طباعة
الأحد 17 رمضان 1446

أين نحن من السّلف الصالح؟

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أين نحن من السّلف الصالح؟
 ( ج صحافة اليرموك-ص6- السبت 17 تموز 1993م )
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، صلّى الله عليه وسلم وصحبه ومن تبع نهجه إلى يوم الدّين امّا بعد:
يشفق النّاظر في أحوال الأمّة على حالها وتذرف عيناه دما لما وصل إليه المسلمون من أوضاع لا يحسدون عليها فالتخلّف في جميع مناحي الحياة قد عشعش، والجهل في الصّغير والكبير نفش، والفوضى الدينية والدنيوية ضربت أطنابها في كلّ مكان، وبلغت الفُرقة بين المسلمين حالا مخيفا وتعيسا، وقد تخلّى الكثير عن دينهم وأخلدوا إلى الأرض الفانية، فضعف الوازع الدّيني فلا يتحرّك المسلم إلّا لشهوته ولا يسكن الّا لهواه.
وما بلغت الأمّة هذا المستوى من التردّد إلّا لما انقطع عنها المدد، ليس مدد البيت الأحمر أو الأبيض، بل مدد الله تعالى، فلقد تخلى الله عن الأمّة وأوكلها إلى نفسها لما تخلّت عن كتابه وسنّة نبيّه ومنهج سلف الأمّة.
والشّيء الثّاني أنّ الأمّة فقدت القدوة الصّالحة، فبعدما كان الرّسل والأنبياء والسّلف الصّالح قدوة وأسوة الأمّة، تحوّلت في عصرنا إلى 'أبطال' الفنّ والسّينما والكرة والموضة ... وغيرها من المعبودات الّتي أصبحت سببا في قطع طريق الهداية.
ولما كنّا قد كشفنا زيف هذه القدوات كلّها في مقال سابق وبينا فسادهم، واعترافهم بخيبتهم وخسارتهم، وعرضنا شهادتهم على أنفسهم بإفلاسهم.
فقد حان الوقت لنقدّم لكم القدوة الصّالحة، فليست القدوة في "مارلين مونرو" و"بريجيت باردو"، بل في عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- وحفصة بنت سيرين -رحمها الله-، وليست الأسوة في العندليب "الأزعر" أو الأخسر، والنّجوم الأخرى الصّاعدة إلى أسفل، بل القدوة في سفيان الثّوري وأبي مسلم الخولاني -رحمهم الله-، أولئك الذين لا يخسر مصاحبهم ولا يشقى بهم جليسهم.
أولئك آبائي فجئني بهم
إذا  جمعتنا يا جرير المجامع
وسنذكر مواقف لهؤلاء حقّ أن تذرف لها العيون وتقشعّر لها الأبدان.
نبدأ بعائشة أمّ المؤمنين، نعلم أنّها كانت تسكن في غرفة دفن فيها الرّسول عليه السّلام زوجها، وأبو بكر رضي الله عنه أبوها، ثمّ دفن فيها عمر رضي الله عنه، تقول عائشة، كنت أدخل البيت الّذي دفن فيه رسول الله وأبي واضعة ثوبي وأقول: إنّما هو زوجي وأبي، فلمّا دفن عمر بها، والله ما دخلته إلّا مشدودة على ثيابي حياء من عمر رضي الله عنه، الله أكبر أمّنا عائشة تمتنع عن دخول غرفتها غير محجّبة حياء من عمر بن الخطاب وهو ميت تحت التّراب رميم، تستحي من عمر بن الخطاب الذي كان همّه الجنّة والنّار فقط، عمر الّذي لا يفكّر في النّظر إلى أي حسناء في هذه الدنيا، قال عنه النّبي صلّى الله عليه وسلّم: "لو سلك عمر طريقا لسلك الشّيطان طريقا غيره"، عمر الّذي رأى الرّسول عليه السّلام في المنام قصره في الجنّة وامتنع عن دخوله بدون إذنه، ممّا يعلم من غيرة عمر على محارمه، لأنّ عمرا لم يمت قلبُه كالّذين في عصرنا يحمل أحدهم ولده على كتفه في الشّوارع العامّة وزوجته بيدها "الايسكريم" ولسان حاله شوفوا يا ناس!!
نعود لأمّنا عائشة فهلا اتخذت المسلمة هذا الموقف درسا لها، فلا تتبرج أمام الأحياء أجسادا الأموات قلوبا وأرواحا.
القدوة الثّانية، حفصة بنت سيرين عالمة زمانها فقيهة عصرها لمّا سمعت بحديث النّبي عليه السّلام: "صلاة المرأة في خدرها خير لها من صلاتها في غرفتها، وصلاتها في غرفتها خير لها من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها خير لها من صلاتها في مسجد حيّها" بعدما سمعت هذا الحديث مكثت أربعين سنة ولم تخرج من بيتها، فإذا كانت الصّلاة في البيت أفضل من الصّلاة في خارجه، فلم تخرج من بيتها؟ أتخرج إلى المنتديات والمنتزهات و"السوبرماركت"!! مثل نسائنا اللائي حوّلن قول الله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ} إلى "وقرن في الشّوارع ولا تعفّفن تعفّف الإسلام الأوّل".
القدوة الثّالثة، سفيان الثّوري، هذا الرّجل العظيم من السّلف الصّالح الّذي كان إذا ذكر في مجلس نزلت الرّحمة بعكس الخلف الّذين إذا ذكروا نزلت النّقمة، وقد اشتهر سفيان الثّوري بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، يقول هذا الربّاني: "إنّي لأرى المنكر لا استطيع تغييره فأبول دما"، لا إله إلّا الله ماذا نحن بجانب هؤلاء؟
لا تعرضن بذكرهم مع ذكرنا
ليس الصّحيح إذا مشا كالمقعد
الواحد منّا يرى المنكرات والمهلكات والموبقات والكفريات ولا يتحرّك قلبه فضلا عن جوارحه، بل ربّما يضحك ويقهقه.
القدوة الرّابعة، أبو مسلم الخولاني التّابعي، كان يقوم اللّيل فإذا أدركه الإعياء ضرب رجليه قائلا: أنتما أحقّ بالضّرب من دابّتي، أيظنّ أصحاب محمّد عليه الصّلاة والسّلام أن يفوزوا بالجنّة دوننا، والله لأزاحمنّهم عليها حتّى يعلموا أنّهم خلّفوا من بعدهم رجالا يزاحم هذا التّابعي الصحابة عن الجنّة لأنّها دار الرّضوان والجزاء، لا كما يفعل النّاس اليوم يتزاحمون في بناء الدّور والقصور واقتناء السّيارات وتحصيل الشّهادات، تأمّل كيف يقوم اللّيل كلّه لا يضيّعه في قيل وقال وإضاعة الوقت والمال، أمّا الآن فنجد جماعة يجلسون إلى ما قبل الفجر يلغوون ويأكلون لحوم العلماء، فيقول أحدهم "والله فلان محدّث وجاهل بالفقه والسّياسة، ويقول الثّاني عن عالم آخر فلان من علماء البلاط، وآخر يقول هذا عالم قشور لا يعرف من الدّين إلّا السّواك والثّوب القصير والحيض والنّفاس" وهكذا يتسّحرون على لحوم العلماء وما هم بصائمين.
وآخرون يسهرون مع التّلفزيون والمصارعة الحرّة، أمّا هم فليسوا أحرارا فقد جعلتهم عبيدا لها، فينامون مصروعين، وفي الغد يكملون يومهم بأفلام الكرتون، وهكذا دوريك، عفوا، دواليك.
نهارك هائم وليلك نائم
كذلك تعيش البهائم
وفي الخاتمة أوصي نفسي وإيّاكم بتقوى الله واتّخاذ أولئك النّجوم اللّامعة قدوة وأسوة حسنة يقتدى بهم، فننقل إلى حياتنا ما جعلهم يكونون يوما خير أمّة أخرجت للنّاس، وأوصيكم والسّلف السّلف في كلّ شيء، في العقيدة والعبادة والسّلوك والمنهج لنعمل كما عملوا ولندعوا غيرنا إلى ذلك ودع القافلة تسير.

تم قراءة المقال 52 مرة