الوحدة الفكرية مفهومها وحكمها ومقوماتها
محاضرة ألقيت يوم 17 سبتمبر 2024 بمستغانم بمناسبة الملتقى الوطني الثالث للإمام الذي كان عنوانه :دور الأئمة ومعلمي القرآن في تحصين الوطن وتأمين جبهته الداخلية".
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
فإن التحديات التي تعرفها الأمة الإسلامية على اختلاف الأزمان والأوطان كثيرة مظاهرها، ومتعددة مصادرها، وأخطر هذه التحديات ما تعلق بعقيدتها وما تعلق بأمنها واستقرارها، وما هدد وحدتها الفكرية ، الوحدة الفكرية التي تنظم منهج الأمة في الحياة وتضمن اتحادها مع حفظ مختلف الحريات التي دعت إليها الفطرة وأقرتها الشريعة الربانية، ثم ضمنتها مختلف القوانين البشرية الدولية والمحلية.
لذلك كان من الأمور الجدير بنا أن نهتم بها بعد سبر الأمور الواقعية التي ترى مهددة فعلا لوحدة الأمة أن نحللها ونبحث في خلفياتها ودوافعها من أجل معالجتها في المهد قبل استفحالها أو من أجل تحصين الأمة من الوقوع في شراكها، ومن أعظم الأشياء التي تهدد عقيدة التوحيد والوحدة الوطنية في الوقت نفسه: تمدد العلمانية باسم الحداثة أو التقدمية ، وانتشار الإلحاد وتوسع الدعاية إلى النصرانية وإلى النحل الكفرية كالقاديانية أو النحل الضالة كالشيعة ونحوها، وتنامي العنصرية العرقية أو الجهوية، وكذا الاتسلاب الثقافي الذي يخطف الأجيال الناشئة من الحضن الإسلامي بأخلاقه ولغته وجميع المظاهر المميزة لأمتنا.
وحفاظا على وحدة الأمة بأبعادها المتعددة يتعين على نخبتها من العلماء والدعاة والمعلمين والأئمة السعي إلى إرساء دعائم الوحدة الفكرية للمسلمين في المجتمع التي هي صمام الأمان والحامية لها من مثل هذه المظاهر التي ذكرت وهي حين ترونها عقدية وفكرية وربما أخلاقية لا صلة بوحدة الوطن الذي حددت إشكالية الملتقى في إطاره، ولكنها في مآلاتها تصب في التهديد الأمني، حيث أن من ينشر هذه الأفكار ويدعمها في وطننا وجميع الأوطان العربية وغيرها إنما يسعى إلى بذر أسباب الفرقة وإلى غرس أناس يكون ولاؤهم له لا إلى الدين الذي جمعهم ووحدهم فوق هذه الأرض منذ قرون.
وفي هذا السياق اخترت أن يكون عنوان مداخلتي : الوحدة الفكرية مفهومها وحكمها ومقوماتها
وسأقسمها إلى مطلبين الأول يعتبر تمهيديا أخلصها لتحديد مفهوم الوحدة الفكرية وحكمها وضبط حدودها
والمطلب الثاني يتعلق بمقومات هذه الوحدة الفكرية المنشود إرساؤها .
المطلب الأول : مفهوم الوحدة الفكرية وحدودها وحكمها
الفرع الأول : مفهوم الوحدة الفكرية ومضامينها
أولا : مفهوم الوحدة الفكرية
البحث في مفهوم الوحدة الفكرية هو بحث في معنى شرعي لذلك نطلب معنى الفكر والتفكر في القرآن الكريم ، وقد ذكرت مادته في ثماني عشرة موضع، جلها وردت على جهة لأمر به والحث عليه ومن ذلك قوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(النحل: 44) وورد مرة في مقام الذم في قوله: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) } [المدثر: 18 - 20] .
الفكر كما بعض المعاجم المعصرة هو: (استعدادٌ عقليٌّ يعين على المحاكمة والتأمل والتمييز، فأساسه نظر ورَوِيَّةٌ)( ).
وخلاصة المعنى أن الفكر كيفية نظر العقل إلى الأشياء تقديرا لها وحكما عليها. وهو معنى لا يمدح ولا يذم لذاته ، لأن تلك الكيفية قد تكون صحيحة وقد تكون ليست كذلك ، ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله في الفوائد ص 198:"أصل الْخَيْر وَالشَّر من قبل التفكّر فَإِن الْفِكر مبدأ الْإِرَادَة".
ونرتب على هذا إن نقول إن الحديث عن الوحدة الفكرية هو حديث عن تربية العقول وتعويدها على طريقة نظر موحدة تحد من الاختلاف وتمنع من التفرق.
وإذا أردنا أن نعرف الوحدة الفكرية فإننا لن نخرج عن المعنى اللغوي ونقول: "اشتراك مجموعة من الناس في طريقة النظر في الأمور تصويرا لها وحكما عليها".
والذي يخصص المراد ويدخلنا في الاصطلاح هو التفصيل في المضامين الوحدة الفكرة المنشودة ومقوماتها
ثانيا : مضامين الوحدة الفكرية
وتحقيق هذه الوحدة الفكرية متوقف على عدة مضامين نراها أساسية وهي كالآتي :
1-توحيد مصادر المعرفة أو مراجع تكوين العقل المسلم وهي نفسها مصادر التشريع المذكورة في علم أصول الفقه.
2-توحيد مناهج التفكير أو العلوم الآلية التي بها يتفاعل العقل مع المصادر وهي اللغة العربية وأصول الفقه والحديث.
3-تحقيق عقيدة التوحيد والمقصود هو قطعيات العقيدة الإسلامية المنصوصة في القرآن والسنة ، وأصولها هي مقاصد القرآن المكي الثلاثة : الألوهية والنبوة والمعاد.
4-إشهار وإظهار منهاج التعامل الإسلامي مع أصناف الناس من المخالفين والموافقين.
الفرع الثاني : حدود الوحدة الفكرية وحكمها
أولا : حدود الوحدة الفكرية
إن الوحدة الفكرية المنشودة على ضوء المعنى المذكور والمضامين المكونة لها ؛ هي وحدة مصدرية ومنهجية وعقدية وأخلاقية، وهذه الوحدة لا يمكن بحال أن تلغي الحريات الفطرية الطبيعية ؛ بما فيها الحرية الفكرية -كما قد يتصوره البعض-، حيث تجدهم يتوجسون منها ويتخوفون منها، ولأنها وحدة أقرها الشرع وليست من ثمار الرؤى البشرية الفرعونية التي تريد صناعة قوالب تلغي العقل من وظيفته وتمنع الفكر من أساسه لتحقيق وحدة موهومة لم يرد تخيلها حتى في جمهورية أفلاطون ، وذلك نقول أن الشرع الرباني الحكيم لم يأت لمغالبة الطبيعة الإنسانية ولكن لتهذيبها وتوجيهها لتجعلها سائرة في طريق له اتجاه واحد طريق الله تعالى ونيل رضوانه ولكنه طريق واسع بحمد الله تعالى ، وكل من يحاول مغالبة هذه الفطرة فهو يرمى المحال من الطلب، ولن يشاد أحد هذه الطبيعة إلا غلبه، والشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، والضغط يولد الانفجار. فاختلاف اللغات من آيات الله واختيار للناس فيها، والدين لا يأمر بإلغاء هذا الاختلاف، ولكنه اختار لغة واحدة تكون أعلى وهي لغة دينهم توحد تفكيرهم وشعورهم وهي لغة القرآن، اختلاف الأعراق كذلك، فالدين لا يمنعه بل يحرم في النسب التغيير والادعاء، ويمنع الفخر به أو التعالي به، وقد عدّ ذلك من مظاهر الجاهلية وأقر معنى أسمى يوحدهم وهو الأخوة الدينية ، واختلاف الجهات والأوطان والبيئات، شيء طبيعي أيضا، فلا يمنع الدين الانتماء إلى البلاد والجهات والبيئات، لكن أمر بما يقربهم من بعضهم البعض ويمد الجسور، وهو التعارف، وأقر في السياق ذاته أن الأفضلية عند الله تعالى إنما تكون بالتقوى، وهو الطريق الواحد الذي تحدثنا عنه وهو بحمد الله يسع كل الناس إذا ما رغبوا في سلوكه.
ومن هذا التقرير يتبين أن الوحدة الفكرية هي التي تحمي التعددية ولا تلغيها وتضبط الحرية حتى لا تتجاوز حدها الشرعي، وإن وضوح حدود الحرية الفكرية تجعل كل مفكر ينضبط بإطارها العام فلا سببا للتفريق بين أفراد الأمة، ومن جهة أخرى وجود تلك الحدود الواسعة تجعله يشعر بالأمان وهو يمارس فريضة التفكر والنظر والاجتهاد.
من ألقي في روعه أن الحرية الفكرية ربما تشكل خطرا ما، يقال له إنها لا تشكل خطرا إلا على ضيقي الأفق أو ممن ابتلوا بالداء الفرعوني {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } [غافر: 29] بل إن الحقيقة على الضد من ذلك وهي أن الحرية الفكرية تحفظ وحدة الأمة من الناحية الفكرية وغيرها. وذلك أن الحرية الفكرية تدفع إلى حوار فيه يجد أفراد الأمة مجالا لتفعيل قواعد النظر والتحاكم إلى المصادر، فيحيا الفكر ويستمر، تتضح الأمور وتزال الاشكالات، ويرفع سوء التفاهم وسوء الظن وغير ذلك من موجبات التفرق، ويجعل كل واحد يتقبل الاختلاف في إطار مضامين الوحدة الفكرية وحدودها، وعلى الضد من ذلك فإن الانغلاق وإعجاب المرء برأيه مع محاولة فرضه دون محاورة من أجل وزنه وتقييمه هو سبيل نشأة العداوات، وكذا التعصب الذي يغطي العقل فيجعل من الجزئيات قطعيات يوالى عليها ويعادى عليها، وربما يلغي قطعيات شرعية في الوقت ذاته.
ثانيا : وجوب الوحدة الفكرية
إن الأمر بالوحدة في القرآن والسنة معلوم قطعي رقاه بعض الباحثين إلى مصاف المقاصد الشرعية، فالأمر بالوحدة يفيد الوجوب بلا اختلاف ، والوحدة الفكرية لا شك أنها أحد معاني تلك الوحدة المطلوبة، فهي واجبة لذاتها وهي واجبة أيضا باعتبارها أساس كل وحدة مطلوبة في الأمة اجتماعية كانت أو سياسية أو اقتصادية ، وتتبع النصوص في هذا المقام ومحاولة استقصائها لن يقدم جديدا، ولكن الأمر بالوحدة في كتاب الله -كذا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم - قد تعددت صيغه ومنه الأمر بالاعتصام بحبل الله، والأمر اتباع الصراط الواحد، والنهي التنازع وعن التفرق ولا يغفل الأمر بأسباب الحفاظ على الوحدة كالأمر بالتعاون والنصيحة والإصلاح بين المسلمين.
فقال تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } [آل عمران: 103] وقال سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] وقال عز وجل : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105] وقال عز وجل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] كما قال أيضا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]
ومما ينبه إليه في هذا المقام أن تعذر الوحدة الفكرية -في أحوال معينة أو مع طوائف محددة - لا يلغي السعي على الوحدة في الموقف عند المصالح المشتركة وفي مواجهة العدو المشترك، وهو مجال تطبق فيه قاعدة محمد رشيد رضا التي كان ينصح بها أهل سورية ولبنان –الذين مزقتهم الطائفية- وهم يواجهون المحتل الفرنسي والتي نصها :"نتعاون على ما نشترك فيه أو نتفق عليه ويعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه". وأعم منها في المعنى وأجمل في الصياغة قول ابن باديس رحمه الله في الأصل العشرين من أصول جمعية العلماء :"عِنْدَ المصلحةِ العامَّةِ منْ مصالح الأُمَّةِ، يَجِبُ تَنَاسِي كلَّ خلافٍ يُفَرِّقُ الكلمةَ ويصدعُ الوحدةَ ويُوجِدُ للشرِّ الثَّغْرَةَ. ويَتَحَتَّمُ التَّئَازُرُ والتَّكَاتفُ حتى تَنْفَرِجَ الأزمةُ وتزولُ الشّدةُ بإذن الله ثمَّ بقوَّةِ الحقِّ وإدِّراعِ الصَّبر وسلاحِ العلم والعملِ والحكمةِ".
المطلب الثاني : مقومات الوحدة الفكرية
بعد أن قدمنا مقدمات ضرورية ننتقل إلى الحديث عن الأسس والمقومات التي تبنى عليها الوحدة الفكرية للأمة الإسلامية عموما ووحدتها في أقطارها من باب أولى ، وهي نفسها المضامين التي سبق ذكرها مجملا نعيد تفصيلها وشرحها في الفروع الأربعة الآتية.
الفرع الأول: مصادر تكوين العقل المسلم
أول شيء تقوم عليه الوحدة الفكرية للمسلمين هو المصادر التي تسهم في بناء عقولهم ، وذلك أننا إذا تحدثنا عن التفكير الذي هو عملية عقلية فنحن لا نتحدث عن العقل الغريزي الذي يستوى فيه المكلفون، ولكن نتحدث عن العقل المكتسب الذي يتربى ويتكون فيختلف فيه الناس بحسب مصادر تكوينه، ومصادر تكوين العقل المسلم هي مصادر ربانية، مرجعها إلى كلام الله تعالى الخالق المدبر الحاكم جل جلاله وتفريعها هو الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة، وهي مختلفة كل الاختلاف عن مصادر الصورية اليونانية وعن مصادر المادية الغربية.
أولا : القرآن الكريم
منزلة القرآن معلومة ، والمطلوب منا هو أن نغرس في عموم أفراد الأمة أنه كتاب حياة وهداية وأن فيه الشفاء من جميع الأمراض الإجتماعية، وأن البشرية لن تعرف طريقا إلى السعادة إلا بجعله دستورها الوحيد، يقول ذلك الكاتب في مقالاته والإمام في خطبه، ويقوله معلم القرآن لمن يحفظ القرآن بين يديه، حتى يترسخ ذلك في النفوس، ويصبح من أرسخ من البدهيات فيها، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 89]، وقال الشافعي في الرسالة (20):" فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليلُ على سبيل الهدى فيها". فهذه عقيدة مركزية لابد أن يتيقنها العالم والمعلم ولابد أن تورث للأجيال، وفي تقرير مصدرية القرآن وكونه الجامع الضامن للوحدة الفكرية للأمة يقول الإبراهيمي رحمه الله (1/ 163) :"إن الأوطان تجمع الأبدان، وان اللغات تجمع الألسنة، وإنما الذي يجمع الأرواح ويؤلفها ويصل بين نكرات القلوب فيعرفها هو الدين، فلا تلتمسوا الوحدة في الآفاق الضيقة ولكن التمسوها في الدين والتمسوها من القرآن تجدوا الأفق أوسع، والدار أجمع". ويقول رحمه الله (1/ 161):"هذه هي الطريقة الواحدة التي اتبعها المسلمون الأولون فسعدوا باتباعها والاستقامة عليها، وهذا هو الإسلام متجليا في آيات القرآن، دين واحد جاء به نبي واحد عن إله واحد، وما ظنك بدين تحفه الوحدة من جميع جهاته؟ أليس حقيقًا أن يسوق العالم إلى عمل واحد وغاية واحدة واتجاه واحد على السبيل الجامعة من عقائده وآدابه؟ أليس حقيقًا أن يجمع القلوب التي فرقت بينها الأهواء، والنفوس التي باعدت بينها النزعات، والعقول التي فرق بينها تفاوت الاستعداد؟ بلى والله إنه لحقيق بكل ذلك".
ثانيا : السنة النبوية
ومنزلة السنة أيضا معلومة وقد دلنا القرآن الكريم إلى ضرورة طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، كما أخبرنا أنه مبين لما يحتاج إلى تفسير وتوضيح {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وقد دون هذا المعنى ابن باديس رحمه الله في الأصل الرابع من الأصول الفكرية لجمعية العلماء فقال:" السُّنَّةُ القوليَّةُ والفعليَّةُ الصَّحيحةُ تفسيرٌ وبيانٌ للقرآن"، وقد نص في الأصل الثالث على أن القرآن الكريم هو كتاب الإسلام.
ولا ينبغي الاكتفاء في ترسيخ هذين الأصلين على الجانب النظري ، بل لابد أن يتعدى ذلك إلى الجانب العملي، ولذلك طريقان أحدهما اعتماد درس التفسير وتنزيل آيه على واقع الأمة، وشرح الأحاديث النبوية ومعالجة أمراض الأمة على ضوئها، والثاني أن يحرص المفتي والمصلح وهو يجيب أو يوجه أن يربط فتواه وتوجيهه بهذين المصدرين، وإن ذلك التكرار يغرس في نفوس الناس شعورا بعظمة القرآن والسنة، وبكونهما معجزين وكاملين ومغنيين عن كل ما سواهما من الأوضاع والأفكار الغربية التي غزتنا قديما وحديثا، والتي كانت أعظم سبب فرق شمل الأمة وشتتها فأضعفها وجعلها غثاء كغثاء السيل.
ثالثا : الإجماع المعبر عنه بفهوم السلف
ولما كانت مدارك الناس قد تختلف حتى وإن كان مرجعها إلى القرآن والسنة الموضحة له ، فقد دلنا القرآن والسنة على مرجع ثالث يضبط لنا الفهوم المقبولة وهو الإجماع؛ حيث أن ما اتفق عليه علماء الأمة كان حجة قاطعة وما اختلفوا فيه كان فيه سعة من جهة ، ولم يجز تجاوزه إلى غيره من جهة أخرى ، فقال {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 115] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، عقب ابن مسعود على إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى قد اصطفى له أصحابه كما اصطفاه هو؛ فقال :"ما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء".
والطريق إلى ترسيخ هذا المعنى الاستشهاد بأقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم في التفسير وبيان مسائل الشرع المتنوعة مع الترضي عنهم والترحم عليهم، وكذا تكرار ذكر مناقبهم وما جاء في مدحهم والثناء عليهم وهو في حق الصحابة رضي الله عنهم كثير في القرآن والسنة ، وفي هذا المعنى يقول ابن باديس في أصوله الخامس والسادس :"سلوك السلف الصالح « الصحابة والتابعين وأتباع التابعين » تطبيق صحيح لهدي الإسلام" ثم قال :" فهوم السلف الصالح أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب والسنة".
وما يذكره علماء الأصول من مصادر كلها مرجعها إلى هذه الأصول الثلاثة، وعامة الناس تكفيهم هذه الثلاثة والأصول الأخرى إنما يحتاج إليها أهل الاجتهاد والفتوى، والذي تحتاجه الأمة هو تعظيم القرآن كلام الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم السلف ابتداء من الصحابة الكرام إلى الأئمة المتبوعين رضي الله عنهم ، ولعل تعبير ابن باديس بالفهوم بالجمع بدلا من الأفراد؛ المراد منه التنبيه إلى ما ذكرنا من أن هذه الأصل يجتمع فيه اتفاق السلف واختلافهم ، وليس خاصا بما توهمه عبارة الإجماع عند من لم يسبر غورها.
وقد يقول بعض الناس إن هذه المصادر معلومة أو أنها بديهية فيقال له نعم إنها كانت معلومة بديهية عند عموم سلفنا فكانت هي المرجع الذي جمعهم على مر العصور، وإنه ينبغي توريثها للأجيال لتثبت كما ثبت سلفهم ، وينبغي الاهتمام بها لانقاذ جماهير من الشباب الذين قد ساء ظنهم بهذه الأصول وقد يمموا وجوههم شرقا وغربا واعتنقوا مذاهب وافدة بعضها صريح من مضادة الإسلام وأصوله وبعضها يشكك في قواطعه وأصوله ، وبعضها يخص هذه المصادر بعبادة الناس وعلاقتهم بربهم دون حياتهم العامة ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تتخبط فيها الأمة.
الفرع الثاني : توحيد منهجية التفكير
فأما منهجية التفكير الموحدة فيدعمها ثلاثة روافد لابد من العناية بها عناية كبرى تعليما وتلقينا وتدريبا وممارسة ، ويضاف إليها رابع يعتبر مكملا ومعززا لها، والمطلوب لن نجده في التفاصيل والجزئيات، وإنما نجده فيما يحصله المرء من التراكم الحاصل في شخصية كل دارس لهذه العلوم، وإن ذكرنا لهذه العلوم الأربعة ، اللغة العربية وأصول الفقه وأصول الحديث والتاريخ ، هو تنبيه للأئمة والدعاء والمدرسين إلى ضرورة تعميم هذه العلوم التي كنا قديما نسميها علوم تكوينية لأنها هي التي تكون الشخصية العلمية المتميزة عن عامة المسلمين، وكلما تمكن من شبابنا كلما كانت عندهم الحصانة التي تقيهم من أن تستميلهم الشبهات الصادة للناس عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أولا : اللغة العربية
يقول ربنا عز وجل : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2] فقد جعل الله كتابه بلسان واحد موحد يتعلمه كل من يؤمن به ، وذلك طريق إلى إحداث لغة جامعة للأمة جمعاء فكيف بأهل الوطن الواحد، واللغة هي جزء من الانسان وهويته، ولا تعرف عقل المرء إلا بلسانه، وقد قيل المرء بأصغريه القلب واللسان، والذي ينبغي أن نعيه أن اللغة ليست اللغة مجرد تعبير عن الفكر، بل هي أحد عوامل صناعته، فاللغة المحدودة تصنع عقلا محدودا واللغة الواسعة تصنع عقلا واسعا ...وقديما قال ابن قتيبة في أدب الكاتب: «ولو أن مؤلف (حد المنطق) بلغ زماننا هذا حتى يسمع دقائق الكلام في الدين والفقه والفرائض والنحو، لعد نفسه من البكم، أو يسمع كلام رسول الله وصحابته (رضي الله عنهم) لأيقن أن للعرب الحكمة وفصل الخطاب»، وفي العصر الحاضر كشف المفكرون عن خلفيات حرب الاستعمار للغة العربية وجهودهم في فرض اللهجات المحلية؛ وأن قصدهم هو فصل الناس عن كتاب ربهم والقضاء على عامل من عوامل وحدتهم الثقافية والفكرية ، وكل من وقع في شراكهم نحن نراه قد صار يفكر كما يفكر الاستعمار ، وقد انقلب على أمته محاربا لجميع عناصر هويتها.
ثانيا : أصول الفقه
من قواعد التفكير عند المسلمين قولهم :"إن كنت مدعيا فالدليل"، وقد تفرد المسلمون بعلم يفخرون به على غيرهم من الأمم يسمى علم أصوله الفقه؛ يدرب العقل على الاستنباط والاستنتاج ويضبط حدود نظره، فالمسلم لا يقبل الكلام من أي أحد مهما علت مرتبته إلا إذا كان مدعما بحجج صحيحة مقبولة، قال تعالى :{قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ } [الأنعام: 148] وقال :{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]
ثالثا : أصول الحديث
من قواعد التفكير عند المسلمين قولهم : "إن كنت ناقلا فالصحة"، وقد تفرد أيضا علماؤنا بالمنهج التوثيقي للمنقولات الذي طوره علماء الحديث قديما واستعاره الغربيون أخيرا منا، فالمسلم لا يقبل الكلام المنقول عن الناس المعاصرين والمتقدمين إلا بعد التبين من ثبوته وقف قوانين دقيقة يلتزم بها الناظر فيتربى عقله على المنهج النقدي الذي يعتبر ضالة مفقودة عند الغربيين وغيرهم، وقد قال تعالى :{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات: 6] وقال جل جلاله : {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 157].
رابعا : علم التاريخ
وأما علم التاريخ فلا يخفى وجه تأثره على شخصية المسلم وعلى صناعة فكره واهتماماته ، وتاريخ أمتنا مرتبط بتاريخ دعوة الإسلام وبمميزات حضارتنا وبالقيم والأخلاق التي نشرها أو دان بها أسلافنا كما أن أحداثه جرت فوق أراضي نحن الآن ننتمي إليها ، وكثير من الناس يعتقد أن الأوطان بمجردها جامع ومن أسباب الوحدة وهم واهمون في ذلك فالوطنية إذا أخليت من معاني الانتماء إلى الدين واللغة والتاريخ أصبحت كلمة دعائية لا قيمة لها، أو ورقة إدارية لا صلة لها بكيان الإنسان تنال بمكان الميلاد أو بالنسبة لأحد الأبوين، والتاريخ من علوم القرآن كما قال جل وعلا: (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا) (طه:99) وهو داخل في قوله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الأنعام:11).
الفرع الثالث : تحقيق عقيدة التوحيد
وإذا تحدثنا عن الفكر فإننا لا يمكن أن نتجاهل العقيدة الإسلامية التي تعتبر لب الدعوة الإسلامية ومحور دعوة القرآن الكريم ، في سياق البحث عن الوحدة الفكرية نقول إلى عقائد القرآن والسنة الصحيحة القطعية تعتبر كلها موحدة وجامعة للمسلمين ، وإني في هذه المحاضرة اخترت أن استل منها قطعيات وأصولا في العقائد وتثمر عند تحققها أصولا في التعامل، فننتقل من توحيد الله تعالى إلى توحيد التفكير ثم إلى توحيد الصفوف.
أولا : توحيد الاخلاص
من معاني التوحيد المطلوبة إخلاص التوجه إلى الله تعالى بأن يكون هو الغاية من كل قول وعمل ، وقد قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) (الزمر 2-3). وإذا تحقق هذا المعنى صارت القلوب تعمل لوجه الله تعالى فتتطهر عن الأمراض المنافية للإخلاص كحب الدنيا والحرص على متاعها وعن التطلع إلى الشهرة والرئاسة، وإذا حدث هذا سهل أن يتفق المسلمون على كلمة سواء، لأن نصحهم سيكون لله تعالى ونعاونهم يكون لله، وعفوهم وصفهم وتطاوعهم يكون لله تعالى، واجتماع القلوب هو طريق توحيد.
ثانيا : توحيد الطاعة
من معاني التوحيد توحيد الطاعة والاتباع، ولا شيء يجمع الناس مثل توحيد مصدر التشريع، وتوحيد القدوة المتبوع ، وبالابتعاد عن المصادر وتحكيم الهوى والعقول، وبترك الاقتداء بمحمد واتخاذ من دونه أولياء متبعين: تحدث الفتن وتتفرق الأمة، النصارى إنما تفرقوا بعدما : اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ (التوبة:31).
ثالثا: توحيد المحبة
ومن معاني التوحيد توحيد المحبة ، فلا يحب شيء أشد من محبة الله تعالى وأن العبادة هي أعلى مراتب الحب، قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ (البقرة:165). ويتبع محبة الله محبة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم محبة جميع المؤمنين ، قال سبحانه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ (المائدة:54) فذكر الله تعالى أخص صفات العباد الذين يحبهم، فكان من أولها أنهم يحبونه، والباقي من فروع محبة الله تعالى. ومنها موالاة المؤمنين ومعاداة المشركين، قال سبحانه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (المائدة:55).
وهذه الموالاة التي توصلنا إلى الحديث عنها من أعظم أسباب وحدة الأمة فهي التي تقيم السياج الكبير لمفهوم الأمة الإسلامية وتنظم العلاقة بين أفرادها وتحمي وحدتها، والولاية التي يجتمع فيها معنى الحب والقرب والنصرة إذا كانت معلقة بالإيمان فإن الإيمان ليست في رتبة واحدة ، ولكن أدنى الناس إيمانا له حق فيها ما لم يخرج منه.
الفرع الرابع : منهاج التعامل مع أصناف الناس
ومن القواعد التي ينبغي أن يركز عليها العلماء والدعاة إلى الله في عصرنا بيان المنهاج الإسلامي في التعامل مع أصناف الناس ، والذي يقوم على أساس الولاء والبراء كما يقول على أساس الإنصاف والعدل حيث قال ربنا عز وجل :{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8] وأكثر ما يفرق الناس اليوم ويهدد وحدتهم جهلهم بتلك القواعد الشرعية التي من أسسها إقامة الميزان العادل.
فمما ينبغي نشره في عموم الأمة أن الناس مراتب منهم الكافر المشرك ومنهم الضال المبتدع ومنهم العاصي الفاسق، ومنهم المؤمن الذي تختلف معه في الرأي كثيره وقليله ، والتعامل معهم مختلف حسب هذه الرتب .
وكذلك لابد أن يعلموا أن الكفار مراتب ففيهم الذميين أو المواطنين الذي يباح للمسلمين الزواج بنسائهم وفيهم المعاهد المصالح ، وفيهم الحربي ، وهؤلاء أيضا يمكن ترتيبهم فأهل الكتاب أقل شرا من المشركين والنصارى أقل شرا من اليهود وهكذا
والمبتدعة ليسوا في رتبة واحدة فالبدع فيها البدع الاعتقادية المكفرة أو المفسقة وفيها البدع العملية الحقيقية والاضافية والخلافية التي تسمى بدعة مجازا أو باعتبار ما .
والعصاة أيضا مراتب فالمعاصي فيها الكبائر وغيرها وفيها ما ضرره متعد ومنها ما ضرره خاص .
ومسائل الاختلاف بين المؤمنين مراتب ففيه ما يجوز فيه الإنكار وفيه ما لا يجوز ، ومنها ما يتعلق بالأصول ومنها ما يتعلق بالفروع.
ويتبع هذا التفريق والترتيب ضبط قواعد الحكم على الأشخاص وهو مزلة أقدام، والعناية ببيان الأحكام الشرعية لهذه الأمور من واجبات العصر، وضبط الأصول يحد من الخلاف في الفروع ، والوقاية خير من العلاج ، وإذا لم نحصن الناس بهذه القواعد سهل على المفرقين أن يستميلوهم بمعسول الكلام ومتشابهه.
والكلام في هذا العنصر وغيره من العناصر يحتمل أكثر مما سطر، ولكن المقام مقام إشادة وتوجيه لا مقام بسط ، والبسط موكول إلى الأئمة والموجهين ، نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق وأن يجمع القلوب ويوحد الصفوف، وأن يعز الإسلام والمسلمين وأن يرد كيد الكائدين في نحوهم وأن يجعل تدبيرهم في تدميرهم ، والحمد لله رب العالمين.