طباعة
الخميس 20 جمادة الأول 1438

خواطر حول المؤامرة على المنظومة التربوية في الجزائر (المجموعة الثانية) مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فهذه مجموعة ثانية من الخواطر التي كتبتها في مدد متفاوتة لمناسبات اقتضتها وهي في مجملها متعلقة بالمنظومة المظلومة في الجزائر ، نشرتها في الفضاء الأزرق، وأعيد نشرها هنا ، ليعم نشرها وتدوم الإفادة منها ، وأسقطت منشورا واحد لأنه كان عبارة عن صور لكتاب القراءة باللغة العامية كان معتمدا في الجزائر في الحقبة الاستعمارية والله الموفق.
الخاطرة السابعة : الانذار الكاذب
    يتداول منذ شهور عبر وسائل الاعلام والتواصل منشورات وشعارات ومقاطع صوتية، تحذر من خطر داهم يهدد الجزائر، منشورات تجعل متابعها قراءة أو سماعا يشعر وكأننا على أبواب حرب تقليدية مع دولة تعتزم اغتصاب أراضينا، فنحتاج إلى الوقوف مع من يحمل السلاح من حراس الحدود وحماة الأمن في هذه البلاد، وعندما تقلب النظر لا تجد عدوا ظاهرا يعتزم فعل ذلك، وكذبة الربيع العربي قد فات وقتها وافتضح أمرها، وهذه المنشورات لم تحدد العدو المحتمل وهذا نقص فيها، وإني لا أراه إلا فرنسا، فإنها عدو الجزائر الأول والأخير، وكل ما عاناه الجزائريون منذ قرنين فهو على يد فرنسا وبكيد فرنسا، وإن فرنسا تهدد أمننا فعلا وتستنزف أموالنا بما تثيره من فتن وحروب في دول الجوار، لكن مع ذلك فإن الانذار كاذب ومضلل فانتبهوا، إن فرنسا لا تريد الأرض هذه المرة، إنها لا تريد أن يعود جيشها إلى بلادنا ولكن تريد عودة لغتها وثقافتها إنها لا تريد احتلال الأرض ولكن احتلال العقول، وتحلم بارتماء الجزائر في أحضان الفرنكوفونية، إن فرنسا تريد محو الإسلام من أرضها هذه الأيام؛ وهي لا زالت تعتبر الجزائر أرضا لها، لقد استنفرت هذه الأيام جميع أبنائها ومنهم من يحمل جنسيتنا من أجل تحقيق أهدافها، ونحن بحاجة إلى منشورات ومقاطع تحذر من غزاة تسللوا خلف الأسوار، وصاروا يلبسون لباس أهل الدار، ويخططون لضرب الأمة في هويتها في دينها ولغتها وتاريخها، وبدلا من تصوير الثكنة العسكرية نصور المدرسة الجزائرية، وبدلا من تصوير الجندي بسلاحه نصور المعلم بمئزره وقلمه، وبدلا من الحديث عن الأرض نتحدث عن هوية أهل الأرض، وبدل التحذير من خطط عدو شبح أو وهمي نحذر من خطط عدو معلوم وظاهر هو فرنسا وعملاء فرنسا.
الخاطرة الثامنة : (وَاهْـزُزْ نـفـوسَ الجَـامِدينَ ... فَرُبَّـمَـا حَـيّ الْـخَـشَـب)
  كتبت مقالا من قبل للتأكيد على أن أنكى ضربات أعداء الإسلام بالمسلمين ما كان بسبب التآمر الداخلي والخيانات، ومثَّلت بما جرى للأمير عبد القادر، وذكرت عرضا شيئا بديهيا وهو مقاتلة طريقة من الطرق الصوفية له، لأَصِلَ إلى شيء آخر وهو خطر الفتاوى المضللة التي أصدرها أهل الأهواء وأنصاف المتعلمين في ذلك العصر للتخذيل عن جهاد لا جدال في شرعيته ضد عدو لا خلاف في كفره وعدوانه، وأن جنس هؤلاء موجود في كل عصر ومصر، ولكن بعض الناس لم تعجبه تلك الجملة العرضية في المقال فانهالوا عليه بتعليقات خرجت به عن مساره، وسعى أحدهم أن يغير المعلوم من التاريخ بالضرورة، فحذفت جل تلك التعليقات، وكذا الردود المرتبطة بها، وكان مما علقته على بعض ما أبقيت : ( انتهت المعركة ضد جند فرنسا واليوم الحرب على أشدها ضد أولادها وأحفادها، فمن أراد أن يثبت وطنيته أو يؤكدها فليؤكدها بقوله وعمله، ولا يحاول تزوير التاريخ، "كل امرئ بما كسب رهين"). وأزيد فأقول إننا اليوم نعيش في الجزائر منعرجا تاريخيا خطيرا، وأبناء الجزائر المخلصون للإسلام والعربية يتجندون للدفاع عنها، ويكتبون ويتكتلون ويضغطون للوقوف ضد المؤامرة التي يخطط لها من الخارج وتنفذ في الجزائر بأيادي جزائرية. فأين موقف جمعية الزوايا الطرقية من كل ما يجري في الساحة؟ وأين موقف الزاوية الفلانية والزاوية العلانية من المؤامرة على التربية الإسلامية واللغة العربية؟ "هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا"، أيها القارئ اعتبر هذا تنبيها وتذكيرا أو استنهاضا للهمم لا تعييرا، فالمعركة ما زالت مستمرة، وتاريخ اليوم يكتب في حينه. 
الخاطرة التاسعة : المدرسة والإرهاب
   تعتبر بن غبريط أن مسلسل العنف الذي عرفته الجزائر منذ سنة 1993 قد أدى إلى وضع المبادئ التي بنيت عليها المدرسة الجزائرية في قفص الاتهام، وترى أن ذهنية المجتمع التي صنعتها المدرسة الجزائرية جعلته يرفض اللائكية اللادينية، ويرى فيها مصادمة للإسلام ولموروثه التاريخي.
    كما أن النخبة العلمانية أيضا كانت مقتنعة بهذا التناقض بين الشريعة والعلمانية ، لذلك رأت الطريقة المثلى للتغيير هي تنحية الشريعة واستبدالها بالقانون المدني، هذه النخبة التي لم تكن تميز بين ما هو قانون عام في الإسلام وبين ما هو شخصي جعلها عاجزة عن تقديم حلول لمشكلة رفض الحداثة في المجتمع، ونقلت عن بعضهم أن الحل الناجع هو إعادة تفسير الإسلام تفسيرا جديدا بالأدوات الحداثية كالنقد التاريخي والفليلولوجيا حتى يصير متوافقا مع العلمانية .
   ومن جهة أخرى فهي ترى أن التربية الأخلاقية الموروثة عن المدرسة الاستعمارية كفيلة بتحقيق أهداف التربية من غير وصول إلى العنف والإرهاب، وقد كان في المقررات دروس عن قيم : الأمانة والتسامح واحترام الآخرين وممتلكاتهم، واحترام القانون... أوردت ذلك نقلا عن تقرير المجلس الوطني الاقتصادي الاجتماعي لسنة 1995، وقد عللت هذا الإيراد بأنه كان في سياق بيان أن ظاهرة الإرهاب ما هي إلا نتيجة الخيارات التعليمية التي انتهجتها الجزائر بعد الاستقلال.
   وليست بن غبريط هي الأولى التي قررت مثل هذه التهمة في حق المدرسة الجزائرية الأصيلة، فقد سبقها آخرون، ولكنها أقامت دعوى دون بينات، فلم تسرد لنا النصوص التي تحث على العنف ولا ذكرت الأفكار التي بررت للإرهاب في مقررات التعليم المشار إليه، واكتفت باستبيانات تظهر أن رموز العلم والثقافة عند أكثر شباب الثانويات هم ابن باديس والإبراهيمي ومالك بن بني...؟؟؟؟ 
المرجع : مقال : École et religion
الفقرات 47-49
المنشور ضمن إصدار : (Où va l’Algérie)
http://books.openedition.org/iremam/417
الخاطرة العاشرة: الأطفال أيضا لهم رأي في مستوى البرامج الدراسية وفي واضعيها
   قبل يومين توجهت مع ابنتي الصغيرة إلى المسجد لأداء صلاة المغرب، وفي انتظار الأذان قلت لها: "تعالي نتأمل منظر غروب الشمس خلف الجبال؛ وإن كان منظر غروبها في البحر أكثر جمالا"، ولكن أشعتها كانت قوية تمنع من إدامة النظر في جهتها، فقالت لي ابنتي:"أبي درسنا في كتاب القراءة –الثالثة ابتدائي-قصة عن عصافير لما رأوا الشمس أرادوا أن يذهبوا إليها، فقلت لها:" كيف يذهبون إليها يا بُنتي؟ إنها بعيدة جدا..وهل يقدر أحد على الاقتراب منها ؟؟" فقالت :لقد علِمَت الشمس بذلك وخافت عليهم فأمرت السحب بأن تنزل مطرا عليهم ليبللهم".. فلما سمعت هذا الكلام شرد ذهني قليلا، وقلت في نفسي ماذا يلقن أولادنا في المدرسة؟؟ وقبل أن أنطق بكلمة علقت ابنتي :"أبي هم لا يعرفون أن الذي يأمر السحاب بإنزال المطر هو الله تعالى"، لقد أسعدني جدا هذا التعليق وألغى ما كنت أريد قوله، وطعمت أن استل منها نقدا آخر، فقلت لها:" يا بنيتي وماذا لم يعجبك أيضا في كتاب القراءة"، قالت:" هناك نص يتحدث عن دب يطبخ البيتزا، يسخرون منا، "دب يطبخ"، هذا يصلح للتحضيري، أو السنة الأولى..".هذه تعليقات البراءة أما أنا ففي المرة الأولى ذكرت سياسة "دانلوب" سياسة حذف النصوص الدينية واستبدالها بخرافات لافونتان وأبعادها الاعتقادية، وفي الثانية ذكرت حوارا متلفزا قديما جدا سلطت فيه "ناقصة عقل" نقدا لاذعا لنصوص المدرسة الأساسية وقالت ما معناه والعهد بعيد جدا:"نحن في مطلع الألفية ومازالت نصوص القراءة تتحدث عن "الجمل" وعن "الصحراء"، ولا تتحدث عن "الكومبيوتر" و"الفضاء"... والآن حطموا المدرسة الأساسية من أجل التطور، فأين هو التطور ؟ وتطوُّر لغوي يجعل التلميذ يتعلم أن "البيتزا" التي أكلها مرارا اسمها "البيتزا" وليس شيئا آخر، وتطوُّر فكري يجعله يرى بائع البيتزا دبا أحمقا، أو في أقل الأحوال يجعله يصرف النظر عن كون الطبخ مهنة النساء...


تم قراءة المقال 2549 مرة