طباعة
الجمعة 30 رجب 1440

خواطر حول المؤامرة على المنظومة التربوية في الجزائر (المجموعة الثالثة) مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

خواطر حول المؤامرة على المنظومة التربوية في الجزائر (المجموعة الثالثة)

الخاطرة الحادية عشر : أنا ضد التقاعد المسبق للمعلمين
    كلمة كتمتها طويلا حتى ضاق بها صدري فلابد أن أبوح بها، واعتذر لإخواني المعلمين اعتذارا مسبقا، ولكن هي كلمة لابد أن تقال...إن ميدان التعليم اليوم هو ميدان حرب منهجية وصراع فكري، ونحن نشاهد الاحتلال الثقافي عيانا، والمؤامرات ضد الهوية صارت تحاك في وضح النهار...الأمر الذي كان يستدعي منا الصبر في الكفاح والجلد في النضال والتآزر في المواقف، من جميع فئات الأمة، ومن الجهاز الفعال في قطاع التربية على وجه الخصوص، وهم أساتذة التعليم ...ولكن مع الأسف في كل مراحل التحطيم الممنهج للمدرسة، كان أكثر المعلمين خارج المجال ...حرموا من الحقوق فلم يشتغلوا إلا بالمطالبة بها ...اشتريت ذمم كثير من ممثليهم فقالوا إن قضايا المناهج والبرامج قضايا سياسية لا شأن للمعلم بها ...ورغم غياب المعلمين أو تغييبهم عن المشورة ؛ فقد بقي مشروع التغريب متعثرا ...لأن المشروع التغريبي لا ينجح بأداة غير مؤمنة به...فيقول منظرهم من وراء البحار:" إن هؤلاء المعلمين المعربين فكريا وثقافيا لا يمكن التعويل عليهم في هدم المدرسة؛ لأن فساد البرامج قد يجبر بكفاءة الأستاذ ذي الخبرة والتجربة، والمشكلة تتعاظم بأن وجود هؤلاء في القطاع يمكنهم من نقل فكرهم وخبرتهم إلى غيرهم من معلمي الجيل الجديد ...فلابد من سرعة التخلص منهم" ...كيف ...أشاعوا أن التقاعد المسبق والنسبي سيلغى ..(قبل أن يصبح حقيقة)... فسارع الأساتذة إلى طلبه قبل إلغائه...لأن كثيرا منهم سئم عيشة الضنك في هذا القطاع ...المنطق يقول : "إن القطاع في حاجة إليهم ...والفراغ الذي يتركونه كبير لا يمكن سده ...والميزانية ضعيفة ....والتقشف ...الأستاذ الجديد لابد له من تكوين" ....ومع ذلك قالوا :" مرحبا بطلبات التقاعد المسبق...ونحن نعترف أن التعليم صيرناه عذابا وحجيما وليس فقط مهنة شاقة" ...أيها المعلمون أنتم في ساحة الوغى وأنا أرى التقاعد هروبا منه....لست أنا الذي قال هذا ...ولكن هذا حوار بين معلمين ضاق أحدهما ذرعا من سياسة فرنسا في الجزائر...كان الإبراهيمي رحمه الله يومها مصمِّما على الخروج من الجزائر: فقال له الشيخ ابن باديس:"إنّ خروجك يا فلان أو خروجي يكتبه الله فرارا من الزّحف" ! قال الإبراهيمي:" فوالّذي وهب له العلم والبيان، لقد كانت كلمته تلك شؤبوبا من الماء صبّ على اللّهب". وقال الشّيخ ابن باديس :" فرجعنا إلى الوطن بقصد خدمته فنحن لا نهاجر، نحن حرّاس الإسلام والعربيّة والقوميّة بجميع مدعماتها في هذا الوطن" ويا أيها المعلمون أنتم اليوم الحراس في هذا الوطن فلا تهجروا المدرسة.

الخاطرة الثانية عشر : الماسونية في المدرسة

في 22 جانفي 2017، الوزيرة بن غبريط تعلن أن الماسونية منتشرة في الوسط المدرسي وتحمل الأولياء المسؤولية الذين لا يراقبون المضامين الاعلامية التي يتلقاها التلاميذ من الانترنت، طبعا الماسونية ليست منتشرة ولكن هناك من يريد لها الانتشار ، ولو كانت فعلا موجودة بالحجم الذي يستحق الانذار لكانت الوزيرة آخر من يعلم بدليل :
ـأنه في 10 جويلية 2017 أعلنت  الصحافة عن :"فضيحة في بيت بن غبريط" حيث وزعت الوزارة قرصا في اطار تكوين أساتذة الطور الابتدائي متعلق بمرحلة المراهقة التي حسب الفيديو تبدأ في سن 11 أي عند خروج الطفا من الابتدائي (وهذا من الغرائب ولعل الخلل في فهمي) هذا القرص تحوي مادته مجموعة من رموز الماسونية وأفكارها، وهذا التكوين يدخل في مسمى الجيل الثاني الذي لا يقتصر فقط على البرامج ولكن هو يركز أكثر على من يطبق البرامج وهم خريجو مدرسة الجيل الأول ، (والفرق بين الجيلين هو اتباع سنة التخلية ثم التحلية)..هل كان للوزارة من جواب؟
ننتظر إلى غاية 20 جويلية 2017 لتقول لنا الوزيرة :"تم تهويل قضية الماسونية" والحقيقة أن توزيع القرض جرم بدليل ملموس مثله مثل جعل القدس عاصمة اسرائيل، فلا يصح يقال عنه إنه تهويل ...التهويل هو عندما نقول إن الماسونية منتشرة في الوسط المدرسي. وفي اطار التهدئة يصرح المفتش العام بأنه لا علم به بمحتوى القرص ؟ (رب عذر اقبح من ذنب) وأعلن عن فتح تحقيق وسيكون قريبا على طاولة الوزيرة ..وقد مضى قرابة شهر عن الفضيحة، ولم تظهر نتائج التحقيق ؟؟
   والنتيجة لن تخرج عن كونها خطأ غير مقصود -مثل قضية القدس –سيقولون اعتمدنا على برامج جاهزة على النت " وهناك من ألمح لهذا مع انطلاق التحقيق، وهنا نقول كان على الوزيرة إذن توجيه تحذيرها للمفتشين المكونين التربويين لا للأولياء الذين تتفاوت مستوياتهم وأكثرهم لا يعرف الماسونية ولا افكارها. وأما تحديد هوية المسؤول عن الخطأ وهل سيعاقب ؟ فذلك دونه خرط القتاد وضرب من المحال ، ولا أدري هل يمكن للجزائر أن تعاقب الفاعل الغافل إذا كان فرنسيا مثلا ؟ وهذا احتمال وارد، فقد يكون أصل الشريط معتمدا في فرنسا الماسونية واكتفى المغفل بترجمته دون التنبه لرموزه ..واستقبله المغفلون التربويون ووزعوا مادته هذه؛ رغم كونه متعلقا بفئة المراهقين في المتوسطة والثانوية ..لا اطفال الابتدائي (طبعا حسب مفهوم المراهقة وسنها المحدد في الشريط)
في تقديري أن الذي حدث جريمة يعاقب عليها المتعمد، ويعاقب عليها أيضا الغافل المهمل والجاهل الذي يحتل منصبا ليس جديرا به.

الخاطرة الثالثة عشر : اللغة العربية والأدب والعقل
نظرت في مخرجات المنظومة الجديدة في جيلها الأول وما انتجته على المستوى الاجتماعي والجامعي ...فرأيت أن مخطط الاصلاحات الزائغة لم يصب شيئا من أهدافه المرسومة وغاياته المزعومة.. فقد زعم المصلحون أن المنهج الفرنسي في الحقبة الاستعمارية كان كفيلا بموضوع التربية الأخلاقية دون أن تحفه مخاطر الإرهاب، كما زعموا أن اللغة الفرنسية هي لغة التطور والعلم التي ينبغي اعتمادها، وبغض النظر عما صنع في هذا الاتجاه أو ذاك، فإننا نرى المصلحين لم ينجحوا في شيء من رموا إليه بعد قرابة عقدين، نعم نجحوا في إضعاف اللغة العربية ، لكن اللغة الفرنسية لم تعرف أي تقدم في مستوى مخرجاتهم بل قد زادوها ضعفا إلى ضعف...نعم قد نجحوا في القضاء على الآداب العامة التقليدية -كما نراه جليا في المدرسة وخارجها-؛ تلك الآداب التي كان كثير منها يتلقى من نصوص الأدب العربي من نثر وشعر، ومن دروس التربية الإسلامية، ولم يحلوا مكانها لا أدبا لا فرنسيا ولا غيره، ولا حداثيا ولا غيره.
    إن اللغة هي الأدب وهي العقل أيضا، فمن يحارب اللغة العربية فإنما يحارب الأدب الذي تحمله والوعاء الذي تضمنها، ومن أضعفها فقد أضعف عقل النشء الجزائري، ومن ضعف عقله لا يمكن أن يفلح لا في الآداب ولا الطب ولا التكنولوجيا ..يا خلفاء فرنسا إن العقل الجزائري عربي؛ ولا يمكن أن يكون فرنسيا حتى لو أثقلت برامج التلاميذ بمقررات اللغة الفرنسية والمناهج الفرنسية، وأنتم تعلمون أنه لن يصبح فرنسيا إلا بإحلال اللغة الفرنسية بدلا عن العربية إحلالا تاما، وأنتم تعلمون أن ذلك غير ممكن .. .فلم الاصرار على الإفساد؟ ثم العبث في الافساد المسمى إصلاحا؟؟
    إني أخشى أن يكون مبدأ دعاة تغريب التعليم هو نفسه مبدأ دعاة التنصير الذي اعلنه زويمر حين قال إن إخراج المسلم عن دينه وإدخاله في النصرانية يعد تكريما له ؛ ونحن نريد أن نخرجه من دينه حتى يصير مخلوقا لا علاقة له بالحضارة والتطور ...
الخاطرة الرابعة عشرة : المقاومة الفعالة
    أنجزت لجنة بن زاغو عملا ضخما احتوى دراسات عديدة، ولا شك أنها تضمنت إحصاءات واستبيانات وتحليلات ومقترحات، فضلا عن خطوات ووسائل تجسيد المقتراحات، ونحن نرى لبعض أعضاء اللجنة أعمالا منشورة ضمن أعمال فرق بحث مستقلة، أو تابعة لمراكز بحثية، أو منشورة تحت رعاية اليونسكو...الخ .
   المهم أن الطرف المنقلب على الهوية العربية الإسلامية؛ قد جهز باحثين ضمن لجان ومراكز بحث وقدم دراسات تلتها دراسات أخرى (وما زال ينتج)، ومنها ما هو منشور متاح للجميع ومنها ما بقي محفوظا متداولا في نطاق ضيق ...وهم يعملون وفق سنة التدرج لأن تغيير عقلية مجتمع ونمط تفكيره ولغته ومفهوم التدين عند أفراده ليس أمرا سهلا، ولذلك حرصوا على استغلال عوامل خارج قطاع التربية لانجاح المشروع كقطاع الإعلام وغيره ...
   أما نحن فبقينا أسارى ردود الأفعال الآنية ضد تصريحات عارضة، أو قرارات جزئية جدا لا تعبر عن عمق القضية ..ردود أفعال لا تعدو أن تكون مجرد تفريج عن ضغط نفسي نعيشه في لحظات معينة ..لكن سرعان تبرد الهمم ونعود إلى حالة الصمت والركود...ثم نتفاجأ بالتطبيق العملي التدريجي لكل ما قيل صراحة أو سرب في شكل إشاعة ..ففرنسة العلوم في المستوى الثانوي قضية وقت وإمكانات، ونحن الآن نعايش برضا تام ما هو موجود في التعليم الابتدائي من خطوات في هذا الاتجاه، وهي غير خافية ..وإحلال العامية مكان الفصحى قضية وقت..وقد شرع في تطبيقها تدريجيا في كتب الجيل الثاني.
...والرافضون للمشروع التغريبي اقتصروا في أول الأمر على جمع التوقيعات ..ثم ركنوا إلى البيانات والتغريدات والتصريحات ..وفي تقديري أن صاحب العقل أو القرار أو من يحكم بين الطرفين، لن يقبل الموازنة بين أعمال توصف بأنها علمية وأكاديمية يصدرها باحثون ومدعمة ببراهين سواء كانت صادقة أو كاذبة..وبين بيانات وتصريحات كلها تصب في وصف تلك الأعمال أنها مؤامرة على الهوية وارتماء في أحضان الفرنكوفونية أو قدحا في الشخص المنفذ أو أجداده ..أما توقيعات من يعتبرونهم غوغاء وقُصّر الذين طالما أساؤوا الاختيار فلا مجال للحديث عنها..لأن مشروع التغريب كله مبني على تغيير عقلية الجيل الجديد حتى لا يكون قاصرا وغوغائيا مثل آبائه وأجداده..
    حركت "جوجل" هذه الأيام باللغة الفرنسية بحثا عن أشياء معينة؛ فظهرت لي نتائج لم أقصدها ..فخطرت لي هذه الخاطرة وقلت: أين هي البحوث والدراسات التي تكشف ستر الاصلاحات المزعومة، والتي تهدم التحليلات المُقدَّمة من طرف لجنة بن زاغو في تشخيص علل المدرسة الجزائرية وطرق علاجها ..فإذا قيل الدراسات موجودة .. قيل: فأين هي مراكز البحث المختصة التي تجمع هذه الدراسات وتنقحها وتنشرها ورقيا وإلكترونيا؟ ..أين هي وسائل الإعلام التي تشيد بالبحوث الجادة فعلا وبالباحثين الأكفاء وبالمراكز وفرق البحث المهتمة بالموضوع ؟ إن كانت موجودة فعلا نحن نريد أن تدلنا عليها محركات البحث؟ ونحن نريدها باللغة العربية وباللغة الفرنسية أيضا.
     وفي هذا السياق أظن أن العمل الذي قدمته جمعية العلماء للوزارة ...حتى تظهر قيمته وحتى يظهر جزء من الفساد الموجود في المنظومة التربوية..وحتى يحفظ أيضا لابد من نشره ..في أقرب الآجال ..
    كتبت قبل سنتين مقالا عنوانه "نريد فعلا لا انفعالا" تخلل سلسلة مقالات حول المنظومة التربوية...كنت ألمحت فيه إلى بعض ما هو أعلاه...لكني رأيت التلميح أحيانا لا يغني عن التصريح.    


تم قراءة المقال 1384 مرة