قيم الموضوع
(0 أصوات)

حوار مع نصراني (الحلقة الأولى)
[من هو الآتي بعد عيسى عليه السلام الذي يطهر الناس بالروح والنار]
نقل أحد الأصدقاء في حسابه عبارة مفادها أن العالم كله لابد أن يخضع للإسلام، لأنه لا خلاص له إلا به.
فعلقت عليه بقولي :" صدقت ..ومما صح من إنجيل متى (3: 11-12):"أنا أعمدكم بالماء للتوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني؛ الذي لست أهلا أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس والنار، الذي رفشه (مذراته) في يده وسينقي بيدره، ويجمع قمحه الى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفا".
فتدخل نصراني وقال :"لم تستشهد بالإنجيل، وهو في اعتقادكم محرف"
فقلت له:
" إن القراءة بالعقل الناقد ليست كالقراءة بالعقل المخدر، نحن نؤمن بوجود كتاب منزل اسمه الإنجيل، لكن الكتبة تصرفوا فيه، ونحن نحاول تمييز الصواب من الخطأ قدر الاستطاعة بالمقارنة أحيانا، وبالرجوع إلى اللغات الأصلية أحيانا أخرى، ونقاد الكتاب المقدس قارنوا قصصه بقصص البابليين وغيرهم وتمكنوا من بيان حقائق كثيرة تتعلق بنصوصه، والعلم لا يعرف الحدود، ...وهذا النص كنت قرأته من قبل، فلما رأيت منشور أخينا "الطيب" تذكرته ونقلته لأن من تأمل صفة هذا الذي يأتي بعد المسيح ويجمع في تطهير الناس بين كلمة الرب والقوة القاهرة، ويتواضع له يسوع كل هذا التواضع وهو المدعو ابن الرب (بالعناية والمحبة لا بالولادة والانجاب)، لن يجد من تحققت فيه؛ إلا الفارقليط المذكور في إنجيل يوحنا، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وخاصة أن كلمة الفارقليط بالعبرية معناها أحمد".
فقال النصراني:
" الباراكليت معناها روح الحق أو الروح القدس الذي يشهد للمسيح، ومحمد لم يشهد للمسيح، ويكفي أنه روح بينما محمد عبد وإنسان، فلا وجه للمقارنة ".
فقلت له :
"إن المسيح عليه السلام إنما تكلم بالعبرية (وترجمة هذه الكلمة أحمد)، فمن الخطأ أن تبحث عن معنى كلامه في اليونانية أو غيرها، وأما وصف المخلوق بالروح فيجوز وذلك باعتبار ما يحمله من كلام الله، وقد سمى الله كلامه روحا  كما في قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [الشورى: 52]  والمعنى نفسه تجده في أول إنجيل لوقا حيث وُصف يحيى عليه السلام بأنه ممتلئ بروح القدس أي يوحي إليه كلام الله، والعبارة نفسها جاءت في حق زكريا أنه امتلأ بالروح فتنبأ بمعنى أوحي إليه..
  ولا يمكن أن يكون الروح الذي يشهد له؛ هو جبريل أو الأقنوم أو شخصا أو شيئا كان موجودا وقت تكلمه، لأنه قال:" الذي يأتي بعدي وهو أقوى مني". هذا فضلا عن أنكم تؤكدون أن النار (والسيف) ليست من الأساليب التي دعا المسيح عليه السلام إلى استعمالها.
تدخل جزائري مرتد قائلا :"المسيح هو الذي يعمد بالروح والنار".
فقلت له : يعني المسيح هو الآتي بعد المسيح ..ألم تقل لي من قبل (في حوار آخر) أن المسيح لم يأت بالسيف حقيقة، فما الفرق بين السيف والنار...فانقطع ولم يعد.
قال لي النصراني : ما هي الروح ؟
قلت له : منك نستفيد ؟
قال النصراني : الأقانيم ثلاثة متساوون متحدون ليس كلهم واحد ولكن في إله واحد.
الآتي بعد المسيح هو الروح القدس الأقنوم الثالث الموجود منذ الأزل والذي أرسله المسيح بعد صعوده، ليتمم الإيمان ويعزي المؤمنين بعد صعود رب المجد.
ثم قال: روح الله خالق، وأرواح الناس والكائنات الحية بأنواعها مخلوقه، وكلمة روح لابد لها من إضافة ليعرف معناها...
قلت له :
"صعُب علي جدا أن أفهم هذا الكلام :" الأب أرسل الابن، فحبلت مريم من الروح القدس وحلت الكلمة في جسد المسيح ، فخرج للناس في صورة إنسان ومات على الصليب فداء للخطايا، الذي مات هو الجسد لا الروح، فلما صعد (طبعا الذي يصعد هو الروح) عاد أرسل لنا الروح؟".
قال :..الذي صعد هو المسيح بالجسد والروح .
بتجسد المسيح وتمثله بشرا سويا أصبح له روح إنسانية بخلاف اللاهوت الذي معناه كل ما يخص الذات الإلهية،
فالمسيح له جسد إنساني وروح إنسانيه +لاهوت الذي هو الأقنوم الثاني الكلمة.
والروح القدس حل على المسيح أثناء تعميد يوحنا له في نهر الأردن، حيث جاء كهيئة حمامة. هنا الروح حل على المسيح. وبعد صعود المسيح حل الروح القدس على التلاميذ كهيئة ألسنة من النار، فأصبحوا يتكلمون بلغات كثيرة ويبشرون بكلمه الله .
قلت له :
لا شك أني أخطأت لما قصرتُ الصعود على الروح .. لأن مريم المجدلية لم تجد الجسد في القبر مع مريم الأخرى (وفي إنجيل آخر أنها وجدته وقال لها لا تمسكيني وهذا لا يكون إلا للجسد)، إذن الصواب أن يقال : الكلمة والروح كلاهما كانا في الجسد وكلاهما صعد إلى السماء، فبقي الجسد في السماء عند الاب والابن، وعاد الروح مرة أخرى، وحل في الحواريين فصاروا أنبياء يبشرون. لكن بعد موت الحواريين أو الرسل أين ذهب الروح القدس ؟
فقال النصراني :
الروح القدس هو روح الله الغير محدود مالئ الكون، لم يذهب بل موجود في كل مكان.
فقلت له :
"ليش نزل في شكل حمامة، ليش صعد مع المسيح، ليش نزل مرة أخرى على الرسل خصيصا ...ما دام هو موجود في كل مكان".

حوار مع نصراني (الحلقة الثانية)
فقال النصراني:" ..لم يصعد مع المسيح دي زيادة من عندك"
فقلت له :
"ليست الزيادة من عندي بل مصدرها قولك " الروح القدس الأقنوم الثالث الموجود منذ الازل والذي أرسله المسيح بعد صعوده"، أي بعد صعوده إلى السماء أرسله من السماء ..ومصدرها قولك "هنا الروح حل على المسيح" إذ لما حل فيه صارت عنده المعجزات التي لا يقدر على جنسها إلا الخالق، وما دام الروح هو الحياة والقوة كما تقولون، فأنا أتصور أن الحياة عادت لجسد المسيح بعد موته لاتحاد الروح القدس به، فلا يمكن للجسد الصعود من دونه.
فلم يجب وانقطع مدة؛ فرجعت إلى تفسير النص الأصلي فعجلت ذكر ما كنت أخّرته وقلت:
"لا يمكن أن يكون الآتي بعده هو الروح القدس لأنه قال "هو أقوى مني" وأنتم تقولون عن الأقانيم إنهم متساوون، ولا يمكن أن يكون الآتي الروح القدس لأنه يلبس الحذاء، ولا يمكن أن يكون الروح القدس لأن هذا الآتي سيعمد الناس بالروح القدس.
وبعدها أجبته عن سؤاله الذي حِدت عنه من قبل وقلت:
 إن كلام الله تعالى الموحى به إلى عباده هو العلم الذي لا يدخله الخطأ، وهو الهدى لمن طلب الهداية ، وهو النور الذي تبصر به الحقائق، وهو الطريق إلى الحياة الحقيقة الأبدية ، وهو الروح التي تحيا به القلوب إذا آمنت به وإذا تدبرته وإذا عملت به ..ولما كان كلام الله تعالى موحى به إلى الأنبياء عن طريق الملاك جبريل سمي أيضا بالروح.. فالروح في القرآن تطلق على الأنفس المخلوقة وهي دلالتها اللغوية الأصلية وملاقاتها للأجساد تبعث فيها الحياة ومفارقتها لها تسبب الموت، وهي التي نزل فيها قوله تعالى: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (الإسراء:85)
وتطلق مجازا على القرآن وعلى مطلق كلام الله الموحى به إلى عباده لأنه هو طريق الحياة الحقيقة ولأن به حياة القلوب كما قال تعالى: (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) (الشورى: 52)  وقال تعالى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ) (غافر: 15)
وتطلق مجازا على جبريل عليه السلام لأنه هو المكلف بتبليغ كلمة الله إلى الأنبياء كما قال تعالى في خطاب محمد صلى الله عليه وسلم : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء: 193، 194) وكما قال (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) ) [النحل: 102] وهو الذي أيد به عيسى عليه السلام  كما قال تعالى: (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (البقرة: 87)  وقال : (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) [المائدة: 110]
ثم قلت :
وفي الانجيل ما يدل على اطلاق الروح على ذات المعاني؛ فيطلق على كلام الله المنزل كقول المسيح كما في انجيل يوحنا (6: 63) "الروح هو الذي يحيي أما الجسد فلا يفيد شيئا.. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة"..وهذا حق لأنه ليس كلامه بل كلام الحق الذي أرسله كما في يوحنا (14: 24)" الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني"..ولم يكن هذا الوحي (التكليم الالهي) خاصا بالمسيح عليه السلام بل هو لكل الأنبياء ، فكما أن المسيح كان ممتلئا من الروح القدس كما في لوقا (4: 1):"أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئا من الروح القدس"، فكذلك امتلأ به زكريا كما في لوقا (1: 67):"وامتلأ زكريا من الروح القدس وتنبأ قائلا".
ويطلق على جبريل أيضا كما في لوقا (3: 22):" ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلا أنت ابني الحبيب بك سررت.." وفي متى (1: 18):" وُجدت حبلى من الروح القدس"، لأن الملاك جبريل هو الذي خاطبها ونفخ فيها .
لكنه لما رأى التعليق الأخير عاد بعد يومين من الغياب وقال ما معناه:
"ذكرت كلمة روح في مواضع مختلفة بمسميات مختلفة، مدلول الروح نكرة يختلف عن مدلول الروح القدس الأولى قد تطلق على المخلوق كجبريل وأما الروح القدس فهي روح الخالق".
فقلت له :
دعك من تفسير النصوص المتعلقة بالروح القدس وأجب عن السؤال : كيف يكون الروح القدس أقوى من الابن وهم متساوون ..
فقال متهربا من الجواب حائدا عن السؤال:
الروح القدس موجود منذ الأزل ولم تتجسد قبل المسيح لكن بتجسده ابتدأ العمل وسيظل مع المؤمنين يشهد للمسيح، لأن الخلاص بالمسيح والايمان بالروح القدس
فقلت له :
لابد أن نرجع إلى النص الذي انطلق منه الحوار ..كيف يكون الروح القدس أقوى من الابن؟ وأنت تقول هم متساوون ..كيف يكون الآتي هو الروح القدس وهو يعمد الناس بالروح القدس ..ألم يكن الأفصح أن يقول سيأتي الروح القدس ويعمدكم بالنار ..
فلم يجب وأرسل لي مخططا يوضح هندسة الإله المثلث وتقاطع جزئه الثالث بالناسوت.
فقلت له:
هذه الدروس خارجة عن محل النقاش..إذا أردت مواصلة البحث فلنرجع إلى النص الذي أيدتُ به منشور صاحبنا..وأجب عن الاشكالين المذكورين، وإن أجبت عن الثالث وفسّرت لي كيف يلبس روح القدس الحذاء سأكون ممتنا..
انقطع ويئست من عودته ..ولو عاد فلن أقبل نقاشا إلا في الأسئلة الثلاثة ..
نقلته مهذبا ومعربا وأحيانا مختصرا، نسأل الله لنا وله ولمن قرأه الهداية..

تم قراءة المقال 202 مرة