الأحد 23 ذو القعدة 1431

محبة الله تعالى (5) أسباب محبة الله عز وجل للعبد

كتبه 
قيم الموضوع
(4 أصوات)

سادسا : أسباب محبة الله للعبد

   بعد أن تحدثنا عن محبة العبد لربه نأتي للحديث عن محبة الرب لعبده وهي من آثار وثمار محبة الله تعالى كما سبق بيانه، وذلك ببيان الأسباب الموجبة لها نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهلها، ومما ينبغي أن يعلم أن ومن أسماء الله تعالى الودود، قال عز وجل (وهو الغفور الودود ) وقال: (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود:90) والود أصفى الحب وألطفه، والودود الذي يحِب ويحَب، وقال بعض السلف:« ليس الشأن أن تُحب الله، ولكن الشأن أن يُحبّك الله »([1]). لأن الله عز وجل يُحب من كل وجه لعميم إحسانه وجوده، ومزيد كرمه وإنعامه على العباد. قال ابن القيم:« ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته، مع حاجته وفقره إليه، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوكه بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه»([2]).

وفيما يأتي ذكر لبعض الأسباب الموجبة لمحبة الله تعالى للعبد:

 

محبة الله تعالى (5) أسباب محبة الله عز وجل للعبد

 

1-محبة الله عز وجل

   قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54). فبين ربنا عز وجل أن أول صفة العباد الذين يحبهم ويرضى عنهم أنهم يحبونه، ومن مقتضى هذه المحبة إيثار محابه سبحانه على محابهم وهو ما يحقق بقية الصفات الواردة في الآية. وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ :« إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللَّهَ ، وَيُحَبِّبُونَ اللَّهَ إِلَى النَّاسِ ، وَالَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ»([3]).

2-محبة القرآن وصفات الرحمن

   روت عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ»([4]). فاستحق هذا الصحابي هذه البشارة من النبي صلى الله عليه وسلم وهي صادرة من الوحي بلا ريب، لأنه أحب سورة الإخلاص لأنه صفة الرحمن، فكيف بمن كان محبا لكل القرآن لأنه كلام الرحمن.

3-الجهاد في سبيل الله عز وجل

   قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) (الصف: 4)، ومحبة الله تعالى ثابتة لمن جاهد في سبيله جهادا مطلقا سواء كان جهاد بالمال أو النفس أو الجاه للآية السابقة (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ).

4-محبة المؤمنين

   قال صلى الله عليه وسلم :« قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:" وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ »([5]). فالحب في الله والزيارة في الله والمجالسة في الله والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر ومجالس الذكر تنال بها محبة الله سبحانه، ومما يدل على ذلك قصة الرجل الذي زار أخاً له في الله في قرية أخرى ليس بينهم علاقة مالية ولا شغل فبعث الله ملكاً يقول له :« فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ»([6])، وكلما زادت المحبة بين المؤمنين كان هذا أقرب إلى الله سبحانه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تحاب الرجلان إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه»([7]).

5- الإحسان

   قال الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (البقرة:195) وهذا يشمل جميع أنواع الإحسان فيدخل فيه الإحسان بالمال والإحسان بالجاه بالشفاعات والإحسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم النافع وقضاء حوائج الناس من تفريج كرباتهم وإزالة شدائدهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وإرشاد ضالهم ويدخل فيه العفو عن الناس، ويدخل في الإحسان أيضا الإحسان في عبادة الله تعالى كما جاء في حديث جبريل أن الإحسان:" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ »([8]).

6-طهارة الباطن والظاهر

   قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: 222) فالله تعالى يحب التوابين من الذنوب، وهم الذين يداومون على تطهير قلوبهم من أدران الذنوب وأوساخها، وهو يحب المتطهرين بالماء طهارة حسية من الأحداث والنجاسات، الحفاظ على الطهارة من علامة كمال الإيمان، وكانت سببا من أسباب تبشير بلال رضي الله عنه بالجنة.

7-اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم

   ومن أعظم أسباب نيل محبة الله تعالى محبة نبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه واتباع سنته، قال تعالى:  (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (آل عمران:31) وقد جعل ربنا سبحانه اتباع النبي صلى الله عليه وسلم علامة الصدق في دعوى محبة الله عز وجل.

8- التقوى

قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:7). والمتقون هم الذين يخافون عقابه, ويحذرون عذابه, فيجتنبون ما نهاهم عنه, وحرّمه عليهم, ويطيعونه فيما أمرهم به.

9-الإخلاص لله

قال صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ»([9]) ، التقي سبق بيان معناه والغني هو الغني عن الناس استغنى عنهم بالله عز وجل، والخفي هو من لا يريد علواً في الأرض ولا جاها، والخفي أيضا الخامل المنقطع إلى العبادة والانشغال بأمور نفسه.

10-التوكل على الله

قال تعالى: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159) وحقيقة التوكل: الثقة بالله عز وجل وحسن الظن به مع الاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه وإظهار العجز، والافتقار إليه، وهو معنى الاستعانة التي أمرنا بها ربنا عز وجل وقرنها بالعبادة.

11-الحكم بالعدل

قال عز وجل: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (المائدة:42)، والقسط العدل، وأهل العدل هم الذين يعدلون في أهليهم وأولادهم ، ولا يجورون في أحكامهم وقرارتهم ، ولا يستغلون الولايات التي يتولونها والمناصب التي يتبوؤونها لأغراض غير مشروعة.

12-حسن الخلق

   سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب عباد الله إلى الله؟ قال:« أحسنهم خلقاً»([10])، ولحسن الخلق من الفضائل الثابتة الشيء الكثير، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ»([11])، وَالثَّرْثَارُ هُوَ الْكَثِيرُ الْكَلَامِ وَالْمُتَشَدِّقُ الَّذِي يَتَطَاوَلُ عَلَى النَّاسِ فِي الْكَلَامِ وَيَبْذُو عَلَيْهِمْ.

13-الصبر

   قال تعالى: (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 146) الذين يصبرون على البلاء وعلى الأذى في سبيل الله، ويصبرون على الطاعة وعلى ترك المعصية، والصبر خلق عظيم به تحقق العبودية والثبات على دين الله تعالى، وبه يكتسب المرء حسن الخلق الذي هو أثقل شيء في الميزان.

14-الحفاظ على الفرائض مع الإكثار من النوافل

   وكذلك من الأمور الموصلة إلى محبة الله عز وجل التقرب إليه بالنوافل بعد أداء الفرائض كما جاء في الحديث القدسي:« وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ»([12]).

   ومن هذه النوافل نوافل الصلاة والصيام والحج والعمرة والصدقات وقراءة القرآن وتدبره والتفهم لمعانيه، ودوام ذكر الله على كل حال ودعاؤه واستغفاره سبحانه وتعالى.

 

يتبع



[1]/ النبوات (1/346) مدارج السالكين (3/37) روضة المحبين (266).

[2]/ الفوائد لابن القيم (35).

[3]/ الزهد لابن المبارك (1303) الحاكم (1/51) السنن الكبرى للبيهقي (1/379).

[4]/ رواه البخاري (7375) ومسلم (813).

[5]/ رواه مالك في الموطأ (1779).

[6]/ رواه مسلم (2567).

[7]/ رواه البخاري في الأدب المفرد (544) وصححه الألباني.

[8]/ رواه مسلم (1955).

[9]/ رواه مسلم (2965).

[10]/ رواه الطبراني (471) والحاكم (4/400) وصححه الألباني في الصحيحة (432).

[11]/ رواه الترمذي (2018) وصححه ابن حبان (482).

[12]/ رواه البخاري (6502).

تم قراءة المقال 5673 مرة