طباعة
لثلاثاء 27 ربيع الثاني 1441

على هامش المناقشات1

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

على هامش المناقشات1:
في إحدى مناقشات مذكرات الماستر كان الرئيس دكتورا فاضلا يعجبني فيه أنه يقرأ المذكرات من أولها إلى آخرها، ويستخرج منها الخطأ كما تستخرج العلل من الأحاديث، ويقف مع الدقائق وليس مع الشكليات فقط.. لكنه هذه المرة اعترض حيث لا اعتراض في نظري ، اعترض على إيراد تعريف النكاح عند المالكية عن معاصر وهو قول الصادق الغرياني:"عقد بين الرّجل والمرأة، يبيح استمتاع كلّ منهما بالآخر، ويبيّن ما لكلّ منهما من حقوق وما عليه من واجبات، ويقصد به حفظ النّوع الإنساني". وأضاف أنه أدخلت فيه آثار النكاح وهي خارجة عن الحد.
    فعلقت وقصدي بالتعليق الافادة والخروج عن الرتابة التي تعرفها المناقشات، حيث صار الطلبة يسمعون اليوم إلى رأي وغدا إلى ضده..دون أن يكون ثمة حوار أو مناقشة بين الأساتذة فيقعون في الحيرة بدل تحصيل الفائدة، فقلت: "إن العدول عن تعريفات المتأخرين إلى تعريف معاصر له معنى، وأنا لما رأيته فهمت سببه ..فتعريفات المالكية فيها ما فيها، وذكرت نقد البشير الابراهيمي لمثل هذه التعريفات التي استرسل فيها أصحابها وراء الألفاظ حتى جعلوا النكاح كأنه عقد بيع"..[نحو قول ابن بشير :"عقد على العضو بعوض"]..
   فرد الدكتور بعرض تعريف ابن عرفة وأنه ليس فيه شيء من ذلك، وهو:" عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله، غير عالم عاقدها حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور، أو الإجماع على الآخر"..
   فلما وصل إلى قوله بآدمية ..لم أشعر إلا وأنا أعلق بقولي : "قوله بآدمية احتراز عن الجنية وربما البهيمة أيضا"..فضحك الحضور وظنوا أني أمزح..ثم قلت : مثل هذه التعاريف ذهب وقتها وولى زمنها"..وأزيد فأقول هو تعريف مفتقد لأهم شروط التعريف وهو الوضوح، وإذا أورده الباحث في مذكرته احتاج أن يخلي مساحة كبيرة لشرحه وبيان غرض كل كلمة فيه... ثم هل هو معبر عن الحقيقة؟ لا أظن وتعريف الغرياني أصدق منه ..لقد سعى ابن عرفة في هذا التعريف إلى التفريق بين النكاح وشراء الأمة فقال "مجرد متعة التلذذ" لكنه في المقابل جرد النكاح عن معانيه الإنسانية، فصار اللفظ موهما أن لا قصد للنكاح إلا متعة التلذذ ..
وأختم بنقل الشيخ المجدد محمد البشير الإبراهيمي المالكي (3/ 324): "الصداق نحلة شرعية مشروطة في عقدة النكاح، يعجلها الزوج للزوجة، أو يعمر بها ذمّته إلى أجل، ولا نقول ما يقوله الفقهاء المسارعون إلى التعليلات السطحية التي لا تتفق مع الحكمة: إن الصداق عوض عن البضع أو ثمن له، فإن هذا التعليل يدخل بهذه العلاقة الشريفة في باب البيع والشراء والمعاوضات المادية، وحاشا لهذه الصلة الجليلة التي هي سبب بقاء النوع الإنساني أن تكون كصلة الثوب بمشتريه، أو صلة المتاع بمقتنيه! بل إن معناها أعلى وأجلّ؛ إنها إكرام من الرجل القوام، للمرأة الضعيفة، ووصلة بين قلبيهما، وتوثيق لعرى المحبّة بينهما، وتأنيس يسبق العشرة المستأنفة، وبريد يحمل البشرى بالقرب؛ فإذا أدخلناها في باب الأثمان والقيم لم يبقَ إلا أن نسمّي الزوجة بائعة، والزوج مشتر، والخاطب سمسارًا".

تم قراءة المقال 945 مرة