وقفات مع مقالة أبو فيزون
( ج صحافة اليرموك-ص7- السبت 20 آذار 1993م )
منذ أن نشرت لي مقالة (وجاء دور "أبو فيزون") وأنا أسمع ردودا عليها، ليس لأنّي كاتب مرموق، بل إنّ المقالة كانت قد مست جرحا عميقا في المجتمع؛ الّذي طالما حاولنا إخفاءه وتجاهله، وكانت المقالة بمثابة السّكين الّذي غرس في جرح قديم فأدماه.
وكانت الرّدود، وإن لم تنشر، أو لم يحاول أصحابها نشرها كثيرة، فأخذت العهد على نفسي أن أقف وقفات، ولو كانت قصيرة معها وسأحاول اختصارها في برقيات سريعة.
*قالت إحداهن، لقد أدخلتنا النّار ولم نكفر، فما فعلنا شيئا إلّا أنّنا لبسنا الفيزون فقط.
الله أكبر ! لبست الفيزون فقط وما أدراك ما الفيزون.
الرسول عليه السلام يقول: "صنفان من أمّتي لا يدخلون الجنّة ولا يجدون ريحها؛ نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات.. "، وأنت تقولين الفيزون فقط.
الرسول عليه السلام يقول: "أيّما امرأة نزعت ثوبها في غير بيت أبيها أو زوجها، فقد هتكت السّتر الّذي بينها وبين الله" وأنت تقولين الفيزون فقط.
الرسول عليه السلام يقول: "أيّما امرأة خرجت متعطّرة فهي زانية" وأنت تقولين الفيزون فقط.
فبأيّ قول نأخذ، بقولك أم بقول الرّسول عليه السلام؟
والجواب بقول الرّسول عليه السلام فقط فقط.
*قالت أخرى هناك كلمات استخدمتها في مقالتك تجرح الشعور!!
كلام غريب هذا، وهل بقي شعور يا أهل الشعور!!؟ ولم لا تراعون شعور الأمّة وكيانها، وشعور المسلمين في شهر رمضان وفي غيره؟
ولم لا تراعون شعور النّصوص الشرعيّة من الكتاب والسنّة؟؟
أم أنّكم أنتم فقط الّذين لكم شعور، أمّا نحن فنعيش بلا شعور، ولست أدري بعدها أن كنت تتحدثين عن الشّعور "الإحساس"، أم شعور "جمع شعر"!!
*قال أحدهم إنّ القضيّة، قضية الفيزون، ليست من الدين، وكان من المفروض عليكم أن تعلّموا النّاس الدّين في صفحتكم الدينية، وليس أن تتطرّقوا إلى مواضيع تخالف وتصدم الجمهور!!
هؤلاء يريدون إرضاء النّاس، وإرضاء النّاس غاية لا تدرك، والدّين شامل كامل يتطرّق لجميع الجزئيات في الحياة قبل الكليات، أمّا أنتم فتريدون ديناً عبارة عن ثقافة عامّة فقط، تريدون في الصّفحة الدينية قصصا كانت تحكيها العجائز، فقد يفرح بعضكم إذا قرأ قصّة علي بن أبي طالب البطل الشّجاع وكيف تغلب على التّنين الطائر وقطع رؤوسه السّبعة واحدا واحدا.
إنّهم يريدون دينا يبدأ بكان يا مكان في قديم الزّمان..والشرع معطّل في هذا الزّمان، والحقيقة أنّ الإسلام هو دين جميع الأزمنة إلى يوم القيامة.
*قالت إحداهن أدخلت المرأة "المفزينة" -من الفيزون-، النّار وديننا دين محبّة وسلام وتسامح.
نعم ديننا كما تقولين، لكن لكلّ مقام مقال، فاليسر ما يسّره الله والعسر ما عسّره الله، والإسلام يجمع بين التّسامح والمحبّة، وكذلك الغيرة على حرمات الله والغضب على من يعصي الله، أم أنّكم تريدون إسلاما "فليكسيبل" FLEXABLE يدور معكم أينما درتم، فترى إحداهنّ تسبح في هيئة مخزية وسط الرّجال، فتقول لها اتّقي الله، فتقول لك، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "علموا أولادكم السّباحة والرّماية وركوب الخيل" وترى أخرى تقهقه وتضحك في وجوه الرّجال، فإذا قلت لها اتقي الله قالت، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ابتسامة في وجه أخيك صدقة"، أنا لا أتكلم عن الأردن أو بلد معيّن، لكن أتكّلم عن الأمّة الإسلامية بصفة عامّة.
* ردّت عليّ إحدى الأخوات الفاضلات بقولها إنّك وصفت الفيزون وصفا دقيقا، فهذا دليل على معرفتك به وبتفاصيله فكيف عرفت ذلك؟
إنّ الفيزون ذاع صيته وانتشرت تفاصيله بين الجاهل والمتجاهل، وحتّى الرّجل الأعمى يعرف الشّيء الكثير عنه، كيف لا وقد قدمت له الإعلانات في الجرائد والمجلات، وممّا زاد من معرفتنا به أنّه يشتغل على المكشوف، كما قلت سابقا، وما أجمل المثل الفرنسي الّذي يقول "أنّه يقفز للعين"، فإنّه يقفز إلى عينك دون أن تكون لك الرغبة في النّظر إليه.
ثمّ على الدّاعية أن يكون عارفا بالأمراض الاجتماعية حتّى يستطيع معالجتها، كيف لا وهو يعيش وسط المجتمع ويتفاعل معه، أم تريدين داعية يحمل سبحة ومصحفا يعيش وسط غار ثور أو حراء؟ إنّ داعية العصر هو الّذي يعرف هموم ومفاسد عصره، فمثله مثل الطّبيب لا يستطيع علاج المرض دون تشخيصه، فهذا والله أعلم بما في القلوب والسّريرة اتركها لله وحده فهو العليم بالصدور، ثمّ إنّ عهدي بهذه الأمراض الاجتماعية بالدول الأوروبية قريب وليس الخبر كالمعاينة.
ونسأل الله أن يرد أخواتنا إلى الحجاب والنّقاب، ويردّهم إلى العفاف والسّتر، فإن فعلن دخلن الجنّة وإن أبين فلا نكذب عليهن فإنّ النّار موعدهنّ.