الأحد 16 جمادة الثاني 1431

من جنايات كرة القدم على جناب التوحيد

كتبه 
قيم الموضوع
(5 أصوات)

   الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلاّ على الظّالمين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وليّ الصّالحين، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، إمام الأنبياء وأشرف المرسلين، صلّى الله عليه وعلى آله الطّاهرين، وأصحابه الطيّبين، وعلى كلّ من اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

فقد سبق أن تحدّثنا طويلا عن حكم مشاهدة مباريات كرة القدم، الّتي طاشت لها الأحلام، وزلّت فيها الأقلام، وضلّت فيها الأفهام، حتّى عاد الواحد من أهل الحقّ، يظنّ نفسه على باطل لمخالفته لأكثر الخلق، وصلّى الله وسلّم على من قال وقوله الصّدق، وهو يتحدّث عن أنواع القلوب حال الفتن، أنّها تكون: ((عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )) [رواه مسلم].

 

من جنايات كرة القدم على جناب التوحيد

( قد عُرِف المنكر واستُنكـر   ***   المعروف في أيّامنا الصـّعبة

 وصار أهل العلم في وَهـدة   ***   وصار أهل الجهل في رُتبة

فقلت للأبرار من أهل التُّقى   ***   والدّين لماّ اشتدّت الكُربة

لا تنكروا أحوالكم قد أتت   ***   نوبتكم في زمن الغربـة )

وإنّ من أعظم المنكرات الّتي طفت على المجتمعات الإسلاميّة مصاحبَةً لهذه المنافسات، ومواكِبَةً لهذه المباريات: ذيوع مظاهر الشّرك والكفر بالله تعالى، وأكثر النّاس عنها غافلون، والمتفطّنون لها ساكتون.

وفي مقال قد سبق، كنّا قد ذكرنا بعض المخالفات العقديّة النّاجمة عن مثل هذه المباريات، كسبّ الدّين وربّ الأنام، والولاء والبراء في غير ملّة الإسلام.

فأردت في هذا المقال المختصر، أن أذكر ما وقعت عليه عيناي، وتثبّتت من سماعه أذناي، من مظاهر الشّرك والكفر بالله تعالى، لعلّ الكثيرين يرجعون إلى رشدهم، ويكفّون عن غيّهم، فيتذكّر الواقع فيها ويتوب إلى الكبير المتعال، ويعلم أهل الاستقامة أنّ ما يؤدّي إلى مثل هذه المظاهر ينبغي أن يزال.

من هذه المظاهر:

1-  السّجود لغير الله ( بالعاصمة ):

قد يعجب الكثيرون من ذلك .. أيُعقل أن يسجد مسلم لغير الله ؟! في بلد يعلن الإسلام لله ؟!

الجواب: ( إذا ضلّت العقول، فليس لضلالها حدّ معقول ) [" مجموع فتاوى ابن تيمية " (2/357)].

نعم، حدث ذلك قبل سنوات، سنة 1999م، يوم فازت !! إحدى الفرق المحلّية العاصميّة بالكأس أو بالبطولة أو نحو ذلك !!! واحتفل المشجّعون احتفالا مهيبا، وأتوا منكرا رهيبا ..

فقد وضعوا صورة مكبَّرة لأحد اللاّعبين على ( السّاعات الثّلاث ) بباب الوادي، فخرّوا لها سُجّدا !!

فهل سمعتم من أنكر ذلك ؟

جواب أكثر القرّاء: بل لم نسمع إلاّ السّاعةَ بهذه المهالك !

2-  الذّبح لمن ينادونه " سيد بَالْوَى " ( ببلاد القبائل ):

فريق قبائليّ، لا يُقدِم على منافسة ذات بال، تجرّ عليهم الشّهرة والأموال، إلاّ وهرعوا إلى سيدهم ( بالوى )، فأتوا بأعظم منكر وبلوى ..

إنّهم يقصدونه فيذبحون عنده القرابين، له أو به متوسّلين ! وقالوا: إنّما نحن متبرّكون، والله يقول:{ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ } [يس: (74)].

ومن أجل أنّ الفريق كان محلّيا محدودا، فقد كان عدد المتبرّكين والمتقرّبين محصورا معدودا، أمّا والخطب جلل، يمسّ المنتخب البطل، فلن تجد إلى معرفة العدد سبيلا، ولسان حالهم: حـبّ الكـرة يـبـرّر الوسـيـلـة.

ومن الجدير بالتّنبيه عليه في هذا المقام للفائدة، أن نتساءل: من يكون هذا الوليّ الصّــالــــح ؟

إنّه في حقيقة الأمر رجل فرنسيّ يُدعى Valoie، عاش ومات هناك ..

وهل مات مسلما يا إخوان ؟ .. ففي المسألة قولان.

وإن كان مسلما، فهل كان عابدا من الصّالحين ؟ أو من العلماء العاملين ؟

لا أحد يستطيع الجزم بشيء في أمره، ولا البتّ باليقين في خبره، ولكنّ الكـرة رفعت الخلاف وقطعت الكلام، فأدخلته من الباب العريض في ملّة الإسلام.

3-  التبرّك بتربة الملعب ( بالبليدة ):

لقد شهد ذلك ( الملـعـب ) انتصارا عظيما !!

وليس ذلك إلاّ لخصائص قد أُودِعَت فيه ..

فبحث الحكماء ! عن سرّ ذلك، فرأوا أنّ من أعظم ما يكشف الكربة، هو التبرّك بتلك التّربة، فما عاد بعض المشجّعين ينتقلون إلى بلد من البلدان المنافِسة، إلاّ واصطحبوا معهم من تلك التّربة المقدّسة ..

وهكذا يعود الشّرك من جديد .. ويجنِي حبّ اللّهو على جناب التّوحيد ..

قال ابن إسحاق رحمه الله:" فأوّل ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل عليه السّلام، أنّه كان لا يظعن من مكّة ظاعنٌ منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد إلاّ حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم، فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة، حتّى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة ..".

4-  التبرّك بعين الفوّارة ( بسطيف ):

وهذا أمرٌ مشهور من قديم، ولكنّه استفحل هذه الأيّام، وحمل لواءه الخواصّ والعوامّ، فلا يقترب موعد مباراة من المباريات إلاّ ويطوف المشجّعون حول تلك العين ( المقدّسة !) لعلّهم إلى مآربهم يصلون، ويحقّقون ما يؤمّلون.

وكأنّها صلاة استخارة، أو رقية من الهزيمة والخسارة ..

5-  صنم المدرّب ( بباتنة ):

لقد عزم أهل الأموال الطّائلة، والثّروات الهائلة، أن يقِيموا تمثالا ( صنما ) تشريفا للمدرّب الجليل، وعرفانا له بالجميل، وإن قلت هذا حرام، قالوا: ما على المحسنين من سبيل. 

6-  الأضحية صرفت لغير الله:

حتّى الأضحية لم تسلم من خدش بعض المشجّعين .. فصرفوها لغير ربّ العالمين ..

فقد سمعنا من هنا وهناك على موجات الإذاعات المحلّية والوطنيّة تصريحات الرّجال وربّات الحجال، والشّيوخ والأطفال، – وكأنّهم تواصوا به – فعزموا أن تُهدَى أضحية هذا العام للمنتخب الوطنيّ ..

والله من فوق سبع سماوات ينادي عباده قائلا:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام].

7-  إلقاء ماء البحر على جنبات العارضتين اتّقاء السّحر:

هل أتاك نبأ الرّقية بسبع أمواج من ماء البحر ..

إنّها من فنون السّحرة والمشعوذين .. ولكن كلّ شيء يهون في سبيل نصرة اللاّعبين ..

لقد علموا أنّ السّحر يكثر عند الأحباش والأفارقة، فقالوا: لا بدّ من الرُّقى لننتصر انتصار العمالقة ..

فأخذوا معهم إلى أراضي المعركة ماء البحر الأجاج .. ولكن بشرط أن يكون من سبع أمواج ..

ثمّ تُتلى عليها بعض الكلمات من القرآن ! من الأذكار النّبويّة ! من البوقالات الشّركيّة !..

لا أحد يعلم شيئا من ذلك .. المهمّ هو اتّخاذ كلّ المسالك، للنّجاة من الهزائم والمهالك ..

ثمّ يأتون بذلك الماء إلى ( مرمى الحارس ) فيرشّون به العارضتين، حتّى يكون له وقاية من السّحر والعين ...

8-  الاستهزاء بآيات الله:

ويعلم الله أنّي أكتب هذه الأسطر، وإنّ القلب ليتفطّر كمدا وغمّا، ويضيق الصّدر حزنا وهمّا، لما حلّ ببلاد الإسلام ..

وأرجو من القارئ أن يستعين بالله وهو يقرأ ما كتبه أحد السّفهاء، على صفحات جريدة " الشّروق " [العدد 2715 بتاريخ 20 رمضان 1430 هـ الموافق 10 سبتمبر 2009 م]..

في شهر القرآن، حيث فتّحت أبواب الجِنان، وغلِّقت أبواب النّيران، وصُفِّد فيه الشّيطان .. ترى بعض أبواب الجحيم قد فُتحت، وكثير من شياطين الإنس قد أرسلت .. فقد جاء في المقال المشار إليه – وناقل الكفر ليس بكافر كما نبّه العلماء عليه -:

" وإذ قال شحاتة لسمير زاهر: إنّي رأيت أحد عشر لاعبا ( يقصد المنتخب الجزائري )، ورواندا وزامبيا رأيتنا معهم خاسرين. قال: يا شحاتة، لا تقصص رؤياك على اللاّعبين فيطيح لهم المورال، وقل للصّحافة إنّ هذا من كيد الجزائريّين.

وقال شحاتة: إني أرى سبع نقاط خضر، وأربع مصريات، وتسع نقاط باقيات، يا أيّتها الصّحافة أفتوني في رؤياي إن كنتم للرّؤيا تعبرون.

قالوا: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.

وقال سمير زاهر وادّكر بعد أمّة أنا آتيكم بتأويله فأرسلون .. سعدان أيّها المدرّب الكبير أفتنا في سبع نقاط خضر وأربع مصريّات وتسع باقيات. قال: تلعبون ثلاث مقابلات تتعادلون في الأولى وتخسرون في الثّانية وفي الثّالثة تتبهدلون " اهـ.

فنسأل الله ألاّ يؤاخذنا بما يقوله السّفهاء منّا.

يقول الله تعالى:{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) } [التّوبة].

وكان لزاما على الهيئات الرّسميّة، بل حتّى الأفراد أن يرفعوا على هذا السّفيه قضيّة يلزمونه فيها بالتّوبة أو السّجن.

ولكن .. الأمّة في سكر .. وكثير من أهل التديّن يجدون لهم العذر .. والله المستعان. 

وقريب من ذلك أنّهم كتبوا يصفون المنتخب ! قائلين: " رجال صدقوا ما عاهدوا عليه " !!

9-  الاستهزاء بسنّة وسيرة النبيّصلّى الله عليه وسلّم:

رأيناهم كتبوا على الجرائد والمجلاّت، وبالبنط العريض على اللاّفتات، عبارة: ( اذهبوا إلى السّودان، فإنّ بها ملكا لا يظلم عنده أحد ).

فتأمّلوا كيف يقتبسون من تلك اللّحظات الحرجة الّتي مرّ بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم  وأصحابه، وينزّلونها على اللّعب واللّهو، والصّخب واللّغو.

10-بين التطيّر الممنوع، والتبرّك غير المشروع:

عجبا من بعضهم تراه يصرّح في وقاحة، ويَوْقُحُ في صراحة، فيقول: لا بدّ من أن يرتدِي المنتخب اللّباس الأبيض في كلّ لقاءاته ..

هل لأنّ اللّباس الأبيض ممّا استحبّه الشّرع الحكيم، وجعله أفضل لباس على لسان النبيّ الكريم ؟

لا، إنّ القائل بذلك فكّر وقدّر، فرأى أنّه ما من مرّة لعب ! فيها المنتخب البطل ! باللّباس الأبيض إلاّ حقّق الانتصار، أو على الأقلّ سلِم من الهزيمة والعار ..

فهاهم يتبرّكون بما ليس بمشروع، ويتطيّرون بغير ذلك من الألوان والتطيّر ممنوع، يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ رَدَّتْهُ الطَّيَرَةُ فَقَدْ قَارَفَ الشِّرْكَ )) [رواه الإمام أحمد وغيره، انظر تخريجه في " السّلسلة الصّحيحة " (1065)]. 

وترى بعضهم بلغ الغاية في السّذاجة، فبشّر الأمّة بالنّصر المبين في منافسات ( كأس العالم ) يوم (18) .. وقال في انبهار: أبشروا ولا مخافة أيّها الأنصار !.. فإنّ  الرّقم  (18) مبارك على الأمّة .. فهو تاريخ الانتصار وزوال الغمّة [يقصد 18 نوفمبر، و18 جانفي] !!!

فمن يقوم لأهل هذا الغباء .. ويُسكت عنّا هؤلاء الغوغاء ؟

***

هذه بعض مظاهر الشّرك والكفر الّذي ذاع وانتشر، وما خفي علينا فهو أعظم وأكثر.

فهلاّ قُطِع مثل هذا اللّهو واللّغو عن هذه الأمّة كما قطع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه الشّجرة الّتي ظنّ النّاس أنّها بيعة الرّضوان، خوفا من أن يدبّ الشّرك بالله من تعظيمها ؟

مع أنّ البون شاسع، والفرق واسع بين هذا وذاك، فتلك شهدت بيعة الرّضوان الّتي عظّمها وخلّدها التّنزيل، وما يفعلونه إنّما هو من قبيل اللّعب في ثوب جدّ هزيل .. 

لقد أخذ الشّيطان عهدا أن يضِلّ أكثر النّاس، وينزع عنهم أحسن لباس، كما قال الله تعالى في محكم تنزيله:{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ (20)].

فنقول لأمّتنا الحبيبة:

لئن كنت ولا بدّ تسيرين في طريق اللّعب واللاّعبين .. فاحذري من الوقوع في الشّرك والكفر المبين ..

ولئن كنت تريْنَ أنّ من حقّك سلوك هذا السّبيل .. فاعلمي أنّ التّوحيد حقّ الله العليّ الجليل ..

ولئن أصبح جِدُّكِ لعباً، ولعبُك جِدّا، فتذكّري أنّ الشّرك يهدّ أركانك هدّا ..

ولئن نسِيت القِيم، وغفلت عن طلب القمم، فلا تغفلي عن حقّ الله مولي النِّعم ..

ولئن كذبوا عليك وقالوا: حبّ الكرة من الإيمان ! فاعلمي أنّ حبّ الله وتوحيده وتعظيمه هو أصل الإيمان ..

نسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يردّ المسلمين إلى دينهم ردّا جميلا، وأن يجعل لهم إلى الرّشد والخير سبيلا، وأن يحفظ أمّتنا ووطننا من كيد الكائدين، وتهريج المهرّجين، وأن يوفّق حكماءها إلى الأخذ بأيدي رعيّتهم إلى ما فيه صلاح دينهم الّذي هو عصمة أمرهم، وأمر دنياهم الّتي بها معاشهم، وأمر آخرتهم الّتي إليها معادهم.

سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 

تم قراءة المقال 3977 مرة