجدوا بقعة في أرض شنعار وسكنوا هناك، وقال بعضهم لبعض هلم نصنع لبنا نشويه شيّا فكان لهم اللبن مكان الحجر, وكان لهم الحُمرُ مكان الطين، وقالوا هلم نبني لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء، ونصنع لأنفسنا اسما لئلا نتبدد على وجه كل الأرض، فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونها، وقال الرب: هو ذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل, والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه، هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم بعضا، فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض, فكفوا عن بنيان المدينة، لذلك دُعي اسمها بابل لسان كل الأرض، ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الأرض" (التكوين 11/4-9).

أما الذي نقرأه نحن في القرآن الكريم فقوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) [الروم/22] وقوله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [الحجرات/13]

الحادي عشر : الله تعالى حكم عدل

    إن الله عز وجل يحكم بالقسط يأمر بالعدل وينه عن الجور حتى مع الأعداء، قال سبحانه : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل/90] وقال جل جلاله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة/8] ومن عدل الله تعالى أنه سيوقف العباد للقصاص يوم القيامة، بل سيكون القصاص حتى بين الحيوانات.

   أما الكتاب المقدس ففيه الأمر بالظلم والسرقة والسلب ، ومن ذلك ما جاء في سفر الخروج 3/21:"قال الله لبني اسرائيل: حين تمضون من أرض فرعون : لا تمضوا فارغين. بل تطلب كل امرأة من جارتها أمتعة : فضة وذهب وثياباً. وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين"، وتمكن بنو إسرائيل بهذا أن يسرقوا أموال المصريين. حيث أنهم بحسب ما نسبوه إلى موسى عليه السلام استعاور أمتعة من المصريين قبل خروجهم كما في الإصحاح 12:"اطلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهبا وثيابا، وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم فسلبوا المصريين".

الثاني عشر: صفة المحبة

    من صفات الله تعالى المحبة ومن أسمائه الحسنى الودود، والود خالص الحب وألطفه وأرقه، ومنزلة الود من المحبة كمنزلة الرأفة من الرحمة، قال عز وجل : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) [هود/90] ووردت صفة المحبة في الإثبات أحد عشرة مرة في القرآن الكريم، تفيد أن الله تعالى يحب المتقين ويحب المتطهرين ويحب التوابين والصادقين والصابرين وغيرها

والنصارى اليوم يسمون دينهم دين المحبة وإلههم إليه المحبة والسلام ، ويزعمون أن القرآن الكريم مع كثرة الصفات التي وصف بها الرب سبحانه لم يرد فيه أنه المحب ، وهذا من الكذب الذي يعلم بيانه بما سبق ذكره، زعموا أن المحب لا يفعل شرا أبدا، مع أننا نقرأ في كتابه بعهديه ينسبون للإله الشر ، ومن ذلك أمره لليهود بسرفة المصريين.

    ومن ذلك ما جاء في صموئيل الأول(15/2-3):"هكذا يقول رب الجنود أني قد افتقدت ما عمل عماليق بإسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر، فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلا وامرأة طفلا ورضيعا وبقرا وغنما وجملا وحمارا"، والمعنى نفسه مكرر في يوشع (6/21) وجاء في سفر يوشع أيضا (13/16):"تجازى السامرة لأنها قد تمردت على إلهها بالسيف يسقطون تحطم أطفالهم والحوامل تشق". وأي شر أفظع من هذا؟؟

    وكذلك كتاب العهد الجديد فيه من أفعال الشر ما يقدح في المحبة حسب قولهم ومن ذلك ما جاء في إنجيل متى(10/34):"لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض ما جئت لألقي سلاما بل سيفا". وما جاء في إنجيل لوقا (19/27):"أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي".

    وجاء في إنجيل لوقا(14/26):"إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضا فلا يقدر أن يكون لي تلميذا".

الثالث عشر : (عيسى) الرب ملعون ونجس

   وأختم هذه المحاضرة بأعجب وصف للإله عندهم وهو اللعنة ، وذلك أنه جاء في سفر التثنية (21 /22-23):"إِنِ ارْتَكَبَ إِنْسَانٌ جَرِيمَةً عِقَابُهَا الإِعْدَامُ، وَنُفِّذَ فِيهِ الْقَضَاءُ وَعَلَّقْتُمُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ، فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلِ ادْفِنُوهُ فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلاَ تُنَجِّسُوا أَرْضَكُمُ الَّتِي يَهَبُهَا لَكُمُ الرَّبُّ مِيرَاثا". وهنا قد يقول قائل هذا لا يلزم منه أن يكون عيسى ملعونا إذا علق على الخشبة أنه علق ظلما –حسب ظنهم- بخلاف من نفذ فيه القضاء بالعدل، وهذا كلام جيد لولا أننا وجدنا في الكتاب المقدس ما يؤكد دخوله في العموم ، فقد جاء في رسالة غلاطية (3/ 13):" إِنَّ الْمَسِيحَ حَرَّرَنَا بِالْفِدَاءِ مِنْ لَعْنَةِ الشَّرِيعَةِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً عِوَضاً عَنَّا، لأَنَّهُ قَدْ كُتِبَ:"مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ".

  وعلى كل فإن الذي نعتقده في هذا الكلام الأخير أنه من كلام بولس كاتب الرسالة وهو عدو المسيح والحواريين الأولين فلا جرم أن يصف عيسى عليه السلام بالمعلون ، ولكن الذي نحتار فيه هو قبول للنصارى من بعده لهذا الوصف في حق عيسى عليه السلام الذي جعلوه رب الأرباب.

 

    هذا أخير شيء أردنا ذكره وليس هو آخر صفة من صفات النقص التي يصف بها الكتاب المقدس رب العزة سبحانه، بل إنه ثمة صفات كثيرة ومنها ما لم نجد له تبويبا وتصنيفا لنقارنه بما ورد في كتاب الله عز وجل، كوصفهم الإله بأنه يصفر وأنه يبكى وينوح ويولول وصفق ويمشي عريانا ويوبخ نفسه إلى غير ذلك من الترهات التي تؤكد لنا الحقيقة التي انطلقنا منها وأن الكتاب المقدس إنما حرفه أناس لا يحبون الله عز وجل، ولا يحبون رسله وإنما يعادونهم، ولذلك وجدناهم يصفون رب العزة سبحانه بكل نقيصة، كما وصفوا بذلك أنبياءه عليهم السلام.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تم قراءة المقال 4442 مرة