قيم الموضوع
(2 أصوات)

طائفة القاديانية

 

   الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده : أما بعد فهذه رسالة مختصرة في الرد على طائفة القاديانية ألفها الشيخ محمد الخضر حسين الجزائري رحمه الله شيخ الأزهر السابق المتوفى عام (1377) الموافق لـ(1958م)، وهي رسالة على اختصارها وافية بالمقصود لطالب الحق، فيها تعريفٌ بمدعي النبوة غلام أحمد القادياني لمن يجهله وكشفٌ لحقيقته عند من يعرفه، ورأيت أن أنسخها ليسهل نشرها وتداولها، وقد اعتمدت على طبعة المؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر (1986) وقابلتها بطبعة كويتية بتحقيق سعد المرصفي وأثبت الفروق بينهما، وخرجت أحاديثها، كما علقت عليها ببعض التعليقات التي رأيتها مكملة لمقصود المؤلف نسأل الله تعالى أن ينفع بها.

 

 

طائفة القاديانية

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

    بُعث محمدٌ صلى الله عليه وسلم بشريعةٍ واضحةٍ لا يَحوم عليها لَبس، محكمةٍ لا تَدنو منها شبهة، وتلقاها عنه رجال صَفَت بصائرهم وتناهت في فهم سُبل الخير عُقولهم، فبلَّغوها كما أُمرِوا، وجاهدوا في سبيلها حتى انتصروا، وما زال الدين الحق ولن يزال رفيع الدعائم محفوظا مِن أن تلعب به يد الأهواء والمكايد، والفضل في هذا الحفظ للكتاب الكريم والسنَّةِ الصحيحة، فإنَّهما قد وَجدا –وسيَجِدان- في كل عصر عقولا تنظر فيهما، وهي مُبرَّأةٌ من كل عِوَج بعيدةٌ من كل هوى فسرعان ما تبصر الحقائق محفوفة([1]) بحجج تقطع لسان كل جهول، وتفضح سريرة([2]) كل خَتَّال فخُور، قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر/9].

 

    وقد دلَّنا التاريخ الصادق أنَّ الدين الحنيف يُبتلى في كلِّ عصر بِنُفوس نزَّاعة إلى الغواية، فتَتَنَكَّب عن الحقائق، وتمشي في تحريف كَلِمِهِ مُكِبَّةً على وجهها.

 

   وليس هذا الإغواء بمقصور على مَن يدَّعون التفقُّه في الدين ولم يتفقَّهوا، ككثير من زُعماء الفرق المنحَرِفَة عن الرُّشد، بل يتعداهم إلى فِئَةٍ تُسَوِّل لهم نُفُوسُهم ادعاء أنهم مَهبَط الوَحي، وأنهم يتَلَقَّون ما يقولونه بأفواههم من الله تعالى بِدُون وَسيلة كتابِهِ الحكيم وحديثِ رسولِه الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

ومن مُدَّعِي النُبُوَّة مَن يذهَب فينقَطِع دابِرُه، كالحارث بن سعيد الذي ظهر أيَّام عبد الملك بن مروان، واغتر به خَلقٌ، حتى وقع في يد عبد الملك فقَتَلَه، ولم يبقَ له في الأرض أثر، وكإسحاق الأخرس الذي ظهر في خلافة السفَّاح واتبعه طوائف، وقُتِل فانقَطَعَت فِتنَتُه.

 

   ومن مُدَّعِي النُبُوَّة مَن يبقى لدعوته أثرٌ بعد موتِه، كالحسين بن حمدان الخَصيبي الذي نَشَرَ في جبال حَمَاة واللاذقيَّة النحلَة التي يتمسَّك بها النصيريَّة اليوم.

 

   ومِن هذا الصنف غلام أحمد مُبتدع النحلة القاديانيَّة.

 

   كثيرا ما وَرَدتنا رسائل مِن البلاد العربية وغيرها كأمريكا يَسأَل كاتِبُوها عن أصل هذه النحلة ومَبلغ صِلتها بالإسلام، بالأحرَى بعد أن ظَهَر المقال الذي كَشَفنا فيه الغِطاء عن النحلة البهائيَّة، ونشرناه في الجزء الخامس من المجلَّد الأول من مجلَّة نُور الإِسلام، ووَرَدَتنا أسئلة أخرى مطوية([3]) على ما صرَّح به دعاة هذه النحلة من الآراء، ويقترح مُرسِلوها نَقدَ هذه الآراء، وتحذيرَ المسلمين مِن الوقوعِ في مهالكها، ولَم نَشَأ التعرُّض للكتابة في شَأنِها قبل اليوم، إذ لم يكن لدينا مِن كُتُب أصحابها ما نطَّلع به على أساسها ونَعرِف منه حال واضِعِها.

 

   وقد انساق إلينا اليوم مِن كُتُب مبتدعها غلام أحمد وبعض دُعاتِها ما جعلنا على بيِّنة من أمرِها! وها نحن أولاء نَضَعُ أمام حضرات القراء فصولا فيما تقوم عليه هذه النحلة من المزاعم الخاطِئَة، ونُلقي عليهم كلمات في نَشأة وَاضِعِها، ليكونوا على بصِيرة مِن أنَّها دَعوى زائغة([4])، ولا يَغيبُ عنهم أنَّ دُعاتَها الذين يَجُوسُون خلال دِيار الإسلام إنَّما يُثيرون في نفوس شبَابِنا فِتنَة، والفتنة أشدُّ مِن القَتل.

 

 

 

غلام أحمد : أصله وولادته ونشأته

 

 

 

    ساق غلام أحمد نَسبه فذكر أنَّ آباءه كانوا يسكنون "سمرقند"([5]) ثم رحلوا إلى الهند، واستوطنوا "قاديان" وصارت لَهم الرياسَة في تِلك الناحية، ثم دارت عليهم الدوائر، وانهالت عليهم المصائب، وذَهَبَت عنهم تلك الرياسة، ونُهِبَت أموالهم، وقال:" ثم ردَّ الله إلى أبي بعض القُرى في عهد الدولة البريطانية".

 

  وُلد غلام أحمد سنة 1252هـ، ولما بلغ سِنَّ التعليم شَرع في قِراءة القُرآن وبعضِ الكُتُب الفارِسية، ولما بلغ العاشرة مِن عمره تعلَّم اللغة العربية، ولما بلغ السابعة عشر اتصلَ بأستاذ فتلقى عنه النحو والمنطق والفلسَفَة، وقرأ على أبيه كتباً في عِلم الطب، وأمَّا العلوم الدينية فلم يدرسها على أيِّ مُعلِّم، وإنما كان له وُلُوع بمطالعتها([6]).

 

   وعندما قَطع مسافةً في التعلم كانت السلطَة البريطانيَّة قد امتدت على البِنجَاب، وكان الشبان يطمحون إلى المَنَاصِب فاندفع غلام أحمد يبحث عن وَظيفة، فذهب إلى "سيلكوت" وتقلد وظيفةً في إدارة نائب المندوب السامي، ثم استقال مِنها بعد أربعة أعوامٍ إجابةً لرغبةِ أبيه الذي رَأى نفسَه في حَاجةٍ على مُساعدتِه له في إدارة شؤونه الخاصة.

 

   وفي سنة 1876م([7]) مرِض أبُوه، فزَعم غلام أحمد أنَّه نَزَل عليه وَحي مِن الله بأنَّ أبَاه سَيمُوت بَعدَ الغُروب، وكَان هذا الإخبار في زعمهم أوَّل وحي نَزَلَ عليه، وأخذَ بعد هذا يُصرِّحُ بِبَعض آراء، زاعماً أنه يتلقاها مِن طَرِيقِ الوَحي، وكان المسلمون يُلاقون هذه المزاعِم بالإنكار الشديد، فَرَحل إلى بلدة "لودهيانة" وأذاع منشوراً أعلن فيه أنَّهُ المسيح المُنتَظر، فقام في وجهِهِ عُلماء الشريعة بالإنكار، ومِن بين هؤلاء العلماء "مولوي محمد حسين" صاحب جريدة "إشاعة السُنَّة"، (ودعا مولوي محمد حسين كثيرا من العلماء) ([8]) إلى "لودهيانة" لمناظرة غلام أحمد، ولكنَّ الوالي "الكوميسر" في هذه الناحية كان في جَانبه، فمَنَع مِن عَقد المُناظَرَة وأرغَمَ "مولوي محمد حسين" ومَن معه من العلماء على مُغادرة البَلَد في اليوم نفسِه.

 

   ثمَّ انتقل غلام أحمد إلى "دهلي" داعياً إلى نِحلَتِهِ، فواجَهَهُ العلماء بالإنكار، وطَلَبُوه للمناظرة فيما يَدعو إليه، وقرَّروا أن يتولى مناظرَته "مولوي نظير حسين" أستاذ الحديث، فلم يُجِب غلام أحمد للمناظرة، ولكن –كما يقول أتباعه- دعا "مولوي نظير حسين" إلى المباهلة: بأن يَحلِف هذا الأستاذ على أن عيسى بن مريم عليه السلام لم يَزل حيّاً، وإذا حَلَفَ ولم ينزِل عليه في خلال سنةٍ بلاءٌ يَكون غلام أحمد كاذباً في نُبُوَّتِه، ولكن "مولوي نظير حسين" ومن معه من العلماء أَبَوا أن يسلكوا مع غلام أحمد هذه الطريقة بَدَل ما دَعَوه إليه من المناظرة.

 

    وبعد هذا دعا أهالي "دهلي" مولوي محمود بشير من مدينة "بهوبال" لمناظرة غلام أحمد، وحكى هذا "محمود بن غلام أحمد" ولم يزد على أن قال:" وطُبِعَت هذه المناظرة".

 

   وفي سنة 1892 ذهب إلى "لاهور" أيضا، فَجَرَت بينه وبين مولوي عبد الحكيم مناظرة، ذكر هذه المناظرة أيضا محمود بن غلام أحمد، ولم يتعرض لِوَصفها أو لِمَن كان الفوز في نهايتها([9]).

 

   وفي سنة 1896 عُقد مُؤتمر الأديان في "لاهور" وحضره مُمَثِّلو مِلل كثيرة، ويقول محمود بن غلام أحمد:"إن غلام أحمد هو الذي اقترح عَقدَ هذا المؤتمر، وغَرضه من هذا الاقتراح تعريف العالَم بحقيقة رسالته"، وقالوا: إنَّه كان عندما شرع في كتابة المقال الذي أراد إلقاءه في المؤتمر أخَذَه إسهَال عَنِيف، ثم أتَمَّه، وزعموا أنَّه أُوحي إليه بأنَّ مَقَاله سيَفُوقُ كلَّ مَا يُلقى في المُؤتمر، ولا يُنتظر مِنهم بَعد هذا إلا أن يقولوا: إنَّ مقاله في المؤتمر فوق كلِّ مقال، وذَكروا أن أتباعه إلى ذلك الحين لا يَزِيدون على ثلاثمائة شخصٍ.

 

   وفي سنة 1897 دعا "حسين كامي" سفير تركيا في البنجاب غلام أحمد للاجتماع فلم يُجب، فذهب إليه بِنَفسه، وسَمِع منه ما يدَّعيه مِن نُزُول الوحي، وبَعد انصرَافه عنه نَشر في صُحُف "لاهور" مقالا أنكر فيه ما يدَّعيه غلام أحمد أشدَّ الإنكار، وكان لِهذا المقال أثرٌ في ازدياد حَنَق المسلمين على غلام أحمد في تِلك البلاد.

 

   وفي تلك السنة نَشَر غلام أحمد تَحت عُنوان "الصلحُ خَير" خطاباً لعلماء الإسلام، يدعوهم فيه أن يكفُّوا عن معارضَته والتشنيعِ عليه مدَّة عشر سنين، فإذا كان كاذبا فسيصادفه ما يُظهر كَذِبه، وإذا تبيَّن صدقه فستكون هذه الهدنة سبباً لمعرفتهم للحق، ونجاتهم مِن العقاب الذي سيُنزله الله على مَن يُناوئونه.

 

   ولم تَجِد هذه المكيدة عِند علماء الإسلام غباوةً، فرفَضوا هذا الاقتراح واستمروا في تفنِيد آرائه وتَحذير الناس مِن السقوط في ضلالَتِه.

 

  وفي هذه السنة قَصدَ غلام أحمد إلى التخلُّص مِن حَملَة المنكرين عليه، فلجأ إلى حاكم الهند العام وقدَّم له مطلباً قال فيه: (إن أصل اضطراب الهند هو المشاغبات الدِينيَّة، فيَجِب وَضع قانونٍ يُسوِّغ لأتباع كُلِّ دِين إظهارَ حقائق دينهم ويَحمِيهم مِن تعرُّض غيرهم لَهم).

 

  وفي سنة 1898 وضع لأتباعه قانونا هو أن لا يُزَوِّجوا بناتهم لِمن لم يكن مصدِّقا بنُبوَّته، وفي هذه السنة أسَّس مدرسة بقاديان لتعليم أبناء شيعته حتى يَشِبُّوا على مبادئ نِحلَتِه.

 

   وفي سنة 1900 بنى مسجدا بقاديان، ولكن أقارِبَه الذين سلَّمهم الله من نَزَغاته بَنَوا أمام هذا المسجد جداراً جَعَل أشياعه لا يَصِلُون إلى المسجد إلا بَعد أن يَمشوا مسافةً طويلةً، فرفع غلام أحمد دَعوى فقَضَت المحكمة بإِزَالة الجدار.

 

  وفي هذه السنة ألقَى على طائفته الخُطبة التي يسميها "الخُطبة الإلهاميَّة"، وأتباعُه يعدُّونها من معجزاته، وسَنَنقُل فيما بعد شيئاً من هذيانها وضَلالاتها.

 

  وفي سنة 1901 أمر أتباعه بإحصاء عددهم وتقييد أسمائِهم في سِجِل، قال ابنه محمود بشير:" وكانت هذه السنة مبدأَ التفريقِ بينهم وبينَ المسلمين".

 

  وفي سنة 1902 أصدرَ مجلةً لنشر مذهبه سماها "مجلة الأديان"، وهي تنشر باللغتين: الأوردية والإنكليزية ، وكان يَكتُبُ فيها بعضَ مقالاتٍ بنفسِه، وفي هذه السنة أقام عليه السيد كريم الدين قضيَّة ادعى فيها أنه تَنَاوله بالقذف، واستُدعِيَ غلام أحمد إلى المحاكمة ببلدة "جهلوم" وحضر لدى المحكمة وقضت ببراءَتِه.

 

   وفي سنة 1903 قُتِل أحدُ دُعاة مذهبه وهو السيد عبد اللطيف بمدينة "كابل"، بسبَب مُروقه من الدين، وفي هذه السنة كَتب غلام أحمد مَقالا خَرج فيه إلى شَتم السيد كريم الدين حتى قال عنه:"إنه كذاب لئيم"، فرفع عليه السيد كريم الدين قضيَّة قذف ثانية، واستدعي غلام أحمد إلى المحاكمة في بلدة "جردسبور" فَقَضَت المحكمة بغرامة قَدرها 500 روبية، فاستأنف القضيَّة لدى محكمة "أمرتسر" وكان القاضي إنجليزياً فَنَقَض الحُكمَ وقضى بِبَراءته.

 

  وسافر بعد ذلك إلى "لاهور" و"سيلكوت" ليخطُب داعيا على مذهبه، فأصدر العلماء هناك منشوراً ينصحُون فيه الناس (بأن لا) ([10]) يستمعوا إلى خُطَبِه، وخَطَب مرَّة واحدة فَثَار الناس عليه بالإنكار وحاولوا رميه بالحجارة، ولكنَّه كان كما هو شأنه في هذه المواقع محاطا بالشرطة (البوليس) ([11]) فحَمَوهُ حتى ركِب القطار هَارِبا.

 

  وفي سنة 1905 أسَّس مدرسة دينية عربية في قاديان لتخريج دعاة عارفين بمقاصد نِحلَته، وفي هذه السنة سافر إلى "دهلي" فقام العلماء في وجهه، ولم يتمَكَّن مِن الخطابة في مَحَلٍّ عام، إلا أنَّه دعا طائفة إلى المنزل الذي يقيم فيه ليَبُثَّ بينهم مبادئ مذهبه، فلَقِيَ مِن بعض الحاضرين مُعارَضة وإنكاراً، فغادَرَ المدينة خائباً.

 

وعند عودَتِه من "دهلي" مرَّ على بلد "أمرتسر" وعزم على إلقاء خُطبة في قاعة المحاضرات، وجاء العلماء يُحذِّرون الناس من الاستماع إليه، ولَمَّا دخل قاعة المحاضرات وأخذ يخطب، قدَّم أحدُ له أتباعِه قَدَح شَاي، وكان الاجتماع في نهار رمضان، فأخذ منه الرشفَةَ الأولى، فصاحَ الحاضرون بالإنكارِ عليه، فأجابَ بأنَّه مُسافر وقد رُخِّص للمسافرِ الفطر في رمضان، ووقع عَقِبَ هذا هِياج فانقطعَ عَن الخَطابة وانصرَف في حِماية الشرطة (البوليس) ([12]) واضطر إلى مغادرة المدينة.

 

  وفي سنة 1905 زعم أنَّه أُوحِيَ إليه أنَّ أجله قد قَرُب وكَتَبَ الكتاب المعروف عندهم بالوصاية، ولكن أجله امتد بعد هذا نحو ثلاث سنين، وفي هذِهِ السنة زعم أنَّه أُوحِيَ إليه بإِنشَاء مَقبرة خاصة لأتباعِهِ، وفَرَض على مَن يُريد الدفنَ فيها أن يَهب لِخَزِينتهم رُبع ماله.

 

  وفي سنة 1907 قامت حركةٌ وطنيةٌ في "البنجاب" فانحَازَ غلام أحمد إلى جانب الحكومة، وأذاعَ منشوراً دَعَا فيه أتباعه إلى موالاة الحكومة ومساعدَتِها على إخماد الحركة الوطنية، ففعلوا!

 

  وفي هذه السنة انعقد مؤتمر الأديان في "لاهور" وحضره مندوبو الديانات، وبعث غلام أحمد مقالاً ليُقرأ في المؤتمر، ولمَّا قام أحدُ أتباعِه لقرَاءَتِه قابله جماعةٌ مِن الحاضرين بالازدراء ورَمَوه بكلمات الاستهزاء.

 

  وفي سنة 1908 ذهب إلى "لاهور" وعندما وصل إليها أنكر المسلمون مَجيئَه، وصار العُلماء يَجتَمعون كلَّ يوم بعد صلاة العصرِ في بَرَاح حول مَنزله، ويُلقون خُطَبا يُحذِّرون فيها الناس من الاغترار بِمزَاعِمِهِ.

 

  وكان غلام أحمد مُبتلى بإسهال مُزمِن، فاشتدَّ عليه وهو في "لاهور"، ومات في مايو من هذه السنة 1908 الموافقة لسنة 1326 هجرية، ونُقِل إلى قاديان ودُفن بِها، وانتَخَب أتباعه لرياسة المذهب حكيم نور الدين حتى مات سنة 1914، فانتقلت الرياسَة إلى بشير الدين محمود ابن واضِعِ هذه النحلَة غلام أحمد، وَهُو رئيسهم لِهذا العهد([13]).

 

 

 

ادعاء غلام أحمد الوحي والنبوة والرسالة

 

 

 

   يَزعم غلام أحمد أنَّه ينزل عليه الوحي، ومِمَّا قاله في الخطبة الإلهامية:«هذا هو الكتاب الذي أُلهِمتُ حصَّةً منه مِن ربِّ العباد في يَوم عيدٍ مِن الأعياد»، ثم قال:« بل هي حقائق أُوحِيَت إلي مِن ربِّ الكائنات»، ثم قال: (وقد أوحي إليَّ مِن ربي قَبلَ أن ينزل الطاعون أن اِصنَع الفُلك بأعيُنِنَا ووَحيِنَا).

 

  ولم يدَّعِ أحدٌ مِن الصحابة ولا السلَفِ الصالِحِ أنَّه يأتيه الوحي مِن الله، ولو اقتصر غلام أحمد على دعوى الوحي لقلنا : لعله يُريد مِن الوحي الإلهام، كما قال تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا) [النحل/68] ويَبقى النظر فيما زَعَمَ مِن الإلهام، فإن كان موافقا لنُصُوص الدين وأُصُوله سكتنا عنه، وإن كان مخالفاً لشيء مِنه رددنَاه، لكنَّه يصرِّحُ في كُتُبِهِ بأنَّه نبيٌّ ورسولٌ، قال في الخطبة الإلهامية: (أرأيتم إن كنتُ من عند الله، ثم كذبتموني فما بالكم أيها المكذبون)، وقال: (وإنكم ترون كيف تنصَّر الناس وارتدوا من دين الله، ثم تقولون ما جاء مُرسَل من عند الله، ما لكم كيف تَحكمون) وقال: (فأنعم الله على هذه –يعني أمة الإسلام- بإرسال مَثِيلِ عيسى، وهل يُنكِر بَعدَه إلا العمون)، وقال: (وكان عيسى عَلَماً لِبَنِي إسرائيل وأنا عَلَمٌ لكم أيها المُفَرِّطُون)!

 

   وفي مَنشور لأصحابه عُنوانه "شَرائط الدخول في جماعة الأحمديَّة" ما نصُّه:«إنَّ المسيح الموعود –يعني غلام أحمد-كان مرسلا من الله تعالى، وإنكارُ رُسل الله تعالى جَسَارة عظيمة قد تُؤَدِّي إلى الحرمان مِن الإيمان»، وقال أحد دعاتهم (أبو العطاء الجلندهري):«كلَّمَ الله أحمد –يعني غلام أحمد –بجميع الطرُق التي يُكلِّم بها أنبياءَه، لأنَّ الأنبياء في وصف النبُوَّة سواء»([14]).

 

   يدَّعي غلام أحمد النُبوَّة والرسالة غيرَ مبالٍ بالقرآن والسنة وإجماع الأمة، ففي هذه الأصول الثلاثة حُجَجٌ على أن المصطفى صلوات الله عليه هو آخر النبيين والمرسلين، أما القرآن ففي قوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب:40) فعلى قراءة "خاتِم" بكسر التاء يكون وصفاً له عليه الصلاة والسلام بأنَّه خَتَم الأنبياء، أي لا ينال أحد بعده مقام النبوة، فمن ادَّعاها فقد ادَّعى ما ليس له من سلطان، وقراءة "خَاتَم" بفتح التاء ترجع إلى هذا المعنى، فإن الخاتَم بالفتح كالخاتِم بالكسر يُستعمل بمعنى الآخِر، ذَكَرَ هذا عُلماء اللغة، وجَرَى عليه المفسرون المحقِّقُون، وجاءت السنة الصحيحة مُبنية لهذا المعنى، ففي صحيح الإمام البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:« كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي »([15]).

 

   وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ »([16])، وفي رواية لمسلم عن جابر رضي الله عنه :« فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ جِئْتُ فَخَتَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ»([17]). وروى الإمام أحمد بسنده إلى أبي الطفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي إِلَّا الْمُبَشِّرَاتِ قَالَ قِيلَ وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ أَوْ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ »([18]) إلى غير هذا من الأحاديث وآثار الصحابة الصريحة في أن النبوة انتهت بِنُبُوته عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا انعقد إجماع المسلمين([19])، وأصبح بِمنزِلَة المعلوم مِن الدين بالضرورَة، قال الإمام ابن كثير عند تفسير: (وخاتم النبيين) :«وقد أخبر الله تعالى في كتابه ورسوله في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذَّاب أفَّاك دجال ضال»، وقال الألوسي في تفسيره :«وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيِّين مما نطق به الكتاب وصَدَعَت به السنَّة وأجمعت عليه الأمَّة فيَكفُرُ مُدَّعي خِلافِه».

 

  وما كان لمسلم أن يؤوِّلَ القرآن والسنة الصحيحة تأويلَ من لا ينصحُ لله ورسولِه ليُجِيب داعيةَ هوى في نفسه، وانظروا إلى غلام أحمد وطائفته كيف تَخبَّطوا في تأويل (وخاتم النبيين) وما يُبيِّنُها من الأحاديث المحُكَمَة، ولا داعي لهم إلى هذا التخبُّط إلا أنَّ رجلاً من "قاديان" استحبَّ الهوى على الهدى، فادَّعى أنَّه نبيٌّ مرسل، ومَلَأَ فمه باللغو وقول الزور والتمَلُّقِ لغيرِ المسلمين.

 

   ومن وجوه تأويله حمله لحديث :«لا نبي بعدي» على معنى أنه لا يأتي بعده نبي من غير أمته([20]). وهذا الوجه اختلسه من متنبئ آخر يقال له إسحاق الأخرس ظهر في أيام السفَّاح، فإنَّه زعم أن ملكين جاءاه وبشَّراه بالنبُوَّة فقال لهما: وكيف ذلك وقد أخبر الله تعالى عن سيدنا محمد أنه خاتم النبيِّين؟ فقالا له: صدقت ولكن الله أراد بذلك أنَّه خاتم النبيِّين الذين هُم على غَير مِلَّتِه وشريعَتِه.

 

  وليس الوحي عند هذه الطائفة بمقصور على زعيم نِحلتهم، بل يدَّعون أن أتباعه أيضا ينزل عليهم الوحي، ومما رأيناهم في منشور وضعه رئيسهم لهذا العهد، وترجمه عبد المجيد كامل وطبع في مصر:«أنَّ طريق الوحي لا يمكن أن يُسد في وجوه الناس»، وفي هذا المنشور:«أنَّ المهدي والمسيح قد ظهر في الهند بمحل يُقال له "قاديان" وأنه يوجد الآن آلاف من حوارييه يستمعون الوحي الإلهي» وما زعم غلام أحمد أنَّه أوحي به إليه: (وإني جاعلك للناس إماما ينصرك رجال نُوحي إليهم) ([21]).

 

   فبأيِّ لسان يدعون الوحي وهذه مقالات غلام أحمد ورسائله طافحة بأقوال مُنقطعة عن الحِكمة عاريةٌ عن الصدق، والمعقول منها قد قاله أُنَاس أو قالوا مثله أو خيراً منه، ولم يَخطُر على بالهم ادِّعاء أنَّه وحي كلَّمَهم به الله تعالى، أو نزل عليهم به الروح الأمين! ومن خَطَلِهِ المكشوف أنَّه يأتي إلى آيات أو جُمَل من القرآن المجيد، فينقلها كما هي ويضم بعضها إلى بعض في صَحَائف ويزعم أنَّه وحي نَزَل عليه.

 

   ينكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ويوردون على هذا شُبها لا تزن عند أُولى العِلم جَناح بَعُوضة، كما استدلوا بقوله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) (الحج/75) مُتشبثين بأن قوله يَصطفي فعل مضارع، والمضارع للاستقبال. ودَفع هذه الشبهة أنَّ الفعل الواقع في الماضي قد يُعبَّر عنه بصِيغَة المُضَارع لِمُقتضيات بَلاغية، منها أن يكون المعنى موضِع غَرابة، فإنَّ المضارع من جهة دلالته على الحال يَتَوَسَّل به المتكلم البليغ إلى إخراج الحادِثِ الغريب في صورة الوَاقِعِ في الحال، ليَبلُغَ تعَجُّب المخاطَبِ من وُقوعه مَبلِغ تعجُّبِه من الصورة البديعة في حال مشاهَدَتِها، وعلى هذا الوجه وردَ قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (آل عمران/59) قال "فيكون"([22]) والموضِع في الظاهر للماضي لأنَّ وُجُود إنسان مِن غير أب حادِثٌ غريبٌ، فحاله يقتضي أن يُعبِّر عنه بالمضارع لإحضاره في ذهن المخاطَبِ حتى كأنه مُشاهد له.

 

   ومِن دواعي التعبير عن الماضي بصيغة المضارع الإشارة إلى استمرار الفعل وتَجدُّدِه فيما مضى حيناً بعد حين، فإنَّ الاستمرار التجدُّدي يُستفاد من المصارع عَلى ما جرَى عليه استعمال البُلَغَاء، وصيغة الماضي لا تُعَرِّج على هذا المعنى، فالتعبير بصِيغَة المضارع في قوله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) يدلُّ على معنى زَائد على أصل الاصطفاء الذي يدُلُّ عليه الماضي ويقف عندَه، وذلك المعنى هو أنَّ اصطفاء الرسُل كان يتجدَّد ويقع مرة بعد أخرى، والقرينة الشاهدة بأنَّ (يصطفي) مراد منه الاصطفاء الواقع قبل نزول هذه الآية هي آية (وخاتم النبيين) والأحاديث المستفيضة في إغلاق باب الرسالة والنبوة.

 

   فاستعمال المضارع موضع الماضي في كلام البُلغاء خارجٌ عن حدِّ الإحصاء وآيات الكتاب يفسِّر بعضُها بعضاً، كما أن السنَّة تُبَيِّن الكِتاب.

 

   ويزعم غلام أحمد أنَّه رسول وأنَّه هو المراد من الحديث الوارد في نزول ابن مريم حكماً عدلاً، وأخذ يَمشِي في تأويل ألفاظ الحديث على عِوج، على أنَّه حاول في الخُطبة الإلهاميَّة صَرف الناس عن العمل بالأحاديث النبويَّة، وحرَّف كثيرا من آيات القرآن المجيد على زَعمِ أنَّها نزلت لتخبر بظهوره وتُنَوِّه بشأنه، منها قوله في آية: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)  (التحريم/12): «هذه بشارة بأنَّه سيكون في هذه الأمة الإسلاميَّة رجل في درجةِ مريم الصدِّيقة ثم يُنفخ فيه روح عيسى فإذا مريم يَخرُج منه عيسى أي أن الرجل ينتقل من صفاته المريمية إلى صفاته العيسوية، فكأنما كينونته المريَمية أنتجت كينونته العيسويَّة، وبهذا المعنى يسمى ذلك الرجل ابن مريم».

 

   ولا نريد أن نُكثر في هذا المقام من ذلك اللغو والهزل، إلا (أن تدعو الحاجة)([23]) إلى زيادة الكشف عن فضائح هذه النحلَة مِن بعد.

 

   بدا لغلام أحمد أن يدعي النبوة والرسالة، وخشيَ خيبة دعوته حتى لدى العامة الذين يأبون الخروج من الإسلام إلى نِحلة تُعلن أنها ناسخة له، فادَّعى أن رسالته مُؤَيِّدة للإسلام لا ناسخةٌ لشريعته، فقال في الخطبة الإلهامية:«أم يقولون أنَّا لا نرى ضرورة مسيح ولا مهدي، وكفانا القرآن وأنَّا مهتدون، ويعلمون أن القرآن لا يمسه إلا المطهرون، فاشتدَّت الحاجة إلى مفسر زكي من أيدي الله وأدخل في الذين يبصرون».

 

  قال هذا ليتألَّف الغافلين، ولما كانت في نفسه حاجة يريد قضاءها، وعرف أنَّ هذه الحاجات ينبذها الكتاب والسنَّة حاول إسقاط السنَّة من أصول الشريعة، وفتح بعد هذا لتأويل القرآن باباً من صنف الأبواب التي فتحها الباطنية من قبل، فأصبح في غنىً عن ادعاء أنه جاء بشريعة مستقلَّة، إذ له أن يقرر هو وأتباعه ما تدعوهم إليه أهواؤهم، فإن قيل لهم هذا يُخالف نص الشارع الحكيم أنكروا صِحة النص أو دَخلوا إلى تأويله من الباب الذي دخل منه الباطنية وهم يَمكرون([24]).

 

 

 

زعمه على أنه له آيات على صدقه

 

 

 

   قال غلام أحمد في الخطبة الإلهامية: « وإن تعدُّوا دلائل صدقي لا تحصوها» ولم نقف على شيء من هذه الدلائل إلا ما يشابه براءته من قضايا القذف التي كانت تقام عليه، أو نَجاته من أذى العامة حيث يكون محاطا بالشرطة محروساً من الحكومة بقوة الحديد، وأراد أن يَجعل دليل صِدقه رواج دعوته عند طائفة من الغافلين عن سبيل الحق، فقال في خطبته الإلهاميَّة:« ولو كان هذا الأمر والشأن من عند غير الله لمزق كل ممزق، لجمع علينا لعنة الأرض والسماء، ولأفاز الله أعدائي بكل ما يريدون».

 

   وقد لقي كثير من الدعاوي المزوَّرة مثلما لقيت دعوتُه أفرادا ضربت نفوسهم الجهالة، وفلا يقدرون مقام النبوة والرسالة، ولا يُفرِّقون بين من يدَّعيها حقاً ومَن يدعيها وهو لا يرجو لله وقاراً، ولو كان رواج الآراء بين طائفة من البشر دليلاً على أنها حق لكانت البهائية من المذاهب الرشيدة، والقاديانيون يعدُّونها كما يعدُّها المسلمون نِحلة غاوية، وأن للباطل لصولة حتى إذا أخذ أهل العلم بيد الحق، وأحكموا أساليب الدِّفاع عنه تَضاءل الباطل، فإمَّا أن ينقطع أثره، وإمَّا أن يبقى شعارَ فئةٍ كان لله في إيثارها الظلام على النور حكمةٌ بالغة.

 

   يَذكر غلام أحمد في مؤلفاته المباهلة، ويَزعم أنَّها تَجري بَينه وبين بعض المنكرين عليه فيكون الظفر له، ولسوء حظِّه سَلك هذه الطريقة مع الأستاذ أبي الوفاء ثناء الله، فخسِرَت مباهلته وتركها آية تنادي بخذلانه، ولكن بعض المُكِبِّين على الباطل في صَمَمٍ فَهم لا يسمعون.

 

ضاقت الأرض على غلام أحمد عندما نهض الأستاذ العلامة مولوي ثناء الله لإبطال نِحلته، (ورَميِ دَعاويه)([25]) بالحُجَجِ الدامغة، فكتب غلام أحمد دعاء طويلاً خاطب فيه الشيخ ثناء الله، وهذا هو:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يستنبئونك أحق هو؟ إي وربي إنه لحق؟

 

   حضرة المولوي ثناء الله، السلام على من اتبع الهدى، إن سِلسلة تكذيبي جَاريةٌ في جريدتكم (أهل الحديث) مِن مُدَّة طويلة، أنتم تشهدون فيها أنِّي كاذِب دجال مُفسِد مُغتَر، ودعواي للمسيحيَّة الموعودة كذب وافتراء على الله، إنِّي أوذيت فيكم إيذاء، وصَبرت عليه صبرا جميلا، لكن كنت مأموراً بتبليغ الحق من الله وأنتم تصدُّون الناس عني، فأنا أدعو الله قائلا: يا مالكي البصير القدير العليم الخبير، تَعلَم ما في نفسي إن كان دعواي للمسيحيَّة الموعودة افتراء منه، وأنا في نظرك مُفسد كذَّاب، والافتراء في الليل والنهار شُغلي، فيا مالكي أنا أدعوك بالتضرع والإلحاح أن تميتني قبل مولوي ثناء الله، واجعله وجماعته مسرورين بِمَوتي، يا مُرسلي أدعوك آخذاً بِحَضِيرة القدس لك أن تفصل بين وبين مولوي ثناء الله أنَّه من كان مفسدا في نظرك كاذبا عندك فتوفَّه قبل الصادِق منَّا (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)

 

الراقم عبد الله الصمد

 

ربيع الأول سنة 1325                             مرزا غلام أحمد المسيح الموعود عافاه الله وأيد عزه

 

   وصدر هذا الدعاء في أول يوم من ربيع الأول 1325 (15 أبريل 1907) وقد مات غلام أحمد بعد هذا الدعاء بنحو سنة([26])، أما الأستاذ ثناء الله فهو ما زال يتمتع بالسلامة لهذا العهد، ومازال يَعمل للذودِ عن الدين الحنيف والكشف عن فضائح تلك النحلة المزوَّرة.

 

  يَعلم غلام أحمد أنَّ يده فارغة مما يصلح أن يكون دليلا أو شِبه دليل على نُبوتِه، فانتهز ظُهُور الطاعون بالنبجاب فرصة لاصطياد الغافلين المستضعفين، فزعم أنه أوحِيَ إليه بأن هذا الطاعون ينجو منه من يؤمنون به بقلب خالص، أو يكفون في الأقل عن تكذيبه وذمه، ويحملون له في قلوبهم تعظيماً([27])، قال هذا ليستهوي الأغبياء الذين شأنهم الانقياد إلى من يعدهم بالنجاة من بلاء هو نازِل بهم وإن لم يعدهم إلا غروراً([28]).

 

 

 

غروره وتفضيله نفسه على بعض رسل الله الأكرمين

 

 

 

   مَلك غلام أحمد الغُرُور والتعاظُم فانهَال يحثُو لنفسه من الإطراء ما شاء، ومِمَّا أورده في كتاب الاستفتاء على أنه خطاب له من الله تعالى: «أنت مني بمنزلة توحيدي وتفريدي، أنت مني بمنزلة عرشي، أنت مني بمنزلة ولدي»، وقال في مقال له ورد في كتاب "أحمد رسول العالم الموعود":« فالواقع أن الله القدير قد أبلغني أن مسيحَ السلالة الإسلاميَّة نفسه أعظم من مسيح السلالة الموسويَّة» ويعني بِمَسِيح السلالة الإسلامية نفسه، فغلام أحمد يَزعم أنَّه أفضل من عيسى عليه السلام، ومما ادعى أنَّ الله خاطبه به:«إنِّي خلقتك من جوهر عيسى، وإنَّك وعيسى مِن جوهر واحد وكَشَيء واحد»([29]).

 

   ووَقَع في يدي كتاب لغلام أحمد نقله أحد أتباعه إلى العربية، فَوَجدته قد تَحَدَّث فيه عن الوحي، ثم ذَكَر مقاما:« يشافِه الله فيه العبدَ بالكلام وينطِق في باطنِهِ ويتخذُ من جنانه عرشه، ويعطيه كلَّ نعمةٍ مما كان قد أعطاها الأولين »، ثم قال :« إنَّني لأكون قد ظلمت بني نوعي إن لم أُعلِن لهم هذه الساعة أنَّني على ذلك المقام الروحي الذي وصفتُه هذا الوصف، وأنَّ الله قد أعطاني من المكالمة المرتبة التي ذكرتُها بالتفصيل».

 

  وذكر الشيخ ثناء الله جُملا صدرت من غلام أحمد مأخوذة من كتبه، وله مؤلفات بالأوردية والفارسية، ومن هذه الجُمَل قوله:« اتركوا ذكرَ ابن مريم فإن غلام أحمد خيرٌ منه» ومنها قوله :«ما أعطاه الله لكل نبي واحداً واحداً أعطاه لي جميعاً» ومنها قوله:« قال الله لي إنَّ أمرُك إذا أردت شيئا أن تقول كن فيكون » ومؤلفاته مملوءة بِمثل هذه الجمل الطاغية.

 

 

 

تكفيره لمن لا يؤمنون برسالته

 

 

 

   يَجعل غلام أحمد المسلمين الذين لا يقبلون دعوته كفارا ويُمثِّلهم باليهود، ومما قاله في الخطبة الإلهامية:« فإنَّ نبينا المصطفى كان مثيل موسى، وكانت سلسلة خلافة الإسلام كمثل سلسلة خلافة الكليم عليه من الله السلام، فوَجَبَ من ضرورة هذه المقابلة والمماثلة أن يظهر في آخر هذه السلسِلة مسيح كمسيح السلسِلَة الموسوية، ويهود كاليهود الذين كفَّروا عيسى وكذَّبوه»، وكرَّر هذا المعنى وهو تمثيل نفسه بعيسى عليه السلام وتَمثيل المسلمين الذين ازدروا دعوته باليهود في كتبه كثيراً.

 

   وفي نشرتهم "شرائط الدخول في الأحمديَّة" التصريح بأنَّ المسلمين الذين يكذبون غلام أحمد أحطُّ درجةً من المنافقين، ونص عبارتهم:« وكذلك لا يَجوز لأحمدي أن يصلِّيَ على غير أحمدي، فكأنَّه بفِعله يشفع إلى الله لمن أصر على مخالفة المسيح وإنكاره ومات عليه، مع أنَّ الله يَمنع أن يُصلِّيَ على المنافقين، فكيف على من كفر بِمأمور من الله؟» وقد يصف غلام أحمد المسلمين بأنهم أعداء لأهل مذهبه كما قال في مقال([30]) يخاطب فيه أتباعه :«فاذكروا دائما أن الحكومة الإنكليزية هي رحمةٌ وبركةٌ لكم، فهي الدرع التي تقيكم، إنَّ الإنكليز خير ألفَ مرةٍ من المسلمين الذين هم أعداؤكم».

 

  عَلِم غلام أحمد أن علماء الإسلام هم الذين يعرِفُون سريرته ويُحذِّرون الناس من فتنته، فكان يكثر من قذفهم ويَحثُّ أتباعه على بُغضِهم، قال في مقال له نشر في كتاب تعاليم المسيح المنتظر:«ونصيحتي لجميع أتباعي أن يبغضوا المولوية (علماء المسلمين) الذين يريقون الدم الإنساني تَحت ستار الدين، ويأتون من الآثام أسوأها وراء حجاب التقوى، وعلى أتباعي أن يقدِّروا هذه الحكومة الإنكليزية، ويُظهروا لها شكرهم واعترافَهم بالجميل بالولاء وحُسن الطاعة».

 

   ويَرى «رسول آخر الزمان» غلام أحمد بُعدَه مِن المسلمين نِعمة تَستحقُّ الشكر، وكتب الدكتور زكي كرام من "برلين" إلى جريدة (حضرموت بجاوة) مقالا تحدث فيه عن القاديانية في "برلين" ونشرَته في العدد الصادر يوم السبت 8 المحرم سنة 1351 ومِمَّا قال في هذا المقال: أنه زار هو والأمير شكيب أرسلان إمامَ الجامع الذي بَنَته هذه الطائفة ببرلين، فأطلعهم الإمام على كتاب لغلام أحمد نفسه، فنَقَل منه الأمير جُمَلاً، ومن هذه الجمل أنه أي غلام أحمد :« يَحمد الله حيث وُلِد تَحت راية إنكليزية وبعيدا عن المسلمين».

 

 

 

القاديانية فرقتان

 

   كانت القاديانية في أيام غلام أحمد وأيام خليفته نور الدين مذهبا واحداً، غير أنهم في آخر حياة نور الدين ابتدأ شيء من الاختلاف يدبُّ فيما بينهم، وعندما مات نور الدين انقسموا إلى شُعبتين، شُعبة "قاديان" ورئيس هذه الشعبة محمود بن غلام أحمد، وشُعبة "لاهور" وزعيمها محمد علي مترجِم القرآن إلى اللغة الإنكليزية.

 

   أما شعبة قاديان فأساس عقيدتها أن غلام أحمد نبي مرسل، وأما شعبة لاهور فظاهر مذهبها أن لا تثبت النبوة لغلام أحمد، ولكن كُتُب غلام أحمد مَملوءة بادِّعاء النبوة والرسالة، فماذا يصنعون؟ ([31])

 

  ولشعبة "لاهور" ضلالة يثبتونها في كتبهم هي إنكار أن يكون المسيح عليه السلام ولد من غير أب، وزعيم هذه الشعبة محمد علي يصرح بأن عيسى عليه السلام ابن يوسف النجار يحاول تحريف بعض الآيات لتوافق هذه العقيدة([32]).

 

  ونشرت مجلتهم (المجلة الإسلامية) التي تصدر في "ووكنج" بإنكلترا مقالا للدكتور (مركوس) وفي هذا المقال:" أن محمدا عليه السلام يصرِّح بأن يوسف أبو عيسى عليه السلام" ولم يعلِّقوا على هذه الجملة كلمة لأنَّها جاءت وفق نحلتهم([33]).

 

  وكذلك كان محمد علي في ترجمته للقرآن يذهب مذهب الترجمة الحرفية، ثم يضع في أسفل الصحيفة حواشي يُؤَوِّل فيها ما ترجمه حرفيّاً، ويرتكِبُ في تأويلها وجوهاً يَحذو بِها حذو نِحلتهم، كما فعل في قوله تعالى: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ)  (آل عمران:49) فقد نَحا في تأويلها نحو منكري المعجزات، وتصرَّف في معانيها تصرُّف من لا يدري أنَّ القرآن قد نَزَلَ بلسان عرَبِيٍّ مُبين.

 

 

 

وجوب مقاوتهم والتحذير من دعايتهم

 

 

 

   للقاديانية حركة نشيطة في الدعوة إلى نِحلتهم، ولَمَّا كانوا يُقيمون هذه النحلة على شيء من تَعاليم الإسلام، أمكنَهم أن يدَّعوا أنَّهم دُعاة للإسلام، ولاسيما شعبة لاهور التي تُعلن أن غلام أحمد مُصلح ومُجدد لا نبيّ، وقد أصبح الناس الذين لا يَعرفون هذه النحلة يعتقدون أنَّهم دُعاة للإسلام بحق، ورُبَّما أثنوا على سعيهم وعاتبوا من يَكتُب في تَحذير المسلمين من أباطيلهم، ولو اقتصرت هذه الطائفة على نشر دعوتِها بَين قوم غير مُسلمين لَخفَّ علينا خطرُها، وآثرنا الاشتغال بمجاهدة غيرها من المضلِّلِين والملحدين، ولكنَّهم طمِعوا في أخذ الشعوبِ التي تدرس القرآن والسنة وتستضيء بهدايتهما، وراموا صرفها إلى الاعتقاد برسالة غلام أحمد وما يتبعها من ضلالات فبعثوا بدُعاتهم إلى سورية وفلسطين ومصر وجدة والعراق وغيرها من البلاد الإسلاميَّة، وقد وجدت دعايتهم على ما فيها من سُخفٍ أحداثا فرَّطَ أولياؤهم في تربيتهم على أدب الدين فقبلوها غروراً.

 

  يَذكر القاديانيون أن لهم دُعاةً في الصين والهند والعجم والعراق وجدة وسوريا وفلسطين ومصر، وقرأنا في كتابٍ لهم مطبوع سنة 1932 أنَّ داعيتهم في مصر الشيخ محمود أحمد في شارع كذا، وقد رأيتم علماء الهند كيف قاوموا هذه الفئة، وما زالوا يقاومونها، وممن وصلتنا آثارهم في مقاومتها علماء سوريا، فقد كتبوا الرسائل في الرد عليها وإيقاظ المسلمين لما يبثونه من آراء تقوِّض بناء العقيدة وآراء تُرَبِّي نفوس النشء على الرضا بالاستكانة والانقياد لكل يد تقبض على زمامهم انقياد الأعمى.

 

   وهانحن أولاء كتبنا هذا المقال ليحذر مسلمو مصر وغيرها من الأقطار الإسلامية فتنة هذه الطائفة حذرهم من فتنة البهائيَّة، ولنا الأمل في علمائنا ووعاظنا أن يقعدوا لدعاة هاتين الطائفتين كل مرصَد ويعالِجُوا كلَّ قلبٍ اعتل بشيء من وساوسها (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).

 

 


[1] / في الطبعة الكويتية (محفوظة).

[2] / في الطبعة الجزائرية (سرير).

[3] / كذا في الطبعتين ولعل الصواب "منطوية" والله أعلم!!.

[4] / في الطبعة الكويتية (زائغة).

[5] / هي تابعة الآن لجمهورية أزباكستان التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي عام 1992م.

[6] / عن كتاب باللسان الإنكليزي لمحمود بن غلام أحمد اسمه أحمد رسول آخر الزمان، المؤلف.

[7] / ننقل التاريخ الإفرنجي لأنه الوارد في كتبهم التي ننقل عنها هذه الحوادث، المؤلف.

[8] / في الطبعة الكويتية (الذي دعا كثيرا من العلماء ).

[9] / ممن ناظرهم ويدعى عبد الحكيم رجل الظاهر أنه من طينة غلام أحمد ربما كان يدعي النبوة أو الإلهام أو الوحي الصوفي، وبدل أن يناظره غلام أحمد راح كعادته يتوعده بالعذاب وأعلن أن عبد الحكيم هذا يموت في حياته لأنه يهينه ويذله ومثل هذا لا يعمر، قال إحسان إلهي ظهير في كتابه القاديانية (183):« ولكن دكتور عبد الحكيم كان رجلا من طراز آخر فأعلن هو الثاني أن المتنبي القادياني يموت في حدود خمسة عشر شهرا من هذا اليوم" وكان هذا في الرابع من مايو سنة 1907م» أي إلى غاية 4 أوت 1908 فرد عليه القادياني بأنه سيموت قبله ويستأصل أمام عينه كما استؤصل أصحاب الفيل ، وأن الله بشره بأنه يعمر 80 سنة لكنه توفي في 26 ماي 1908 وله 68أو69 سنة وظهر كذب غلام أحمد، وليس ذلك بدليل على صدق عبد الحكيم إن كان يدعي الوحي هو الآخر.

[10] / في الطبعة الكويتية (بألا).

[11] / عبارة (البوليس) ساقطة في الطبعة الكويتية.

[12] / جاء في الطبعة الجزائرية (في حماية الشرطي) وعبارة (البوليس) ساقطة في الطبعة الكويتية.

 

[13] / وقد هلك في 8 نوفمبر 1965م، ثم خلفه ابنه مرزا ناصر أحمد إلى هلاكه في 8 جوان 1982م، ثم خلفه أخوه مرزا طاهر أحمد إلى هلاكه في 19 أفريل 2003م ، وخليفته الحالي هو ميرزا مسرور أحمد وهو من أحفاد شريف أحمد بن مدعي النبوة.

[14] / البشارة الإسلامية الأحمدية، المؤلف.

[15] / رواه البخاري (3455) مسلم (1842).

[16] / رواه البخاري (3535) واللفظ له، ومسلم (2286).

[17] / رواه مسلم (2278) ورواه البخاري (3534) أيضا بلفظ مقارب.

[18] / رواه أحمد (5/454) بإسناد حسن وله شواهد بمعناه في الصحيحين عن أبي هريرة وفي صحيح مسلم عن ابن عباس.

[19] / وممن نقل هذا الإجماع القاضي عياض حيث قال في الشفاء (2/285):« من ادعى نبوة أحد مع نبينا صلى الله عليه وسلم أو بعده كالعيسوية من اليهود القائلين بتخصيص رسالته إلى العرب وكالحزمية القائلين بتواتر الرسل فهؤلاء كلهم كفار مكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا نبي بعده ، وأخبر الله أنه خاتم النبيين وأنه أرسل كافة للناس وأجمعت الأمة على حمل الكلام على ظاهره، وأن مفهومه المراد دون تأويل ولا تخصيص فلا شك في كفر هؤلاء قطعا وإجماعا وسمعا»..

[20] / ومن تأويلاته أيضا أن الختم بمعنى الطبع والتصديق فلا نبوة صحيحة إلا ما ختم عليها محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها أن الخاتم بمعنى الزينة وهي تأويلات سخيفة لا تعرف في أقوال المفسرين ولا اللغة العربية ويكفي لردها تناقضها فيما بينها وأن غلام أحمد -قبل أن يعرف أن الذي كان تأتيه هو وحي النبوة- لما كان يدعي أنه المهدي وهو عيسى المنتظر نزوله كان يؤكد على أنه لا نبي بعد محمد صلى عليه وسلم لينفي حياة عيسى ونزوله لأنه حسب فهمه إذا نزل سيكون نبيا بعده ، فمما قاله في حمامة البشرى (34):« ألا تعلم أن الرب الرحيم المتفضل سمى نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء بغير استثناء وفسره نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله "لا نبي بعدي " ببيان واضح للطالبين» وقال في حاشية كتاب البرية (184):« إن الرسول صلى الله عليه وسلم كرر مرات بأنه لا يجيء بعده نبي وكان الحديث "لا نبي بعدي" في شهرة ما كان لأحد أن يتكلم في صحته، والقرآن الكريم الذي كل لفظ من ألفاظه قطعي يصدقه بقوله :" ولكن رسول الله وخاتم النبيين" فالنبوة ختمت على نبينا ». ويقول أيضا:« أنا أعتقد كل ما يعتقده المسلمون ويعتقده أهل السنة ، وأسلم كل الأشياء التي تثبت من القرآن والحديث ، وأعتقد أن كل من يدعي النبوة أو الرسالة بعد سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين كاذب كافر، وأنا أومن أن وحي الرسالة بدأ من آدم صفي الله وانتهى على محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم » (إعلان الغلام المندرج في تبليغ رسالت 2/2).

[21] / يقول نجله وخليفته الثاني بشير الدين محمود:« إنكم تتنازعون في نبي واحد ، وأنا اعتقد أنه سيكون هناك ألف نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم» (أنوار خلافث 62) وأما غلام أحمد بعد أن كشف له الحجاب وعلم أنه نبي فزعم أنه خاتم النبيين حقيقة وأنه لا نبي بعده، فقال في الخطبة الإلهامية (178):"فأراد الله أن يتم النبأ ويكمل البناء باللبنة الأخيرة فأنا تلك اللبنة أيها الناظرون"، وقال (309):" بل هو خاتم الخلفاء من هذه الأمة كما كان عيسى خاتم خلفاء السلسلة الكليمية وكان لها كآخر لبنة وخاتم المرسلين"، وقال (310) "اعلموا أن الختمية أعطيت من الأزل لمحمد صلى الله عليه وسلم ثمّ أعطيت لمن علمه روحه و جعله ظله فتبارك من علم وتعلم. فإن الختمية الحقيقية كانت مقدرة في الألف السادس الذي هو يوم سادس من أيام الرحمن".

[22] / في الطبعة الكويتية "كن فيكون".

[23] / في الطبعة الكويتية "أنَّ الحاجة تدعو".

[24] / يزعم غلام أحمد وأتباعه أن نبوته نبوة تابعة لا نبوة تشريعية لأن هذه الأخيرة هي التي تنسخ الشرائع السابقة، فهو مثيل عيسى الذي جاء مؤيدا لشريعة موسى، ولكن الله تعالى يقول في شأن عيسى: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ)  (آل عمران/50) وننبه إلى أن غلام أحمد قد استعار هذا التقسيم من زنادقة الصوفية كابن عربي الذي قال في الفتوحات (2/198):« فالنبوة سارية إلى يوم القيامة في الخلق، وإن كان التشريع قد انقطع, فالتشريع جزء من أجزاء النبوة, فإنه يستحيل أن ينقطع خبر الله وأخباره من العالم, إذ لو انقطع لم يبق للعالم غذاء يتغذى به في بقاء وجوده» ، ولكن ما يكاد متبع غلام أحمد يستقر على هذه العقيدة حتى يفاجئه قول الغلام كما في مجموعة الخزائن الروحانية (17/435) :«لقد أوحى الله إلي وحياً تشريعياً أيضاً، إذ ليس الوحي التشريعي سوى الوحي الذي يشتمل على الأمر و النهي و قد أمرني الله قائلاً:"اصنع الفلك بأعيننا ووحينا"».

[25] / في الطبعة الكويتية "ورمى دعاواه".

[26] / قد أورد المؤلف رسالة غلام أحمد مترجمة عن الأردية ومختصرة وهي مجموع الإعلانات (3/578) ومنهم من ترجمها بما هو أطول من هذا وفيها العبارة التالية :"... فإن لم تكن أنت خلال حياتي ضحية عقاب ليس بأيدي الناس بل هو كلياً بيد الله مثل الإصابة بمرض فتاك كالطاعون أو الكوليرا و غيره فإنني لا أكون من عند الله تعالى. هذه ليست نبوءة عن طريق الإلهام لكنها عبارة عن تضرع  لله سبحانه كنت قد دعوت الله تعالى به ليفصل بيننا فأنا أدعو الله: يا مالكي ...» والقاديانيون اليوم يزعمون أن موضوع الرسالة دعوة لثناء الله إلى المباهلة وأن ثناء الله خاف ولم يقبل المباهلة لأجل ذلك فهم يحرفون النقل والترجمة بما يوافق زعمهم ، بينما صرح محمود بن غلام أحمد بأنها لم تكن مباهلة ولكن دعاء من طرف واحد ردا على من زعم أن والده مات نتيجة المباهلة، لكن نحن يكفينا اعترافهم بأنه مات بعد الدعاء وبالكوليرا أيضا.

[27] / من مقال له نشر في كتاب تعاليم المسيح الموعود ، المؤلف.

[28] / قال غلام أحمد في (دافع البلاء 10-11):« هو الإله الحق الذي أرسل رسوله في قاديان ، وهو يحفظ القاديان ويحرسها من الطاعون ، ولو يستمر إلى سبعين سنة ، لأن قاديان مسكن رسوله وفي هذا آية للأمم » ، ولكن لم تمر سنة واحدة عن قوله هذا حتى أرسل رسالة إلى صهره محمد علي خان يقول فيها :« إن الطاعون ههنا في منتهى الشدة يبتلى الإنسان به فيموت بعد ساعات ، والله يعلم متى ينتهي هذا الابتلاء، وأنتم تأتون معكم صندوقا كبيرا من فينائيل انفلتين الذي يكون قيمته عشرين روبية تقريبا وأيضا ترسلون فينائيل لبيتكم أنتم (مكتوبات أحمدية 5/112-113) فدخل الطاعون قاديان ثم دخل بيته الذي قال عنه إنه "كسفينة نوح من دخله حفظ من كل المصائب والآفات » (سفينة نوح 76) قال في رسالة أخرى إلى صهره :« ودخل الطاعون حتى بيتنا فابتليت غوثان الكبيرة فأخرجناها من البيت، كما ابتلي الأستاذ محمد دين وأخرجناه أيضا، واليوم ابتليت به امرأة أخرى كانت نازلة في بيتنا وجاءت من دلهي ...ومرضت أنا أيضا حتى ظننت أنه ليس بيني وبين الموت إلا دقائق قليلة » (مكتوبات أحمدية 5/115).

[29] / حمامة البشرى ، المؤلف.

[30] / ورد هذا في كتاب لهم يسمى "أحمد رسول العالم الموعود"، المؤلف.

[31] / الذي ثبت أن انشقاقهم كان لأسباب مادية وهو النزاع حول الأموال التي كانت تستأثر بها أسرة الغلام، أما النبوة فكانوا يؤمنون بها لكن إنكارها كان لمصلحة نشر الدعوة بين المسلمين، ومما قاله محمد علي في رسالة إلى أحد أتباعه :"ينبغي لكم أن لا تنشروا هناك أن غلام أحمد كان نبيا لا مجددا ، وكل من لم يؤمن به فهو كافر ، لأن هاتين العقيدتين قد أضرتا القاديانية في الهند " انظر القاديانية لإحسان إلهي ظهير (248).

[32] / انظر كتابه عيسى ومحمد (ص 76) المؤلف.

[33] / أولُّ من صرح بأن عيسى ولد من أب هو غلام أحمد فقد أفاض في بيان ذلك وأنَّ المقصود بكونه لا أب له أي أنه جاءه العلم من غير تعلم في كتابه (ضميمة الوحي 53-54).

تم قراءة المقال 4257 مرة