طباعة
الأربعاء 22 ذو القعدة 1432

(1) شرح منهج السالكين : المقدمة

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين  

   الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد  أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم.

 

  بعد الحمد والثناء وضع المصنف مقدمة بين فيها مميزات هذا الكتاب ، ومعنى الفقه، والأحكام التكليفية، وحكم تعلم الفقه، ومعنى الشهادتين .

 

(1) شرح منهج السالكين : المقدمة

 

 

[مميزات الكتاب]

 

1-أما بعد فهذا كتاب مختصر في الفقه جمعت فيه بين المسائل والدلائل، واقتصرت فيه على أهم الأمور وأعظمها نفعا، لشدة الضرورة إلى هذا الموضوع، وكثيرا ما أقتصر على النص إذا كان الحكم فيه واضحا، لسهولة حفظه وفهمه على المبتدئين ، لأن العلم معرفة الحق بدليله .

 

ذكر المصنف هنا مميزات الكتاب وهي ثلاث ميزات:

 

الأولى: الجمع بين المسائل والدلائل، بل قد يقتصر على الدليل حين يكون الحكم واضحا.

 

الثانية: عدم تكثير المسائل حرصا على الاختصار واقتصارا على الأهم والأعظم نفعا .

 

ومختصرات المتأخرين مخالفة لهذا المنهج فتجدهم لا يذكرون الأدلة طلبا للاختصار ، في حين يذكرون المسائل الكثيرة التي يصعب استيعابها على المبتدئين (لأنهم يختصرون ألفاظ المطولات) مع أن المختصرات وضعت للمبتدئ لا للمنتهي، وهذه من مساوئ التأليف عند المتأخرين.

 

والثالثة: وهي ميزة مهمة جدا، هو عدم تقيده بمذهب معين، فالمؤلف وإن نشأ حنبليا إلا أنه ألف هذا الكتاب على وفق ما ترجح لديه، وهذه المصنفات يؤخذ منها علم وتربية وهذه الطريقة تربي على تعظيم الدليل والطريقة الأخرى تربي على تعظيم المذهب.

 

  والمصنف بلغ رتبة الاجتهاد، كما شهد له بذلك غير واحد من أهل العلم وتدل عليه مؤلفاته قال تلميذه العلامة البسام:« فخرج عن طور التقليد إلى طور الاجتهاد المفيد، فصار يرجح من الأقوال ما رجحه الدليل وصدقه التعليل».

[معنى الفقه]

 2-والفقه: معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بأدلتها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح ، واقتصر على الأدلة المشهورة خوفا من التطويل، وإذا كانت المسألة خلافية اقتصرت على القول الذي ترجح عندي تبعا للأدلة الشرعية . 

الفقه في اللغة هو الفهم قال تعالى : (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ ) (هود:91) وفي لغة الشرع هو معرفة أحكام الله تعالى سواء كان علمية أو عملية والعقيدة هي الفقه الأكبر. 

وفي الاصطلاح كما ذكر المصنف هو "معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بأدلتها" وفيه قيدان مهمان: 

-الأول تقييد الأحكام الشرعية بالعملية دون العلمية الاعتقادية، وقوله الفرعية منتقد من جهة أن المسائل الفقهية منها ما هو فرعي ومنها ما هو أصلي، وكذلك أحكام العقيدة منها الأصول والفروع لذلك فالتعبير بالعملية أسلم. 

-الثاني: تقييد حصول هذا العلم بالأدلة التفصيلية المستمدة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح، وفيه احتراز عن علم المقلد الذي لا يبنى على الدليل وعلمه لا يسمى فقها في الاصطلاح بل يسمى علم الفروع وأهلها أهل الفروع. 

[الأحكام التكليفية الخمسة]
 

3-الأحكام خمسة :

 

-الواجب : هو ما أثيب فاعله وعوقب تاركه ، والحرام : ضده.

 

-والمسنون : ما أثيب فاعله ولم يعاقب تاركه ، والمكروه : ضده.

 

-والمباح : هو الذي فعله وتركه على حد سواء .

 

وهذه الفقرة المراد بها بيان معنى الأحكام التكليفية الخمسة المشتملة على الطلب والإذن، وبيان معاني هذه الأحكام والمصطلحات أمر مهم محتاج إليه في كتب الفقه.

 

وقوله:"أثيب فاعله، وعوقب تاركه" الأولى أن يقول:"ما استحق فاعله وتاركه" لأن حصول الثواب والعقاب أمور غيبية مشروطة بشروط لا يدري نحققها من تخلفها ، فالثواب مشروط بالإخلاص مع موافقة السنة ، والعقاب مشروط بانتفاء العذر وعدم الكفارات.

 

والمصنف هنا لم يلتزم التدقيق في العبارة على طريقة الأصوليين، لأن المحققين يفرقون بين الإيجاب والواجب وبين التحريم والحرام. وهو قد قسم أفعال العباد بحسب ما تعتريها من أحكام وهو غالب ما يعني به الفقهاء ، وأما الأصوليون فيبحثون في الأحكام التي هي خطاب الشارع ، والمختار في تعريفها أن يقال:

 

الإيجاب طلب الفعل على وجه الحتم واللزوم والتحريم طلب الترك على وجه الحتم واللزوم.

 

والندب طلب الفعل على وجه الترجيح والكراهة طلب الترك على وجه الترجيح.

 

[حكم تعلم الفقه]

 

4-ويجب على المكلف أن يتعلم منه كل ما يحتاج إليه في عباداته ومعاملاته وغيرها، قال صلى الله عليه وسلم :» من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين « متفق عليه.

 

  وهنا تطرق إلى حكم دراسة هذا العلم ، هل هو من فروض الكفاية أو من فروض الأعيان، والصحيح أن الذي يتعين هو كل ما يحتاج إليه المكلف حين الحاجة إليه، فعند البلوغ يجب تعلم أحكام الصلاة والصيام ومن كان له مال وجب عليه تعلم أحكام الزكاة وهكذا.

 

  واستدل على هذا الحكم بقوله صلى الله عليه وسلم :» من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين «، ووجهه أن من لم يوفق للفقه في الدين فإن الله تعالى لم يرد به خيرا حين هو معرض عن التفقه في الدين ، فهو إذن في شر معرض لأن تبطل أعماله ولأن يقع في الحرام ويترك الواجب .

 

[معنى الشهادتين]

 

5-قال النبي صلى الله عليه وسلم:« بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان» متفق عليه.

 

جرت عادة بعض الفقهاء أن يجعلوا مقدمات لكتبهم فمنهم من يجعلها أصولية ومنهم من يجعلها اعتقادية كما صنع ابن أبي زيد القيرواني، والمصنف أراد أن لا يخلي مختصره من ذلك فجعل هذا المدخل الذي فيه التذكير بأركان الإسلام والشرح الموجز للشهادتين.

 

6-فشهادة أن لا إله إلا الله : علم العبد واعتقاده والتزامه أنه لا يستحق الألوهية والعبودية إلا الله وحده لا شريك له. فيوجب ذلك للعبد: إخلاص جميع الدين لله تعالى، وأن تكون عباداته الظاهرة والباطنة كلها لله وحده، وأن لا يشرك به شيئا في جميع أمور الدين.

 

وهذا أصل دين جميع المرسلين وأتباعهم، كما قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) (الأنبياء:25) .

 

قوله :"علم العبد واعتقاده والتزامه" تقييد مهم، فليس معنى الشهادة مجرد الاعتراف فقط بل تتضمن الالتزام بالعمل أيضا، وهذه الشهادة مستلزمة لإخلاص العبادات كلها لله تعالى الظاهرة الصلاة والزكاة والقلبية كالخوف والرجاء والتوكل.

 

7-وشهادة أن محمدا رسول الله: أن يعتقد العبد أن الله أرسل محمدا e إلى جميع الثقلين –الإنس والجن – بشيرا ونذيرا، يدعوهم إلى توحيد الله وطاعته بتصديق خبره وامتثال أمره واجتناب نهيه، وأنه لا سعادة ولا صلاح في الدنيا والآخرة إلا بالإيمان به وطاعته، وأنه يجب تقديم محبته على محبة النفس والولد والناس أجمعين، وأن الله أيده بالمعجزات الدالة على رسالته، وبما جبله الله عليه من العلوم الكاملة والأخلاق العالية، وبما اشتمل عليه دينه من الهدى والرحمة والحق والمصالح الدينية والدنيوية، وآيته الكبرى هذا القرآن العظيم ، بما فيه من الحق في الأخبار والأمر والنهي، والله أعلم.

 

جمع المصنف هنا ما ينبغي اعتقاده في النبي صلى الله عليه وسلم، الإيمان به بتصديقه وطاعته واتباع هديه وهو ما أشار إليه بالمحبة لأن المحبة تدعو إلى الاتباع والاقتداء، ومن لوازم الإيمان به الإيمان بعموم رسالته للناس، وأن دينه كامل لا يحتاج إلى زيادة وشامل لم يهمل بابا من الأبواب.

 

قوله "المعجزات" بمعنى الآيات والدلائل والبراهين الدالة صدقه في دعوى الرسالة من الله عز وجل ، والتعبير بالآيات والدلائل أسلم من التعبير بالمعجزات التي يفسرها المتكلمون تفسيرا يعطلون به أكثر دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم.

تم قراءة المقال 4007 مرة