الاثنين 11 ذو الحجة 1432

الشيخ عبد العزيز بن الهاشمي والإصلاح

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

    كان الشيخ الهاشمي شيخ الطريقة القادرية رحمه الله رجلا قويا ذكيا واسع الحيلة بعيد النظر، فأدرك بثاقب رأيه أنَّ ما عليه الطرقية من الجهل والجمود لا يمكن أنْ يستمر طويلا في عصر العلم والنهوض، وأنَّ المستقبل للعلم ولا محالة، فولَّى وجهه شطر العلم، وقدَّم أبناءه لجامع الزيتونة المعمور، وحبس أملاكه كلها على العلم، واشترط في حبسه أنْ تُعمَر زواياه بأهل العلم من أئمة ومدرسين ومتعلمين، واشترط في أبنائه أنْ لا حظَّ لأحدهم في الحبس إلا إذا حصل على شهادة العالمية (التطويع) من جامع الزيتونة، وجعل الإشراف على الحبس لنظارة جامع الزيتونة، وبنى عمله هذا على أنَّ أملاكه هي أموال المسلمين فلتعد بالنفع على المسلمين، فكان عمله هذا عملا فريدا لم يسبقه إليه أحد من أمثاله. ولقد كانت مُحاولات كثيرة مِن بعده لحلِّ الحبس، ولكنَّه صُحِّح في المحاكم العليا بالجزائر على ما وضعه عليه صاحبه.

 

الشيخ عبد العزيز بن الهاشمي والإصلاح

 

 

    انتهى أمر الحبس إلى الشيخ عبد العزيز بن الشيخ الهاشمي؛ بِمقتضى شرط المُحَبِّس بعد وفاة أخيه الأكبر، وتولى مشيخة الطريقة القادرية، ودخل معه في الحبس أخوه الشيخ محمد الصالح لتحصيله على شهادة العالمية، فكان الرجلان بِما لهما من العالمية بعيدين عن كلِّ تلك المواقف العدائية التي وقفها شيوخ الطرق الأخرى، أو أوقفوا فيها ضد جمعية العلماء.

 

    في السنة الماضية قبل الاجتماع العام كاتبني الشيخ عبد العزيز يرغب مني الانخراط في جمعية العلماء، فأجبته بأنَّ الجمعية مفتَّحة الأبواب لجميع المسلمين وخصوصا لأمثاله من العلماء، وأحسب أنِّي ذكرت له أنَّ الجمعية تأسست وفي المؤسسين لها جمع كثيرٌ من شيوخ الطرق، وأنَّ القانون الأساسي الذي وُضِع باتفاق من الجميع ما زال معتمدا هو بنفسه، فلمَّا كان الاجتماع العامَ الماضي رُشِّح للمجلس الإداري بصفته عالما وشيخ الطريقة القادرية، فانتُخب بِما يقرُب من الإجماع.

 

   لم يكن الشيخ عبد العزيز منفِّذا لجميع شروط المُحَبِّس في عمارة زواياه بالتعلُّم والتعليم قبل دخوله لجمعية العلماء، فلمَّا دخل في الجمعية؛ رأى أنْ يقوم كسائر رجالها بنشر العلم والتهذيب في المسلمين، وشعر بِما عليه هو من الواجب أكثرَ مِن غيره؛ لما لديه من الأحباس الموقوفة على التعليم، والمسؤول هو عند الله تعالى على تنفيذها، فأخذ يعمل لذلك ويتهيأ له، وأخذ يكرِّر الاجتماعات في نواحي سوف بأتباع زواياه يَحثُّهم على العلم، ويُرغِّبهم في التعلُّم، ويُبَيِّن لهم أنَّ الانتساب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني -وهو من أئمة العلماء في مذهب أحمد بن حنبل- لا يَمنع من العلم، والأخذ بأسباب العلم.

 

    شرع الشيخ عبد العزيز بعمارة زواياه بالعلم، وعيَّن رجلين للتعليم من أبناء سوف المتخرجين من جامع الزيتونة المعمور؛ هما الشيخ علي بن سعد والشيخ عبد القادر الياجوري السجينان معه اليوم، وجَمع عددًا مِن الطلاب وحضَّر لهم مؤونتهم، وأخذت حركة العلم تدبُّ بيْن الناس، والرغبة فيه تنمو في الطلاب.

 

   دعا الحاكم الشيخ عبد العزيز في شأن التعليم وطلب الرخصة، وردَّ الشيخ بأنَّ الزوايا من قديم الزمان تعلِّم بدون رخصة، وتكرَّرَت الدعوة، وتكرَّر الأخذ والرد في الأمر، وفهم أنَّ الإدارة مُستثقلة لتلك الحركة العلمية، وتَخوف الناس عليها حتى كانت كارثة سوف الأليمة، وسيق الشيخ عبد العزيز والشيخان المعلمان وغيرهما إلى السجون، ولله عاقبة الأمور.

 

 

 

البصائر صفحة 1 العدد 123 من السلسلة الأولى بتاريخ 24 جمادى الأولى 1357 الموافق لـ22 جويلية 1938

تم قراءة المقال 4239 مرة