طباعة
الجمعة 8 رمضان 1446

وقت وجوب الإمساك

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

يكثر السؤال عن وقت الامساك أو بالأحرى عمن سمع الأذان أيكمل سحوره أم يتوقف ، وقد آثرت أن يكون الجواب بالرجوع إلى أصل المسألة كما هي مدونة في كتب الفقه والخلاف عند المتقدمين ، ليفهم الجواب فهما جيدا ويعرف أن ما قاله بعض المعاصرين متوسطا بين الآراء القديمة قول لا وجود له عند السلف والفقهاء المتقدمين .

وقت وجوب الإمساك
اختلف العلماء في أول وقت الامساك على قولين :
القول الأول : وقت الامساك وهو الفجر الثاني المستطير الأبيض أي وقت دخول صلاة الصبح .
    وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء المجتهدين ومنهم الأئمة الأربعة وغيرهم.
القول الثاني : وقت الامساك يكون بعد الفجر الأبيض.
     نسب إلى أبي بكر وعلي وحذيفة وابن مسعود، وهو ثابت عن الأعمش وقال شيخه مسلم بن صبيح: لم يكونوا يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق.
   وقريب من هذا اختيار ابن حزم حيث ربط وجوب الامساك بالتبين الذي يكون حتما بعد طلوع الفجر.
   وقريب منه أيضا قول بعض المعاصرين ومنهم الألباني في خصوص من سمع النداء وكان السحور بين يديه لم يقض حاجته منه.
أدلة القول الأول :
1-قوله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) مع حديث سهل بن سعد قال : أنزلت : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود  ولم ينزل  من الفجر  فكان رجال إذا أراد الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد من الفجر فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار (متفق عليه) .
2- حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال " لما نزلت حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر قلت يا رسول الله إني أجعل تحت وسادتي عقالين عقالا أبيض وعقالا أسود أعرف الليل من النهار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وسادك لعريض إنما هو سواد الليل وبياض النهار " متفق عليه
3-حديث عائشة  إن بلالا يؤذن بليل فقال رسول الله  كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر أخرجه البخاري
أدلة القول الثاني :
1-حديث أبي هريرة مرفوعا : إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه  أخرجه أبو داود غيره وصححه الحاكم والألباني
2 حديث عاصم عن زر بن حبيش عن حذيفة قال :"تسحرت مع النبي  ولو أشاء أن أقول هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع"، أخرجه النسائي وابن ماجه وصححه الألباني.
3-حديث أبي غالب عن أبي أمامة قال: أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر قال : أشربها يا رسول الله قال نعم، فشربها، أخرجه أبو يعلى والطبري ، وصححه أحمد شاكر وحسنه الألباني .
ولهم أدلة أخرى نقلية ومن الأقيسة أيضا ذكرها الطبري في تفسيره نتركها لشدة ضعفها .
الترجيح
والصحيح الذي لا شك فيه ولا ارتياب هو القول الأول لأن الأحاديث في ذلك متفق على صحتها وقطعية في دلالتها قال القرطبي :"وتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (إنما هو سواد الليل وبياض النهار) الفيصل في ذلك"، وما استدل به المخالفون غير صحيح ولو صح منها حديث لوجب تأويله حتى لا يخالف نص القرآن والسنة الصحيحة.
أولا : وأما الآثار المروية عن الصحابة فالثابت منها ليس صريحا في المراد، وهي محمولة على المبالغة في تأخير السحور ، ولذلك حصر ابن عبد البر الخلاف مع الأعمش فقال في التمهيد (10/ 62):"وهو إجماع لم يخالف فيه إلا الأعمش فشذ ولم يعرج على قوله والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على هذا إجماع علماء المسلمين فلا وجه للكلام فيه".
ثانيا : وأما الأحاديث التي ذكرت حجة للمذهب الثاني فكلها مدخولة لا تصح.
1-فأما الحديث الأول فتفرد به حماد بن سلمة وهو متكلم في حفظه إذا روى عن غير ثابت وحميد، وقد اضطرب فيه فمرة رواه عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ومرة عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة، ومرة عن يونس عن الحسن مرسلا، ومرة عن حميد عن أبي رافع أو غيره عن أبي هريرة موقوفاً، وقد ضعفه أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه (رقم:340)
   وقد تأوله بعض الفقهاء بتأويلات على فرض صحته منها حمل الأذان على الأذان الأول، ومنها حمله على معنى أذان المغرب أو مطلق الأذان على معنى تقديم الطعام على إجابة النداء، أو على حالة الشك وعدم التبين كما هو مذهب ابن حزم.
2-وأما الحديث الثاني وهو حديث حذيفة، فقد اختلف في رفعه ووقفه وتفرد برفعه عاصم وهو متكلم فيه والصواب رواية من وقفه، أعله بهذه العلة النسائي كما في تحفة الأشراف، وابن القيم في حاشية سنن أبي داود، وشعيب الأناؤوط، وكذا مقبل بن هادي في أحاديث معلة (رقم:117) وبين أن لفظ الموقوف مخالف للمرفوع أيضا، وهو يدل على تأخير السحور فحسب.
3-وأما الحديث الثالث فضعيف أيضا، وقد تفرد به أبو غالب وهو ضعيف الحديث، ضعّفه أبو حاتم، والنسائي، وابن سعد، وابن حبان، وغيرهم ، ومن قواه فإنما قصده أنه يعتبر به وليس ضعيفا جدا، وإعراض أصحاب الكتب التسعة عن هذا الحديث يدلنا على وهنه وعدم الحاجة إليه في الفقه.
تفريع منهم
-على مذهب الجمهور : قال النووي في شرح المذهب (6/311) ذكرنا أن من طلع الفجر وفي فيه طعام فليلفضه ويتم صومه فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه وهذا لا خلاف فيه اهـ
-وعلى المذهب الثاني كما فهمه ابن حزم ، قال :"فَمَنْ رَأَى الْفَجْرَ وَهُوَ يَأْكُلُ فَلْيَقْذِفْ مَا فِي فَمِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ، وَلْيَصُمْ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ" المحلى (4/ 366).
-أما على مذهب الأعمش فالوقت ممتد حيث قال: لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت. وقد فهم الطبري أن الامساك عنده لا يكون إلا عند طلوع الشمس.

تم قراءة المقال 68 مرة