قيم الموضوع
(1 تصويت)


   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن الأمة لا تصلح إلا إذا صلح علماؤها، "ولن يصلح علماؤها حتى يصلح تعليمهم، فالتعليم هو الذي يطبع المتعلم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته وما يستقبل من علمه لنفسه وغيره فإذا أردنا أن نصلح العلماء فلنصلح التعليم" هذه كلمة من الكلمات الحكيمة التي قالها الشيخ العلامة ابن باديس رحمه الله في مقال عنوانه أساس الإصلاح، وقد رأيت أجعل كلمتي في هذه الأيام عن أمانة التعليم متحدثا عن المعلمين الذين هم إحدى اللبنات المهمة في إصلاح التعليم.

 

أمانة التعليم

 

[التعليم رسالة]

   فأقول إن المعلمين هم مربوا الأجيال وصناع الرجال الذين يبنون صروح المجد ويمهدون الطريق لإعزاز الأمة، وهم حماة الثغور في هذا الزمان المستحقون لأجر الرباط والجهاد، لأن واجبهم عظيم ومهمتهم أمانة ورسالة وليست مجرد وظيفة يراد بها متاع الدنيا الزائل، فهي مهمة قد اضطلع بها الأنبياء والرسل وحاملوها من بعدهم هم ورثتهم؛ إذ هم الذين يرفعون عن الناس الجهل وينقلونهم من الظلمات إلى نور العلم والإيمان والمعرفة.

   وحسْب المعلمين شرفاً أنهم ممن يدلون الناس على معبودهم الحق ويبينون لهم الغاية التي من أجلها خلقوا، وأنهم ينشرون الفضائل ويحاربون الرذائل، ويرسون الدعائم التي عليها تبنى الحضارة التي لا زوال لها، ودورهم اليوم في نهضة الأمة دور محوري، لأن الأبناء الذين تعقد عليهم آمال الأمة هم الآن بين أيديهم يبنون شخصيتهم ويصنعون فكرهم ويرسخون العقائد في قلوبهم، ويرفعون من هممهم ويوجهونهم التوجيه الصحيح في الحياة.

   إن مهمة المربي عظيمة جداً، وعمله من أشرف الأعمال إذا أتقنه، وأخلص لله تعالى فيه، وربى الطلاب التربية الإسلامية الصحيحة، فالمدرس قبل أن يكون معلما هو موجه ومربي، وعليه يتوقف صلاح المجتمع وفساده، فإذا قام بواجبه في التربية والتعليم، سعد في الدنيا والآخرة ونال فضلا لا حد له، لأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا كما صح عن نبينا e، وإذا كان الأمر على العكس من ذلك فأهمل المعلم واجبه، واتجه الطلاب نحو الانحراف، واعتنقوا المبادئ الهدامة، وساءت أخلاقهم ، فإن المعلم سيشقى والأمة ستشقى من بعده، وكان عليه وزر كل من تبعه وكان سببا في ضلاله.

[التعليم مسؤولية]

   وإن التعليم مسؤولية عظيمة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم :« كلم راع وكلكم مسئول عن رعيته» (متفق عليه). وَالرَّاعِي هُوَ الْحَافِظ الْمُؤْتَمَن الْمُلْتَزِم صَلَاح مَا اُؤْتُمِنَ عَلَى حِفْظه فَهُوَ مَطْلُوب بِالْعَدْلِ فِيهِ وَالْقِيَام بِمَصَالِحِهِ، والمعلم راع في مدرسته، وهو مسئول عن رعيته، عن قيامه بواجبه في التربية والتعليم، فمن المعلمين من هو مجزي عن عمله خير جزاء من الله تعالى الكريم ومن قِبل الناس بالثناء الجميل، ومنهم من هو مقصر قد أساء إلى نفسه وأمته وباء بما يبوء به المقصرون من الخزي والعار والندامة.

   فعلى المعلم أن يستشعر عظم مسؤوليته، وأنه داعٍ من الدعاة شاء أم أبى؛ داع إلى الخير والفضيلة أو داع إلى الشر والرذيلة، ونعيذه بالله أن يكون من أهل الثانية بل هو إن شاء الله تعالى حامل لواء المسلمين وصانع أمجاد المستقبل القريب.

   إن المعلم إذا لاحت له هذه المعاني أدرك أن واجبه الأول هو التربية، وهذا الواجب أعظم خطرا من واجب التعليم وهو الأهم لأن تربية النشء لازمة لكل فرد، أما العلوم فكل فرد فيكفيه أن ينال منها شيئا بحسب جهده وقدراته.

[التعليم أمانة ]

  إن التعليم أمانة ونعيذ بالله معلمينا من تضييع الأمانة، وقد قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال/27) .

  ومن مقتضى أداء هذه الأمانة أن يكون المعلم متقنا للمادة التي يدرسها، مهتما بها دائم المطالعة في مراجعها، حتى يعطي للتلميذ العلم الصحيح والنافع، ومن مقتضى هذه الأمانة أيضا أن يعطى العلم لمن هو أهله لمن يستعمله في الصلاح لا في الفساد لمن يستخدمه في الخير لا لمن يستخدمه في الشر، أن يعطي هذا العلم للأمين الذي يخدم بعلمه دينه وأهله ووطنه لا لمن يجعله سلما لنيل أعراض الدنيا الزائلة ولو حساب الدين والأخلاق والمبادئ، لذلك كان لزاما على معلمي جميع المواد الدراسية أن يهتموا بجانب التربية- وإن لم يكن ذلك في مقرراتهم- لا يختلف معلم الرياضيات والفزياء والفرنسية والتربية البدنية عن معلم التربية الإسلامية أو التربية المدنية؛ فالمهمة مهمة كل معلم وفي جميع مستويات الدراسة من الابتدائي إلى ما فوقه بلا فارق.

[البناء الفكري للطلاب]

   إنه ليس مهمة المعلم أن يكون للأمة طلابا يحفظون كما كبيرا من المعلومات، فإن ذلك ممكن في الأجهزة والآلات، ولكن مهمته تكوين طلاب قادرين على استثمار المعلومات وتطويرها وتوجيهها لما فيه صلاح للأفراد والأمة، ولا يتم ذلك إلا بالاهتمام بالبناء الفكري للطلاب، الذي من دعائمه زرع الثقة بالله تعالى والتوكل عليه وأنه سبحانه مصدر كل العلوم؛ إذ هو الذي خلق الإنسان وعمله البيان، وتربيتهم على الاعتزاز بالإسلام وبتاريخ الأمة الإسلامية، وتعويدهم على الاستقلالية في التفكير والبعد عن التقليد الأعمى، وتلقينهم أن العلم لا يراد لذاته بل للعمل به، ورفع همهم للتطلع إلى معالي الأمور واجتناب سفسافها ورديئها، وتوجيههم إلى الإخلاص وأن يجعلوا أعمالهم في المستقبل –مهما كان تخصصهم-كلها لله عز وجل، وتدريبهم على التفكر في آيات الله تعالى ومخلوقاته العظيمة في هذا الكون، وهذا التفكر لابد وأن يرتبط بعلم من العلوم الكونية سواء علم الفلك والأحياء والجيولوجيا والفزياء والكمياء والطب وغيرها .

  ولا ينسى المعلم أن يبصر تلاميذه بتحديات الأمة العالمية في العصر الحاضر؛ في جميع المستويات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية والدينية، فيفتح أعين الطلاب على الواقع ويبصرهم بالحقيقة التي ينبغي أن يروها، لا الزيف الذي يريد الغرب أن يغرَّنا به، والمفاهيم المغلوطة التي يروج لها إعلامه في الداخل والخارج، ويندرج في هذا تحذيرهم من الأفكار الهدامة التي غزت بلاد الإسلام باسم الحداثة والتنوير في جميع مجالات الحياة من إلحاد في العقائد وعلمنة في الحياة وتغريب في الثقافة.

[تصحيح المفاهيم ]

   ومن المفاهيم التي يجب على المعلم أن يصححها لدى الطلبة أن الغاية من الحفظ والفهم للدروس ليس هو الاختبار كما هو السائد الغالب لدى الطلاب، ومن طرق علاج هذه المعضلة أن يذكر الطالب دائما بالإخلاص وجعل عمله وطلبه للعلم لوجه الله تعالى ولنصرة دينه وليس من أحل الشهادة أو نوال الدنيا الزائل، وذلك يجعل غاية الطلب التزود بالعلم النافع وليس مجرد النجاح في الامتحانات، ويجعله يعي أن من يفعل ذلك إنما يغش نفسه ويكذب عليها.

   ومن تلك المفاهيم التي يجب أن تصحح ظاهرة تعظيم العلوم الكونية الحديثة على حساب العلوم اللسانية والأدبية ، وذلك من أعظم الغلط أن العلوم اللسانية هي قاعدة العلوم كلها فلا يمكن تلقي أي علم من العلوم دون لسان يعبر عنه عربيا كان أو أجنبيا، ولا بد من صرف همم الطلاب إلى الاعتناء باللغة العربية لأنها لغة العلم ولأنه لغة الدين ولغة تعبر عن الشخصية والانتماء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

تم قراءة المقال 9402 مرة