الأحد 2 شعبان 1435

يا عابد القبر أقبل على التوحيد

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

 

يشجع بعض الناس على تعظيم الأضرحة والأولياء المدفونين فيها، وأكثر ما نجد هذا التشجيع في البلاد التي يزعم أهلها أنهم يتبعون مذهب الإمام مالك ـ رحمه الله ـ خصوصا في المغرب الإسلامي وبلدان الصحراء الكبرى الإفريقية.

ويزعم أولئك المدّعون، ممن يوالون ويعادون على التعصب لمذهب مالك - رحمه الله - أن بناء الأضرحة على قبور الصالحين، ثم اتخاذها زلفة للتقرب إلى الله، هو من الملة ومن السنة، وهو أمر عجيب وشيء غريب، إذ كيف يمكن لهم الادعاء بأنهم من أشد الناس تعصبا للمذهب المالكي ـ رحمه الله ـ، في كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة، وصاحب المذهب يُفتي بعكس ذلك تماما؟!

يا عابد القبر أقبل على التوحيد

ألم يقرأ هؤلاء أن مالكا – رحمه الله – ذكر في موطئه -الذي يعتبره بعضهم أصح كتاب بعد القرآن- حديثا نبويا ينهى عن فعل ذلك؟

فقد روى مالك عن عطاء بن يسار مرسلا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

وقد نقل المحب الطبري، من علماء المالكية، في كتاب "القرى لقاصد أم القرى" عن الإمام مالك، كراهية أن يقول المسلم (من الحجاج والمعتمرين) زرت قبر النبي - صلى لله عليه وسلم- استنادا إلى الحديث الذي رواه في الموطأ.

فإذا كان إمام دار الهجرة يكره أن يُقال زرت قبر النبي، فما عساه يقول لو بُعث في عصرنا هذا، وشاهد ما يفعل فيها عبر البلاد الإسلامية، ومنها تلك التي تدعي التمذهب بمذهبه؟

لا شك أنه إذا شاهد عباد القبور وتأليه الأولياء، سيحكم على تلك البلاد بأنها بلاد بدعة وضلالة لا بلاد سنة وهداية، وسيدعو إلى إعادة فتحها من جديد بعد أن أصيب التوحيد بها في مقتل، ونال إبليس بغيته بما فعله في المسلمين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

كيف يسوغ لموحد أن يتمسح بقبر ميت؟

كيف يسوغ لموحد أن يتبرك بالرميم؟

كيف يسوغ لموحد أن يشد الرحال إلى من أكلته الديدان؟

كيف يسوغ لموحد أن يقيم الصلاة في مقابر الأولياء؟

كيف يسوغ لموحد أن يذبح للرفات؟

كيف يسوغ لموحد أن يلحد ميتا في مسجد؟

كيف يسوغ لموحد أن يشيد مسجدا على قبر؟

كيف يسوغ لموحد أن يستعين بميت؟

كيف يسوغ لموحد أن يستغيث بميت؟

كيف يسوغ لموحد أن يطوف بضريح؟

كيف يسوغ لموحد أن يشعل الشموع والسرج على المدافن؟

كيف يسوغ لموحد أن يدعو من لا يسمع دعاءه؟

كيف يسوغ لموحد أن يخش من في القبور؟

كيف يسوغ لموحد أن يرجو من تحت التراب؟

....؟

يا عابد القبر!

أليس الله بكاف عبده؟

يا عابد الوثن !

أإله مع الله؟

ياعابد الصنم !

آالله أمرك بهذا؟

بأي مذهب تتمذهب؟

إذا قلت بمذهب مالك، فقد أعظمت عليه الفرية، وسيكون خصيمك يوم تلتقي عند الله الخصوم.

وإذا قلت بمذهب محمد - صلى الله عليه وسلم- فقد علمت أنه نهى عن اتخاذ قبره عيدا تشبها بعباد الأوثان، مع أنه خير من حملته على الأرض قدمان، فما بالك بقبر "سيدي بومدين" أو "سيدي عبد الرحمان" !؟

ألا يعودُ أولئك إلى رشدهم، أم سيبقون في غيهم القديم؟

ألا يعلمون أي منقلب سينقلبون؟

يوم يُسألون عن شركهم الأكبر، الذي يحسبونه طاعة لله، وهم أبعد الناس عن الطاعة، فالطاعة تعني الالتزام بغرز الرسول الأكرم - عليه الصلاة والسلام- وهيهات هيهات أن يكون النبي أو أصحابه قد شرعوا لهم سنة بناء الأضرحة وزيارتها وعبادة أصحابها من دون الله.

وقد يقولون، بل هم يقولون، إننا لا نعبد الأولياء، بل نتقرب إلى الله بحبهم والطواف بقبورهم وطلب الشفاعة منهم، والتماسهم واسطة بيننا وبين الله، فهم أولياؤه وأصفياؤه في هذه الدنيا، والتوسل بهم توسل بجاههم الذي يحظون به عند الله، إنهم يدعون لنا بالخير أحياء كانوا أم موتى، ولا يرد الله دعاءهم وشفاعتهم، لأنهم صالحون ومستجابو الدعوة.

فما أشبه الليلة بالبارحة !

قال الله تعالى في سورة نوح (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا) نوح 22 – 23 .

قال ابن عباس في تفسير الآية: إن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، كانوا رجالا صالحين فلما ماتوا وفشى الجهل في من بعدهم عُبدوا من دون الله.

كما إن اللات التي عبدها القرشيون في جزيرة العرب، هي في أصلها رجل صالح في الجاهلية، لما مات عبده المشركون، روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه- قوله: "كان اللات رجلا يلت سويق الحجاج"، وفي رواية "كان اللات رجلا يطعم من يمر من الناس"، ثم عكفوا على قبره وصار وثنا من أوثان المشركين.

إنها مأساة المشركين في كل زمان ومكان، فهم ككل مرة أبطال مسرحية الشرك التي أخرجها إبليس، يؤدونها على الخشبة بإتقان، وعلى مدار التاريخ يتسم صُناع هذه المسرحية، مخرجين وممثلين، بالجهل بحقائق التوحيد الخالص وبعقيدة " لا إله إلا الله محمد رسول الله"، التي تعني فيما تعني ألا معبود بحق إلا الله، وأن صرف العبادة لغيره هو نقض لتلك الكلمة، وتعني في شقها الثاني ألا متبوع في الدين بحق إلا رسول الهدى محمد- عليه الصلاة والسلام- فإن لم تستطع أن تحك رأسك إلا بأثر عنه فافعل، فهو الذي بين لنا طريق التوحيد السالك إلى الجنة، ودونه سبل شياطين الشرك والكفر والنفاق والبدعة.

الحذار، الحذار !

من سبيل رؤوس أهل البدعة الذين يزينون أهواءهم لعوام الناس، لعبادة أضرحة وإقامة مزارات وموالد، هدفها الأساس هو تعريتهم من أموالهم والإستلاء على ما في جيوبهم...إنهم مصاصو دماء يحيون على عرق وكد العوام، وإذا كانت أساطير مصاصي الدماء تزعم أن مصاص الدماء يخشى من أشعة الشمس، فإن أخوف ما يخاف مصاص الدماء القبوري شعاع شمس السنة الحارقة، الذي يحرقه انتظارا لحرق من نوع آخر يوم تقوم الأشهاد.

تبدأ مسرحية الشرك برفع وإزاحة ستار التوحيد بالوسوسة والغلو في الصالحين، وتزيين عاقبة التقرب إليهم بالأعمال، التي لا تجوز إلا في حق الله، وبعد الاستدراج والانتقال بين مشاهدها، ينخرط الجميع في جو المسرحية الشركية، وعند انتهاء فصولها ينفضون من مشعرهم وقد غشيتهم اللعنة جزاء وفاقا بما كانوا يشركون.

ويا ليتهم عبدوا ما يظنون...فكم سمعنا من حكايات مضحكات لضريح ولي، يُزار في الأعياد والمواسم وعند الملمات، وتُقدم له وعنده القرابين من ذبائح ومشاو وما طاب ولذا من الحلوى... وبعد سنوات وعقود من الطواف والتمسح والتبرك والقنوت وشد الرحال.. ينُبش الضريح لنقل رفات الولي الصالح، لسبب شق طريق أو بناء مؤسسة أو إقامة مشروع، يفاجأ الحفارون المكلفون بالنبش، بجثة حمار أو بغل أو جحش أو أتان، أو بقرة حلوب عزيزة على صاحبها دفنها في ذاك المكان، أو خروف مصاب بالطاعون فوري التراب حتى لا يعدي باقي الخرفان، أو كلب مسعور قُتل ورُمي في حفرةِ وقاية للإنسان ...، فأعظم بها من خيبة وخسران ! حين يكتشف عابد الأوثان، بعد جهد وطول زمان، أنه ما عبد إلا عظام حيوان، فباء بسخط وغضب الديان!!.

فيا عابد القبر !، هذا أوله وهذا منتهاه فأقبل على العلم الشرعي، والتزام السنة، واقتفاء الأثر، وتحقيق التوحيد على منهج السلف الصالح تسعد في الدنيا والآخرة، ولا يغرنك بالله الغرور ولا أتباعه من أصحاب القبور.

وسيقول بعض الإسلاميين كعادتهم: "أما زلتم مشغولون بالتحذير من الأضرحة وعبادة الأولياء...!؟".

فأقول: لقد كشف تاريخنا وواقعنا أن عُباد الأضرحة وسدنتها كانوا ومازالوا مدخل الاستعمار ومرتع التنصير وأنصار العلمانيين"، فافهم أيها المسكين سبب التشجيع المحموم الذي توليه بعض تلك الدوائر الرسمية في عالمنا الإسلامي لأضرحة الأموات، لأن الأموات لا يعبدهم إلا الأموات.

تم قراءة المقال 9986 مرة