الأربعاء 26 ذو الحجة 1442

محمد - عليه الصلاة والسلام - الإنسان

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

محمد - عليه الصلاة والسلام - الإنسان

لا يزال أعداء الرسول - صلى الله عليه وسلم - سواء من الكفار أو من أدعياء الإسلام من المعاصرين في غيهم القديم، فقد كان سلفهم ممن هلكوا يتهمونه بما ليس فيه، فقالوا عنه كذاب، شاعر، ساحر...، بل لم يسلم عرضه الشريف من الافتراء فاتهم المنافقون زوجته أم المؤمنين عائشة بالفرية الكبرى، التي برأها الله منها من فوق سبع سموات، ولا يزال المسلسل الطويل من الظلم لأعظم خلق الله ينهمر، بعض الإساءات كانت من حاقدين وأخرى من كارهين وأخرى من مفترين وأخرى من معاندين..
وإضافة إلى هؤلاء جميعا ثمة فئة أخرى نحسن الظن بها، وقد كانت موجودة في زمنه ومن بعده، وهي كثيرة كذلك اليوم، وهي فئة الذي يظلمونه ويسيئون إليه جهلا منهم بحقيقته، فهم ممن يتلقف الأكاذيب والأباطيل والافتراءات من الإعلام المغرض أو من المنافقين المنتشرين هنا وهناك، أو ممن لقنوا على مقاعد الدراسة أو دور العبادة غير المسلمة الأغاليط عن نبي الإسلام، فهم لم يبدأوا الإساءة بأنفسهم، أو ممن يتعمد الإساءة أو اختلاق الافتراءات، وإنما هم من الناقلين لها والمصدقين لبعضها، بسبب غشاوة الجهل التي حجبت عنهم نور الرسول الكريم، فلم يعرفوا عنه الشيء القليل، بل لم يعرفوا عنه إلا ما قد قيل لهم عنه.
ولهؤلاء أكتب بعض هذه الكلمات والسطور لعل الله يفتح بها قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صما، فيهتدون إلى الحق، إذا كانت نيتهم معرفة الحق واتباعه، فالله أعلم بنواياهم وهو الهادي إلى السبيل.
ينقل بعض هؤلاء من الكفار والمعادين للإسلام عن أعداء الله شتى الافتراءات، ومنها أن محمدا - عليه السلام - نبي الكراهية، فهو لا يحب مخالفيه ويبغض الآخر...، وآخرون لا يرون فيه إلا سفاك دماء وقاتل للناس، كما زعمت الصحيفة الدانمركية أو بابا الفاتيكان، وأن الرسول الكريم هو مشرع الحرب على المخالفين باسم الجهاد المقدس، وهو زارع بذرة الإرهاب، كما يذكر أحد الإعلاميين، من المحسوبين على الإسلام، وتصور بعض الكاريكاتيرات النبي - عليه الصلاة والسلام - بصورة المتجهم العبوس، الذي لا يلين ولا يبتسم ولا يضحك ولا يحي حياة البشر الطبيعيين، فهو لا يعرف إلا "الجد" - بالمفهوم السلبي للكلمة -.
وتردد فئة منهم نقلا عن بعض المؤرخين، خصوصا من المستشرقين، أن النبي هو أشبه بآلة حديدية صماء مهمتها الحرب والكر والفر والسلب والسبي..الخ، وهو كلام باطل مستل من كتابات أحد الفرنسيين الذي امتلأ قلبه بالحقد، حتى أنه صور الرسول وأصحابه في كتابه بمجموعة من الملهوفين على النساء والماء والطعام، وهم في صحراء قاحلة، لذا كانت غاية ما يعدهم به في الجنة الماء البارد والظلال الوفيرة وألوان الأطعمة وحور العين !!
ولهؤلاء جميعا أقول: لقد كان وبفخر رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم- مجاهدا تتهاوى رؤوس الطغاة عند قدميه، وكان رجلا حازما يغضب حتى يُرى ذلك في وجهه إذا انتهكت حرمات الله، وكان جادا في تطبيق حدود الله، ولو على أقرب الناس إليه، كان فارسا شجاعا يحتمي خلفه صحابته إذا حمي الوطيس... لكن في المقابل كان إنسانا عظيما كان رجلا " طبيعيا" كغيره من الرجال بل كان أفضل منهم في تعامله بالحسنى مع الناس، متسامحا إلى أبعد الحدود مع المخالفين، أمينا صادقا حييا لطيفا في تعامله مع الكبير والصغير من النساء والرجال، بأبي هو وأمي كم كان محبا للخير مشفقا على العصاة والمذنبين!.
كان هذا الأسد في الوغى، وديعا مع أصحابه ونسائه وأهل بيته، يحب مداعبتهم، والتبسط معهم، كان يستجيب الدعوة إلى الأفراح، يبارك للناس ويهنئهم، ويواسيهم إذا ما ألم بهم شيء من الضرر، كان بجانب الضعفاء والفقراء يعينهم على نوائب الدهر.
لم يكن رسولنا متجهما لا يضحك ولا يبتسم ولا يمزح كما يدندنون ويطنطنون، وفي هذا السياق لابد من ذكر بعض أخباره في ذلك، فعن أنس ابن مالك - رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى الرسول - عليه السلام - يستحمله ( يطلب منه أن يحمله معه على راحلته) فقال الرسول الكريم: "إني حاملك على ولد الناقة".
فقال الرجل : يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة؟ فقال الرسول - عليه السلام- : وهل تلد الإبل إلا النوق؟
مازحا معه ومتلطفا.
وعن زيد ابن أسلم - رضي الله عنه - أن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- فقالت: إن زوجي يدعوك، قال: ومن هو؟ أهو الذي بعينيه بياض؟ قالت: والله ما بعينه بياض، فقال: بلى، إن بعينه بياضا، فقالت: لا والله، فقال: ما من أحد إلا وبعينه بياض، فقد مازحها قاصدا البياض الذي حول عين المرء، وهي لم تفهم في الأول.
وأخرج الترمذي في الشمائل أن عجوزا جاءت إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال : "يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز"، فولت تبكي، فقال: "أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: إنا أنشأنهن إنشاء، فجعلنهن أبكارا.
وأخرج كذلك الترمذي عن أنس ابن مالك - رضي الله عنه – قال: ناداني رسول الله - عليه الصلاة والسلام -: "يا ذا الأذنين"، ممازحا ولكل إنسان أذنان.
ولم يكن هذا المزاح خفية أو من وراء حجاب، فقد كان النبي - عليه السلام - يمازح ويتبسط ويداعب أصحابه أمام الناس، بل وفي السوق، مما يثبت أنه حقا إنسان عظيم بجميع المعايير.
عن أنس - رضي الله عنه - أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا، كان يُهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية من البادية فيجهزه رسول الله إذا أراد أن يخرج، فقال النبي- عليه السلام -: "إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه".
وكان النبي - عليه السلام - يحبه وكان رجلا ذميما، فأتاه النبي - عليه السلام - يوما وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال الرجل: أرسلني! من هذا؟ فالتفت النبي - عليه السلام - فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي حين عرفه، وجعل النبي - عليه السلام - يقول: "من يشتري العبد؟" فقال الرجل: إذا يا رسول الله والله تجدني كاسدا، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام -: "لكن أنت عند الله لست بكاسد، ...لكن أنت عند الله غال".
إن هذه التصرفات، والله ما يقوم بها إلا رجل لطيف ودود متواضع، وما رأينا رجال الدنيا من المتسلطين على رقاب الناس يفعلون مثله، بل إن بعضهم اليوم يأنف حتى من مصافحة مواطنيه، وكل إناء بما فيه ينضح.
كان الرسول الإنسان يركض ويسابق زوجته عائشة - رضي الله عنها - أم المؤمنين، فتسبقه مرة ويسبقها مرة، فيقول لها: هذه بتلك.
كان يتودد ويتحبب لنسائه ويداعبهن، ويغمرهن بالعاطفة الصادقة والحب والحنان، فشتان بينه وبين من يعطينا دروسا في الحب والوفاء وحق الزوجة !!!، وهو ممن اشتهر من رؤساء كبار الدول بهواية جمع العشيقات، وخيانة زوجته التي يدعي عشقها بقبلات "بروتوكولية" خادعة على شاشات التلفزيون.
كان - عليه السلام - يُحل الغناء العفيف في المناسبات والأعراس، ويسمح لزوجته عائشة، وهي شابة في مقتبل العمر، أن تتفرج على الأحباش وهم يلعبون في المسجد...
عُرف نبينا بحبه لأكل اللحم، وأفضله عنده لحم الكتف، فقد روى أحد الصحابة - رضوان الله عليهم جميعا - أنه نحر شاة وطبخها فناول الرسول الكتف الأولى، لعلمه بحبه لذلك فأكلها، فطلب منه النبي الثانية فناولها إياها فأكلها، فقال النبي مازحا: هات الثالثة!.
فقال له الصحابي متعجبا: سبحان الله! وهل للشاة أكثر من كتفين، فضحك النبي، بأبي هو وأمي حتى بدت نواجذه.
وفي قصة أخرى نزل الرسول وأصحابه ضيوفا على قوم فطبخوا لهم لحما، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه سرا: كأنهم علموا أننا نحب اللحم.
ومن حسه المرهف ورقة قلبه ورفقه وتفهمه لمشاعر الناس، بل من أدبه وذوقه الرفيع، ما رواه البخاري عن مالك ابن الحويرث - رضي الله عنه - قال: أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شبيبة ( شبابا) متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله - عليه الصلاة والسلام - رقيقا، فلما ظن أننا قد اشتهينا أهلنا - أو قد اشتقنا - سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه، قال: "ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم ..وصلوا كما رأيتموني أصلي"..
وذكر بعض العلماء أنهم ربما كانوا حديثي عهد بالزواج، فاشتاقوا إلى زوجاتهم، لذا تفهم الرسول حاجتهم.
هذا غيض من فيض مما عرف به رسولنا الإنسان، ولو شاء أحدنا تقصي جوانب إنسانيته كافة لما وسعته المجلدات الضخام، لكن حسبنا هذا التفاوت بين رسولنا الإنسان وعظمائهم، لمن يجهل أن نبي الرحمة هو أبعد ما يكون عن تلك الصورة النمطية البشعة، التي يريد أعداؤه إلصاقها به.
هذا هو رسولنا الإنسان، فإن كان لكم من العظماء في دنيا الناس من يفوقونه أو حتى يشبهونه في إنسانيته فأخرجوهم لنا، وهيهات ..هيهات.

تم قراءة المقال 364 مرة