الدرس الثامن والأربعون (48): مجمل الاعتقاد في القدر
1-الإيمان بالقدر من الإيمان بالله تعالى :
إذ هو مبني على الإيمان بكمال قدرته وشمول علمه ونفوذ إرادته وعلى إثبات حكمته وعدله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ) (الطلاق:12).
2-فنعتقد بأن الله تعالى علم ما كان قبل أن يكون وعلم ما سيكون، وما الناس عاملون وما هم إليه صائرون وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض:
قال تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يس:12)، وقال: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) (الأنعام:38)، وقال صلى الله عليه وسلم :« كَتَبَ اللَّهُ مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ...وَكَانَ عَرْشُهُ على المَاء»» رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ اكْتُبْ فَقَالَ مَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبِ الْقَدَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ» رواه أبو داود والترمذي وصححه.
3-وأن الكتابة والتقدير لا تنفي العمل ولا تبطل الشرع :
قال صلى الله عليه وسلم :« مَا مِنْكُم من أحد مَا من نفس منفوسة إِلَّا كتب مَكَانهَا من الْجنَّة وَالنَّار وَإِلَّا قد كتب شقية أَو سعيدة فَقَالَ رجل يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدع الْعَمَل فَمن كَانَ منا من أهل السَّعَادَة فسيصير إِلَى عمل أهل السَّعَادَة وَأما من كَانَ منا من أهل الشقاوة فسيصير إِلَى عمل أهل الشقاوة...أما أهل السَّعَادَة فييسرون لعمل السَّعَادَة وَأما أهل الشقاوة فييسرون لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ» متفق عليه.
4-وأن الناس محاسبون على ما عملوا لا على مجرد علم الله:
قال تعالى : ( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (آل عمران:182)، وقال سبحانه : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (فصلت:46)، وقال صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين :« الله أعلم بما كانوا عاملين » رواه البخاري، ولكن مع ذلك سيمتحنهم الله تعالى يوم القيامة ، فيكون جزاؤهم على اختيارهم لا على مجرد علم الله بما كانوا عاملين.
5-وأن الناس مختارون قادرون على فعل المأمور وترك المحظور:
قال تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف:29)، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة:286)، وقال : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)(فاطر:37).
6-وأن كل شيء يجري بمشيئة الله تعالى النافذة ولا مشيئة للعباد إلا بعد مشيئته سبحانه :
قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير:29)، وقال : (وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة:253)، وقال : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ) (الأنعام:35).
7-وأن أعمال العباد كلها خلقها الله تعالى وأرادها ولا ينسب إليه الشر منها، وليس كل ما أراده أحبه ولا كل ما قدره شرعه :
قال تعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (الصافات:96)، وقال سبحانه : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً. مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (النساء:78-79)، وقال تعالى : ( وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190)، وقال سبحانه : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُون) (الأعراف:28).