الأربعاء 8 شوال 1437

خواطر حول المؤامرة على المنظومة التربوية في الجزائر (المجموعة الأولى) مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(5 أصوات)

 

     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد: فهذه خمس خواطر متعلقة بالمؤامرة على المنظومة التربوية في الجزائر، سبق أن نشرتها في شبكة التواصل الاجتماعي، في مناسبات مختلفة، ومعها خاطرة سادسة متعلقة بمنهج العمل والتغيير، جمعتها في مكان واحد لقراء الموقع حتى يتوسع مجال الاطلاع عليها، نسأل الله تعالى أن ينفع بها. 
الخاطرة الأولى: حول إلغاء بكالوريا العلوم الإسلامية
    لقد تقرر قبل أكثر من عشر سنين إلغاء شعبة العلوم الإسلامية من التعليم الثانوي تنفيذا لمخطط "بن زاغو" التغريبي، وقد اطلعت يومها على مبررات الإلغاء وكان أهمها -كما في النص المترجم-: أن هذا التخصص لا مكان له في سوق العمل، بمعنى أنه يفضي إلى تكوين إطارات لا تجد وظيفة، ولقد كان هذا المبرر مغالطة واضحة وكذبة صريحة في وضح النهار، لأن هذا التبرير يصلح لغلق الجامعات والكليات الإسلامية، لا لغلق شعبة في الطور الثانوي، ولقد كان من نتائج هذا الإلغاء تقليص فرص التوظيف لخريجي الجامعات الإسلامية، ومنه فإن القرار زاد من البطالة ولم يحد منها كما زُعم في التقرير.
   والذي لم يصرح به كُتَّاب التقرير أن الهدف كان التمهيد لإلغاء تخصص العلوم الإسلامية من الجامعات -ولقد حاول ذلك بن بوزيد لما عين وزيرا للتعليم العالي لكنه فشل-، ورغم كل التشويه الذي لقيه التخصص والتنفير عنه، فإن الإقبال عليه في تزايد مستمر، لكننا نأسف أننا نجد أكثر من يلتحق بالجامعة ليس لديه خلفية معرفية عن التخصص سوى حبه لدينه وحرصه على تعلمه، وبعض المعارف السطحية التي تلقاها في الطور الثانوي، الأمر الذي كان له أثر سلبي على سير عملية التعليم في الجامعة واحترام معاييرها أحيانا.
   الخلاصة ما دام المتآمرون لم يحققوا أهدافهم المسطرة والمضمرة ولن يحققوها، فما علينا إلا أن نرجع شعبة العلوم الإسلامية لنرقى بمستوى التعليم في جامعاتنا ، فيرتفع مستوى معلمي أولادنا وأئمتنا. ثم ليجد آلاف المتخرجين وظيفة يضمنون بها كرامة العيش في وطنهم.
الخاطرة الثانية : أين الخلل في تعليمنا؟
   عاتب مدير جامعة مديرَ ثانوية قائلا: ما هذا المستوى المتدني للطلبة الذين توجهونهم إلينا؟ طلبة لا يحسنون اللغة العربية ولا الفرنسية؟ ولا منهجية لهم في التفكير ولا منطقَ في التحليل؟ فرَدَّ عليه مدير الثانوية: هذا حقٌّ، لكن لذلك سببان؛ أحدهما أتى من المستوى الأدني والآخر من المستوى الأعلى، فأمَّا الذي من المستوى الأدنى فهو طريقة وصول التلاميذ إلى الثانوي حيث يُعتمد على النِّسب حسب كل مؤسسة لا حسب المستوى؛ فينجح الضعيف في مؤسسةٍ، ويرسب من هو أحسن منه في مؤسسة أخرى، وأما ما أتانا من المستوى الأعلى؛ وهو مؤثر في الثانوية وما قبلها هو نوعية الأساتذة الذين تخرجهم الجامعة؛ فيوظفون معلمين عندنا بشهادات أنتم تمنحونها، وبمستوى تعليمي وثقافي أنتم المسؤولون عنه، فمن من حقه أن يلوم الآخر..(انتهى الحوار) وللقارئ حرية الحكم بين المتخاصمين.
الخاطرة الثالثة : الاصلاح بين الايديولوجيا والبيداغوجيا
   عندما تحارب الهوية الجزائرية والقيم الإسلامية في مجال التربية ، يقال للمدافع عنها إنك تستعمل الإيديولوجيا بدل البيداغوجيا، ومحارب الهوية والقيم هو من يستعمل الايديولوجيا واللابيداغوجيا (l°anti pédagogie)، يقال عن المدافعين عن الهوية والقيم إنهم متعصبون ومتطرفون رغم أنهم يدعون إلى الحوار بالمنطق ويقدمون الدراسات والاحصاءات والبينات، وأما محاربوا الهوية فمتفتحون وديمقراطيون رغم استعمالهم الاقصاء والعنف بجميع أشكله : التعسف في استعمال السلطة، والتهديد اللفظي للشركاء الفاعلين، والتهم والقذف لكل من يطلب الحوار، وأكبر عنف يمارس هو إقصاء المخالف من الحوار، ومن المشاركة في صنع القرار. 
الخاطرة الرابعة : ماذا تعرف عن دوجلاس دانلوب؟
دوجلاس دانلوب (Douglas Dunlop)، قس بريطاني نصب أمينا عاما في وزارة المعارف المصرية ثم مستشارا متحكما فيها، وذلك أيام الوصاية البريطانية لمدة قاربت ثلاثين سنة، بذل كل جهده من أجل مسخ هوية المصريين العربية الإسلامية، وكان عمله هادئا وبطيئا لكن ضرب الأمة المصرية في الصميم، فوسع نطاق الانجليزية إلى جميع العلوم على حساب العربية حتى التاريخ بل والرسم أصبح يدرس بالإنجليزية ولم يبق للعربية مكان إلا في درس اللغة، واضطهد مدرسي اللغة العربية وأذلهم، وضيق فرص التوظيف على خريجي الأزهر الذي كان منارة المصريين العلمية، واستقدم الانجليز لوضع المناهج وللتدريس بدل المصريين، وفتح الباب على مصراعيه للمدارس الأجنبية، وظهر في وقته دعاة تدريس العامية (لويس عوض وسلامة موسى) لتوجيه الدفاع عن اللغة إلى الحفاظ عليها بدل الدعوة إلى تعميمها للعلوم، وحارب التربية الإسلامية بكل الوسائل بإفراغ محتواها وإسنادها إلى المسنين أو غير متخصصين، وتوقيتها في آخر ساعات النهار، وإبعادها من التعليم العالي، وتصرف حتى في مقررات المطالعة فحذف منها كل ما يمت للدين بصلة، وأبدلها بخرافات لافونتين على نحو"أسطورة خلق الضفدع" عندنا، ولقد نجح لأنه حضي بحماية وزير المستعمرات ودعم المتغربين من المصريين .  

الخاطرة الخامسة : ماذا يعني خفض الحجم الساعي للتربية الإسلامية؟ 
     إننا اليوم أمام قرار خطير له امتداداته التربوية والنفسية على التلاميذ، وأثره على مستقبل أساتذة التعليم الثانوي؛ وربما على مستقبل التعليم الجامعي أيضا، إن تقليص الحجم الساعي من ساعتين إلى ساعة يعني الاستغناء عن خدمات نصف أساتذة العلوم الإسلامية الموظفين حاليا، وابتداء من العام المقبل سيدرسون اللغة العربية أو أي شيء آخر مقابل بقاءهم في القطاع، إن هذا الخفض يعني تعليق توظيف الأساتذة في هذا التخصص لعقد من الزمن أو أكثر أو إلى الأبد؛ الأمر الذي سيجعل التكوين في الكليات الإسلامية من غير جدوى، (خاصة إذا ضم إلى هذا فتح ما سمي ليسانس إمامة) ولن يبقى لطلبة العلوم الإسلامية إلا التعليم الابتدائي الذي لا ندري ما سيدبر له في مستقبل الأيام (ولعل تعيين الفرنسية في اختبار التوظيف هو من أجل إقصائهم لأن الكليات الإسلامية تدرس اللغة الانجليزية لا الفرنسية)، وهنا أرجع إلى ما سبق أن نشرته من أن مبرر تقرير بن زاغو حين جمدت شعبة العلوم الإسلامية إنما يصلح لغلق الكليات الإسلامية – وهو عدم الاستجابة لسوق العمل- ، فلعل ذلك لم يكن خطأ بل هدفا بعيدا، ونسب لبعض أعضاء اللجنة أن تعليم الدين لا يجب أن تتكفل به دولة علمانية، بل ينبغي أن يتكفل به القطاع الخاص، ولم يرد هذا في النص المترجم لأنه صادم، أقف هنا وأقول للأساتذة إياكم أن تعولوا في الدفاع عن قضيتكم عن أمثال من باعها من قبل وظللكم بزعمه أن غلق الشعبة كان فيه خير حيث قابله تعميم العلوم الإسلامية في امتحان البكالوريا، وأي خير في تعميم برامج أحسن وصف لها أنها في الثقافة الإسلامية، وأي خير يجعلنا نضطر في الجامعة أحيانا أن ندرس الطلبة بمستوى الثانوي، وأي خير في تنازل تتبعه تنازلات إلى أن تلغى المادة من التعليم نهائيا.
الخاطرة السادسة : نريد فعلا لا انفعالا
    من مشكلات أكثر المسلمين اليوم: عدم التخطيط والتفكير الاستراتيجي، وغياب العمل الدائم والعميق في طريق الإصلاح، فهم لا يتحركون إلا في المناسبات وبعد طول سبات، إثر قنبلة "غيرهم" من يختار زمان تفجيرها ومكانه، وتكون هذه الحركات مجرد ردود فعل وانفعالات، منها ما يكون مفيدا أحيانا في علاج المشكلة أو في التقليل من أضرارها، ومنها ما يكون مجرد محاولات عابثة -أو طائشة- غير محسوبة العواقب، وأما حيث لم يصدر عن "غيرهم" تفجير مكيدة أو إقرار مشكلة فلا حراك عندهم ولا عمل، وهذا داء في الأمة قديم سبق وأن سطره الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله في كتابه من أجل التغيير حين قال وهو يتحدث عن الاستعمار(ص:105): «...إنه يعرف مثلاً أننا تجاهه لا نفعل، وإنما ننفعل، وهو عندما يكون قد دخل مرحلة التفكير في مشاكل الغد، في الحفر الموحلة، التي يريد أن يوقعنا فيها، نكون نحن لا نزال نفكر في مشاكل الأمس، في التخلص، من الحفر الموحلة التي أوقعنا فيها فعلاً»، فإذا تعلمنا التفكير والتخطيط، وإذا رجعنا إلى الهدي القرآني في الإصلاح والمنهج النبوي في بناء المجتمعات؛ حينها ستصبح قنابل "الغير" مجرد مفرقعات، ويصبح كيده في نحره وتدبيره في تدميره.

 

 

 

تم قراءة المقال 3236 مرة