طباعة
الأربعاء 25 شوال 1446

مَن حلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مَن حلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ

كتبه الشيخ يزيد حمزاوي


لا تزالُ أساسيَّاتُ العقيدةِ الإسلاميَّةِ مجهولةً عندَ الكثيرِ مِن المُسلِمين حتَّى عندَ المُلتزِمين مِنهُم بِالدِّين وَهذا رغمَ وُضوحِ العقيدةِ الإسلاميَّةِ الَّتي تركَها لنا الرَّسولُ الكريمُ عليهِ السَّلام دونَ لبسٍ أو غموض.
وَمِن هذه الأساسيَّاتِ الهامَّة في تحقيقِ التَّوْحيدِ الكامِلِ للهِ ربِّ العالَمين هو الحلفُ بِه وَاجتنابُ الحلفِ بِغَيْرِه وَلو كانَ الحالِفُ كاذِبًا فيما يَقول وَهذا مِصداق لِقَوْلِ عبدِ اللهِ بنِ مسعود "لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا".
روَى الحديثَ الطَّبرانيُّ في الكبير بِإسنادٍ صحيحٍ، ذلكَ أنَّهُ مِن المعلومِ أنَّ الحلفَ بِاللهِ كَذِبًا، كبيرةٌ مِن الكبائر بَيْنما الحلفُ بِغيْرِه وَلو صادِقًا، ليْسَ كبيرةً فَحسب بل هو شِركٌ بِالله –وَالعياذُ بِالله-.
ذلكَ أنَّ الرَّسولَ -عليْهِ السَّلامُ- يَقول في الحديثِ الَّذي رَواه ابنُ عُمر "مَن حَلَفَ بِغَيِرِ اللهِ فَقَدْ كَفَر" وَفي روايةٍ "أَشْرَكَ" وَالحديثُ روَاه التِّرمذيُّ وَالحاكم وَصحَّحَه الألبانيّ.
فَلا غرابةَ إذن أَن يَأتيَ الشَّرعُ بِتحريمِ الحلفِ بِغَيْرِ الله وَالنَّهيِ عَنه أشدَّ النَّهي لِأنَّ الحَلفَ هو تَعظيمُ وَتبجيلُ وَتقديسُ المَحلوفِ بِه فَلا أعظمَ وَلا أقْدَسَ في الكَوْنِ مِن اللهِ فَكيْفَ يُترَكُ وَيُحلَفُ بِمَن دونَه.
لِهذا جاءَ في الحديثِ أنَّ الحَلفَ بِغيْرِ اللهِ مِنَ الشِّرْكِ لِأنَّ الحالِفَ يَجعلُ المَحلوفَ بِه ندًّا وَشريكًا لله وَهذا هُوَ الشِّركُ بِعيْنِه. فَقد قالَ اللهُ تعالى: (فَلَا تَجْعَلُوا لِلهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فَكُلُّ مَنْ أَقْسَمَ أو اِستَعانَ أو اِستغاثَ أو دعَى غَيْرَ اللهِ جَعلَ لَه ندًّا وَشريكًا يُضاهيه في ربوبيَّتِه وَألوهيَّتِه وَرغمَ هذه النُّصوصِ القطعيَّةِ الواضحةِ وضوحَ الشَّمسِ في رابعةِ النَّهار نَجِدُ المُسلِمينَ في كُلِّ البِلادِ الإسلاميَّةِ يَجهلونَ هذه الحقيقةَ، فَعظُمَت هذه البلوَى بِهذا الشِّركِ الأكبرِ وَاللهُ المُستَعَان.
فَنَجِدُ في البِلادِ الإسلامِيَّةِ كَمصر مَن يَحلِفُ بِالنَّبيِّ كَقوْلِهِم (وَالنَّبِيّ) وَفي المغربِ العربيّ نَجِدُ الحَلْفَ بِالأوليَّاءِ وَالأمْوَات كَقَوْلِهِم (وحقّ سيدي فلان، والشِّيخ الفلانيّ...)
وَهذا حَلفٌ بِالأمْوَات وَتركٌ لِلْحَيِّ القَيُّومِ فَيا سُبحانَ مُقلِّبِ الأحوَال. وَهناكَ مَن يُقسِمُ بِأبوَيْه وَهذا مُنتشِرٌ في جميعِ الدُّوَلِ الإسلامِيَّةِ كَقوْلِهم (وحياة أبوي وأُمِّي) (وحياة أبوي وأبوك) (ورأس أبوي...) وهذا رغم نهي النَّبيّ -عليْه السَّلام- عن هذا النَّوْعِ مِن القَسَمِ بِعيْنِه في الحديث المُتَّفَق عليْه عن عُمر رضيَ اللهُ عنْه قال: قالَ الرَّسولُ –عليْه السَّلام- (إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ ليَصْمُتْ) وَمِمَّا يُوَضِّحُ خطورةَ الحَلْفِ بِغيْرِ الله أنَّهُ يُخرِجُ صاحِبَه مِن نورِ التَّوْحِيدِ إلى ظُلَمِ الشِّركِ لِقوْلِ الرَّسولِ الكريم في الحديثِ المُتَّفَقِ عن أبي هريرة رضيَ اللهُ عنْه قال: قالَ النَّبيُّ –عليْهِ السَّلام- (مَن حَلفَ فَقالَ في حَلفِه وَاللَّاتِ وَالعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله) وَمعنى الحديثِ أنَّ الحالِفَ بِغيرِ اللهِ خاصَّةً إذا قَدَّسَ وَعَظَّمَ المَحلوفَ بِه وَرَفَعَهُ فَوْقَ مرتبةِ الله سُبْحانَه وَتعالى لا شكَّ في خُروجِه عن مِلَّةِ الإسلام وَلا يُرجِعُه إلى حظيرةِ الإسلامِ إلَّا الشَّهادةُ وَالإقرارُ بِالتَّوْحيدِ مرَّةً أُخرى.
وَنَدعو في الأخيرِ المُسلِمينَ جميعًا إلى الاِهتمامِ بِتوْحيدِ اللهِ وَإخلاصِ العبادةِ لَه وَحدَه لا شريكَ له في كُلِّ أفعالِهِم وَسَكناتِهِم اِمتِثالًا لِقَوْلِ اللهِ تعالى على لِسانِ إبراهيم عليْهِ السَّلام (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَه) وَفي اِعتقادي أنَّ هذه الأمورَ الهامَّةَ وَالمصيريَّةَ في حياةِ الإنسان وَمماتِه لَا تزالُ مجهولةً بِسببِ تقصيرِ العلماء وَالدُّعاةِ في تبليغِ العقيدةِ الصَّحيحةِ الصَّافيةِ وَهذا لِعدمِ إعطائها الأهميَّةَ اللَّازمةَ أو اِنشغالِهم بِأمنياتٍ وَأهداف لن تتحقَّق إلَّا بِتحقُّقِ التَّوْحيدِ الخالِص وَالإيمانِ الرَّاسِخِ في الأُمَّة إذ كيفَ يَنصرُ اللهُ أُمَّةً لَا تزالُ تُشرِكُ بِه وَتُوَجِّهُ العِبادةَ إلى غيْرِه.

تم قراءة المقال 34 مرة