الاثنين 6 ذو القعدة 1432

أكاذيب المنصرين بخصوص السجود للمسيح

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

   مِن أعمالي اليوميَّة إمضاءُ ساعات مع القنوات الفضائيَّة التنصيريَّة، أتابِع برامجها، أتفحَّص أفكارها، أعاين تكتيكاتها، أسجِّل زلاَّتها، أوثِّق تلفيقاتها وأكاذيبها وتزويرها، وفي هذا الصَّدد أَنصتُّ قبل أيام للقس البروتستنتي المصري أمير ثروت، وهو صاحِب برنامج عنوانه "لماذا المسيح هو الله"، وهو برنامج مشهور بليِّ وكسْر أعناق الآيات الإنجيليَّة؛ ليُثبت بها ألوهيةَ المسيح - عليه السلام - كما أنَّ من ميزات هذا البرنامج الهزيل أنَّ صاحبه ينتقل من مقدِّمات خاطِئة لاستنباطِ نتائجَ أسوءَ حالاً مِن مقدِّماتها.

 

   لقد تناول هذا الأسبوعَ موضوعَ السجود للمسيح؛ ليبرهنَ أنَّ المسيح هو الله؛ لأنَّ السجود لا يَنبغي إلا لله، ولأنَّ الكتاب المقدَّس يسرد أحداثًا عن سجودِ الناس للمسيح، فلا بدَّ أن يكون المسيح هو الله، كما خلُص هو إلى ذلك بغايةِ السذاجة والتسخيف لعقولِ المشاهدين.

 

أكاذيب المنصرين بخصوص السجود للمسيح

 

 

   بل إنَّه بعدَ أن نفدتْ منه الآيات التي كسَّر رقابها وحطَّم أعمدتها الفقرية، انتقَلَ إلى تكتيك تحريف آية مِن إنجيلِه المحرَّف أصلاً، فزاد فيها ما ليس منها، فانكشَف كذبه بمجرَّد الرجوع إلى النصَّ الذي بحوزته وحوزتنا، وسنعود لهذه الكذبة في نهايةِ المقال بعدَ مناقشة بعض أكاذيبهم وتلفيقاتهم عنِ السجودِ للمسيح.

 

   ذكرتِ الأناجيلُ المحرَّفة سجود بعض الأشخاص للمسيح، ويزعُم النصارى والمنصِّرون أنَّ ذلك السجودَ هو من العبادة التي لا تجوز إلا في حقِّ الله، ومِن ثَمَّة فإنَّ هذا الأمر يُعدُّ دليلاً على ألوهيته، فلو كان المسيح مجرَّدَ إنسان كغيره من البشَر لمَا سجَد له معاصروه، كما أنَّه لو كان نبيًّا من الأنبياء وليس إلهًا لما قَبِل أن يُسجد له الناس!

 


   ورَدَ السجود للمسيح في الأناجيل الثلاثة: لوقا ومرقس ويوحنا مرةً واحدة أو مرَّتين على الأكثر، وشذَّ إنجيل متى كعادته في التضخيمِ والمبالغة فأورد ما يقارب عشرةَ سجدات، ومن الأمثلة على ذلك سجودُ والد الفتاة النازِفة التي شفاها المسيح، وقد وردتْ في إنجيل متى 8: 2: «فيما هو يُكلِّمهم بهذا إذا رئيس قدْ جاء، فسجَد له»، كما سجَد له الرجلُ الأبرص في متى 9: 18:« إذا أبْرَصُ قد جاء وسجَد له»، وسجَد له المجوس وهو رضيعٌ في متى 2: 11:«فخرُّوا وسجَدوا له، ثم فتَحوا كنوزهم»، وسجدتْ له نازفةُ الدم بعدَ شفائها في مرقس 5: 33: «.. فجاءتْ وسجَدتْ له وأخبرتْه بكلِّ شيء»، وسجدَتْ له المريمتان بعدَ قيامته المزعومة في متى 28: 9: «..فتقدمتَا وأمسكتَا بقدميه وسجدتَا»... إلخ.

 


   إنَّ مِن كذِب المنصِّرين البائن أنَّهم لا يفرِّقون بيْن أنواع السُّجود ومعانيه في اللُّغة، مهما كانتْ تلك اللغة، فهذه الأخيرة تقرِّر أنَّ من معاني السجود - إضافةً إلى العبادة - التحيةَ والتقدير، والتكريم وإبداء الاحترام، لكنَّهم كعادتهم في التلفيقِ أرادوا حصرَ السجود في معنًى واحد، وهو العبادة والتقديس والتأليه، وهو حصرٌ مجاف للغة، كما أنَّه حتى لو سلمنا لهم بأنَّ السجود لا يحتمل معنًى آخرَ غير العبادة والتقديس، لكان هناك العشراتُ مِن الآلهة الأخرى التي تستحقُّ العبادة؛ إذ وردتِ العديدُ مِن الآيات في كتابهم المقدَّس المحرَّف، التي تذكر سجودَ أشخاص لآخرين عدَا المسيح، إلاَّ أنَّ النصارى بخلاف مذهبهم اللغوي الغريب لا يجعلون مِن المسجود لهم آلهةً ولا يعبدونهم، فلماذا يشذون عن قاعدتهم الفاسدة التي قعَّدوها؟! ولماذا يخصُّون المسيح دون غيره بهذا المعنَى الاصطلاحي الذي قدَّموه للسجود؟!

 


    وهذه جملةٌ من الأمثلة عن سجودِ أشخاص لآخَرين مِن كتابهم المقدس:
سجودُ إبراهيم - عليه السلام - لبَني حث لمَّا سمحوا له بدفنِ سارة في قُبورهم، جاء ذلك في سفر التكوين 23:7: «..فَقام إبراهيمُ وسَجَد لشَعْب الأرْض، لِبَنِي حِثَّ».

 


   وسجودُ يعقوب - عليه السلام - وأزواجه وأولاده لأخيه عيسو، وقدْ ورد ذلك في سفر التكوين 33: 3-7: «وأمَّا هو فاجتاز قُدَّامهم وسجَد إلى الأرض سبعَ مرَّات، حتى اقتربَ إلى أخيه، فركض عيسو للقائِه وعانَقَه ووقَع على عُنقه وقبَّله، وبكيَا، ثم رفَع عينيه وأبصر النِّساءَ والأولادَ، وقال: "ما هؤلاء مِنك؟" فقال: "الأولادُ الذين أنعَمَ الله بهم على عبدِك"، فاقتربتِ الجاريتانِ هما وأولادُهما وسجدَتَا، ثم اقتربتْ ليئة أيضًا وأولادها وسجَدُوا، وبعدَ ذلك اقترب يوسفُ وراحيلُ وسجَدَا».

 


   وسجودُ موسى - عليه السلام - لحَمِيه يثرون، كما ثبَت في سفر الخروج 18: 7: «فخَرَج موسى لاستقبالِ حَمِيه وسَجَد وقبَّله، وسألَ كلُّ واحدٍ صاحبَه عن سلامته، ثمَّ دخلاَ إلى الخَيْمة».

 


   وسجود الأسباط بني يعقوب في مصر لأخيهم يوسف - عليه السلام - كما ذُكِر في سفر التكوين 42: 6-7: «وَكانَ يوسفُ هو المسلَّط على الأرض، وهو البائِع لكلِّ شعبِ الأرض، فأتَى إخوةُ يوسف وسَجَدوا له بوجوهِهم إلى الأرْض».

 



   وسجودُ سليمان - عليه السلام - لأمِّه كما جاءَ في سفر الملوك الأول 2: 19 :«فَدَخَلَتْ بَثْشَبَعُ إلى الملِكِ سُلَيْمانَ لتُكَلِّمَهُ عَنْ أَدُونِيَّا، فَقامَ المَلِكُ لِلِقَائِها وسَجَدَ لها وَجَلَسَ على كُرْسِيِّه، ووضَعَ كُرْسِيًّا لأُمِّ المَلِكِ فَجَلَسَتْ عن يَمِينِه»

 


وسجود بني يهوذا للملك يوآش حسبَ ما هو مذكورٌ في أخبار الأيام الثاني 24: 17: «وبَعْدَ مَوْتِ يَهُويادَاعَ جاءَ رُؤَساءُ يَهُوذَا وسَجَدُوا لِلمَلِكِ، حِينَئِذٍ سَمِعَ المَلِكُ لَهُم».

 


لقد كانتِ العرب قبلَ الإسلام تقول: "سجَد البعير وأسجد: طامَن رأسه لراكبِه"، و"سجدتِ النخلة إذا مالَتْ"، و"أسْجَدَ الرَّجل إذا طأطأ رأسَه وانحَنَى"، وقالتِ العرب: إنَّ سجود الناس يكونُ للتحية وللعبادة.

 


ومع أنَّ الإسلامَ منَع السجود لغيرِ الله بمعنى التأليه، وهو من أشدِّ الأديان التي تحرِّم السجود للبشر وللمخلوقات بنيَّة العبادة، وجعَل ذلك مِن أنواع الشرك، إلا أنَّه أشار إلى السجود بمعنَى التحية والتقدير والتكريم وأقرَّه - على الأقل في شرْع مَن قبلنا، فنرَى مثلاً أنَّ أمر الله للملائكة بالسجود لآدم لم يكُن سجودًا يجعل مِن آدم إلهًا ومعبودًا، وإنَّما هو سجودُ تعظيم وإكرام.

 


﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى ﴾ (طه: 116).

 


﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴾ (الحجر: 28-31).

 

  ونظيره كذلك في القرآن سجود إخوة يوسف ليوسفَ - عليه السلام - لا عبادة، وإنَّما تحية وإكرامًا له وتقديرًا وعِرفانًا له بالجميلِ والفضل؛ إذ قابل عداواتَهم له بالإحسان؛ ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ (يوسف: 4).

 


﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾ (يوسف:99-100).

 


وقدْ ذكَر بعضُ علماء المسلمين أنَّ ذلك السجود لم يعُدْ مشروعًا بعد مجيء الإسلام؛ حيث أبطله وأحلَّ محلَّه التحيةَ بالسلام.

 


إنَّ الناس، وإلى اليوم، يميلون برؤوسهم وبظهورِهم إلى الأمام للتحيَّة والإكرام، خصوصًا أمام الملوك والعُظماء وأشباههم، وهذه العادة متأصِّلة في كثيرٍ من الثقافات، فاليابانيُّون يحيون بعضهم بعضًا بالانحناء إلى الأمام، وكذلك الناسُ في بعض البلدان التي لها أنظمةٌ ملكيَّة كبريطانيا وإسبانيا وموناكو، فلا تزال هناك بروتوكولات التحيَّة بالانحناء، بل والجثو على الرُّكَب للملوك والملكات، فهل يعني هذا أنَّ الناس هناك يعبدون سلاطينَهم وملوكهم؟!

 


لقد تَعمَّد المترجمون الذين وضعوا نسخةَ الملك جيمس، والتي سارتْ على منوالها الترجمات العربية، التلاعُبَ بترجمة الكلمات التي لها علاقةٌ بالسجود؛ وذلك بسببِ قلَّة الأمانة العلميَّة في الترجمة، فقد كانوا يكيفون ترجمتَهم بانتقاء التعابير التي تتوافَق مع معتقدِهم الباطل بألوهية المسيح، بغضِّ النظر عن تجاوزِ قواعد ومبادئ اللُّغات التي يترجمون منها وإليها، والحمد لله فإنَّ عشراتِ الترجمات الحديثة لكتابهم المقدَّس اليوم هي مَن يكشف مقدارَ التلاعب بالترجمات القديمة، فالنُّسخ الحديثة بدأتْ تُصحِّح وتنقِّح وتعدِّل ما أفسدَه أسلافهم، وفي هذا الصَّدد فإنَّ عشراتِ الآيات التي تتحدَّث عن السجود بمعنى العبادة Worship في الترجمات القديمة تحوَّلت إلى مجرَّد انحناء للتحية والإكرام to bow وto kneel كما هو في ترجمات RSV، NRSV، NIV، وهو الأمر الذي بدأتْ تتبنَّاه الترجمات في اللغات العديدة المختلِفة.

 


إنَّ حملةَ تنقيح الكتاب المقدَّس التي بدأتْ منذُ نهاية القرن التاسع عشر أفرزتْ لنا ترجماتٍ لا تمتُّ إلى الترجمات القديمة بصِلة، فبعضها وصَل الآن إلى حذفِ وتغيير مئاتِ المواضع التي أثَّرت مباشرة في العشرات مِن المعتقدات الراسِخة في الكنيسة، وكل سَنة تخرج ترجمة أو طبعة منقَّحة تعدّل ما خرَّبه المزوِّرون المتقدِّمون، وبدأتْ هذه الحرَكة التنقيحيَّة الواسعة والعميقة في الترجمة تُواجَه ببعض المتعصِّبين للترجمات القديمة على غرارِ أنصار نُسخة الملك جيمس، الذين تداعوا لنصرةِ نُسختهم، ووصَل ببعضِهم إلى اعتبارِ نُسختهم KJV كلمة الله الوحيدة وما دُونها هو تزوير في تزوير، ويَزعُمون أنَّ مترجمي نسخةِ الملك جيمس هم وحدَهم مَن كان يقودُهم الرُّوح القدس أثناءَ الترجمة، ويُدعَى أصحاب هذا الاتجاه بـ The King-James-Only Movement.

ولا يُمكننا تجاوز قضيَّة تحريفِ الترجمة دون ذِكْر نموذج عنها، فمثلاًَ ثمة مقطع مِن إحدى عشرة آية من إنجيل متى 2: 1 -11: ذُكِر فيه السجود بمعنَى العبادة للمسيح ثلاث مرَّات؛ وذلك في أغلبِ النُّسخ العربية، وهذا هو النص: (وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، في أَيَّام هِيرُودُسَ المَلِكِ، إذا مَجُوسٌ منَ المَشْرِقِ قد جاؤوا إلى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: "أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ في المَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ له"، فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ المَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ معه، فجَمعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: "أينَ يُولَدُ المَسِيحُ؟" فَقَالُوا لَهُ: "في بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّة؛ لأَنَّهُ هكَذا مَكْتُوبٌ بالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْض يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا؛ لأَنَّ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ"، حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذي ظَهَرَ، ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إلى بَيْتِ لَحْمٍ، وقال: "اذهبوا وافحَصُوا بالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ، وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي؛ لِكَيْ آتِي أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ له"، فلَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْمَلِكِ ذَهَبُوا، وإِذا النَّجْمُ الَّذي رَأَوْهُ في المَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ، فلَمَّا رَأَوُا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جدًّا، وَأَتَوا إلى البَيت، وَرَأَوُا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّه، فَخَرُّوا وسَجَدُوا له، ثُمَّ فَتَحُوا كنُوزَهُم وَقَدَّمُوا له هَدَايَا: ذهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا».

 


وتتَّفق النُّسخ العربية مع نُسخةِ الملِك جيمس الإنجليزية في الترجمة، كما هو مبيَّن في النصِّ المختصَر التالي:

 

"… We have seen his star in the East، and have come to worship him.... I too may come and worship him...and they saw the child with Mary his mother and they fell down and worshiped him".

وهذا المقطَع المذكور هو مثالٌ واضح عن أسوأِ أنواع الترجمة والتلاعُب بالكلمات؛ إذ إنَّ كلمة السجود الوارِدَة في المقطَع المذكور هي ترجمةٌ خاطئة ومغرِضة وتحريف صريح للألْفاظ والمعاني، والدليل على ذلك أنَّ النُّسخة القياسيَّة المنقَّحة الجديدة NRSV عدَّلت الترجمةَ وغيرتها، وهذا هو النصُّ الجديد الذي تبنَّته:

 


"We observed his star at its rising and have come to pay him homage… I may also go and pay him homage… they saw the child with his mother Mary، and they knelt down and paid him homage".

لقدِ اختارتِ الترجمات الإنجليزية المنقَّحة مصطلح To pay homage "التحية" بدل Worship "السجود"، وهو ما فعلتْه كذلك الترجمةُ المسكونية LA TOB وترجمة Le semeur وla bible de Jerusalem الفرنسيَّة، التي اختارتْ مصطلح Rendre Hommage "التحية" بدل مصطلح السجود vénérer أو Adorer "سجود العبادة".


كان هذا مثالاً مِن بيْن المِئات عنِ التحريف في الترجمة، ولننتقل الآن إلى نوعٍ آخَر من التحريف وهو التحريفُ بالإضافة، فمِن الأدلَّة الواهية التي يستدلُّ بها النصارَى على ألوهية المسيح، اجتماع التلاميذ حولَ المسيح والسجود له جماعيًّا عندَ فراقه لهم وصعوده إلى السَّماء، وهو موقف - كما يقول كثيرٌ من النصارى - تعبُّدي مهيب لا يَليق إلاَّ بالله، وقد ذُكر ذلك السجود في نهاية إنجيل لوقا 24: 51 – 52: «وَأَخْرَجَهُمْ خارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، ورفَعَ يَدَيْه وبارَكَهُم، وفِيما هو يُبارِكُهُم، انْفَردَ عَنْهُم وأُصْعِدَ إلى السَّمَاء، فَسَجَدُوا له ورجَعُوا إلى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيم».

 


ومِن المدهشِ أنَّنا إذا بحثْنا عن هذه الآية في النُّسخة القياسيَّة المنقَّحة RSV لسنة 1952 لا نجِد عبارة السجود نهائيًّا؛ لأنَّها ببساطة حُذِفت، وحذف معها الصعود إلى السَّماء مع أنَّها مِن المعتقدات الكنسيَّة الأساسيَّة!

 


وقدمت لنا النسخةُ القياسية المنقَّحة الجديدة NRSV معلومة مهمَّة؛ إذ إنَّها عند ذكْرها الآية التي تُشير إلى السجودِ في متْن إنجيل لوقا، وضعتْ إحالة إلى الهامش وردَ فيها أنَّ جملة: "وسجَدوا له غير موجودة في المخطوطات القديمة المهمَّة"، وهذا ما قالتْه بالضبط بالإنجليزية

 

: "Other ancient authorities lack worshiped him".

 


أمَّا النسخة القياسيَّة المنقَّحة RSV الطبعة الكاثوليكيَّة لسنة 1978، فقد أعادتْ جملة السجود للمسيح إلى المتْن، لكن أشارتْ في الهامش أنَّها حُذفت أو غير موجودة في بعضِ المخطوطات القديمة، وهذا ما قالتْه بالإنجليزية تحديدًا

 

Other ancient authorities omit worshiped him..".

 


ومعنَى ذلك أنَّ أقدم وأهمَّ مخطوطات الكتاب المقدَّس لا تتضمن السجودَ للمسيح، وإنما هي إضافةٌ لاحِقة ممَّن يريدون جعلَ المسيح إلهًا بالرغم عنه، والترجمات الحديثة تضعُنا أمامَ معرض مكشوف للمتون والهوامش المتضارِبة، وللحذف والإضافةِ، والحذف وإعادة الإضافة، وهذا يدلُّ، بلا مواربة، أنَّنا بصدَد نصوص لا تمتُّ إلى الوحي الإلهي بصِلة، وإنَّما نحن أمامَ مترجمين ومنقِّحين خلاَ لهم الجوُّ، ففعلوا بالكتاب المقدَّس هذه الأفاعيل الشنيعة، في ظلِّ غياب النُّسخ الأصلية التي ضاعتْ إلى الأبَد.

وأخيرًا: أعود إلى الكذبةِ الكُبرى التي أشرتُ إليها في مستهلِّ المقال، وهي كذبةُ القس المنصِّر ثروت، فقد استدلَّ بجزء مِن قصَّة وردتْ في الإنجيل، كان أبطالها المسيح وتلميذه توما الشكَّاك، فقد وردَ في إنجيل يوحنا 20: 26 – 29: «.. وبَعْدَ ثَمانِيَةِ أيَّامٍ كان تلامِيذُه أيضًا داخِلا وَتُومَا مَعَهُم، فجاءَ يَسُوعُ والأَبْوابُ مُغَلَّقَة، ووقَفَ في الوَسْطِ وقال: "سَلاَمٌ لَكُم!"، ثُمَّ قالَ لِتُومَا: "هاتِ إِصْبعَكَ إلى هُنا وأَبْصِرْ يَديَّ، وهَاتِ يَدَكَ وَضَعْها في جَنْبِي، ولا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بل مُؤْمِنًا"، أجابَ تُومَا وقال له: "رَبِّي وإِلهِي!"، قال له يَسُوعُ: "لأَنَّكَ رَأَيْتَني يا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى للَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوا».

 


فقرأ القس المزوِّر الآية هكذا «..فسجَد توما للمسيح، وقال له: ربِّي وإلهي!!!»

 


والقصَّة كما هي أمامنا لا يوجد فيها على الإطلاقِ كلمة "سجد"، وهي كلمةٌ أضافها القسُّ ثروت مِن كيسه، وزادها إلى النصِّ دون خوف ولا وجَل ولا حياء مِن وحي شيطانه، وأنا متيقِّن أنَّه تعمَّد اختيار هذه القصَّة دون غيرها؛ وذلك ليقرنَ كلمة السجود بكلمتي ربي وإلهي التي وردتْ في النص؛ ليثبتَ بالكذب أنَّ السجود المذكور هنا ليس بمعنَى التحية والإكرام، وإنَّما هو سجودُ العبادة والتأليه.

والقس ثروت يعرِف أنَّ ثَمَّة مِن العلماء والخبراء بالكتاب المقدَّس مَن يعلم أنَّه يكذِب ويزوِّر الآية، لكنَّه كغيره مِن قساوسة الإعلام التلفزيوني يستهدفون ببرامجِهم الكاذبة عوامَّ النصارى، الذين لا يقرؤون الكتابَ المقدَّس، والغاية مِن ذلك الكذب تثبيتُ النصارى على عقائدهم الباطلة ووقَف الهروب الجَماعي مِن دين الكنيسة واعتناق الإسلام، خصوصًا في مصر التي تصلنا منها أخبارٌ متواترة عن إسلامِ الآلاف مِن القبطيَّات برغم اضطهادهنَّ وحبسهنَّ في الأديرة.

 


وإنَّني شخصيًّا لا ألوم القسَّ ثروت على كذبه في الفضائيات وعلى المباشر؛ لأنَّه يَنتمي إلى المدرسة التنصيريَّة التي ترَى أنَّ الكذب مِن أجل المسيح دينٌ وقُربة وشطارة تبشيريَّة، وزعيم هذه المدرسة هو بولس الذي كان يرَى أنَّ الله بحاجةٍ إلى مَن يكذب له لدعمه وتعزيزه، فصِدقُ الله لا يكون صدقًا ومجد الله لا يكون مجدًا إلا ببعضِ الأكاذيب التي تزيِّنه وتعضده وتقويه!

 


قال بولس ببجاحةٍ في رسالته إلى رومية 3: 7: «فإنَّهُ إنْ كانَ صِدْقُ اللهِ قدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لمَجْدِه فلماذَا أُدَانُ أنَا بَعْدُ كَخاطِئٍ؟».

 



لا شكَّ أنَّ مكيافيلي يُعدُّ قزمًا صغيرًا أمامَ عملاق الكذب بولس هذا؛ لأنَّ ميكيافيلي بكل خبثه لم يدَّعِ لحظة أنه يكتب وحيًا من الله، كما أنَّه لم يزعم يومًا أنَّ أكاذيبه هي نصرةٌ للدِّين، في حين كذب بولس صار آية إنجيليَّة يتلوها النصارى والمنصِّرون آناءَ الليل وأطرافَ النهار!

 

أمَّا في الإسلامِ فقد قطَع الطريق على الكذب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديثِه الصحيح المتواتِر «مَن كذَب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعدهَ مِن النار»، ومع أنَّه ظهرتْ في فترات مِن التاريخ الإسلامي عصابةٌ خبيثة زعمتْ أنها لا تكذب على النبيِّ وإنَّما تكذب له! إذ كانتْ تضع بعضَ  الأحاديث؛ مِن أجْل دعمِ بدعة مِن البِدع، أو التأكيد على خُلق معيَّن في فَضائل الأعمال، إلاَّ أنَّ جهابذةَ الحديث مِن علماء أهل السُّنة وقَفوا ينخلون السنَّة النبويَّة نخلاً، ويستخرجون تلك الأحاديثَ ويصنفون كتبًا خاصَّة بها، هي كتبُ الأحاديث الموضوعة والمنكَرة والضعيفة، ولم يَسلمْ أولئك الكذَّابون من فعلتهم البغيضة إذ أُدرجتْ أسماؤهم في قوائمِ العار في طبقاتِ الوضَّاعين والمتروكين والمدلِّسين وغيرها.

 


إنَّ الإسلامَ لا يحتاج إلى مَن يكذب له؛ لأنَّه الصِّدق ذاته، فهو دِين الفِطرة الذي تُقبل عليه العقول والقلوب، بينما دِين بولس المؤسّس على مصادمة العقول السويَّة والفِطر السليمة هو مَن انتشر في العالمين بالتحريفِ والتلفيقِ والاختلاق والتزوير، وهو الذي يحتاج إلى مَن يكذِب له حتى يروجَ بيْن الناس، كيف لا؟! وهو دينٌ لا يُصدِّق بعقائده إلاَّ مَن انتكست فِطرته وألغَى عقله؟! فلا شكَّ أنَّ الإيمان بتجسُّد الإله، والخطيئة الأصليَّة والكفَّارة، والثالوث واللاهوت والناسوت، وموت الإله وقيامته، وميلاده مِن عذراء واختتانه، وضرْبه بالصفعات والبَصق في وجهه... يحتاج إلى مَن يكذب له بشدَّة ويكذب له بقوَّة ويكذب له باستمرار؛ لعلَّ وعسى أن يَخدعَ أحدًا هنا أو أن يُضلَّ آخَر هناك.

تم قراءة المقال 3417 مرة