الأحد 17 رجب 1437

كَشْفُ أكاذيب عُبّادِ الصَليب مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ...﴾ العنكبوت 46، الأصل في دعوة النصارى ومجادلتهم، أن تكون بالكلمة الطيبة والتوجيه الحسن والحكمة البالغة، إلا أن من المنَصّرين وأعداء الدين من لا ينفع معه هذا الأسلوب، بل لا يخنس ويلزم حده إلا بالفضح والكشف والتقريع، لأنهم من الذين أضلَّهم اللهُ على علم، يعلمون الحق ويتعمدون تنكبه، بل إنهم يتطاولون على الإسلام ورموزه مجانا، ومن أمثال هؤلاء بعض من سيَرِدُ اسمه في هذا المقال، من الذين يتعمدون الكذب والبهتان.
ومن بين هؤلاء نبدأ بالأب الماروني "مؤنس"، من الناشطين في مجال الإعلام النصراني اللبناني، في حلقاته التلفزيونية يُفْرغُ وسعه في بيان صحة عقيدته النصرانية، وهو أمر لا نَعيبه عليه، فهو مقتنع بنصرانيته وكتبه وإلهه الذي يعبده، وهذا شأنه، لكن ما ليس من شأنه أن يتجرأ على القرآن فيتلاعبُ بآياته ليثبت أكاذيبه، ودون ذلك خرط القتاد، وسنكون له ولأمثاله بالمرصاد، ومن تلك المحاولات غير الأخلاقية التي تعوّد عليها أنه في إحدى حلقاته استشهد بآية قرآنية، قصد بها إثبات موت المسيح على الصليب فداء لخطايا البشرية، فقرأ قول الله تعالى في سورة مريم: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ مريم: 33 هكذا (...يوم مِتُّ...) بدل (..أموتُ..) وهي قراءة خاطئة محرفة للقرآن، فتعمد تغيير الفعل من أموت في المضارع إلى مِتُّ في الماضي، ليوهم الناس أن القرآن يُثْبت نظرية الكنيسة في انتحار الإله على الصليب، وعملُه هذا سلوك مشين وتصرف غير أمين، وكيف يسوغ لمن يدّعي التدين بدين الفضيلة أن يسلك سبيل الكذب الصُراح والتحريف البواح ليبلغ غايته في تبليغ الدين الذي يزعم أنه حق!؟
وعلى كل حال، فنحن لا نستغرب من هذا التصرف، فقد حرَّف سلفُه الكهنةُ والرهبانُ كتابهم المقدس كاملا عقب رفع المسيح، وهل سيخجل الخلفُ من تقليد سلفِهم في تبديل أو حذف أو إضافة  كلمة هنا أو هناك، وهم من هم في كراهيتهم للإسلام وحقدهم الأعمى على كتاب الله المهيمن، الذي عرّاهم وفضح تحريفهم وضلالهم!؟.
أعرف أن الأب مؤنس لا يحسن الحديث باللغة العربية كأغلب القساوسة العرب اليوم، فربما أخطأ سهوا في قراءة الآية القرآنية، إذ إن جهله باللغة العربية يحول دون تفريقه بين الفعلين المضارع والماضي، لكن مهما حاول المرء إيجاد المخارج لهؤلاء الكذبة، فإن تاريخهم الطويل في الكذب على الله وعلى كتبه لا يسعفنا في إيجاد الأعذار لهم، وتجربتهم في التحريف معلومة لكل من اطَّلع على نصوصهم التي يزعمون قُدسيتها، ولا يرِد البتة على الخاطر أن أمثال هؤلاء يخطئون سهوا أو نسيانا أو بحسن نية.
ولبيان ذلك، سأضرب مثالين جليين من كتابهم المقدس على ما اقترفته أيدي أجدادهم المحرفين في هذا المضمار، فقد وَرَدَ في العهد القديم، وتحديدا في سفر أيوب، النسخة العبرانية 2: 7 - 9 النصُ التالي: (َخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ. فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: «أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهَ وَمُتْ!».). بينما جاء نفس النص في النسخة السبعينية اليونانية كالتالي: (خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ. فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: «أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ إلعنِ اللهَ وَمُتْ!».)
هكذا في النسخة العبرانية "بارك اللهَ ومت" بينما في النسخة اليونانية "إلعن اللهَ ومت"، هل هذا سهو؟ إذا كان الأب مؤنس لا يُفرِّق بين الفعل المضارع والماضي، ألا يفرَّق كَتَبَةُ الوحي المقدس بين كلمتي "بارك" و"العن"، هل يمكن للجنة العلماء والأحبار المكلفة بكتابة الوحي المقدس أن تغرق في النسيان والسهو، إلى حد لا تَفْصِل بين البركة واللعنة؟ فتجعل البركة لعنة واللعنة بركة؟
قد يقول أحدهم، ردا على هذه التساؤلات، إن كلمة اللعنة هي من مترادفات كلمة البركة!!
ولا غرابة، فإن قاموس لسان العرب، عفوا "لسان المزورين"، فيه من المترادفات ما لا يخطر على بال أحد، لدرجة أنه يجعل كلمة "الربّ" - سبحانه - مرادفة لكلمة "الشيطان"، وان أردت الدليل فاذهب إلى الكتاب المقدس، حيث ورد النص التالي في سفر أخبار الأيام الأول 21: 1 – 3 (َوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِيُوآبَ وَلِرُؤَسَاءِ الشَّعْبِ: «اذْهَبُوا عُدُّوا إِسْرَائِيلَ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ إِلَى دَانَ، وَأْتُوا إِلَيَّ فَأَعْلَمَ عَدَدَهُمْ».)
وعند إعادة سرد نفس الحادثة في سفر صموئيل الثاني 24: 1 – 2 ورد النص كالتالي: (وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلاً: «امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا». فَقَالَ الْمَلِكُ لِيُوآبَ رَئِيسِ الْجَيْشِ الَّذِي عِنْدَهُ: «طُفْ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ وَعُدُّوا الشَّعْبَ، فَأَعْلَمَ عَدَدَ الشَّعْبِ».
فالذي أَمرَ داودَ بإجراء إحصاء شعب بني إسرائيل، في سفر أخبار الأيام الأول هو "الشيطان"، بينما في سفر صموئيل الثاني الذي أمرهُ هو "الربّ" الإله يهوه، حسب ما جاء باللسان العبري... إن الكتاب الذي لا يُفرق بين الإله والشيطان، لا يصلُح أن يكون كتاب حق، وإن الناس أحوجَ ما يكونون إلى كتاب هداية لا كتاب غواية.
فهل نعذر الأب مؤنس الذي لا يفرق بين الفعل المضارع والفعل الماضي؟ أم أننا نلومه لأنه يقتبس معارفه من قاموس "لسان المزورين"؟، أعتقد جازما أنه لا يستحق إلا اللوم، لأنه يتعمد استقاء معارفه من ذلك القاموس الخبيث، الذي هو أحد كاتبيه ومحرريه، وكيف يُعذر من تعمّد تحريف كتاب ربه فضلا عن تحريف كتاب عدوه!؟
لننتقل الآن إلى شخص أخر، من نفس المذهب، اللبناني الماروني بطرس الفغالي، الذي أتابع برامجه منذ سنوات، وهي في مجملها إجابات على أسئلة النصارى التي ترِد على برامجه، وقد لاحظت أنه في العديد من المرات يصاب بالتشنج، عندما يُطرح عليه أمر في النصرانية له علاقة بالإسلام والمسلمين، فيقول غالبا :"هذا مش عندنا هذا عند غيرنا"، ويقول هذا بنوع من الترفع، كأنما يأنف هو وأتباع دينه من أن يفعلوا أو يعتقدوا بذلك السلوك أو المعتقد الذي سُئل عنه، لأنهم ـ في نظره ـ أرقى من أن ينحطوا إلى درك الإسلام والمسلمين!... وقبل مدة دارت إحدى حلقاته عن موضوع تعدد الزوجات، فأرعد وأزبد وهاجم الفكرة بشدة، وقال كل شيء لينفيها عن النصرانية، حتى وصل به الأمر إلى التصريح بأن: "تعدد الزوجات هو زنا"، نعم هذا ما قاله!!.
ولا أدري كيف لا يخاف ولا يخجل من اتهام المعدِّديِن للزوجات بالزنا! ومن تَعدُد الزوجات جاء المسيح ووُلد ربهم وإلههم المتجسد، لينظر بطرس الفغالي إلى سلسلة نسب مسيحه، كما دُونت في الإصحاح الأول من إنجيل متى، ليرى ويعاين بعينيه أن أغلب أجداد المسيح كانوا مُعدِّدِين، وبعضهم أضافوا على التعدد الشرعي الزنا بالمحارم والزنا بالجارات والزنا بالعاهرات... ولست في مورد ذكر جرائم الزنا التي ألصقوها بالصالحين، من الأنبياء والرسل في العهد القديم، لكنني أذكر فقط أمثلة عن بعض المعدِّدِين، فهذا إبراهيم ـ عليه السلام ـ كانت له ثلاث نسوة: سارة وهاجر وقطورة، ويعقوب ـ عليه السلام ـ كانت له أربع نسوة: راحيل وليئة وبلهة وزلفة، وموسى ـ عليه السلام ـ زوجتان: صفورة والكوشية، وداود ـ عليه السلام ـ أكثر من عشرة نسوة...
ومع أن داود ـ عليه السلام ـ اتهمه الكتاب المقدس المحرف بالزنا مع بتشبع زوجة قائد جيشه، فإن الله كان راضيا بكل أفعاله عدا تلك الفعلة الشنيعة، مما يعني أن الله لم يغضب على داود ولم ينقم عليه تعدد زوجاته... ومن كل الأنبياء المعدِّدِين للزوجات في الكتاب المقدس، فإن سليمان ـ عليه السلام ـ هو أجدرهم بالاهتمام، لذا أقف عنده مطولا، فقد أخبرنا الكتاب المقدس أنه تزوج ألف (1000) امرأة، وإن أغلب نسائه كنَّ من الوثنيات اللائي منع الله بني إسرائيل من الارتباط بهنَّ، و"سُليمانهم" الذي خالف ذلك المنع، تمادى في غيه إلى حد الانسياق وراء زوجاته المشركات، فشَيّد لآلهتهن معابد وعبَد أربابهن وصنع لهن أصناما وأوثانا!!
هذا ما يقوله الكتاب المقدس عن سليمان في سفر الملوك الأول 11: 1 – 10 (وَأَحَبَّ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ نِسَاءً غَرِيبَةً كَثِيرَةً مَعَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ: مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصِيدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ قَالَ عَنْهُمُ الرَّبُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: «لاَ تَدْخُلُونَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ لاَ يَدْخُلُونَ إِلَيْكُمْ، لأَنَّهُمْ يُمِيلُونَ قُلُوبَكُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ». فَالْتَصَقَ سُلَيْمَانُ بِهؤُلاَءِ بِالْمَحَبَّةِ. وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ، فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ. وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ. فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَرَاءَ عَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ. وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تَمَامًا كَدَاوُدَ أَبِيهِ. حِينَئِذٍ بَنَى سُلَيْمَانُ مُرْتَفَعَةً لِكَمُوشَ رِجْسِ الْمُوآبِيِّينَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورُشَلِيمَ، وَلِمُولَكَ رِجْسِ بَنِي عَمُّونَ. وَهكَذَا فَعَلَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُوقِدْنَ وَيَذْبَحْنَ لآلِهَتِهِنَّ. فَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيْمَانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ، وَأَوْصَاهُ فِي هذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبعَ آلِهَةً أُخْرَى، فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ.)
 "فسُليمانهم" المتزوج بـ 1000 امرأة، كان مرتبطا بعلاقة غير شرعية مع 999 امرأة، ولم يكن من حقه ـ حسب شريعة بطرس الفغالي ـ أن يتزوج بأكثر من واحدة، وبما أن تعدد الزوجات هو زنا، فهذا يعني اتهام "سُليمانهم" بالزنا بألف امرأة إلا واحدة.. لكن ليت بطرس الفغالي يخبرنا كيف لمن اقترف هاتين الفعلتين الشنيعتين (الزنا والشرك بالله) أن يصفه ربه بالحكمة التي تجاوزت كل الحدود، حتى قال عنه في سفر الملوك الأول 4: 29 – 31 (وَأَعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً وَفَهْمًا كَثِيرًا جِدًّا، وَرَحْبَةَ قَلْبٍ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. وَفَاقَتْ حِكْمَةُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةَ جَمِيعِ بَنِي الْمَشْرِقِ وَكُلَّ حِكْمَةِ مِصْرَ. وَكَانَ أَحْكَمَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ..)!؟.
وكيف لمن يزني بـ 999 امرأة ويعبد أربابهن المزيفة أن يكون كاتبا للوحي، ففي الكتاب المقدس ثلاثة أسفار منسوبة إلى سليمان، هي: الأمثال والجامعة ونشيد الإنشاد؟ ... لكن هذا هو الإبداع في الأكاذيب الكتابية، التي يعجز أن يأتي بمثلها كتبة السيناريوهات المحترفون، وهذا هو الإعجاز الروائي أن تؤلف قصة بطلها هو الرجل الأكثر حكمة على وجه الأرض وهو أيضا "نبي كاتب وحي، وزان متسلسل، وعابد أوثان"!؟
ولا أدري أيها البطرس الفغالي! كيف يمكن للمنصّرين أن يُقنعوا البشر، وخصوصا المسلمين، أن ثلاثة من الأسفار الكتابية التي سيُقدسونها، بعد تحولهم إلى النصرانية، مؤلفها "كاتب زان" محترف، ساقته محبة زوجاته المشركات إلى ترك النبوة والرسالة والملك ليصير "بنّاء أضرحة ونقّاش أوثان وصانع أصنام"!؟
ولا يُلتفت إلى ما يقوله المنصّرون أن سليمان الحكيم تاب قبل وفاته وأقلع عن شر أفعاله ورجع عنها، والدليل أن تلك المعابد التي شيّدها، والأوثان التي نحتها، والأصنام التي عبدها، لم تُهدم ولم تُنزع من بني إسرائيل بل تركها سليمان ميراثا لمن بعده، وبقيت كذلك إلى أن جاء ملك يهوذا "يوشيا" بعد قرون عديدة وأزمنة مديدة، فسليمان توفي تقريبا سنة 940 ما قبل الميلاد، بينما يوشيا الملك الذي أجرى إصلاحا دينيا، والذي هدم مخلفات سليمان الوثنية، مات سنة 610 ما قبل الميلاد، وبين الرجلين أزيد من ثلاثة قرون، فسليمان لم يتب كما زعم كذبا القس فكري وضيفه خادم الإنجيل صموئيل المصريين في أحد برامجهما التلفزيونية، لما واجههما منتقدو كتبهما المزيفة وأكاذيبهما المنمقة.
والدليل على ما نقول الكتاب المقدس نفسه، فقد ورَدَ في سفر الملوك الثاني 23: 13 – 14 ما يلي: (ونَجسَ ـ يوشيا ـ المَعابِدَ التي على المُرتَفعاتِ قُبالَةَ أورُشليمَ، إلى يَمينِ جبَلِ الزَّيتونِ، وهيَ التي بَناها سُليمانُ مَلِكُ إِسرائيلَ للآلِهةِ الأرجاسِ: عَشتَروتَ إلهةِ الصَّيدونيِّينَ، ولِكَموشَ إلهِ الموآبيِّينَ، ولِمَلكومَ إلهِ بَني عَمُّونَ. وحَطَّمَ الأصنامَ وقطَعَ أصنامَ أشيرةَ ومَلأَ أماكِنَها مِنْ عِظامِ النَّاسِ).
وإذا عدنا إلى القس بطرس الفغالي، فإننا نُعْلِمُه أننا مقتنعون أن الأنبياء والرسل، ومنهم سليمان ـ عليه السلام ـ هم من خير البشر الذين اصطفاهم الله، وحاشاهم أن يكونوا بتلك الصورة المقززة التي يصورنهم بها، ويكفي دليلا على براءة سليمان وأمانته وورعه وعفته أنه من القدِّيسين، فقد ورد في الإنجيل في رسالة بطرس الثانية 1: 21 (أَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ).
فسليمان ـ يا فغالي! ـ هو صاحب النبوءات والأسفار الثلاثة الموحى بها في العهد القديم، لذا فهو من القدِّيسين لا الزناة المشركين، وإلا يلزمك الطعن في قانونية ومصداقية تلك الأسفار الثلاثة، لكن ما الحيلة وما العمل؟ فكذبك على شريعة تعدد الزوجات الذي وصفته بالزنا، أعمى بصرك وبصيرتك فاتهمت من حيث لا تشعر أسفار الكتاب المقدس بأنها من وحي الزناة، لا من وحي الروح القدس الذي يسوق القدِّيسين، فهل ترضى بذلك يا بطرس يا فغالي!!؟
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فلا بأس أن أُعرج على مسألة تعدد الزوجات، التي يُسوغها ويدافع عنها بعض المسلمين في مناظراتهم مع النصارى، باستحضار أحد أدلة التأييد التي طالما سمعناه، وهو: "لو كانت الزوجة مريضة أو عاجزة عن الإنجاب من الأفضل لها أن يتزوج زوجها ثانية بدلا من تطليقها"، وهو أمر بدهي ومنطقي، لكن يفاجئني بعض النصارى بردهم على هذا المنطق بقولهم: "لماذا لا يكون من حق المرأة أن تتزوج رجلا ثانيا إذا كان زوجها مريضا أو عاجزا عن الإنجاب؟"، والمقام لا يسعفنا لدفع هذا الهراء بالتفصيل، فزواج امرأة من أكثر من رجل لا قيمة له من حيث المنطق والعقل والذوق وحفظ الأنساب...، لكن هكذا هم، فإنك لا تقابل باطلا أو فسادا في هذا العالم إلا تجدهم من مناصريه ومؤيديه، لذا لن نعجب من فتاوى الكنيسة الشاذة المريضة، ولو على حساب الدين والعقل وكل فضيلة، وفي هذا الصدد أباح زعيم الكنيسة البروتستنتية ومصلحها الفذ مارتن لوثر، للزوجة النصرانية التي لا يقدر زوجها المريض على إرضاء شهوتها الجنسية أو الإنجاب منه أن تبحث لها عن رجل ـ لا زوج ثان ـ على قارعة الطريق أو في خبايا الزوايا حتى تقيم معه علاقة جنسية مشبعة تنتهي بإنجاب الولد، مع بقائها على عصمة زوجها العاجز المريض، وهذا ما نقله وول ديورنت في كتابه الشهير قصة الحضارة حرفيا عن زعيم الإصلاح البروتستنتي مارتن لوثر في الجزء 24 الصفحة 31 الذي قال: "إن أي امرأة تتزوج من رجل عنّين يجب أن يُسمح لها، إذا وافق زوجها، بأن تضاجع رجلاً آخر لكي تنجب منه طفلاً، ويجب أن يُسمح لها بأن تدّعي أن الطفل هو ابن زوجها، وإذا أبى الزوج فإنها تستطيع بحق أن تطلق منه".
والعنّين هو من كان بعضوه الذكري ارتخاء يمنع من إقامة العلاقة الجنسية مع أهله، وهذا هو فقههم وهؤلاء هم فقهاؤهم، أما في الإسلام فإن فقهاء الأمة أجمعوا على أن من حق زوجة العنّين أن ترفع أمرها إلى القاضي الذي يحكم بطلاقها، وذكر أكثر أهل العلم أن القاضي يرجئ الفصل بين الزوجين سنة كاملة، لعل تحول الظروف المناخية من حرارة وبرودة يكون سببا في الشفاء من العنّة، وإن لم يتغير وضع الزوج فالقرار بيد الزوجة إن شاءت طلقت وإن شاءت بقيت مع زوجها، أما طريق الزنا فلا يفكر فيه إلا الكذبة على دين الله، وشتّان بين الفقهين، وهيهات هيهات أن يكون دين النصرانية بأكاذيب فقهائه الشاذة وحيا من رب السماء.
أنتقل، الآن، إلى بطل آخر من أبطال الكذب من عبّاد الصليب، فقد صرّح روبرت موري، وهو نصراني أصولي معروف في برنامج إذاعي يهاجم فيه الإسلام بشكل متواصل: "لو أن محمدا كان حيا اليوم، فإنه على أكثر الاحتمالات كان سيشخص على أنه قاتل مصاب باضطراب عقلي".
وقديما قيل: "من كان بيته من زجاج فلا يرم الناس بالحجارة"، وهذا الأصولي الإنجيلي الحاقد، الذي يتهم محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ  بالجنون واضطراب العقل، لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك، لأنه تربى على نصوص مقدسة لديه تعتبر إلهه نفسه مجنونا ومضطربا عقليا، لذا كانت خلاصة الدين الذي أوحى به إلى أتباعه ركاما من الإيمان أو اللاهوت غير المعقول وغير المنطقي والجنوني... وقد اعتبر توماس باين صاحب الكتاب الشهير (عصر العقل) أن: "النصرانية دين سخيف إلى حد لا يقبل النقد، ومستحيل لا يقبل الإقناع، ومتضارب لا يقبل التطبيق، ويجعل قلب معتنقه بليدا".
ويضيف باين: "إن عصر الجهالة بدأ ببداية الديانة النصرانية" ويقول: "إن كتاب الكنيسة المقدس ساذج إلى حد لا يرقى لأن يخضع إلى النقد". وبعد أن بيّن ودحض في مئات الصفحات من كتابه الأكاذيب والخرافات الجنونية التي تضمنتها النصوص المقدسة، التي تزعم الكنيسة أنها كلمة الله ختم بقوله: "سنكون أكثر اتساقا لو قلنا إن هذه النصوص هي كلمة إبليس لا كلمة الله".
إن السخافات العقلية التي احتواها الكتاب المقدس، الذي يتبعه المُنَصِّر روبرت موري، هو الذي أفرز لنا الملحدين وأعداء الدين، أمثال توماس باين، ودانتي ألجيري الذي عبّر على ذلك العته العقلي بمسرحية الكوميديا الإلهية، وفولتير الذي كتب كلاما بليغا في وصف لاهوت الكنيسة، حيث قال: "إن لدي مائتي مجلد في هذا الموضوع (عقائد النصارى)، الأدهى من ذلك أني قرأتها وكأني أقوم بجولة في مستشفى للأمراض العقلية".
وأتمنى أن ينظر المنَصِّرون، وأخص المهاجمين للإسلام ونبيه، إلى كتابهم المقدس، وبالتحديد كيف يصف فيه بولس أكبر قدّيسيهم ربه بالجهل والحمق والغباء، من حيث أراد أن يمدحه ويبجله، فقد ورد في الإنجيل، حسب النسخة العربية المشتركة، في رسالة بولس إلى كورنثوس الأولى 1: 16 – 21 : (فلا يَقدِرُ أحَدٌ أنْ يقولَ إنَّكُم باسمي تَعمَّدتُم. نعم، عَمَّدتُ أيضًا عائِلَةَ استفاناسَ. وما عَدا هَؤُلاءِ، فلا أذكُرُ أنِّي عَمَّدتُ أحدًا. فالمَسيحُ أرسَلَني لا لأُعَمِّدَ، بَلْ  لأُعلِنَ البِشارَةَ غَيرَ مُتَّكِلٍ على حكِمَةِ الكلامِ لِئَلاَّ يَفقدَ موتُ المَسيحِ على الصَّليبِ قـوَّتَهُ. فالبِشارةُ بالصَّليبِ حماقَةٌ عِندَ الّذينَ يَسلُكونَ طريقَ الهلاكِ. وأمَّا عِندَنا نَحنُ الّذينَ يَسلُكونَ طريقَ الخلاصِ، فهوَ قُدرَةُ اللهِ. فالكِتابُ يقولُ: سأمحو حِكْمَةَ الحُكَماءِ، وأُزيلُ ذَكاءَ الأذكياءِ. فأينَ الحكيمُ؟ وأينَ العَلاَّمةُ؟ وأينَ المُجادِلُ في هذا الزَّمانِ؟ أمَا جعَلَ اللهُ حِكمَةَ العالَمِ حماقةً؟ فلَمَّا كانَت حِكمَةُ اللهِ أنْ لا يَعرِفَهُ العالَمُ بالحِكمَةِ، شاءَ اللهُ أنْ يُخلِّصَ المُؤمنينَ بِه بِحماقَةِ البِشارَة).
ثم انظر كيف يصف بولس ربه بالجهل قائلا، حسب نسخة الفاندايك، في كورنثوس الأولى 1: 25 (إن جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ!)، وعلامتا التعجب اللتان بين القوسين ليستا من عندي، بل من الإنجيل نفسه، فكأنّ بولس نفسه يَعْجَب مما يكتب!!!!
هذا باختصار شديد فنسخة العربية المشتركة تصف ربها بالحماقة، ونسخة الفاندايك تصفه بالجهالة، ونسخة الكتاب الشريف اختارت كلمة "الغباء"، والنسخة المسكونية الفرنسية TOB اختارت وصفه "بالجنون"folie ، والنسخة الانجليزية The Message اختارت كلمة "البلاهة" Silliness... ومن باب المطالعة عدت إلى النسخة الأمازيغية القبائلية فوجدتها اختارت كلمة "الهبالة" وهو مؤنث الهبل...!!! ولقد صدق من قال: "الجنون فنون".
وأول من تشير إليه الكنائس أنه وثق ذلك الهبل وأقنع أغلب آباء الكنيسة في القرون الأولى بصحة تلك النُقول التي أُودعت في الكتاب المقدس، هو "بابياس" أسقف ھیرابولیس في آسیا، وكان من المتقدمين، حيث عاش ما بين 70 و 155 للميلاد، وربما تلقى بعض تخريفاته عن يوحنا صاحب الإنجيل الرابع، كما يزعمون، في نهاية القرن الأول الميلادي أو بدايته، هذا العالم البحارةّ الفهامةّ وحيد عصره وفريد زمانه!!، قال في ترجمته أعظم علمائهم في الجرح والتعديل المؤرخ يوسابيوس القيصري في موسوعته تاريخ الكنيسة (الكتاب 3، الفصل 39، الفقرة 13): "یبدو أنه كان محدود الإدراك جداً كما یتبین من أبحاثه، وإليه یرجع السبب في أن الكثیرین من آباء الكنيسة من بعده اعتنقوا نفس الآراء مستندین في ذلك إلى أقدمیة الزمن الذي عاش فيه".
وإذا كان محدودو الإدراك جدا هم المستأمنين على الدين فعلى الدين السلام، وفي لغة علم النفس النمو، وعلم النفس المعرفي، وعلم النفس المرضي، فإن محدودي الإدراك كبابياس وأشياعه من السابقين واللاحقين، يُصنفون في خانة أصحاب الإعاقة العقلية أو على الأقل تحت مُسمى ذوي الاحتياجات الخاصة، وأمثال هؤلاء وظيفتهم في الحياة أن يتعلموا كيف يمسكون ملعقة وصحنا ليأكلوا بها، لا أن يمسِكوا قلما وقرطاسا ليكتبوا به وحيا مقدسا.
وأخيرا، فقد وقع بين يدي هذا الأسبوع كتاب عنوانه (اكتشاف الكتاب المقدس: قيامة المسيح في سيناء) لصاحبه جيمس بنتلي، وتطرق فيه المؤلف إلى اكتشاف النسخة السينائية للكتاب المقدس سنة 1844 في دير سانت كاثرين للروم الأورثدكس، المشيد بصحراء سيناء المصرية، وتناول تفاصيل تلك المخطوطة واختلافاتها مع المخطوطات والمطبوعات الأخرى وأشار إلى التحريفات الموجودة بها... لكن في خضم تلك التفاصيل التحريفية السوداء الكالحة للكتاب المقدس التي غاص الكاتب فيها، أصابته لوثة التحريف فانتقل ميكروبه من المخطوطة إلى عقله ومن ثم إلى قلمه، فعرج في جزء من كتابه على تاريخ بناء وتشيد ذلك الدير العتيق الشامخ المحصنة جدرانه بأحجار عظيمة، لا تقدر على هدمها الدبابات والمدافع، فقال وهو يكذب ويحرف التاريخ والحقائق: "لقد شيّد الإمبراطور جوستنيان الدير في سيناء على سفح جبل موسى ليبقى على مدى العصور، لذا شيدت جدران الدير الدفاعية شاهقة ومتينة من صخر الجرانيت المحلى باللون الأحمر، ويبلغ ارتفاع الجدران في بعض الأماكن أكثر من ثمانين قدما، وهي شاخصة اليوم كما تركها معماريو جوستنيان... شُيد الدير للدفاع عن الرهبان من هجوم المسلمين في وقت كانت فيه سيناء تحت ظل المسيحية" ثم استمر في كذبه مستدلا بقول أحد مؤرخي البلاط البيزنطي الكذبة من أمثاله، وهو بيروكربيوس الذي يقول: "شيد إمبراطورنا قلعة منيعة على سطح الجبل وحصنها من الداخل بالجنود والحراس لمنع العرب المسلمين من غزو فلسطين سرا من تلك النقطة".
وقبل الرد على كذب هذين الأخرقين الأحمقين ـ إذ سنبين وجه الخرق والحمق في كلامهم اـ نترك جيمس بنتلي يرد على نفسه في كتابه، من حيث لا يشعر، فقد جاء فيه : "ليس أدنى شك في أنه كان لدى الإمبراطور جوستنيان أسباب أخرى دعته لتشييد القلعة على جبل سيناء بجانب هدفه المعلن عنه ألا وهو حماية الرهبان، وقد ساعدتنا تقواه وتقوى زوجته الإمبراطورة ثيودورا على البت في التاريخ الذي شيدت فيه الكنيسة على الجبل، فقد جاء في الكتابات المنقوشة على حواشي السقف (في ذكرى إمبراطورنا التقي جوستنيان وإمبراطورتنا لترقد بسلام) وليس هناك أدنى شك بأن الكنيسة قد شيدت في الفترة الواقعة بين وفاة الإمبراطورة ثيودورا عام 548 ووفاة الإمبراطور جوستنيان الذي توفى بعدها بسبعة عشر عاما".
إن هذا الكذاب الأشِر ومن نحى نحوه ينسبان تشييد الدير المحصن إلى الإمبراطور البيزنطي جوستنيان، الذي بني تحصينات هائلة لحماية الرهبان من العرب المسلمين!!!، وهذا الأخرق يعلم يقينا أن الإمبراطور جوستنيان بإجماع المؤرخين ولد سنة 482 م، ومات سنة 565 م، وحتى تاريخ وفاة الإمبراطور جوستنيان الأول لم يكن المسلمون قد ظهروا بعد للوجود، لأنه لم يكن نبيهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد ظهر بعد للوجود.. فبإجماع المؤرخين أن النبي محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولد في مكة المكرمة حوالي سنة 570 للميلاد.
أي أن النبي محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وُلد على الأقل بعد وفاة الإمبراطور جوستنيان بخمس سنوات، وبالبديهة وحقائق التاريخ، نعرف أنه لم يولد وهو نبي ورسول وإنما تلقى الرسالة من ربه بعد أن تجاوز الأربعين من عمره، أي بعد موت جوستنيان بـ 45 سنة، كما أنه في الثلاث عشرة سنة الأولى من بعثته عاش هو وجماعته الصغيرة مُضطهدا بمكة وشعابها، ولم تكن له قوة أو شوكة إلا بعد الهجرة إلى المدينة أي بعد موت جوستنيان بــ 58 سنة.
فكيف يكون هدف جوستنيان، إذن، من تحصين دير سانت كاثرين بسيناء سببه الخوف من غزوات المسلمين، هل كان جوستنيان يعلم الغيب؟ أم هي معجزة أخرى من معجزات الروح القدس الذي أنبأ جوستنيان بفتح مصر على يد عمرو بن العاص في خلافة عمر بن الخطاب سنة 642 ميلادية، أي بعد وفاة جوستنيان بــ 77 سنة!؟
ولا بأس أن نستنتج الاستنتاجات الصحيحة الحقيقية لتلك التحصينات الهائلة، فقد ذكر الكاتب أن مصر كانت تحت الحكم المسيحي، وهذا الأمر صحيح، لكن أي مسيحية، لقد كانت تحت الاستعمار البيزنطي الكاثوليكي، قبل الانشقاق الكبير، وكان شعب مصر في مجمله على مذهب الأقباط الأورثدكس، الذين انشقوا سنة 451 عن الكنيسة الأم، وكان بين تلك المذاهب النصرانية المختلفة صراعات وحروب مأساوية، وكان دير سانت كاثرين من أديار الكنيسة البيزنطية العامة التابعة للدولة البيزنطية المحتلة لمصر آنذاك، لذا بُني بتلك التحصينات للدفاع عنه من هجمات النصارى الأقباط المعادين لهم، كما أن الدير وكنيسته وجدت في سيناء لمنع مذهب الأورثدكس القبطي من التغلغل إلى فلسطين، التي كانت على المذهب النصراني البيزنطي (قبل الانفصال عن الكاثوليك عام 1054 م)، أما الزعم من خوف تغلغل المسلمين إلى فلسطين، فهو هراء تاريخي لأنه عندما فتح المسلمون، بعد عقود من بناء الدير، بلاد الشام وفلسطين تحديدا، فإنهم لم يكونوا حمقى جغرافيا لينتقلوا من أرض الحجاز إليها عبر صحراء سيناء وإنما دخلوها عبر الأردن.
ويذكر تاريخ الفتح الإسلامي أنه أينما توجه المسلمون، زمن الخلفاء الراشدين، لم يُعلم أنهم هدموا كنائس أو خربوا أديرة أو قتلوا قِسِّيسينَ أو رهبانا، بل العكس هو الصحيح، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد أورد الأب ألبير أبونا في كتابه (تاريخ الكنيسة الشرقية) في المجلد الثاني الصفحة 673، ما صرح به بطريق الكنيسة النسطورية أيشوعياب الثاني، الذي كان معاصرا لأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ حين قال: "إن المسلمين ليس فقط لا يهاجمون الديانة المسيحية بل إنهم يوصون بإيماننا خيرا، ويكرمون الكهنة وقديسي الرب ويحسنون إلى الكنائس والأديرة"، هذه شهادة من كتبهم، ولا أدري مدى دقة كلماتها وعبارتها، لكنها تكفي لتدين الكذبة، ومن فمك أدينك كما يروى القول عن المسيح.
وأنا شخصيا، قبل أكثر من ربع قرن، كنت أجريت مقابلة صحفية مع أحد كهنة كنيسة الروم الأورثدكس في عمان الأردنية قسطنطين قرمش، ودار الحوار حينها حول بعض الأقاويل الموتورة عن الاضطهاد الإسلامي المزعوم لنصارى المشرق، فقال لي تصريحا لا تلميحا: "لو كان المسلمون الأوائل زمن الصحابة أجبرونا على الإسلام لما كان لنا وجود اليوم في بلاد الشام، نحن من بقايا الغساسنة والمناذرة، ولم نتعرض لأي اضطهاد، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى إسلام الصحابة، إلى إسلام مكة" هذا ما قاله، والله على ما أقول شهيد.
وبالعودة إلى "جيمس بنتلي" مزور التاريخ، نجده يناقض نفسه ويُقر بأن النصارى التابعين لبطريق روما، هم من كان يشن الهجمات على الأديرة والكنائس التابعة لبطريرقية القسطنطينية من أجل تحطيم وتدمير الأيقونات، أي الصور والتماثيل التي تصور الإله والملائكة والمسيح وأمه والقدِيسين، بحجة أنها من الوثنية المحظورة، فيقول الكاتب: "وخلال فترة الخلافات هذه كان تدمير آلاف الأيقونات، وإنه لمن المدهش حقا أن تنجو أيقونات دير القديسة كاثرينا من تلك الحملة المحمومة التي راح ضحيتها آلاف الأيقونات النفيسة، وقد ساعد خضوع مصر للإسلام عام 642 م بموافقة بطريق القسطنطينية على إبقاء الدير خارج نطاق موجة تحريم الأيقونات، التي اجتاحت العالم المسيحي، وازدهرت في تلك المنطقة صناعة الأيقونات، وليس هناك أدنى شك بأن المسلمين الأشداء أنقذوا الأيقونات المحفوظة حاليا في دير القديسة كاثرينا من الحملة المحمومة التي اجتاحت العالم المسيحي" اهـ، فهل أصيب الكاتب بالانفصام العقلي فيما يكتب، حيث بات لا يدري أيقول الحق أم يكذب جهارا نهارا، أم نحن في سوق رواده عُبّاد الصليب وسلعته الوحيدة المزايدة بالكذب على الإسلام والمسلمين!؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل.


تم قراءة المقال 4133 مرة