طباعة
الأحد 10 رمضان 1446

خرافة المليار مسلم

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

خرافة المليار مسلم
 ( ج صحافة اليرموك-ص6 - السبت 03 تموز 1993م )- 34
مع أنّني في خصومة قديمة مع الرياضيات وفي عداوة مع الإحصاءات والحسابات، ورغم أنّي لا أحفظ جدول الضّرب حتّى الان، ومع ذلك فلست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني كما يقول -عمر رضي الله عنه- فلا يمكنني أن أصدّق أنّ في العالم الآن مليار مسلم وأنّ الإسلام هو أكبر الأديان في العالم من حيث عدد المنتمين له كما تريد بعض الإحصاءات أن تفهمنا إيّاه من غير قصد طبعا، فهل يمكن أن يصدّق أحدنا هذه الحسابات اللاّمعقولة ونظرة بسيطة إلى أحوال هذا المليار تنبئك بتهافت هذا الرّقم الخيالي.
في الحقيقة أنّ حساب هذا المليار كان نتيجة إحصاءات خاطئة وعارية من الصواب، إذ إنّ الإحصائيين لجأوا إلى البلدان الإسلامية من شرقها إلى غربها فجمعوا عدد سكانها وطرحوا من المجموع الأقليّات غير المسلمة فنتج لنا هذا الرقم الخيالي.
وكم من هؤلاء المحسوبين على الإسلام وهو منهم براء!!؟
كم من صفر من هؤلاء وقد عُدَّ واحدا غلطا!!؟
بل أكثر من ذلك كلّه فإنّك تجد ضمن هؤلاء الملايين المملينة من الأعداء اللّدودين للإسلام أكثر من الكفّار أنفسهم.
بالله عليكم قولوا لي كيف يمكننا أن نزوّر التّاريخ والحسابات، كيف يمكن أن نخدع العلم ونخدع الله فنجعل العلمانيّين واللاّدينيّين والملاحدة والزّنادقة على اختلاف منابتهم من المسلمين!!؟
كيف يمكن أن نلعب بالأرقام حتّى نحسب المبتدعة بمللهم ونحلهم كالرّافضة والمتصوّفة والهررية والقبوريين .. والقائمة طويلة من المسلمين.
كيف نكون مسلمين ونحن لا نحرّك ساكنا ولا نسكّن متحرّكا، فهؤلاء إخواننا في البوسنة والهرسك وفلسطين والصومال ... تهتك أعراضهم وتباد خضراؤهم وتغتصب نساؤهم ويذبّح أحياؤهم ومع ذلك عندنا الوقت الكافي لنغنّي في كلّ البلاد الإسلامية أغاني "الله يكون في عون العاشقين" .. "أحب الأسمر ولا الأشقر" .. "يما القمر على الباب" .. "البنت بيضا بيضا" إلى آخرها من المهازل (وحتّى لا يتهمنا المغرضون بسؤالهم كيف عرفت هذه الأغاني أيّها الشيخ، فنقول لهم عليكم برحلة في باصات الزرقاء وعمان فستحفظونها "ونيالك يا أطرش في هذه الباصات).
كيف يمكننا أن نضحك على أنفسنا ونجعل الملايين من تاركي الصّلاة وشاربي الخمور ومحترفي الفساد الأخلاقي والشّذوذ الجنسي ومروجي المخدّرات وعبدة الموضة والأزياء من صالح المسلمين!!؟
أتساءل فقط أمسلم ذلك الّذي يقف على باب فندق ويصيح لمن يرغب في المبيت مع غانية، في دولة كانت يوما مركزا للخلافة!!؟
أمسلم صالح ذلك الّذي يُحضر العجل الفضّي، التّلفزيون، إلى بيته لينفث سمومه على أولاده وزوجته وهو راض!!؟
أمسلم صالح من يسهر إلى نصف اللّيل مع المصارعة الأمريكية، وفي المسجد عند صلاة الفجر تستوحش من قلّة المصلّين ولا تجد إلّا صفّا أو صفّين!!؟
ثمّ أيّ مصارعة هذه الّتي نبيح مشاهدتها لنسائنا وبناتنا والمتصارعون يعرضون علينا عراة لا يكاد يتجاوز ما يلبسه أحدهم عشرة سنتيمترات مربعة، بأيّ حق نبيح لامرأة عربيّة مسلمة أن تشاهد مصارعا أمريكيا أشقر، أبيض، مفتول العضلات، قويّ البنية، جميل الوجه، عاري الصّدر والبطن والفخذين والسّاقين، وزوجها هي نحيف رقيق قصير خفيف أسمر إن لم يكن أسود وهذه طبيعة العرب، وقد شاخ قبل زمانه وعجز قبل أوانه، ورغيف أولاده قد جعد جلده وكسر ظهره، برأيكم كيف ستقارن هذه المرأة بين المصارع البطل الجميل والزّوج المهترئ المسكين!!؟
إنّ ديمقراطية الصّحافة تفتح لي الطريق أن أتحدّث عن أكثر من هذه الفضائح لكن اللّبيب بالإشارة يفهم.
والابتعاد عن الدّين ليس بدعة العصر فقد وجدت في كل عصر، لكن في عصرنا قد حطّمنا الرّقم القياسي في الجرأة على الزّندقة بأنواعها والمعصية بفنونها والتمرّد على الله والقيم، وأتذكّر هنا مقولة الإمام مالك رحمه الله، وهو من القرون الثلاثة الأولى بعدما دبّت في زمانه البدعة والمعصية فقال: "والله لو طلع علينا أحد من الصّحابة لما عرف من دينكم إلّا هذه القبلة".
ونحن ماذا نقول فحتّى قبلة بعضنا قد تحوّلت فهؤلاء قبلتهم الغرب وأولئك قبلتهم نساؤهم وآخرون قبلتهم الدينار والدولار ...
ليست غايتنا فيما ذكرناه أن نكفّر أحدا، معاذ الله أن نكفّر المسلمين، أو نخرجهم من الدّين، لكن نريد فقط أن نخلص إلى نتيجة وهي أنّنا نحن المليار مسلم غثاء كغثاء السّيل، وهذا مصداقا لقول الرّسول -عليه السلام- تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا أومن قلّة يومئذ نحن يا رسول الله، قال لا بل أنتم يومئذ كثير لكن غثاء كغثاء السيل ...
والخير ليس بالكثرة وقد ذمّ الله الكثرة ومدح القلّة بقوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فألف مسلم صالح أفضل من مليار مسلم بالهويّة والوراثة.
والحاصل أنّنا يجب أن نعيد الّنظر في إسلامنا ونسأل أنفسنا سؤالا يفرض نفسه، هل نحن مسلمون؟ مسلمون بمعنى الكلمة؟
ومن هنا نبدأ بمبدأ التّصفية والتّربية، تصفية هذا الدّين من كلّ الشوائب التي دخلته فكرية وعقدية وعبادية وسلوكية ثم نقوم بتربية الأمّة على هذا الدّين المصفّى من جديد على الكتاب والسنّة ومنهج السّلف الصّالح، ودون منهج السلف فوالله ما خرجنا من هذه الدوّامة والمتاهة إلى قيام الساعة، والمستقبل سيؤكد انحدار الباطل وانتصار الحقّ بإذن لله {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}

تم قراءة المقال 39 مرة