مظاهر من غربة الإسلام
كتب يزيد حمزاوي
( جريدة صحافة اليرموك-ص6 - السبت 24 تموز 1993م )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول لله، صلى الله عليه وسلم، الذي قال" بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قالوا وما الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يصلحون إذا فسد الناس"، فقد انسلخ المسلمون عن دينهم وتركوه وراء ظهورهم، ولم يبق منهم إلا طائفة متمسكة بدينها تعيش في غربة حالكة، ينهشهم الجميع، القريب والبعيد يتربصون بهم دوائر يتلمسون أخطاءهم وزلاتهم يبغون عليهم بشتى الألقاب والشتائم، بالرجعية تارة، وبالتزمت والتشدد تارة أخرى.
وهذه خواطر أخطها عن مظاهر غربة الدين في هذا الزمن، والصحيح أن المصيبة في المسلمين وليست في زماننا.
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
نهجو الزمان من غير ذنب ولو نطق الزمان لهجانا
الجدة و حفيدتها
كنت متوجها إلى المسجد قبل المغرب؛ عندما شاهدت منظرا يتكرر في كل لحظة، ويُرى في كل [الأحيان]، رأيت جدة وحفيدتها، الجدة عجوز طاعنة في السن تجاوزت السبعين، تجر نفسها وذيل [حجابها] الطويل على الأرض، وقد تلوّى ظهرها وتجعد جلدها وظهرت آثار السبعين سنة عليها ومع [ذلك] فهي تلتحف بثوب طويل وغطاء للرأس سميك وقد سترت جزءا من وجهها.
أما الحفيدة فحدث وبلا حرج -عفوا- وبكل حرج، فشعرها يطير في الهواء، وقد شمرت على ساقيها كأنها ستعبر نهرا، وقد عبث الملقاط بحاجبيها ولطخت وجهها بالإصباغ والإدهان، ولا [ترضى] أن يكون لباسها بالأسود والأبيض، لأنها تفضل الملون كأنها قوس قزح أو علبة ألوان .
وهذا رغم أنه يناقض الآية الكريمة {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [النور: 60]
فهكذا انقلبت الموازين فقد غطت العجوز المهترئة نفسها حتى لا تفتن بجمالها العشاق، وأما الشابة فتعيش على المكشوف لأنه لا أحد يطمع فيها !!!
والحاصل أن هذه الجدة لبست الحجاب لا لتدينها، بل لأنه عرف وعادة، وإلا كيف تسمح لحفيدتها بهذه المهازل التي لا دينا اتبعت ولا عرفا أبقت.
ومن الحب ما قتل
كعادتي سرت بالأمس إلى الجامعة فالتقيت شابا من زملائي "مكشرا" مهموما مغموما ، فسألته : ما بالك يا صديقي؟ لم هذا الغم والحزن؟
ولما كان يثق بي أجاب بقوله "فلانة" ويقصد زميلة له قلت:"وما بال فلانة"، قال "إنها قتلتني" [قلت] "وكيف ذلك"؟ قال: أحبها، وطول الليل لم أنم بسبب التفكير بها، كلما أراها يخفق قلبي [ويقشعر] بدني، والله إني بكيت من أجلها"، دخلنا قاعة المحاضرة، ولم أجرؤ أن أسأله لم لا تتزوجها، لأني أعرف الجواب.
فالشاب المسلم المقدم على الزواج في هذا الزمان؛ كالأعمى الأعرج المقدم على صعود جبل الهمالايا، كيف لا والبنت عند أوليائها رأس مال قابل للاستثمار، وصفقة رابحة وتجارة لن تبور.
فلا يكاد يظهر العروس رأسه في بيت الخطيبة؛ حتى يقصم ظهره بآلاف الدنانير من المهر، [وهذا] مقدم وذاك مؤخر، وهذا ذهب وتلك كسوة، وكذا شقة ثم عفش فحفل وعرس.
لأن البنت عندهم غالية وإلا يقول الناس:" زوجوا –عفوا- باعوا بنتهم ببلاش"، فأولها إذن فرحة وآخرها قرحة، فترى بعدها بأيام العروس المسكين يتوارى عن العيون مخافة تسديد الديون...
كنا لا نزال في المحاضرة؛ فنظرت إلى صديقي المسكين المذكور أعلاه، وقد أخذ قلمه فرسم على الطاولة البيضاء قلبا يقطعه سهم، وكتب أول حرف من اسمه واسمها، وختم اللوحة بجملة انجليزية I Love You
وهكذا الشاب المسلم، ذكورا وإناثا، يحاط بكل سبل الإغراء والفتنة، ثم يغلق دونه باب الزواج، ثم يقال له اتق الله ولا تقع في الحرام، وقديما قيل" ربط يديه وألقاه في اليم، وقال له إياك وإياك أن تبتل بالماء"
السرقة حرام زعموا!!!
محمد طفل مراهق تربى على التلفزيون من صغره، ورضع من برامجه أكثر مما رضع من حليب أمه، قام يوم الجمعة من فراشه عند الزوال؛ وولى وجهه شطر التلفزيون فجلس وتربع، فنطقت المذيعة :" نقدم لكم صلاة الجمعة من مسجد ... وبعدها نعود لبرامج الأطفال"، فبدأ الخطيب بالخطبة وكان موضوع خطبته عن السرقة، فجاء بالأحاديث والآيات وأقوال العلماء، فخلاصة الخطبة لا تسرق، فإن السرقة حرام وعاقبتها وخيمة في الدنيا بالسجن وقطع اليد، وفي الآخرة عذاب أليم.
سمع محمد هذه الكلمات وهو غير مكترث بها، فالمهم أن يكمل هذا الشيخ الثقيل الظل خطبته، حتى يبدأ برنامج الأطفال، بدأ برنامج الأطفال بفيلم الكرتون، وما هو بالكرتون، إذ والله هو السم في العسل، وخلاصة القصة الكارتونية أن البطل وهو قط شجاع وذكي يدخل بنكا، ويقتل مدير البنك وموظفيه ويسرق ملايين الدولارات، ويفر بها إلى شواطئ جزر الهاواي، وهناك يعيش بقية حياته مع "القطات" الحسناوات على موسيقى الروك والويسكي، وهكذا ذهب موضوع خطبة الجمعة عن السرقة أدراج الرياح، وترسخ لدى محمد أن السرقة طريق السعادة والفلاح.
العجلة أو...؟
جلست إلى تلفزيون جاري، لأني لا أملك جهاز" المفسديوم" في بيتي لأستمع إلى الدرس الديني الذي تثبته قناة تلفزيونية في بلد مجاور، وقبيل بداية الحديث الديني بثوان معدودة ظهر إعلان غريب ودعاية عجيبة، دعاية عن عجلات السيارات، فليس هذا هو الغريب، لكن الغريب أن تقدم هذه الدعاية امرأة غير مستورة وبحركات مثيرة، فقد وقفت المرأة على العجلة كاشفة فخذها، وقالت "عجلة تويوتا أحسن العجلات، وتقدم أفضل الخدمات" فتساءلت في نفسي، وما علاقة المرأة بعجلات السيارة، وما يربط هذه بتلك، والمادة المعلن عنها تخص الرجل أكثر من المرأة، فلمَ لا يقدم هذا الإعلان رجل خبير مثلا بالميكانيك؟
أجبت نفسي لكن نحن في عصر "المساواة" فعجلة السيارة تستفيد منها المرأة والرجل، وليست خاصة بالرجل فقط. فصدقت نفسي واقتنعت جدلا بهذا الجواب!
لكني تساءلت ثانية، ولمَ كل هذا التزين والإثارة، وكشف الفخذ للإعلان عن عجلة السيارة، وقعت في حيرة أكانت الدعاية للعجلة أم للفخذ نفسه!!؟ وأيهما أعلن للآخر الفخذ للعجلة أم العجلة للفخذ!!؟
وما المطلوب من المشاهد شراء العجلة أم شراء ... وفجأة بدأ الدرس الديني وقلت للشيخ المسكين : "على من تقرأ زابورك يا داود!!؟"