قيم الموضوع
(0 أصوات)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فقح استُشكِل كون الصيام والقيام كفارة لجميع الذنوب إذا تحقق فيه شرطا الايمان والاحتساب على وجه الكمال، وعورض بحديث :"كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكفارة" إعمالا لعمومه وترجيحا له على غيره؛ فأردت أن أوضح أن عموم هذا الحديث لجميع الصائمين غير مراد؛ وأنه خاص برتبة من رتبهم ليس إلا، كما أن الأحاديث الأخرى الواردة في الباب تنطبق على رتب أخرى، أدنى منها وأعلى ولنبدأ بأدنى الرتب..
فالأولى: رتبة الصائم الذي أفسد صومه في يوم أو أكثر بلا عذر بأحد المفطرات الحسية، فيحرم نفسه من الأجر بل يأثم إثما عظيما مع وجوب القضاء أو القضاء والكفارة؛ وفي مثله ورد حديث أبي أمامة في عذاب القبر:" ثُمَّ انْطَلَقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ"(رواه ابن خزيمة)...ومثل هذا لا يدخل في حديث التكفير المتوهم عمومه قطعا.
والثانية: رتبة الصائم الذي ليس له من صومه إلا الجوع العطش كما جاء في الحديث، فارق الأول بترك المفطرات الحسية، ولكنه انتهك حرمته بالمفطرات المعنوية من أنواع الزور والباطل من صغائر الذنوب وكبائرها ...فهذا صومه صوم مجزئ لا يجب عليه قضاء ولا كفارة، إلا أنه قارف من المعاصي ما جعل أجر صيامه ينقص بقدر معاصيه؛ حتى ضعف وخف وزنه فلم يقوى على محو صغيرة ولا كبيرة...وهذا أيضا لا يدخل في الحديث.
والثالثة: رتبة الصائم الذي جاهد نفسه فاجتنب المفطرات الحسية والمعنوية، فهذا يكون صومه بإذن الله تعالى صحيحا مجزئا مقبولا ويكون أجره كاملا، ووزنه ثقيلا فيكفر الصغائر التي اقترفت في رمضان، فإن كان العبد مع ذلك قد اجتنب الكبائر في عامه كله كان صومه كفارة لجميع خطاياه فيه ..وهذا هو المعنى المراد بالحديث.
والرابعة: رتبة الصائم الذي لم ينتهك حرمة رمضان كالسابق، وزاد عليه استصحاب الرضا والفرح بهذه العبادة ، والحرص على الاكثار من نوافل الأعمال الصالحة احتسابا للأجر والمغفرة، فلا يضيع وقتا ولا يشغل نفسه بلهو ولا غيره، ولا تظهر منه شكوى ولا ضجر، فحقق الايمان والاحتساب لا بالمعنى الذي يشترك فيه جميع المسلمين؛ بل بالمعنى الصحيح التام الكامل ..فهذه رتبة أعلى من السابقة وصاحبها يستحق أكثر مما استحقه الأول من الأجر والثواب والمغفرة؛ وهو ما بينه حديث :"غفر له ما تقدم من ذنبه" بعمومه للذنوب الصغائر والكبائر مع الإطلاق عن قيد الزمن ...نسأل الله الغفور الرحيم أن يشملنا برحمته وعفوه وستره في هذه الليالي المباركات، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا ..

تم قراءة المقال 1778 مرة