وقفات إسلامية مع كرة القدم
كتبه يزيد حمزاوي (قصاصة من جريدة غير محددة ولا تاريخها، ومن خلال المقال فإن كتابتها كانت ما بين 2و17 جويلية 1994)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره و نستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل الله فلا هادي له ، أما بعد :
فهذه وقفات اسلامية مستعجلة و مختصرة مع كرة القدم على هامش كأس العالم الحالية التي أضحت الحدث الأكثر أهمية في واقعنا وفي وسائل اعلامنا ، مما دفعني لاختصار هذه الوقفات الهادفة في كلمات صادقة ، أساسها الكتاب و السنة.
الكرة والولاء و البراء
إن المتأمل في حال المسلمين مع الفرق الكروية واللاعبين يجد من أول وهلة غياب أحد أهم أُسس العقيدة الاسلامية ، وهو الولاء و البراء.
الموالاة و المعاداة أصل من أُصول الايمان عند أهل السنة، لكن بسبب الجهل المتراكم وضعف الايمان فُقد هذا الأصل عند المسلمين ، فأحبوا وأبغضوا لا في الله بل في الكرة.
وكان بالأحرى ان نقاطع كل ما يأتينا من غير المسلمين ما لم يدخلوا للاسلام. لا أن نشجعهم ونحبهم ونناصرهم بهتافاتنا وصياحنا وأعصابنا ودقات قلوبنا ، كما يفعل الكثيرون، وليعلم كل مسلم أن محبة فريق أو لاعب غير مسلم منهي عنه في ديننا ، والواجب بغضهم و كرههم بالله حتي يؤمنوا بالله و رسوله و دينه الاسلام، وانظر لقوله تعالى في القرآن : ( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)
وانظر كيف تبرَّأ القرآن من الكفار في قوله تعالى :( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ").
وهؤلاء اللاعبون غير المؤمنين يفترض أن نقفل جهاز التلفزيون في وجوههم، ولا نطير فرحا و استمتاعا بمراوغاتهم وأهدافهم ، فكفرهم و شركهم حال دون أية مودة بيننا و بينهم أو الاعجاب بهم وبأفعالهم ، قال-عليه الصلاة والسلام-:"أوثق عرى الايمان الموالاة في الله والمعاداة في الله و الحب في الله و البغض في الله" وقال كذلك :"من أحب لله وأبغض لله و منع لله فقد استكمل الايمان ". وقد جاء في قواميس اللغة وكتب الفقه والعقيدة أن الموالاة تكون بالمحبة والنصرة و الأنس والبعد والقرب و المعاونة أيا كانت و غيرها.
فأين نحن من هذه الآيات والأحاديث وقد جرفت بعضنا محبة بعض الفرق واللاعبين المشهورين من الكفار، حتى أن بعضهم يرفع يديه إلى السماء ويدعو أن ينصر الله بلجيكا على هولندا، وآخر يبكي ويفزع و يحزن أشد الحزن لهزيمة الأرجنتين أمام فريق آخر، وبعضهم يصل به الحد إلى الصاق صور اللاعبين الكفار على جدران غرفته، ويدافع عن هذا الفريق أو ذاك أكثر مما يدافع عن نفسه وماله وعرضه، وفي هذا الصباح قرأت في الصحافة عن رجل مسلم في بنغلادش راهن بزوجته على فوز الأرجنتين، لكن للأسف خسر الرهان وخسر زوجته وأي ولاء أعظم من هذا ومن أن تترك الصلوات والطاعات، وتضيع الأوقات لتشجيع فريق أوروبي أو أمريكي.
وفي تحقيق صحفي في احدى الصحف العربية جاء في العنوان وبالبند العريض: "النسوان بتحب البرازيل" وقالت نساؤنا وفتياتنا إنهن يحبن اللاعب "روماريو"البرازيلي أكثر من غيره".
وبعضهن تحفظن أسماء اللاعبين على ظهر قلب، بينما لو سألتها عن الصحابي معاذ بن جبل لظنته جبلا من جبال الهمالايا.
وصدق الله تعالى("تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ")وصدق رسوله:"يحشر المرء مع من أحب يوم القيامة".
هزيمة العباد أمام الكرة
مسكينة العبادة أمام الكرة، لقد انهزمت العبادة أما الكرة بعشرين هدفا مقابل صفر، والناس في هذا الشأن فريقان، فريق قام الليل بين يدي الله، وفريق قائم بين يدي مارادونا، والأوائل قلوبهم معلقة بالمساجد والآخرون قلوبهم معلقة باللاعب، هؤلاء همهم إرضاء الجليل وأولئك همهم فوز البرازيل، أليس من الغريب أن يضع الرجل منبهه على استعداد ويأمر أهل بيته بإيقاظه عند الفجر وعندها يتوضأ وضوء الكرة ويستقبل قبلته التلفزيون، خاشعا خاضعا عيناه تنتقلان بين أقدام اللاعبين يمينا وشمالا، الأذان يقول الله أكبر الله أكبر، ولسان حاله يقول لا الكرة أكبر، المؤذن يقول الصلاة خير من النوم، وهو مستيقظ من فراشه الخشبي نائم على فراش غفلته مستيقظ لدنياه، نائم لآخرتة، الآن الساعة الثانية والنصف ليلا ، وأنا أكتب هذه الكلمات صياح وصراخ النائمين يمزق هدوء الليل وهم يشاهدون إحدى المباريات، أعلم يقينا أن في صلاة الفجر بعد قليل سيحضر الصلاة صف واحد؛ أغلبهم من العجزة الذين أوشكوا على دخول قبورهم.
العبادة هي دائما الخاسرة، ففي كأس العالم في رمضان1982كانت النتيجة مروعة الجزائريون، أكلوا رمضان وهزموا الألمان.
وفي بلد إسلامي، خلال مباراة مصيرية !! بثت مباشرة في الإذاعة الوطنية لتلك الدولة، وفي لحظة تسجيل الهدف قاطعت المذيعة المذيع الرياضي الذي يقدم المباراة "الأخ صلاح لقد حان موعد صلاة العصر"، وتطلب منه قطع التعليق لبث الأذان فرد عليها وهو في غمرة الفرحة والنشوة بالهدف "مافيش صلاة العصر مافيش صلاة العصر فيه الهدف الهدف الهدف".
كان نبينا يقول لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافع الاخبثان ونضيف في عصرنا هذا "لا صلاة بحضرة مباراة قدم".
نرجع إلى قضية هامة، وهي كشف العورات، فأكثر الفقهاء يقولون أن عورة الرجل من سرته الى ركبته، ولا يخفى على أحد أن لاعبي الكرة يكشفون نصف عورتهم، ورسولنا يقول "لا ينظر الرجل لعورة الرجل"، وأمر الله بغض البصر، والآن عمت البلوى لتشمل النساء والرجال، دون خوف من الله، ودون وجل، فإن النظر إلى فخذ الرجل حرام حرام، فلماذا يماري البعض ويجادل بأنه يشاهد الكرة لا الفخذ، وأترك هذه النقطة بدون تعليق، لأنها واضحة لمن يحب تطبيق الآيات والأحاديث.
إضافة إلى هذا نذكر تضييع الوقت والكلام الفاحش والسب والشتم وإزعاج الناس في ساعات متأخرة من الليل وإهمال الدروس والعمل.
الكرة ومآسي الأمة الأسلامية
كانت إحدى الحكومات الإسلامية كلما أحست ببوادر التذمر الشعبي، وزيادة ضغوط الشارع لتحسين ظروف المعيشة،كانت هذه الحكومة تأمر مدير التلفزيون بعرض سلسلة من الأفلام الجديدة والمباريات الكروية المستوردة، حتى تمتص غضب الشعب الكادح وتنسيهم لشهور همومهم وغمومهم اليومية.
وهذا ما تريده كثير من الحكومات في الدول الإسلامية. وهذا ما تنشده كثير من الجهات العالمية المشبوهة لأبناء الإسلام ، أن تنسيهم هموم أمتهم المظلومة وأراضيهم المسلوبة وأعراضهم المنتهكة في فلسطين، البوسنة، كشمير، الصومال، اليمن، وبتواطؤ من الإعلام المخطط انصب اهتمام الناس على نتائج المباريات ونسيت نتائج المعارك الطاحنة التي يسحق فيها المسلمون أولادا ونساءا وشيوخا إضافة إلى تجاهل حال العالم الاسلامي المهلهل والممزق المتخلف، الذليل، الحقير، ومع ذلك يملك هذا الشعب وإعلامه كل وقته لمتابعة البطولات المزيفة على الملاعب، وأذكر هنا تحليلا عميقا لأحد الباحثين يشرح أسباب انتشار لعبة كرة القدم -وهذا نقله من كتاب الأستاذ أنور الجندي "الصحافة والأقلام المسمومة"-يقول: "إن رياضة الكرة مثل رياضة مصارعة الثيران والوحوش أيام الرومان، فقد قامت هذه الرياضة وقد ازدهرت في عصر القياصرة الذين سلبوا الشعب حرياته، وبلغت أوجها في عهد طغيان القياصرة الذين أخذوا يخشون انتشار المسيحية، وإقبال الفقراء التعساء على اعتناقها، فأرادوا شيئا يلهي الناس عن حرياتهم المفقودة، ويصرفهم عن الديانة التي تزحف عليهم حاملة مشاعل الهداية، فأقاموا تلك المباريات التي كان ينزل إليها رجال ضخام الجثث مفتولوا العضلات؛ يصارعون الأسود وهي تنطلق من أقفاصها؛.. وقد يلتهم الأسد هذا اللاعب الضخم ويمزق جبهته إربا إربا أمام الناس؛ الذين يفقدون صوابهم وهم يصرخون ويصيحون لا فرحا ولا غضبا ولا ألما، ولكن في هوس وجنون، وقد نسوا أنهم فقدوا أهم شيء وهو حريتهم، وأنه قد حيل بينهم وبين المستقبل المشرق الذي يمثل الديانة الجديدة. كذلك كرة القدم لعبة تنظمها السوقة التي تنفق عليها، ويشرف عليها كثير من الأغنياء ورجال الأعمال لتصرف الناس عن حقوقهم الضائعة، وعن حرياتهم المقيدة، وتلق بهم في عالم من الانتصارات والهزائم الوهمية في عالم الخيال البعيد عن واقع الحياة"، ولم يعد لمعاني الجهاد والقتال والبندقية والشهادة مكان مثل معاني الكرة والهدف والملعب والمدرب.
الكرة واقتصادنا المفلس
أمتنا الاسلامية تعيش على نفقات صندوق النقد الدولي، ومعونات الهيئات الخيرية وديون الغرب والشرق ، المسلمون تحت خط الفقر، في كثير من البلدان جوع، مرض، عجز عن التقوت الذاتي، تخلف في الصحة، تأخر في التعليم، تقهقر في التكنولوجيا، انحدار في الصناعة، شلل في الزراعة، مع ذلك تنفق بلداننا الإسلامية ملايير الدولارات في شراء اللاعبين والمدربين وبناء الملاعب واستيراد التجهيزات، ويمنح اللاعبون سيارة فخمة في دولة يتنقل فيها المواطنون على ظهور الحمير، وفي بعض العواصم الفقيرة والمزدحمة على ظهور الحافلات، لا يجد البؤساء من مرضى السرطان من ييسر سفرهم للعلاج، ويسافر الرياضيون كل أسبوع وشهر لدورة تدريبية في استراليا ومقابلة في بريطانيا، وكأس في أمريكا، وبطولة في فرنسا ، ميزانية خيالية تقدمها الحكومات للعبة الكرة ، ويأكل المواطنون من فتات الزبالة والقمامة.
ثم يتعذر أصحاب المصالح بعجز الميزانية، لاعبو كرة القدم ينالون السيارات والمساكن والرواتب والشهرة، والمثقفون وأصحاب الاختصاصات الدقيقة يتزاحمون في طوابير البطالة.
أقال رئيس جمهورية عربية وزير الشباب والرياضة بحجة أن فريقه الوطني لكرة القدم لم يتأهل لكأس العالم، والعجيب كيف لم يقال وزير الاقتصاد، رغم الاقتصاد الفاشل والمفلس لذلك البلد، ولم يقال وزير الإسكان رغم أن شعبه يسكن أسطح المنازل والخيم ولله في خلقه شؤون.
الكرة والعنف
لا تزال أخبار العنف في الملاعب وأنباء القتل والضرب تصلنا كل يوم من جراء هذه اللعبة؛ التي صارت لعنة في كثير من الدول، فأصبحت تجلب الموت لكثيرين من عبّاد هذه اللعبة.
فكم من أسرة لعنت الكرة بعدما وصلها خبر وفاة عزيز عليها مطعونا بسكين أو مضروبا بجنزير؛ على مدرجات المتعصبين لهذا الفريق أو ذاك ، حادثة ملعب "هيسل " ليست ببعيدة عنا ففي هذه المبارات التي جمعت فريقي "جوفنتوس الايطالي" و "ليفربول الانجليزي" في كأس أوروبا تحولت المباراة قبل بدايتها إلى مجزرة راح ضحيتها أكثر من ستين متفرجا على مدرجات الملعب.
وبالأمس القريب فقط أعلنت كولومبيا الحداد الوطني على أحد اللاعبين الذين شاركوا في كأس العالم الحالية؛ بعد أن أطلق عليه أحد المهوسين اثنتي عشرة رصاصة في رأسه، انتقاما منه بعد أن سجل هذا اللاعب هدفا ضد مرماه، بل أكثر من ذلك ففي إحدى المباريات بعدما انفرد أحد اللاعبين بالمرمى وبات محتما تسجيله للهدف أطلق أحد المشجعين رصاصة عليه أردته قتيلا، وحال دون تسجيله للهدف، كم من إنسان فقد عينه، أو كسرت يده، أو دق عنقه أو شوه وجهه بضربات السكاكين ، لا للسبب إلا أنه من أنصار الفريق المعادي.
إنه من الصعب جدا أن نحصي عدد القتلى والجرحى في مباريات اشتهرت عبر سنوات طويلة بالعنف في ألمانيا والبرتغال وإسبانيا والبرازيل، وقد انتقلت العدوى إلى الدول الإسلامية فلا يكاد يخلو ملعب من هذه المعارك بين المتفرجين.
ففي مصر مثلا كانت مباريات الاهلي والزمالك من أشد المباريات فتكا بالمتفرجين الذين يتحولون على مقاعدهم الي ملاكمين.
وفي الجزائر كانت مباريات شبيبة القبائل ومولودية العاصمة تتحول دائما الى معارك طاحنة واللاعبون بأنفسهم وتتحول المباريات الى مشاحنات وصراعات ذات بعد عرقي متطرف، لأن الفريق الأول يمثل البربر والفريق الثاني يمثل العرب زلم يكن صعبا على الملاحظ ....تلك المباريات السب على كل ما هو عربي على مدرجات البربر ، والشتم على كل ما هو بربري على مدرجات العرب .
هذا قليل من كثير وتفاصيل العنف في ملاعب الكرة وكوالسيها لا يعلمها إلا الله، وليس كل ما يعلم عن موضوع الكرة يقال ، ولا كل ما يكتب عنها ينشر ، فمتى نقف وقفة العاقلين وننبذ هذه اللعبة كما هي الآن إلى الأبد، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.