طباعة
الأربعاء 25 شوال 1446

منهج السَّلف بين النَّظريَّة وَالتَّطبيق حتَّى لا نحرثَ في البحر

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

منهج السَّلف بين النَّظريَّة وَالتَّطبيق حتَّى لا نحرثَ في البحر
كتب: يزيد حمزاوي
إنَّ الحمدَ نحمدُه وَنستعينُه وَنعوذُ بِالله مِن شرورِ أنفسِنا وَسيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يَهدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ له، وَمن يُضلِل فَلا هاديَ له.
أمَّا بعد..
فإنَّ ساحةَ الدَّعوَةِ الإسلاميَّة تعجُّ بِالجماعاتِ وَالمناهِج الَّتي تسعى إلى العودةِ إلى ما كانَ عليْه الإسلامُ أوَّلَ ما نزلَ على النَّبيِّ –عليه السَّلام- في أوَّلِ الأمر، لكنَّ هذه الجماعات وَالدَّعوات مُخالِفةٌ في منهجِها الدَّعوِيِّ منهجَ الأنبياء كما ذكرَه اللهُ في القرآنِ الكريم وَسطَّرَه المُصطفى –عليه السَّلام- بِسيرتِه الزَّكيَّة، ذلك أنَّ هذه الدَّعوات تنكبت طريقَ الرُّسل باهتمامِها وتركيزِها على جوانبَ مِن الدِّين وَأهملَت الأصل، وَهو العقيدةُ الصَّحيحةُ وَالتَّوحيدُ الخالِص، حتَّى أنَّنا نجِدُ مِن بينِ كِبارِ الدُّعاةِ الإسلاميِّين المُتحمِّسين وَالمُخلِصين لِلإسلام مَن يحمِلون عقائدَ مُنحرِفة وَبِدَعًا في التَّوْحيد حارَبَها السَّلفُ الصَّالِحُ منذُ زمنٍ بعيد، وَلا نُريدُ أن نذكرَ الأسماءَ البارزةَ في الدَّعوةِ وَقد حملت عقائدَ المُعطِّلةِ وَالأشعريَّةِ وَالصُّوفيَّةِ وَالشِّيعةِ... وَهؤلاءِ في الحقيقةِ لا يُرجَى مِنهُم خيرٌ كبير، إذ كيفَ يَستقيمُ الظِّلُّ وَالعودُ أعوَج، لكنَّ الَّذينَ يُعَوَّلُ عليْهِم حقًّا هم أولئك الَّذين اتَّبعوا منهجَ السَّلفِ الصَّالِح عِلمًا وَعملًا، دعوَةً وَجِهادًا، وَهؤلاء نادِرون فَهُم كَالكبريتِ الأحمر وَالغرابِ الأعصم، وَقد اِندَسَّ بيْنَهم أدعياءٌ لِهذا المنهج وَهو مِنهُم براء، وَهؤلاء يَدْعونَ إلى عقائدَ صحيحة لكنَّها جافَّة وَتوْحيدٍ سليم لكنَّه ميِّت وَساكِن لا يُحرِّكُ المسلِمَ وَلا يُوَجِّهُه.
فَقد جَمُدَ أَتباعُ المنهجِ السَّلفيِّ، وَهُم مَن يجِعون في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ إلى الكِتابِ وَالسُّنَّةِ وَفهمِ السَّلفِ الصَّالِح إلَّا مَن رحمَ ربِّي، على المعلوماتٍ النَّظريَّةِ، فَكثيرًا مثلًا ما نتباحثُ وَنتساءَلُ أين الله.
وَالجوابُ الصَّحيحُ هوَ أنَّ اللهَ مُستَوٍ على عرشِه اِستِواءً يَليقُ بِجلالِه، نَقولُ لله يدٌ ليْست كأيْدِينا تَليقُ بِجلالِه، وَنُقرِّرُ أنَّ اللهَ يَنزِلُ إلى السَّماء الدُّنيا... وَغيرها مِن أفعالِ اللهِ وَصِفاتِه الَّتي أثبَتَها السَّلفِيُّونَ وَأنكرَها وَحرَّفَها غيْرُهم.
لكن ما الفائدة مِن أنِّي أعرِفُ أنَّ اللهَ سميعٌ وَبصيرٌ وَأنا أرتكبُ المعاصي وَالذُّنوبَ الَّتي يَسمعُها بِسمعِه وَيَراها بِبصرِه. لِما لا تتحوَّلُ هذه الأسماءُ وَالصِّفاتُ إلى حارِسٍ يَمنعُني مِن الخللِ وَالزَّلل؟
ماذا ولَّدَت فينا العقيدةُ السَّلفيَّةُ مِن تقوًى وَرغبةٍ وَرهبةٍ وَخوْفٍ وَخشية؟
أين الوَرَعُ وَالزُّهدُ وَالإخلاص ..؟ كُلُّ هذه المعاني مَفقودةٌ وَلِلأسف.
مَا الفائدةُ مِن حِفظِ العقيدةِ الطّحاوِيَّةِ وَالواسِطِيَّةِ وَالحَموِيَّةِ عَن ظهرِ قلبٍ وَقراءةِ كُتبِ شَيْخِ الإسلامِ ابنِ تَيْميَّة وَتِلميذِه ابنِ القيِّم أم أنَّ الأمرَ باتَ ثقافةً عامَّة؟
إذن العقيدةُ هِي المُحرِّكُ لِلإنسانِ وَبِدونِ المُحرِّكِ أو دونَ اِستغلالِه اِستِغلَالًا سليمًا فَهُوَ كَلٌّ على صاحِبه، وَالتَّوْحيدُ شجرةٌ مَغروسةٌ في جذورِ الإنسانِ وَثمرتُه هي العملُ سواء كانَ مادِّيًّا أو روحِيًّا. وَما أصدقَ قوْلِ عليٍّ بنِ أبي طالِب (هَتَفَ العِلْمُ بِالعَمَلِ فَإِن أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَل).
وَلمَّا كُنَّا نحنُ أتباعُ هذا المنهج نحفظُ معلوماتٍ وَمنهجًا نظريًّا فقط وَلا نعملُ وفقَ هذا المنهج سلَقَتْنا جميعُ الدَّعوَاتِ الباطِلة بِألسِنةٍ حِدادٍ وَلَمزَتْنا بِشتَّى السِّباب، فَجاءت الشُّبُهاتُ حوْلَنا وَأصبَحْنا عرضةً لِلاِتِّهام في إخلاصِنا وَأخلاقِنا وَدعوَتِنا...
وَصادفَ أن قالَ لي أحدُ العوامِّ يومًا: أنتَ سلفيٌّ لِأنَّكَ تلبسُ قميصًا قصيرًا وَتحمِلُ ساعةً في اليَمين !
يا لَها مِن مأساة ! أهذا هوَ مِقدارُ الاِلتزام بِالمنهجِ السَّلفيّ؟
نعم القميص وَالسِّواك وَالتَّيَمُّن مؤن الإسلام، لكنَّ المأساةَ وَالأسف أنَّنا لم نَعُد نُعرَف إلَّا مِن لباسِنا وَساعتِنا وَسِواكِنا، لم نَعُد نُعرَف كما كانَ يُعرَفُ سفيانُ الثَّوريّ بِكثرةِ أمرِه بِالمعروفِ وَنهيِهِ عن المُنكَر، وَالفُضيلُ بنُ عيَّاض بِكثرةِ بُكائِه، وَعبدُ الله بنُ المبارك بِجهادِه، وَمعروف الكرخيُّ بِخوْفِه وَورعِه، وَأحمدُ بنُ حنبل بِعملِه الدَّؤوبِ لِخدمةِ السُّنَّةِ.
لقد اِتَّخذَ المنهجُ السَّلفيُّ مبدأَي التَّصفيَّةِ وَالتَّربيَّةِ ركيزتيْن في الدَّعوة وَهُما تصفيَّةُ الإسلامِ مِن الشَّوائبِ الَّتي دخلَتْه وَتربيةِ النَّشءِ عليْه.
وَقَد سِرنا في التَّصفيَّةِ شوْطًا طويلًا، أمَّا في التَّربيَّةِ فَحدِّث وَلا حرج –عفوًا- وَبِكُلِّ حرج، لِذا عليْنا الآن إعادة النَّظرِفي منهجِنا بإخراجِ عقيدتِنا مِن حيِّزِ المُجرَّداتِ إلى حيِّزِ الملموساتِ وَالمَحسوسات.
وَلا نبقى نلهث وراءَ مظاهرَ وَفروعٍ هامَّةٍ عمَّا هواهم مِنَّا، وَلا أسمِّيها شكليَّاتٍ أو تفاهاتٍ كما يُسمِّيها أعداءُ السُّنَّة، وَإلَّا يَصدقُ عليْنا المثلُ الشَّعبيُّ (مَن بَرَّا الله الله ومَن جُوَّا يَعْلَم الله).
وَالخلاصةُ أنَّ منهجًا دونَ عقيدةٍ صحيحةٍ حراثةٌ في الهواء، وَعقيدةٌ صحيحةٌ دونَ عملٍ بِها حراثةٌ في الماء، وَسُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحمْدِكَ، أَشهدُ أن لا إلَهَ إِلَّا أَنت، أستغفِرُكَ وَأتوبُ إليْك.

تم قراءة المقال 54 مرة