طباعة
الأربعاء 22 ذو الحجة 1446

كلمات أخيرة

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

كلمات أخيرة
( ج صحافة اليرموك-ص5- السبت 10 كانون أول 1994م )
يزيد حمزاوي – رحمه الله- 
كعادتي في كل يوم أربعاء أجلس بعد الفجر لأكتب مقالا للصفحة الدينية في صحافة اليرموك، لكن هذا الأسبوع ليس كغيره من الأسابيع، لأن ما أكتبه اليوم هو آخر المطاف في جريدة عشت معها ثلاث سنين كاملة... كانت أياما جميلة تلك التي قضيتها محررا للصفحة الدينية، لكن دوام الحال من المحال، فقد جاء وقت الرحيل وترك المكان لغيري... وفكرت طويلا ماذا سأكتب في أخر مقال، وبجانبي قائمة من المواضيع التي حددتها منذ سنوات... لكن ارتأيت أن أستنكف عن تلك المواضيع .. وبدأت أخط خواطر كانت وليدة الساعة...
لقد تعلمت أن الله تعالى يقول: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر..) ويقول: ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) وقوله: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) ويقول الرسول _ صلى الله عليه وسلم_: " بلغوا عني ولو آية" وقوله: "الدين النصيحة" وقوله: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه...".
وبالرغم من ذلك صادفت آلافا من الرجال والنساء لم يقدموا يوما نصيحة لإخوانهم، وهم يبخلون على أنفسهم قبل غيرهم بالإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لقد صادفت آلافا ممن قابلوا الدعوة الإسلامية – وهم من أبنائها – بالكسل واللامبالاة واللادعوة واللاعمل في سبيل الله، كأن الدعوة إلى الله فرض كفاية سقط عنهم طالما اعتنى بها 
غيرهم.
تعلمت أن كثيرا من الناس ما زالوا يجهلون بديهيات الإسلام، وهم يعلمون تفاصيل لا تغني عنهم يوم القيامة في شيء، ويخوضون في كل لهو ولعب، لكنهم مستكبرون على الله، فمتى نتواضع لله، ونكف عن استكبارنا عن إله اشترى من المؤمنين أنفسهم وهو يملكها، ثم يعطيهم الجنة ( أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) فيا لها من صفقة مربحة للمؤمنين، الذين يأبون إلا الخسارة، بل لا يتورع الكثير منهم عن وصم دينهم بالأصولية والتطرف.
تعلمت أن الموت حق وأن القبر حق وأن الجنة حق وأن النار حق، لكن من يأبه بذلك اليوم... شغلنا حب الدنيا عن الآخرة وعشق النفوس والأبدان والشهوات والمادة عن الله.
تعلمت أن الإسلام يصلح الأخلاق ويسعد البشرية ويعز الأمة، ويجعلها السائدة، لكن شتانا بين الإسلام والمسلمين وبين الحقيقة والواقع.
تعلمت أن الشباب المسلم مطالب بإصلاح نفسه وأسرته ومن حوله، والابتعاد عما يحط من قدره، ويا للأسف على شباب أمة يعيش مراهقة منذ ولادته إلى وفاته!  
تعلمت أني مهما ادعيت الالتزام والصلاح فأنا ضعيف جدا، ولكم وعظت الناس وذنوبي أثقلت كاهلي.
وصدق الشاعر القائل:
إذا لم يعظ في الناس مذنب        فمن يعظ الناس بعد محمد
وأتمثل بقول الشافعي:
أحب الصالحين ولست منهم       لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأبغض من تجارته المعاصي     وإن كنا  سواء في البضاعة
وفي الختام لا يسعني إلا أن أشكر كل من أسهم في الصفحة الدينية وأسدى إلينا بنصيحة أو نقد، ورحم الله امرءا أهدى إلينا عيوبنا.
وأقولها لكم ولكن – جميعا- اسمعوها مني ولا تنظروا إلى من يقولها: الله الله في دينكم، والله الله في إسلامكم، فإنها الجنة أو النار ولا ثالث لهما ولا تيـأسوا فالإسلام قادم ومنتصر بإذن الله، فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.

تم قراءة المقال 15 مرة