الدرس الثالث عشر : صفتا الغنى والرزق
من الصفات التي يتّصف بها الله تعالى صفةُ الغنى ومن أسمائه الحسنى الغني، يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (فاطر:15)، وقال صلى الله عليه وسلم :« ومن يستغن يغنه الله » (متفق عليه). وغناه تعالى مطلق من كل الوجوه:
1-فمن غناه سبحانه استغناؤه عن غيره، إذ هو قائم بنفسه غير محتاج إلى شريك ولا إلى ولد أو معين، خلقنا والجن والملائكة للعبادة؛ وهو غني عن عبادتنا، كما قال جل شأنه في الحديث القدسي:« يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا» رواه مسلم.
2-ومن غناه أنّ له ملك السموات والأرض ومن فيهن، قال تعالى : (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ) (المنافقون:7)، وأنّ ملكه هذا لا يفنى بل لا ينقُص مهما أعطى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:« يَمِينُ اللهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ» (متفق عليه)، ويقول الله سبحانه في الحديث القدسي السابق :« يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ».
3-ومن غناه سبحانه أنه هو الذي يرزق جميعَ أهل الأرض مؤمنَهم وكافرَهم، بل ويرزق كلّ دابة، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات:56-58)، وقال جلّ شأنه : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (هود:6)، ورزقه سبحانه متعلّق بمشيئة، ومشيئته مرتبطة بحكمته وعدله، قال سبحانه: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (العنكبوت:62)، فالله تعالى يعطي العبد امتحانا له كما يمنعه امتحانا له، ويعطيه استدراجا له وإقامة للحجة عليه، ويمنعه لعلّه يتذكر أو يخشى، ويزيد العبد جزاء شكره، وينقصه أو يمنعه جزاء كفره...كل ذلك وغيره في علم الله تعالى .
ثمرات الإيمان بصفتي الغنى والرزق
1-الرجوع إلى الله تعالى في طلب الرزق لا إلى سكان القبور أو الأصنام أو النجوم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (العنكبوت:17).
2-من مُنع خيرا و لم يُستجَب لدعائه فليراجع نفسه؛ لأنّ الله تعالى غني كريم، يقول سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186).
3-وإذا أنعم الله تعالى نعمة، فإنه يجب شكرها والاعتراف بها، ومن شكرها معرفة قدرها ووضعها في موضعها، قال تعالى: (فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (الأنفال:26).
4-ومن الإيمان بصفة الرزق ومن معاني الشكر؛ الإنفاق في سبيل الله بلا خوف، قال سبحانه: (ومَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (سبأ:39).
5-الحذر من ترك الطاعة والعبادة من أجل بعض أسباب الرزق، قال تعالى: (قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (الجمعة:11).
6-عدم تحديد النسل خوفا من الفقر لأن لكل رزقه المقدر، قال سبحانه: ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (الإسراء:31).