الدرس الثامن عشر (18) صفة الوجه وإثبات الرؤية
من الصفات الذاتية لله سبحانه وتعالى الثابتة في الكتاب والسنة صفة الوجه، فينبغي الإيمان بها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، قال تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ ) (الرحمن:26-27).
ثمرات الإيمان بصفة الوجه
1-زيادة تعظيم الإله سبحانه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» رواه مسلم.
2-قصد وجهه سبحانه بالأعمال الصالحة، قال تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (القصص:88) المعنى إلا ما قصد به وجهه، وقال سبحانه: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) (الروم: 39)، وقال صلى الله عليه وسلم :« فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ» متفق عليه.
3-الاستعاذة بوجهه سبحانه، عن جابر رضي الله عنه قال : لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ) قال النبي صلى الله عليه وسلم :« أعوذ بوجهك »، فقال : ( أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) فقال :« أعوذ بوجهك »، فقال: (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) (الأنعام:65)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« هذا أيسر » رواه البخاري.
4-الطمع في رؤية الله تعالى، وقد جاء في الحديث:« وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» رواه النسائي وصححه الألباني. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» متفق عليه.
أدلة إثبات رؤية الله تعالى يوم القيامة
يدل على إثبات رؤية الله تعالى يوم القيامة :
1-قول الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (القيامة:22-23) المعنى وجوه حسنة بهية مبتهجة تنظر إلى ربها.
2-وقوله عز وجل عن الفجار المكذبين : ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) (المطففين:15) مفهومه أن الأبرار المؤمنين لا يحجبون.
3-وعن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ» ثم تلا هذه الآية : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) (يونس:26) رواه مسلم.
4-عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أناسا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ» قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ» قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ » متفق عليه.
5-وأما قوله سبحانه : (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) (الأعراف:143) فهو يدل على أن رؤية الله ممكنة في ذاتها وذلك أن موسى عليه السلام قد سألها وأنه تعالى قد تجلي للجبل، وإنما هي ممتنعة في الدنيا لعدم قدرة الخلق على تحملها، وهذا الجبل مع صلابته تفتت واندك من جلال الله.