طباعة
الخميس 29 شوال 1431

أحاديث ضعيفة من كتاب الحج وأثرها في الفقه (1)

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن التزام الصحة فيما يستدل به من السنة النبوية من أهم الأصول الفقهية المتفق عليها، وكثيرا ما يكون من أسباب الاختلاف بين العلماء في الفقه الاختلاف في صحة الأخبار والآثار الواردة في ذلك الباب، وقد رأيت أن أنتخب من أبواب الحج أحاديث ضعيفة أشرح عللها، وأردف ذلك ببيان أثرها في المسائل الفقهية، نسأل الله تعالى أن ينفع بها.

   ونبدأ في هذه الحلقة ببابين : باب حكم تارك الحج ، وباب حكم تعجيل الحج.

 

 
1-باب حكم تارك الحج

الحديث الأول :

                   "مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا".

 

أحاديث ضعيفة من كتاب الحج وأثرها في الفقه (1)

 

رواه الترمذي (812) والبزار (861) من طريق هِلَال بْن عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَقَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).

قال الترمذي :" هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ وَالْحَارِثُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ". والحارث هو الأعور.

وهلال بن عبد الله قال فيه ابن عدي:" يعرف بهذا الحديث وليس الحديث بمحفوظ"، وقال العقيلي:"لا يتابع عليه".

الحديث الثاني :

                " من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا".

أخرجه البيهقي (8443) من طريق شريك عن ليث عن ابن سابط عن أبي أمامة مرفوعا.

  قال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/223):" وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ وَشَرِيكٌ سيء الْحِفْظِ وَقَدْ خَالَفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَأَرْسَلَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". وتابع سفيان على إرساله أبو الأحوص سلام بن سليم عند ابن أبي شيبة (14450)

وقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ والعقيلي:" لَا يَصح فِي هَذَا شَيْء". أي في هذا الباب، انظر البدر المنير (6/45) والتلخيص الحبير (2/223)

والذي صح فيه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" ليمت يهوديا أو نصرانيا رجل مات ولم يحج، وجد لذلك سعة وخليت سبيله"

رواه البيهقي (8444) ونحوه في مصنف ابن أبي شيبة (14455 ،14456) وصححه ابن كثير في التفسير (1/387).

 

فقه الأحاديث

 

   استدل بهذين الحديثين من رأى تكفير تارك الحج إذا كان عازما على تركه أبدا، وقد علم ما فيهما.

والصحيح أنه لا يكفر ما دام مقرا بالوجوب كما هو مذهب الجمهور.

والأصل في هذا الباب قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:97)

ومعنى قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) كما قال ابن عباس وغيره ومن كفر بفرض الحج ولم يره واجبا ([1]).

وأما الأثر الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخرج مخرج التغليط.

 

 

2-باب : حكم تعجيل الحج

 

الحديث الثالث :

                    " مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ"

   أخرجه أبو داود (1732) عن مِهْرَانَ أَبِي صَفْوَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وقد ضعفه النووي في شرح المهذب (7/102) بجهالة مهران.

   وقد سئل أبو زرعة عن مهران أبى صفوان فقال:" لا أعرفه إلا في هذا الحديث". وجهالة مهران جهالة عين فلا ينفعه ذكر ابن حبان له في الثقات، ولذلك قال الذهبي لا يدرى من هو، وقال ابن حجر في التقريب مجهول.

ومن كان حاله كذلك فإنه حديثه ضعيف جدا لأنهلا تعلم عدالته ولا يمكن الوقوف على درجة حفظه.

الحديث الثالث :

                    " مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ".

أخرجه أحمد (1/214، 355) وابن ماجة (2883) من طريق إِسْمَاعِيل أَبي إِسْرَائِيل الملائي عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ .

وأخرجه أحمد (1/313) من الطريق نفسه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مرفوعا:" تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ".

وفي رواية للبيهقي (8477) :"عجلوا الخروج إلى مكة فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة"

   وأبو إسرائيل هذا هو إسماعيل بن خليفة من غلاة الشيعة تركه ابن مهدي، وقال ابن عدي يخالف في حديثه، وقال ابن المبارك: لقد من الله على المسلمين بسوء حفظ أبى إسرائيل. ولخص ابن حجر أقوال العلماء فيه بأنه صدوق سيء الحفظ.

   فإن قيل أفلا يمكن أن يتقوى بما قبله ، قيل نعم من ضعف حديثه من قبل حفظه، ولم يكن شديد الضعف جاز أن يتقوى حديثه بالشواهد والمتابعات، بشرط أن لا تكون ضعيفة جدا واهية، والحديث الذي قبله ليس كذلك لأن فيه مجهولا جهالة عين، وحديث من حاله كذلك لا يقبل التقوية.

 

 فقه هذه الأحاديث

يستدل بهذه الأحاديث والتي قبلها أيضا من يرى وجوب الحج على الفور، وقد علم ما فيها فلا حجة فيها.

ومنهم من حمل الحديثين على فرض صحتهما أو تحسين أحدهما بالآخر على الاستحباب، ولا خلاف فيه.

   وإذا نظرنا إلى تبويب المحدثين المتقدمين لهذا الحديث فإننا نجد أبا داود قد بيض للباب، وأما ابن أبي شيبة فأخرج الحديث الأول (3/227) في باب : سُرْعَةِ السَّيْرِ فِي الْحَجِّ، وأما ابن ماجة فأخرج الحديث الثاني في باب الخروج إلى الحج. وهذا يدل على أنهما لم يفهما منه أن الحج على الفور، وإنما هو تعجيل الخروج والسير لمن عزم على الحج، ورواية البيهقي المذكورة تؤكده أعني التي فيها "عجلوا الخروج إلى مكة"  

    والصحيح أن الحج واجب وجوبا مطلقا يستحب تعجيله ولا يجب.

والأصل في هذا الباب قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:97) وهذا أمر والأمر المطلق يدل على مطلق الطلب بلا فور ولا تكرار.

ويؤكد ذلك:

1-أن الحج قد فرض قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم أي قبل سنة عشر بسنة أو سنتين،أو قبل ذلك، ولو كان على الفور لما أخره النبي صلى اله عليه وسلم ولو أخره لعذر لبينه، فإن قيل : إنما تأخر من أجل استقبال الوفود، أو لكونه توقع حج المشركين سنة تسع فأراد أن يجتنبهم، وهذا لا دليل عليه، ولو ثبت أنها كانت علل التأخير لكان ذلك دليلا على أنه لم يجب عليه الحج فورا، لأنه ليس بمثل هذه الأعذار تترك الواجبات.

   قال الشافعي :" نزلت فريضة الحج بعد الهجرة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحاج وتخلف هو عن الحج بالمدينة بعد منصرفه من تبوك لا محاربا ولا مشغولا وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا كما تقولون لم يتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرض عليه لأنه لم يصل إلى الحج بعد فرض الحج إلا في حجة الإسلام التي يقال لها حجة الوداع ولم يدع مسلما يتخلف عن فرض الله تعالى عليه وهو قادر عليه ومعهم ألوف كلهم قادر عليه لم يحج بعد فريضة الحج"([2]).

2-ويدل على كون الحج فرض قبل سنة عشر خبر ضمام بن ثعلبة (وهو من بني سعد بن بكر) أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ صَدَقَ قَالَ ثُمَّ وَلَّى قَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ ([3]).

وقد اختلف في السنة التي وفد فيها ضمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ([4]) :

فقيل أنه وفد سنة خمس أي بعد غزوة الخندق قاله الواقدي.

وقيل سنة تسع وقد رجحه ابن حجر.

وقيل سنة سبع، وهذا الأخير قوي جدا، لأن قبيلته أسلمت بعد حنين أي سنة ثمان.

وإذا صح هذا الأخير تتبين قوة القول المشهور من أن الحج فرض سنة ست.

3-ومن الفقهاء من احتج بأنه إن أخره العام بعد العام لا يسمى فاسقا باتفاق الناس ولا ترد شهادته، وأنه إذا حج كان مؤديا لا قاضيا([5]).

4-وإن قيل قد أثبتم الأثر الموقوف عن عمر (المذكور في الباب الأول)، قيل لا حجة فيه على القول بالفورية لأن نص على تأثيم من أخره حتى مات، وخلافنا هو فيما هو أعم من ذلك ، وممن قال بالتراخي من يرى تأثيم من مات ولم يحج منهم من يقول إن كان عازما الحج لم يأثم مطلقا وهو الصحيح ، ومن الفقهاء من نقل القول بالتراخي عن جابر وابن عباس وأنس وإذا ثبت هذا عادت المسألة الخلافية، والمرجع قبل هذا وبعده على كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

 



[1]/ تفسير القرطبي (4/153).

[2]/ الأم (2/118) وانظر الحاوي (4/24).

[3]/ مسلم (12) عن أنس ، ولم ترد تسمية ضمام عند مسلم وإنما وردت عند البخاري (63) وغيره ولم يرد فيه ذكر الحج! انظر مجموع الفتاوى (7/601).

[4]/ التمهيد لابن عبد البر (16/167) الإصابة (3/487) تفسير القرطبي (4/144).

[5]/ وقال سحنون من بلغ الستين ولم يحج مع القدرة فسق وردت شهادته واحتج له بحديث :» أعمار أمتي  ما بين ستين إلى سبعين وأقلهم من يجوز ذلك« رواه الترمذي (2331، 3550) وابن ماجة (4236) وصححه ابن حبان (2980) والحاكم (3598) على شرط مسلم والألباني في الصحيحة (757) ورده الحافظ ابن عبد البر والقرطبي بأنه خرج مخرج الغالب. وقال ابن عبد البر في التمهيد (16/164):" لا أعلم أحدا قال أنه يفسق وترد شهادته إذا جاوز الستين غير سحنون وهذا توقيت لا يجب إلا بتوقيف ممن يجب التسليم له وكل من قال بالتراخي في هذه المسألة لا يحد في ذلك حدا والحدود في الشرع لا تؤخذ إلا عمن له أن يشرع والله أعلم... لأنه من الأغلب أيضا ولا ينبغي أن يقطع بتفسيق من صحت عدالته ودينه وأمانته بمثل هذا من التأويل الضعيف" وانظر تفسير القرطبي (4/145)

تم قراءة المقال 6738 مرة