طباعة
الأحد 25 جمادة الثاني 1445

مصادر الدكتور يزيد حمزاوي في نقد النصوص و العقائد المسيحية

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مصادر الدكتور يزيد حمزاوي في نقد النصوص و العقائد المسيحية
د/ سعيدي زكرياء
بحث مقدم لندوة وطنية بعنوان:
 ( الدكتور يزيد حمزاوي, وجهوده العلمية والعملية في مواجهة التنصير )
بجامعة تلمسان يوم 13 ديسمبر 2023

مقدّمة:
يعتبر النّقد الإسلامي للأديان عموما والدّين المسيحيّ خصوصا فنّا انبرى له علماء الإسلام منذ العصور الأولى للإسلام ، مقتدين في ذلك بالقرءان الكريم الذي ناظر النصارى و فنّد عقائدهم في التثليث والصلب والفداء و البنوّة ، و مهتدين بالسنة النبوية المطهرة التي اشتملت على نماذج في النقد  ، وقد ألّف العلماء المسلمون في ذلك كتبا و مصنّفات تستحقّ الإعجاب و الإشادة ، لاشتمالها على مناهج في النّقد وطرق في الجدل و أساليب في المناظرة لم تكن معهودة من قبلهم ؛ من ذلك ما نجده عند ابن حزم أو العامري أو ابن تيمية أو القرافي أو ابن القيمّ.
وممّن اقتدى بهؤلاء الأعلام في عصرنا هذا الدكتور يزي حمزاوي رحمه الله رحمة واسعة ، فقد خلّف تراثا ثريا ، مكتوبا ومسموعا ، في مناظرة النصارى و الردّ على أباطيل المنصّرين ، وقد تنوّعت طريقته بين الإعتماد على المناهج الموروثة من مصادر علماء الإسلام و بين الإعتماد على ما انتهى إليه علم النقد النصّي للكتاب المقدّس.
و في هذا الصّدد جاء بحثنا لنرصد طريقته في المناظرة و نقف على منهجيته في تفنيد حجج المسيحيين و قد وسمنا بحثنا ب " مصادر الدكتور يزيد حمزاوي في نقد النصوص و العقائد المسيحية"
و لأجل معالجة أجزاء الموضوع طرحنا الإشكال التالي :
هل هناك مصادر محدّدة اعتمد عليها د يزيد في نقد النصوص و العقائد المسيحية ؟
و يتفرّع عنه الأسئلة الفرعية التالية :
ما هي نتائج النقد عند ديزيد حمزاوي للنصوص و العقائد المسيحية ؟
و هل استوفى د يزيد حمزاوي في نقده جميع النصوص و العقائد المسيحية ام اقتصر على أجزاء منها ؟
تمهيد :
 لقد ألّف يزيد حمزاوي مجموعة من الكتب تصبّ كلّها في خانة النقد الإسلامي للمسيحية ، حاول من خلالها طرق مجموعة من المواضيع متعلّقة بالديانة المسيحية ؛ مثل المصادر المسيحية : العهد القديم و الجديد و المجامع الكنسية و آراء آباء الكنيسة ، مرورا بالمسيح الشخصية المركزية في الديانة المسيحية و الوقوف مطوّلا مع نسبه في المصادر المسيحية و التسمية التي اشتقّت من اسمه للديانة ، ثم ّ الحديث عن العقائد و مصادر تكوينها و كيفية تشكّلها ، ثمّ تعريجا بببعض الأفكار الأخرى كالأسرار  المسيحية  و بعض النظم المتعلّقة بهذه الديانة .
و الملفت في كتبه الأربعة : النصرانية و إلغاء العقل "، " الإنجيل المحرّف يهين المسيح" ، " المسيحية البضاعة المغشوشة" و " أبشروا لم يعد المسيح ابنا لله" تتحدّث كلّها عن المسيحية غير أنّ المواضيع المطروقة تختلف أحيانا نتيجة الشبهات التي تستحدث و المقاصد التي يتوخّها من وراء التاليف.
فجاءت تلك الكتب في تسلسل منهجيّ جميل ، حتّى و إن لم يقصد ذلك ، تفيد الباحث المتضلّع و القارئ المبتدئ.

أوّلا : نقده للعقائد المسيحية :
1.مصادره في نقد مصطلح المسيحية :
يرفض الدكتور يزيد حمزاوي رحمه الله كلمة المسيحية  و المسيحيين و يرى أنّه لا يجوز شرعا و لا عقلا و لا تاريخا و لا قرءانا ولا إنجيلا إطلاق اسم المسيحيين على الذين يدّعون اتّباعهم المسيح من رواد الكنائس(1)، و يرى أنّ المسيحية بضاعة بولص الخالصة ؛ فهو الذي حرّف الدّين الذي جاء به المسيح عليه السلام ، و هو الذي اقحم عقائد التّثليث و البنوّة و الفداء و الصّلب (2)، و يعضّد رأيه بالإستناد إلى مجموعة من المصادر :
أ.القرءان الكريم :
حيث يرى أنّه لم يرد كلمة مسيحيّ و لا مسيحيين في الفقرءان قطّ ، بل قد سمّى الله تعالى أولائك المثلّثين من عبّاد الصّليب بالنّصارى و ملّتهم بالنّصرانية ؛ كقوله تعالى : " ما كان إبراهيم يهوديا و لا نصرانيا و لكن كان حنيفا مسلما و ما كان من المشركين " ، وقوله سبحانه :" و قالوا لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا أو نصارى ، تلك أمانيّهم ، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" و غيرها.
ب. السنة النبوية :
حيث لم ترد الكلمة في السنة النبوية الصّحيحة و حتّى الضعيفة ، ولم تخرج التسمية السّنية عن القرءان الكريم لهم؛ ومن أمثلة ذلك :" كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه"(3)، وقوله صلى الله عليه وسلّم : " و الذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهوديّ ولا نصراني ثمّ لا يؤمن بما جئت به إلّا دخل النار"(4)
ج. الأناجيل :
يرى أنّها ذكرت الكلمة ثلاث مرّات لا تسلم كلّها من اعتراض :
1.جهالة الجهة التي أطلقت الإسم عليهم ؛ كما جاء في سفر أعمال الرسل ( 11/26):" .... وفي أنطاكية تَسَمَّى التلاميذ أوّل مرّة بالمسيحيين ".
2.ذكرت للتّعيير من قِبل الوثنيين ؛ كما في أعمال الرسل ( 26/ 28) :" فقال أغريباوس – و هو قائد روماني ّ وثنيّ- لبولص : بقليل تقنعي أن أصير وثنيا"
أمّا النصرانية فيرى د يزيد أنّها وردت صراحة في الإنجيل ؛ فقد وُصف المسيح ب " أنّه مفسدا يثير الفتن بين اليهود في العالم كلّه ، و زعيما على شيعة النصارى" ( أع : 24/5).
 ولذلك يرى يزيد أنّ النصارى يعمون على التسمية التي سمّاهم بها الأناجيل و الواردة في القرءان الكريم و اختاروا التسمية الوثنية كعلامة على اتّباعهم بولص محرّف دين المسيح(5) .
2.نقد نسب المسيح من كتابي متى  ولوقا:
*ينتقد ابتداء الإختلاف و التباين في نسب المسيح عليه السلام بين إنجلي متّى و لوقا ؛ ففي إنجيل متى يحاول الكاتب أن يصل به إلى إبراهيم عليه السلام مع الجزم بذلك ، أمّ لوقا فيروي الأمر بصيغة التمريض مع محاولة الوصول بالنسب إلى ءادم عليه السلام و زيادة عبارة " ابن الله "(6).
يضيف د يزيد : و إذا كان المسح ابنا لله فلم كلّ هذا العناء الإنجيليّ لإثبات علاقة نسب المسيح ب يوسف النجّار !!
و إذا كان المسيح لدى جميع الكنائس اليوم هو الله ، فكيف يكون الله هو ابن يوسف النجار !!!
فلا يبقى إلّا الإعتقاد أنّ نسب المسيح المذكور في إنجيلي لوقا و متّى متّفق مع الرواية الشعبية لعموم الناس و التي تزعم أنّ المسيح هو من نسل داوود عبر شخصية يوسف النجار(7).
*و من الانتقادات التي و جّهها د/ يزيد للقصّة المختلقة في إنجيلي متّى و لوقا حول نسب المسيح : اشتمال ال سلسلة النّسب على شخصيات كانت معروفة بالزّنا و الدّعارة على غرار " راعوث"، وهي أمّ عوبيد أحد أجداد المسيح ، كما ذكر العهد القديم " نعمة " و هي أم رحبعام بن سليمان، و راعوث موءابية بينما نعمة عمّونية ، وهنّ من نسل لوط – عليه السلام- من الزنا – حاشا نبي الله ، وبالتحديد من زنا المحارم ، ومن النساء اللائي ذكرهن الإنجيل " راحاب أمّ بوعز" أحد أجداد المسيح، وراحاب ذكرها العهد القديم في سفر يشوع بأنّها كانت تدير بيت دعارة و عرفت ب راحاب الزانية
فأيّ نسب هذا الذي ينسبه كُتّاب الأناجيل لربّهم – يتساءل د يزيد- !! (8).
3.نقد بنوّة المسيح :
*يرى أنّ القول ببنوّة المسيح لم يظهر و يصبح أمرا رسميا إلّا في مجمع نيقيا سنة 325 للميلاد ، كما أنّ القول بإلهية الروح القدس لم يظهر إلّا في مجمع القسطنطينية سنة 381 للميلاد (9).
* ويرى أنّ عبارة " ابن الله" في لوقا فغير معروفة في المخطوطات التي تعود إلى القرن الرابع أو الخامس ، ويستدلّ على ذلك أنّ الطّبعات الحديثة إمّا :
- وضعتها بين معقوفتين ، وأنّ أيّ شيء موضوع بين معقوفتين فهو موضع شكّ.
- أو حذفتها على غرار نسخة tniv الإنجليزية ، التي حذفتها من المتن و الهامش.
-التنبيه في الهامش إلى عدم و جود النص في المخطوطات القديمة على غرار نسخ  NRSV  ، NIV  ،  RSV  ، و النسخة الكاثولكية(10).
*الفقرة من أعمال الرسل (8/36) التي يقول فيها الخصيّ لفليبس :" أنا أومن أنّ يسوع المسيح هو ابن الله " ، يرى د يزيد أّهالاعبارة غير موجودة في اقدم النّسخ و افضلها و أكثرها دقّة(11).
* ومما يعتمد عليه د يزيد في نقد بنوّة المسيح حذغ أغلب النّسخ الإنجيلية المعاصرة كلمة " مولود" من جميع نصوص العهد الجديد ، وذلك بعد تطوّر علم المخطواطت الكتابية الذي أثبت أنّ كلمة " مولود" دخيلة على تلك المخطوطات ، وكان قد أدرجها الخطّاطون والمدقّقون المحرّفون في مخطوطات متأخّرة جدّا ، ممّا يعني أنّها كلمة غير موجودة حتّى في المخطوطات التي تعود إلى القرن الخامس أو السادس ميلادي.
ومن أمثلة هذا ما جاء في نسخة الملك جيمس النصّ التالي : ( يو : 1/14) " و الكلمة صار جسدا و حلّ بيننا ، و رأينا مجده ، مجدا كما لوحيد مولود من الآب ، مملوءا نعمة و حقّا"
فكلمة " مولود" يرى يزيد أنّها أبعدتها أيدي المحقّقين الموضوعيين .
إنّ وجود كلمة " مولود" في نسخة الملك جيمس و بعض النسخ مثيلاتها التي استندت إلى المخطواطات البيزنطية التي يعود تاريخ كتابتها إلى بداية الألفية الثانية للميلاد هو ما يسمّى " تحريف التّحريف"
و أمثلة أخرى في يوحنّا خاصة حذفت فيها كلمة " مولود" و أبقى الكتّاب على عبارة " ابن الله الوحيد"(12).
4. نقد التثليث :
* أوّل مسألة يعرضها د/ يزيد في نقض عقيدة التثليث هو غموض هذه العقيدة و عدم قدرة العقل على استيعابها او فهمها ؛ يقول د يزيد :" و إذا كان من واجبي كباحث في هذا الموضوع أن أشرح لك هذا الكلام فأعتذر غليك مسبقا بقولي : إنّ فاقد الشيء لا يعطيه ، لأنّي كسائر علماء اللّاهوت ورجال الدّين والمفكّرين لم أصل لغاية الساعة لشرح أو فهم لذلك الكلام"(13).
* شهادة القرءان الكريم بأنّ هذه العقيدة كفر ؛ قال الله تعالى : " لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة ، وما من إله إلّا إله واحد ، و إن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّن الذين كفوا منهم عذاب اليم"
* شهادة علماء الغرب أنّ عقيدة التثليث أكبر خرافة في الكون ؛ ينقل د يزيد ما جاء في مجلّة التايم الصادرة سنة 1966 عدد الرابع ص 57 : " إنّ الكتاب المقدّس بما فيه من خطيئة و كفّارة و تثليث هو أكبر مجموعة من الخرافات في تاريخ الحضارة الغربية " (14) و د يزيد يوظّف هذا النقل ليبيّن أنّ النقّاد الغربيين الموضوعيين وصلوا إلى هذه النتيجة لبداهتها و ووضوحها.
* عجز القساوسة عن إيجاد دليل عقليّ أو حسّي يشرح هذه العقيدة ، و للذلك فإنّ اعتبار التثليث مكوّنا من ثلاثة أقانيم هو أمر – يعتبره د يزيد – في غاية التناقض(15).
*شهادة العهد القديم أنّ الله واحد لا شريك له ؛ من أمثلة ذلك :
" اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا ربّ واحد" تثنية :6/4
" أنا الربّ وليس آخر ، لا غله سواي" إشعيا :45/5.
*أنّ الآية في رسالة يوحنا الأولى ( 5/7-8)" فإنّ الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة : الأب والكلمة و الروح القدس ، و هؤلاء الثلاثة هم واحد ، و الذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء و الدم هم في الواحد"
يعلّق عليها د يزيد :
-إنّ هذه الآية لغز غامض ، بل هي مفبركة و ملحقة بالنص الإنجيليّ ، فقد حكم بإلحاقها هورن و جامعو تفسير هنري و سكات و ءادم كلارك ، ومما يؤيّد هذا :
- أنّها لا توجد في النسخ اليونانية التي كتبت قبل القرن السادس للميلاد.
-أنّها لا توجد في أيّ ترجمة من التراجم القديمة غير اللاتينية.
- أنّها لا توجد في معظم النسخ اللاتينية.
لم يتمسّك بها أحد من القدماء و مؤرّخي الكنيسة.
-إنّ البروستانت اسقطوا الآية من كتبهم و وضعوا عليها علامات الشك.
-إنّ اتلكاثوليك و الأرثوذكس بدأوا ينزعونها من الإنجيل شيئا فشيئا و لذلك اختلفت الطبعات حول إثبات أو حذف الآية (16).
ثانيا : نقده النصوص و الترجمات الإنجيلية:
1.نقده للنصوص :
أ.يرى د يزيد حمزاوي أنّ طلب النسخة الأصلية للكتاب المقدّس ، خصوصا العهد الجديد غير ممكن ؛ لأنّ كُتّاب الأناجيل تفرّقوا في الأمصار ؛ ف بولص و بطرس ماتا في روما و يوحنّا رحل على تركيا ، و متّى و لوقا توجّها شرقا .
أمّا مرقص مؤسّس كنيسة الإسكندرية فيفترض أنّه تبقّى النسخة الأصلية لإنجيله ، هنا يتساءل د يزيد عن نسخة مرقص الأصلية قائلا:
-إمّا أنّ إنجيله  موجود لكنّه محظور ؛ لأنّ نصوصه تدعو إلى التوحيد .
- و إمّا أنّه كان موجودا ثمّ ضاع في غياهب الزمان و المكان.
و مادام أنّ الحصول على نسخة مرقص الأصلية غير ممكن فأيّ قيمة لهذه المخطوطات التي تعتبر نسخا عن مجهولين ، عن نسخ لمجهولين عن نسخ لمجهولين (17) !!
ب. أقدم نسخة كاملة باللغة اليونانية على وجه الأرض هي النسخة " السَّيْنائية" غير موثوق بها :
-لاحتوائها على أسفار غير قانونية في العهد القديم ، واحتوائها أيضا على أسفار إنجيلية غير قانونية مثل سفر برنابا و سفر الراعي هرمس.
-احتوائها على آلاف الأخطاء تجاوزت 25000 تعديل و تصحيح .
- عمر هذه النسخة 3 قرون بعد المسيح ( نهاية القرن الرابع للميلاد) (18).
-.النسخة الفاتيكانية أيضا مكتوبة باللغة اليونانية و عمرها 3 قرون بعد المسيح يعتريها نفس الأخطاء، فقد اكتشفت في القرن الخامس عشر للميلاد ، ويُجهل كُتّبها و مكان  كتابتها و النسخة التي كُتبت منها ، وهي تتضمّن أسفار غير قانونية سواء من العهد القديم أو الجديد(19).
-المخطوطة الثالثة هي مخطوطة " بيزا" كتبت بلغتين : اليونانية و اللّاتينية ، مما يعني وجود نسختين في نسخة واحدة ، وقد بيّن الباحثون أنّ المخطوط تداول على تصحيحه عبر القرون 15 مصحّحا ، تسعة منهم في الجانب اليوناني و 6 في الجانب اللّاتيني ممّا يعني أنّ كلّ مصحّح كان يفعل بالمخطوط ما يشاء(20).
- المخطوطة الرابعة هي " السَّكندرية" عمرها 5 قرون بعد المسيح ، و هي لم تسلم من آلاف التّعديلات ، كما أنّها تحتوي على سفرين إضافيين هما : رسالة كلمندس الأولى و الثانية(21)
- المخطوط الخامس من حيث الأهمية هو المخطوطة " الإفرايمية " ، وينسب هذا المخطوط لكاتب مجهول يدعى إفرايم في القرن الخامس و الذي أخذ نسخة كتابية بالسريانية فمسحها ثمّ كتب عليها الكتاب المقدّس باللغة اليونانية ، وبعد ذلك تناولت يد المصحّحين المخطوط ، وقد تبيّن وجود مصحّحين اثنين على الأقلّ ، أوّلهما أحدث 251 تصحيحا و الثاني 272 تصحيحا(22).
هنا يتساءل د يزيد متهكّما :
هذا حال المخطوطات الكتابية التي يتفاخر المنصّرون بأنّهم يمتلكونها ، و التي يزعمون أنّ روح القدس يحرسها بعين لا تنام(23).
و يوافق سامي العامري – و هو من النقّاد الكبار في العالم الإسلامي- ما انتهى غليه يزيد من أنّ :
-أنّ كثرة المخطوطات لم تسلم من آلاف التغييرات.
-أنّه لا توجد نسخة من بين 5494 مخطوط تضمّ كامل الأسفار 27 للعهد الجديد.
-لا توجد قرائن جادّة تثبت أنّ البرديات المحفوظة ، و هي الاقلّ قيمة ، كانت تضمّ الأسفار القانونية اليوم.
- أنّ المخطوطات ذات الخطّ الكبير لا توجد من بينها مخطوطات تضمّ كامل الأسفار القانونية غير المخطوطة السّينائية و المخطوطة السّكندرية ، مع اشتمالهما على أسفار إبوكريفية (24).
ج. شهادة النصارى أنفسهم بوجود تحريفات في المخطوطات :
ينقل د يزيد شهادة بابا الكنيسة القبطية المرقسية الأرثوذكسية أنّ هذا الأخير سئل عن ترجمات الكتاب المقدّس و عن الإختلافات الموجودة فيها ؟
أجاب :
إنّ النسخ التي لا توجد فيها العقيدة التي نعلّمها في كنيستنا هي نسخ " غلط"
هنا يتدخّل د يزيد قائلا :
*إنّ هذا معناه اعتراف بوجود نسخ " غلط" أي نسخ فيها تحريف.
*إنّ هذا يفه مطالبة لكافة الشعب أن يصبح عالما في نقد النص Critic Textuel و خبيرا في المخطوطات.
*أنّ هذا فيه اتّهام للرب الذي تعهّد بحفظ كلمته و نقضا لقوله :" إلى الأبد يا ربّ كلمتك مثبتة في السماوات" ( مزمور :119/89) و قوله :" السماء و الأرض تزولان و لكنّ كلامي لا يزول" ( متى :24/35)..(25)
2. نقده للترجمات :
يرى د يزيد انّ الترجمات لم تسلم هي الأخرى من الغلط و التحريف و التباين و الاختلاف على حدّ التناقض ، و بلاحد يزيد أنّ العيوب التي يمكن تسجيلها على الترجمات خاصّة الحديثة :
-النسخ الموجودة حاليا تتبارى فيما بينها لتحذف نصوصا من هنا و تضيف نصوصا إلى هناك، حتّى وصل الأمر ببعض الترجمات إلى حذف إصحاحات كاملة و ربمّا حذف أسفار كاملة(26).
-النسخ الحديثة باللغات المختلفة صارت حواشيها أكبر من متونها ، ممّا اضطر النساخ و المترجمين إلى تعمّد تصغير حجم الخطّ لتّسع المجال للاستدراك و التّحشية(27).
- شهادة كثير من النقّاد الغربيين أنّ النسختين الإنكليزيتين المعروفتين اختصارا ب NRSV  وNIV  غير متطابقتين مع النسخة العربية المعروفة ب "الفاندايك" .
و أنّ أنصارنسخة الملك جيمس KJV  و أنصار نصّ الأغلبية يعتبرون هاتين النسختين محرّفتين (28)
-كثير من الكنائس الغربية افضى رأيها إلى التشكيك في المخطوطات السكندرية التي تعتمد عليها النسخ الحديثة ، لأنّ تلك المخطوطات و على رأسها الفاتيكانية والسينائية و البرديات التي تسبقها ، هي من أشدّ المخطوطات فسادا كما يقول أنصار المخطوطات البيزنطية(29).
- جاء في جواب " القسّ موريس" لسؤال وجّهه إليه د يزيد عن قيمة الترجمات المتداولة مايلي :
" إنّ الترجمات للكتاب المقدّس على ثلاثة أنواع :
*اللّفظية أو الحرفية : التي يهتمّ فيها المترجم بدقّة اللفظ دون مراعاة وضوح المعنى للفروق اللغوية بين اللغات ومن أمثلتها النسخ : NASB  ,  KJV, ESV, NAB.
*التفسيرية أو المتحرّرة : التي يهتمّ فيها المترجم بشرح المعنى و توضيحه مع الإلتزام باللفظ على قدر الإمكانو تمثلها ترجمة NLT  .
*الدّيناميكية : التي يهتمّ فيها المترجم بشرح المعنى و توضيحه مع الالتزام قدر الإمكان بالألفاظ وتمثّلها : HCSB .
وهذا هو السبب وراء اختلاف الترجمات " انتهى كلامه.
بعد هذا الجواب لم يكلّف د يزيد حمزاوي نفسه عناء الردّ عليه لتهافت كلامه و ضعفه وتناقضه وإنّما توجّه للردّ على مسألة أخرى أدقّ و هي مسالة الحذف والنّقص و الزيادة و تضارب المعنى في الترجمات (30)
خاتمة:
في ختام البحث نستخلص مجموعة من النتائج :
*يعتبر النقد الإسلامي للأديان عموما و المسيحية خصوصا من الفنون التي انبرى علماء الإسلام للتأليف فيها ، وقد خلّفوا لنا في هذا الباب مصنّفات جليلة تستحقّ الإعجاب و الإشادة.
* إنّ د يزيد حمزاوي من العلماء المُحدثين الذين حملوا على عاتقهم هَمَّ الردّ على النصرانية و الوقوف في طريق المنصّرين ، وقد وظّف في ذلك تخصّصاته الأكاديمية و مواهبه الخطابية لأجل خدمة هذه الرسالة النبيلة.
* إنّ مصادر د يزيد حمزاوي في كشف تناقضات الأناجيل و تهافت عقائد النصارى متعدّدة ؛ فمنها المصادر الإسلامية كالقرءان الكريم و السنة النبوية ومنها مصادرهم كالإنجيل و شهادة النصارى انفسهم و منها أيضا نتائج النقد الحديث الذين انتهى إليه الغربيون.
*إنّ شدّة الاطلاع على المصادر المسيحية عند يزيد حمزاوي أهّلته لأن يكون ناقدا بصيرا بعيوب الكتاب المقدّس ، خاصّة ما تعلقّ بالمخطوطات و الترجمات .
*إنّ عمل د يزيد حمزاوي يستدعي قراءة متأنّية لأعماله حتّلا يستخرج منها الباحث بموضوعية المنهج الذي كان يسير عليه و يتمثله في نقده للديانة المسيحية.
الهوامش
1/يزيد حمزاوي المسيحية البضاعة المغشوشة .مكتبة الإمام مالك . باب الوادي الجزائر. ط1. 2014.. ص 10.
2/ يزيد حمزاوي . المسيحية البضاعة المغشوشة. ص 10-11.
3/ متفق عليه . البخاري ( 1385) و مسلم ( 2658) عن أبي هريرة رضي الله .
4/ أخرجه مسلم ( 153) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
5/ يزيد حمزاوي. المسيحية البضاعة المغشوشة ص 12.
6/ يزيد حمزاوي . الإنجيل المحرّف يهين المسيح  د دار النشر ، د بلد النشر ط 1 . 2008. .ص 8.
7/ نفسه ص 9.
8/ يزيد حمزاوي. الإنجيل المحرّف يهين المسيح  . ص11-14.
9/ يزيد حمزاوي. أبشروا لم يعد المسيح ابنا لله تقديم و تعليق : محمد حاج عيسى . ط دار الإمام مالك الجزائر .ط1. 2023  . ص 15.
10/  يزيد حمزاوي. أبشروا لم يعد المسيح ابنا لله ص 15-18.
11/ نفسه ص 19-20.
12/ يزيد حمزاوي. أبشروا لم بعد المسيح ابنا لله . ص 22 -29.
13/  يزيد حمزاوي .النصرانية و إلغاء العقل . تقديم : احمد فريد . د بلد و دار النشر . ط3. 2008.. ص 70.
14/ نفسه . ص 70.
15/ يزيد حمزاوي. النصرانية و إلغاء العقل. ص 71.
16/  نفسه. ص80-81.
17/ يزيد حمزاوي. المسيحية الضاعة المغشوشة ص 77-78.
18/ نفسه ص 78-79.
19/ يزيد حمزاوي. المسيحية البضاعة المغشوشة ص 80.
20/ نفسه ص 83.
21/  يزيد حمزاوي . المسيحية تالبضاعة المغشوشة.  ص 82.
22/ نفسه ص 83.
23/ نفسه ص 83.
24/ سامي العامري . استعادة النص الأصلي للإنجيل في ضوء قواعد النقد الأدنى إشكاليات المنهج و التاريخ مركز الفكر الغربي للنشر و التوزيع . الرياض .ط1. 2017. . 42-43.
25/ يزيد حمزاوي . المسيحية البضاعة المغشوشة. ص 72-78.
26/ يزيد حمزاوي  أبشروا لم يعد المسيح ابنا لله . 13
27/  نفسه ص 14-15.
28/ يزيد حمزاوي. المسيحية البضاعة المغشوشة. ص 109-112.
29/ نفسه ص 113.
30/ انفسه . ص 105-106.

المصادر و المراجع :
-القرءان الكريم
-كتب الحديث.
-الكتاب المقدّس . ط دار الكتاب المقدّس . القاهرة مصر. ط4. سنة 2006.
-العهد الجديد . طبعة تصدرها دور الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط ( جمعية الكتاب المقدّس لبنان).بيروت لبنان. ط2. 2001.
-سامي العامري . استعادة النص الأصلي للإنجيل في ضوء قواعد النقد الأدنى إشكاليات المنهج و التاريخ مركز الفكر الغربي للنشر و التوزيع . الرياض .ط1. 2017.
- يزيد حمزاوي. أبشروا لم يعد المسيح ابنا لله تقديم و تعليق : محمد حاج عيسى . ط دار الإمام مالك الجزائر .ط1. 2023  .
- يزيد حمزاوي . الإنجيل المحرّف يهين المسيح  د دار النشر ، د بلد النشر ط 1 . 2008
- يزيد حمزاوي .النصرانية و إلغاء العقل . تقديم : احمد فريد . د بلد و دار النشر . ط3. 2008..
- يزيد حمزاوي المسيحية البضاعة المغشوشة .مكتبة الإمام مالك . باب الوادي الجزائر. ط1. 2014..

تم قراءة المقال 302 مرة