طباعة
الأحد 29 محرم 1433

(3) شرح منهج السالكين : أحكام الأواني

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

[باب أحكام الأواني ]

 

1-وجَميعُ الأوَانِي مُباحَةٌ.

 

2-إلا آنية الذهبِ والفضَّةِ.

 

3-وَمَا فيهِ شَيءٌ مِنهُما.

 

4-إلا اليَسِير مِن الفضَّة لِلحَاجَةِ.

 

5-لقوله صلى الله عليه وسلم :« لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، ولكم فِي الْآخِرَةِ »([1]) (متفق عليه).

 

 

(3) شرح منهج السالكين : أحكام الأواني

 

 
 

1-وجَميعُ الأوَانِي مُباحَةٌ.

 

بعد أن بين المصنف أصول مسائل باب المياه انتقل للحديث عن أحكام الأواني، وإنما يتحدث الفقهاء عن الأواني في كتاب الطهارة لما لها من تعلق بباب النجاسات، وكذلك لما فيها من بيان حكم استعمال آنية الذهب والفضة.

 

فأما ما يتعلق منها بالنجاسة فلا تأثير له على الصحيح في حكم الأواني، وهو ظاهر إطلاق المصنف لما قال:"وجميع الأواني المباحة". ومن فروع ذلك ما يأتي :

 

1-أن جلود السباع والحيوانات كلها قابلة للتطهير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ »([2]) وهو مذهب داود وظاهر إطلاق المصنف في إرشاد أولي البصائر ([3])، واستثنى أبو حنيفة الخنزير واستثنى الشافعي الكلب والخنزير.

 

2-أن آنية العظام طاهرة، وقد صرح المصنف بذلك في الإرشاد فقال :« وكذَلِكَ الصَّحِيحُ : أن العِظَامَ طَاهِرَةٌ ؛ لأَن العِلَّةَ في تَحرِيمِ الميتة - الذي هُوَ احتقان الفضولاتِ الخبيثَةِ فِيهَا - غَيرُ مَوجُودَة في العظَامِ»([4])، وهو قول أبي حنيفة واختيار ابن تيمية، قال الزهري فِي عِظَامِ الْمَوْتَى نَحْوَ الْفِيلِ وَغَيْرِهِ :«أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ سَلَفِ الْعُلَمَاءِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا وَيَدَّهِنُونَ فِيهَا لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا »([5]).

 

3-أن آنية الكفار طاهرة أيضا ما لم تكن فيها نجاسة ظاهرة، لحديث عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضؤوا من مزادة امرأة مشركة([6])، وبهذا قال مالك وأحمد والشافعي في رواية، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم:« فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا»([7])، فمحمول على الكراهة والاحتياط.

 

2-إلا آنية الذهبِ والفضَّةِ.

 

المعنى أنه يحرم استعمال آنية الذهب والفضة في الوضوء وغيره على الرجال والنساء، وقد قال الحنابلة وكثير من المالكية والشافعية لا يجوز اتخاذها أصلا، ومذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة جواز اتخاذها وتحريم استعمالها، وقال الظاهرية لا يجوز الأكل والشرب فحسب، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من جواز اتخاذها وتحريم استعمالها مطلقا للحديث الآتي ذكره.

 

قال ابن القيم :« وهذا التحريم لا يختص بالأكل والشرب بل يعم سائر وجوه الانتفاع فلا يحل له أن يغتسل بها ولا يتوضأ بها ولا يدهن فيها ولا يتكحل منها وهذا أمر لا يشك فيه عالم»([8]).

 

ومن توضأ بهذه الأواني أثم ووضوؤه صحيح عند الجمهور؛ لأن النهي ورد عاما ولم يرد في خصوص الوضوء مثله مثل من توضأ بماء مغصوب أو صلي في يده خاتم الذهب أو ستر وعورته بالحرير، ولو ورد النهي عن الوضوء في آنية الذهب والفضة لكان الوضوء غير صحيح لأن النهي يقتضي الفساد.

 

3-وَمَا فيهِ شَيءٌ مِنهُما.

 

قد يكون الإناء مصنوعا من معدن غير الذهب والفضة؛ ولكن فيه ضبة من ذهب وفضة وهو المسمى بالمضبب، فهنا صرح بأنه لا يجوز استعماله أيضا لأنه مستعمل للذهب والفضة باستعمال مثل هذا الإناء .

 

4-إلا اليَسِير مِن الفضَّة لِلحَاجَةِ.

 

ثم استثنى ما فيه اليسير من الفضة للحاجة فيجوز استعماله، ودليل استثناء ما فيه اليسير من الفضة للحاجة حديث أنس أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ ([9]). والشَّعب مكان الشق والصدع الذي فيه، ووجود الشق هو وجه الحاجة.

 

والحاجة لسد الشق ونحوه تحقق باليسير من الفضة فلا يجوز تعدي موضع الحاجة إلى الكثير الذي تدعو إليه الحاجة ولا على الذهب الذي لا يصلح أصلا لمثل هذا .

 

5-لقوله صلى الله عليه وسلم :« لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، ولكم فِي الْآخِرَةِ »([10]) (متفق عليه).

 

ثم أورد المصنف هذا الحديث وهو دليل من أدلة تحريم استعمال آنية الذهب والفضة، من أحاديث الباب حديث أم سلمة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ([11]).

 

ليس المراد بقوله :"فإنها لهم في الدنيا" إباحة استعمالها لهم وإنما هو خبر عن حالهم وعن معصيتهم ، وقوله:" ولكم في الآخرة" أي تكون لكم في الآخرة تستعملونها جزاء لكم على تركها في الدنيا، ويمنع الكفار منها في الآخرة جزاء معصيتهم باستعمالها.

 

وقد اختلف العلماء في علة النهي فمنهم من ذكر مخالفة الأعاجم ولعله أخذها من هذا الحديث وهو ليس صريحا في ذلك، ومنهم من قال العلة ما في استعمالها من كسر قلوب الفقراء ومن الخيلاء والسرف؛ وليس بظاهر ولو كانت تلك هي العلة لحرم كل ما هو نفيس من الأواني، ومنهم من قال العلة الحفاظ على النقدين وسد ذريعة قلتهما والتضييق فيهما؛ ولو كان ذلك صحيحا لحرم صنع الحلي منهما، والأظهر أن الأمر تعبدي وأن الحكم قاصر عليهما فلا يقاس عليهما غيرهما ويشبه هذا قول من قال إن العلة ترجع إلى عينهما ([12]).

 

 

 

 

 


[1]/ البخاري (5426) ومسلم (2067).

[2]/ النسائي (4241) وابن ماجة (3609) والترمذي (1728) وصححه ونقل تصحيحه عن البخاري وقد أخرجه مسلم بلفظ :« إذا دبغ الإهاب فقد طهر».

[3]/ قال رحمه الله (ص28):« وَالْمَشْهُور مِنَ المذهَبِِ: بَقَاؤُهَا عَلَى نَجَاسَتِهَا، إلا أن الجِلْدَ بَعدَ الدَّبْغ يخف أمرُه فيُستَعمَلُ في اليَابِسَاتِ دُونَ المائعات . والصَّحِيحُ : أَن الجلْدَ يَطْهُرُ بالدِّبَاغِ ؛ للأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصرِيحَةِ التي لا مُعَارِضَ لَهَا » وقال في المختارات الجلية (19):« الصحيح أن الدباغ مطهر لجلد ميتة المأكول».

[4]/ إرشاد أولي البصائر (ص28).

والصَّحِيحُ : أَن الجلْدَ يَطْهُرُ بالدِّبَاغِ ؛ للأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصرِيحَةِ التي لا مُعَارِضَ لَهَا ».

[5]/ علقه البخاري في الصحيح بصيغة الجزم.

[6]/ ورد بمعناه في البخاري (344) ومسلم (682).

[7]/ البخاري (5488) ومسلم (1930).

[8]/ إعلام الموقعين (1/207).

[9]/ البخاري (3109).

[10]/ البخاري (5426) ومسلم (2067).

[11]/ البخاري (5634) ومسلم (2056).

[12]/ انظر فتح الباري (3/167).

تم قراءة المقال 5358 مرة