طباعة
الأربعاء 1 ذو القعدة 1445

مشكلات الكتاب المقدس عند يزيد حمزاوي رحمه الله من خلال كتابه: "المسيحية" البضاعة المغشوشة

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مشكلات الكتاب المقدس عند يزيد حمزاوي رحمه الله  من خلال كتابه: "المسيحية" البضاعة المغشوشة
إعداد بركان مولود
ندوة وطنية حول : الدكتور يزيد حمزاوي رحمه الله وجهوده العلمية والدعوية في مكافحة التنصير 13 /12/ 2023

مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وبعد:
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم : ﴿ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قان هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير﴾ [البقرة /    120
فاليهود والنصارى يُكنّون للإسلام حقدا دفينا ولا يرضون إلا بخروج المسلمين من دينهم، فهم يعملون ليلا ونهارا من أجل ذلك ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل نشر عقائدهم وأفكارهم التي فضحها القران الكريم.
وقد تصدى لتلك الأفكار والعقائد في عصرنا الحاضر، وفي بلادنا الجزائر عدة علماء منهم الدكتور يزيد حمزاوي رحمه الله الذي تخصص في دراسة الكتاب المقدس وكشف أباطيله من داخله ومن خارجه.
وفي الكتاب الذي بين أيدينا :"المسيحية " البضاعة المغشوشة ، يكشف أنّ النصرانية ما هي إلا بضاعة مغشوشة اسما ورسما ومضمونا، وكيف أنّ المنصّرين لم يستطيعوا نشر هذه البضاعة الكاسدة إلا بالخداع والتضليل والغش وغسل الأدمغة والتعاون مع الشيطان.
وقد استقر ذهني على استخراج مقاتل هذه البضاعة المغشوشة كما يراها الدكتور يزيد حمزاوي رحمه الله من خلال هذا الكتاب سميتها : مشكلات الكتاب المقدس عند يزيد حمزاوي رحمه الله من خلال كتابه : "المسيحية " البضاعة المغشوشة
وقد تناولها كما يلي :
مقدمة :
البند الأول : التعريف بالمؤلف وجهوده العلمية
البند الثاني : مشكلات الكتاب المقدس عند يزيد حمزاوي رحمه الله
خاتمة :
أسال الله عز وجل التوفيق والسداد.
البند الأول : التعريف بالمؤلف وجهوده العلمية
أولا : التعريف بالمؤلف
يزيد ابن عمر حمزاوي ولد سنة 1966م بالجزائر العاصمة، درس مرحلته الابتدائية والمتوسطة والثانوية بالجزائر العاصمة ، ثم التحق بجامعة الجزائر حيث تخرج بشهادة الليسانس في علم النفس التطبيقي سنة 1997م، التحق بجامعة اليرموك بالمملكة الأردنية حيث تحصل على شهادة ليسانس في الإعلام والاتصال، ثم شهادة الماجيستير في أصول التربية من الجامعة الأردنية سنة 2004 ، ثم الدكتوراه بجامعة الجزائر في علوم التربية سنة 2010م(1).
في رحلته الى المشرق درس في عدة معاهد كذلك منها معهد إعداد الدعاة بالإسكندرية بمصر ، وكذلك الأزهر الشريف، مما أتاح له التعرف والاحتكاك بكثير من القامات العلمية والدعوية التي استفاد منها كثيرا ، كما كانت له رحلات في إطار البحث العلمي في تخصصه إلى سوريا والمملكة العربية السعودية(2) .
خلال زيارة يزيد حمزاوي مصر وسوريا والأردن اكتسب خيرة كبيرة في دراسة النصرانية والرد على الشبهات التي يلفقها المنصّرون بالإسلام والمسلمين من اجل تسويق بضاعتهم
التحق الدكتور يزيد حمزاوي بجامعة البليدة مدرسا في تخصصه إلى أن وافته المنية متأثرا بفيروس كورونا بتاريخ 24/07/2021 رحمه الله تعالى.
ثانيا : جهوده العلمية والدعوية : مكث سنين طويلة يدرس الكتاب المقدس كما يذكر في مقدمة كتابه "المسيحية " البضاعة المغشوشة ومن ثم تخصص في التنصير ومكافحته والرد على شبهات المنصّرين وكشف خططهم .
وحسب ما يذكر في ثنيا صفحات الكتاب السالف ، فانه كانت له جولات وصولات لمناظرة المنصّرين الذين أتوا إلى الصحراء الجزائرية بغية تنصير سكان الجنوب ، وكذالك مع بعض أبناء الجزائر الذين خدعهم المنصّرون ببضاعة مزجاة فتنصَّروا ، وسرعان ما عاد أكثرهم إلى دينهم ودين أجدادهم الإسلام .
كما كانت له عدة حوارات مع منصّرين ومعدي برامج تلفزيونية تعنى بنشر الكتاب المقدس ، وإقناع المسلمين بالخصوص وقد نشر بعض حواراته تلك في الكتاب الذي بين أيدينا.
له عدة مؤلفات منها الكتاب الذي بين أيدينا، وهو الكتاب الثالث له في جهوده في مكافحة التنصير، وكان قد صدر له الكتاب الأول تحت عنوان : النصرانية وإلغاء العقل، والكتاب الثاني تحت عنوان : الإنجيل المحرَّف يهين المسيح ، أما الكتاب الرابع فهو بعنوان :  أبشروا ... لم يعد المسيح ابنا لله
وله عدة مشاركات في محاربة التنصير عبر اليوتيوب ، وكذلك مشاركات تلفزيونية .
البند الثاني: مشكلات الكتاب المقدس عند يزيد حمداوي رحمه الله
أولا: التسمية والمعتقدات
يطلق النصارى على أنفسهم وأتباعهم لقب المسيحين، وعند النظر في العهد الجديد، وتحديدا في أناجيله الأربعة التي روت قصة عيسى عليه السلام، نجد أنها لم تُذكر كلمة "مسيحي" أو "مسيحيين " أو "مسيحية " ولو لمرة واحدة.
ولكن التسمية المشاعة التي تطلق على أتباع عيسى عليه السلام هي المسيحيين، فمن أين جاءت هذه التسمية إذن؟
ورد في سفر أعمال الرسل 11: 25-26 (ثم خرج برنابا إلى طرسوس ليطلب شاول، ولما وجده جاء به إلى أنطاكية، فحدث أنهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلَّما جمعا غفيرا، ودعي التلاميذ "مسيحيين " في أنطاكية أولا)، وهذا يعني أنه في عهد نبي الله عيسى عليه السلام لم يكن هذا الاسم معروفا، ولا عند حوارييه، وإنما اخترع وابتكر زمن بولس وبرنابا(3).
ومن جهة ثانية فالنص السابق لم يصرح بالجهة التي أطلقت اسم المسيحيين على تلاميذ بولس وبرنابا.
وعند البحث والتدقيق، وجد علماء الأديان والتاريخ من النصارى أنفسهم، وغيرهم، أن تسمية "المسيحيين " التي أطلقت عليهم لأول مرة في أنطاكية بتركيا، إنما أطلقها الرومان على أتباع بولس وبرنابا، مع العلم أنهم كانوا يطلقونها عليهم بمدلول احتقاري وازدرائي(4) ، والدليل على ذلك ما ورد على لسان بطرس في رسالته الأولى: 4: 14-16 (إن عُيرتم باسم المسيح، فطوبى لكم، لأن روح المجد والله يحل عليكم).
فالنص يبَّن أن كلمة مسيحي هي معايرة واحتقار وازدراء، وكان بطرس يدعو أتباعه للصبر على هذا الازدراء والاحتقار، وعدم الجزع من ذلك التعبير، ويقول لهم في نفس الرسالة (أما من جهتهم فيجدف عليهم وأما من جهتكم فيمجد، فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر، أو متداخل في أمور غيره، ولكن إن كان كمسيحي، فلايخجل، بل يمجد الله من هذا القبيل).
وهذا الاحتقار والازدراء نتج من اضطهاد الرومان لأتباع المسيح، ولذلك دُعوا وتسمَّوا بهذا الاسم، وأيضا عبدوا الآلة التي قتل بها المسيح - كما يزعمون- وهي الصليب، فلو قتل -كما يزعمون- بآلة أخرى لعبدوها وعلَّقوها على صدورهم.
وعند الرجوع الى الكتاب المحفوظ من التحريف - القران الكريم- نجد أن كلمة "مسيحية " أو "مسيحي" لم ترد قط(5) ، فقد سمى الله تعالى أتباع عيسى عليه السلام قبل التحريف بالمسلمين، قال تعالى: " فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري الى الله قال الحواريون نحن أنصار الله امنا به واشهد بأنا مسلمون" [آل عمران/52].
وقال تعالى: " وإذ أوحيتُ إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأنا مسلمون " [المائدة/11] .
وسمى الله عز وجل المُثلّثِين من عباد الصليب بالنصارى وملتهم بالنصرانية قال تعالى: ﴿وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ﴾ [التوبة /30]، وقال تعالى: ﴿ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم﴾ [البقرة /120].
وكذلك في السنة النبوية لم يرد لفظ "مسيحي "أو "مسيحية قط أيضا، ومن الأمثلة على ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء؟ وما رواه مسلم وغيره، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار.
وقد تحدث الدكتور حمزاوي يزيد في ملتقى من الملتقيات الدولية حول الأديان السماوية إلى جميع النصارى الذين حضروا، وطلب منهم أن يفتحوا الأناجيل الأربعة ويبحثوا عن كلمة "مسيحية " أو "مسيحيين"، فصعقوا وسكنوا لأنهم لم يجدوا شيئا(6).
أما المعتقدات الموجودة عند النصارى كألوهية المسيح ونبوته وصلبه، والتثليث والتجسد، وغيرها من العقائد، فهي تعاليم بولس ورجال الكنيسة الأوائل، الذين اخترعوا لهم معتقدات وشعائر، والمسيح عيسى عليه السلام بريء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، وهي كفريات وشركيات خرافية، قلدوا فيها من كان قبلهم من الوثنيين(7).
ثانيا: بعض صفات الاله في الكتاب المقدس
1- الندم والحزن:
في الكتاب المقدس آيات تدعي أن الله يندم على أفعاله، ويحزن كذلك على أشياء فائتة ولم يفعلها في الوقت المناسب، ولم تعجبه ولم يصححها، ووقعت على غير الوجه الذي يريده(8) ، كما جاء في سفر التكوين الاصحاح 6،الآية 5-7 (ورأى الرّب أن شر الانسان قد كثُر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الانسان في الأرض، وتأسف في قلبه، فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الانسان الذي خلقته، الانسان مع البهائم ودبابات وطيور السماء،لأني حزنت أن عملتهم)
وجاء في سفر صموئيل الثاني 24: 15-16 (فجعل الرب وباء في إسرائيل من الصباح الى الميعاد، فمات من الشعب من دان الى بئر سبع، سبعون ألف رجل، وبسط الملاك يده على اورشليم ليهلكها، فندم الرب عن الشر، وقال للملاك المهلك الشعب: كفى الآن رُدَّ يدك).
هذه من صفات البشر، ومن صفات المخلوقات، أما الخالق سبحانه وتعالى فانه يتنزه عنها، ويستحيل عقلا أن تكون هذه من صفات الرب الخالق.
2-  الإباحية وعدم القداسة :
جاء في سفر نشيد الإنشاد ما يلي : ( ليقبلني بقبلات فمه ، لأن حُبَّك أطيب من الخمر ، حبيبي لي، بين ثديَيّ يبيت ، شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني ، في الليل على فراشي ، طلبتُ من تحبّه نفسي ، شفتاك ، وفمك حلو ، خدّك كفلقة رمان ، عنقك ، ثدياك ، شفتاك ، يا عروس تقطران شهدا ، تحت لسانك عسل ولبن، أنا نائمة وقلبي مستيقظ ، صوت حبيبي قارعا :افتحي لي يا أختي ، يا حبيبتي ، يا حمامتي ، يا كاملتي ، قد خلعت ثوبي ، ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم دوائر فخذيك مثل الحُلي ، صنغة يدي صناع ، صرتك كأس مدورة ، لا يعوزها شراب ممزوج ، بطنك صبرة حنطة ، مسيجة بالسوسن، ثدياك كخشفتين ، توءمي ظبية ما آجملك)
هذا جزء من هذه الفضائح  و هذه الإباحية، هل هذا كلام الله؟ ماذا ينفع هذا في الكتاب المقدس؟ هل فيه حكم من الاحكام الشرعية؟ هل فيه بعض التعاليم من الأخلاق والآداب؟
مجرد وصف لجسد المرأة، خال من الحياء والمجاز،هل يعقل ان تكون هذه الإباحية من تعاليم الإله؟ أين قداسة الإله في الكتاب المقدس؟
كيف يمكن لمزور يحترم نفسه ان يسند لمعبوده كلاما فاحشا مثل هذا؟(9)
3- إله يجوع :
 جاء في إنجيل متى 4:1-5 (ثم أُصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس، فبعد ما صام أربعين نهارا و أربعين ليلة، جاع أخيرا، فتقدم اليه المجرب الشيطان "و قال له : إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا، فأجاب و قال: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان)
فهل يجوع خالق الخبز يا ترى(10) ؟
4- اله عاجز أمام قوة الشيطان و حيلته :
يذكر الإنجيل أن الّرب يسوع المسيح كان يشفي بقدرته اللاهونية المصروعين بالجن، والذين سكنتهم الشياطين، وقد كانت الأرواح النجسة تعرفه و تخشاه، وعندما تراه تخافه وتفر من عقابه، تاركة الجسد الذي تلبسته، ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في إنجيل لوقا 4:33-36 (وكان في المجمع رجل به روح شيطان نجس، فصرخ بصوت عظيم قائلا: آه، ما لنا و لك يا يسوع الناصري؟ أتيت لتهلكنا، أنا أعرفك من أنت؟ قدوس الله فانتهره يسوع قائلا: اخرس واخرج منه، فصرعه الشيطان في الوسط، وخرج منه ولم يضره شيئا، فوقعت دهشة على الجميع، وكانوا يخاطبون بعضهم بعضا قائلين: ما هذه الكلمة؟ لأنه بسلطان و قوة يأمر الأرواح النجسة فتخرج)
و يروي إنجيل متى أن الشيطان جرب الرب يسوع المسيح، وكان يأخذه كل مرة إلى جهة معينة حيث جاء: (ثم أُصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرَّب من إبليس، فبعدما صام أربعين نهارا و أربعين ليلة، جاع أخيرا، تقدم اليه المجرّب "الشيطان" ، وقال له : إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا ،  فأجاب وقال: مكتوب : ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله ، ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل، وقال له : إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تُصدم رجلك بحجر، قال له يسوع :  مكتوب أيضا : لا تُجرّب الرب إلهك ، ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدا ، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها ، وقال له: أعطيك هذه جميعها إن سجدت لي وعبدتني ).
عند التأمل في هذه الرواية نجد أنّ - الّرب يسوع  المسيح-  كما يزعمون أصبح تلميذا غبيا في مدرسة الشيطان المجرّب(11) ، فقد أخذه إلى البرية ، ثم إلى المدينة ، ثم أوقفه على جناح الهيكل ، ثم أخذه الى جبل عال جدا ، وأراه جميع ممالك العالم، وفي الأخير اقترح عليه أن يعطيه ممالك العالم مقابل أن يسجد له ويعبده- يعني يسجد الرب يسوع للشيطان ويعبده-  قلب للموازين وللحقائق ولكل شيء.
فمن هو الإله إذن؟ هل هو يسوع المسيح؟ أم الشيطان؟ وبالتالي فهو إله عاجز لا يستطيع حتى ردّ كيد الشيطان.
ثالثا : النصب والاحتيال من أفعال الإله في الكتاب المقدس
لقد بات الإله عند النصارى لصا وزعيم عصابة، للاحتيال وسلب الأموال والمتاع ، فقد توفرت النية وتوفر التخطيط وتم التنفيذ(12)، وهذه أركان الجريمة المحققة عند الحقوقيين، وهذا كله في الكتاب المقدس ، فقد جاء في سفر التكوين 15 : 13-14 (قال الرب لإبراهيم : اعلم أنّ نسلكم سيكون غريبا في أرض ليست لهم ويُستعبدون لهم ، فيذلونهم أربعمائة سنة، ثم الأمة التي يُستعبدون لها أنا أُدينها ، وبعد ذالك يخرجون بأملاك جزيلة)
والمقصود هنا بنو إسرائيل الذين هم من نسل يعقوب (إسرائيل) ابن إسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام ، والأرض التي ليست لهم هي أرض مصر، يستعبدهم فرعون ويسوؤهم سوء العذاب أربعمائة سنة، وبعد ذلك يخرجون بأملاك وفيرة ، وهذه نية مبيتة ، ثم يأتي التخطيط وحبك الجريمة الذي جاء تفصيله في سفر الخروج 11 : 1-3 (ثم قال الرب لموسى : ضربة واحدة أيضا أجلب على فرعون وعلى مصر، بعد ذلك يُطلقكم من هنا، وعندما يُطلقكم يطردكم طردا من هنا بالتمام، تكلم في مسامع الشعب ان يطلب كل رجل من صاحبه، وكل امرأة من صاحبتها أمتعة و فضة وأمتعة ذهب، وأعطى الرّب نعمة للشعب في عيون المصريين، وأيضا الرجل موسى كان عظيما جدا في أرض مصر عبيد فرعون وعيون الشعب )
و تأتي المرحلة الثالثة و هي مرحلة التنفيذ كما في سفر الخروج 12:34-36 (فحمل الشعب عجينهم قبل أن يختمر، ومعاجنهم مصرورة في ثيابهم على أكتافهم، وفعل بنوا إسرائيل بحسب قول موسى، طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب و ثيابا، وأعطى الرّب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم، فسلبوا المصريين)
لم يوجد في المعمورة ولا في التاريخ كتاب من الكتب المقدسة يحرص على إهانة الإله، وأي إله، إنما إلهه هو، مثل الكتاب المقدس. وكل الكتب بما فيها كتب الديانات الأرضية تضفي على آلهتها المزعومة صفات الكمال والجلال والعظمة، إلا أصحاب هذا الكتاب الذين أمعنوا في إلصاق النقائص والعيوب الشائنة بإلههم من خلال كتابهم المحرف. أما الله في دين الإسلام، فهو منزه عن هذه الأوصاف الحقيرة.
والإسلام جعل حفظ الأمانة من شعائره كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه و سلم عن أنس رضي الله عنه قال: ما خطبنا بنبي الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: " لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" رواه أحمد
رابعا: فقدان النسخة الأصلية للكتاب المقدس
إن نسخ الكتاب المقدس التي تملكها الكنيسة اليوم كلها تعود الى القرن الرابع الميلادي على أبعد تقدير(13) ، ولما سُئل البابا شنودا الثالث بابا الكنيسة القبطية المرقسية المصرية قبل موته بأسابيع قليلة سؤالا مفاده : " لقد كثرت ترجمات ونسخ الكتاب المقدس وهي مختلفة فيما بينها، فما هي النسخة الصحيحة منها ؟
كان رد بابا الأقباط على السائل :" إنّ النسخ التي لا توجد فيها العقيدة التي نُعلمها في كنيستنا هي نسخ "غلط""(14)
إنه إقرار من طرف البابا بوجود نسخ "غلط" للكتاب المقدس، فما هي يا ترى النسخة الصحيحة؟ وأين نجدها؟ هل هي حقيقة عند الكنيسة الأرثوذكسية القبطية ؟ أم فقد عند البابا شنودا الثالث وقد أخذها معه إلى القبر ؟ أم انه تركها لخليفته تواضروس ؟
وقد اعترف كبير المنصّرين الأمريكيين الحاليين، وهو أستاذ بجامعة سانت بول التنصيرية بولاية مينسـوتا قائلا: " بالرغم أنني أؤمن بأن النّسخة الأصلية للكتاب المقدس خالية من الأخطاء، إلا أننا في الحقيقة لم نعد نملك تلك المخطوطات الأصلية، لذلك اختار الله ألا يحمي كلمته من أن تتسلل إليها بعض الأخطاء الصغيرة، وعلى أن اسلم له بهذا، لأن هذا الأمر من شأنه"(15).
وهو ما يؤكده أيضا المنصَر فريديريك كينيون، وهو من المدافعين عن الكتاب المقدس في كتابه "عصمة الكتاب المقدس " تحت عنوان: ضياع النسخ الأصلية، قائلا: (قد يندهش البعض إذا عرفوا أن هذه المخطوطات جميعها لا تشتمل على النسخة الأصلية جميعها، والمكتوبة بخط كَتبة الوحي ، أو بخط مَن تولوا كتابتها عنهم، فهذه النسخ الأصلية كلها فُقدت ولا يعرف أحد مصيرها)(16).
إن أقدم نسخة كاملة للكتاب المقدس باللغة اليونانية هي النسخة السينائية، التي اكتشفها الألماني تشاندروف  tischendorf سنة 1844 م في دير سانت كاترين بسيناء المصرية، وكان قد استخرجها من سلة المهملات مع مجموعة من الأوراق المعدة للحرق كوقود لتدفئة الرهبان في الليالي الباردة(17) ، فيا له من حرص على كلمة الله التي أُلقيت في المهملات المعدة للتدفئة، وأكثر من ذلك فان الرهبان لما رأوا حرص الباحث عليها فاوضوه عليها وباعوها إياه؟  فمن له أن يقول أنه ليس أمثالهم من أحرق النسخ الأصلية حينما شعر بالبرد القارص في هضبة الأناضول مثلا، أو في جبال الألب في روما ؟
أما المخطوطة الثانية من حيث الأهمية فهي المخطوطة الفاتيكانية وهي باللغة اليونانية وبينها وبين المسيح كسابقتها أزيد من ثلاثة قرون ، وكذلك الجهة التي كتبت فيها(18) .
والمخطوط الثالث للكتاب المقدس من حيث الأهمية، فهو المخطوطة السكندرية والتي تعود إلى القرن الخامس للميلادي(19).
والمخطوط الرابع للكتاب المقدس من حيث الأهمية هو مخطوط بيزا codex bezai باللغة اليونانية واللاتينية(20).
وهناك المخطوط الخامس وهو الإفرايمية التي تعود إلى القرن الخامس للميلاد(21).
والمخطوط السادس هو مخطوط كلارمونتانوس الذي يعود الى القرن السادس للميلاد(22).
ويدّعى المنصّر الأمريكي سكوت أنّ ثمة نسخة أخرى أقدم من تلك المخطوطات هي البرديات ، وهي أسبق من تلك المخطوطات الورقية والجلدية السالفة الذكر، ويشير بالضبط إلى البردية رقم 52 (23) التي كتبت سنة 70 للميلاد كما يذكر، وهي مخطوطة للعهد الجديد.
وعند الدراسة يتبين أن هذه البردية لا يتعد حجمها ربع ورقة صغيرة من البردي، ولا يتجاوز ما فيها خمس آيات من إنجيل يوحنا 18: 31-33 من وجه ومن خلفه 18: 37-38 ، فكيف تكون خمس آيات كتابا مقدسا كاملا؟ وكذالك فان إنجيل يوحنا كتب مابين 90 إلى 105 للميلاد، فكيف للفــرع أن يـظهر قبـل الأصل ؟
خامسا: تحريف الكتاب المقدس
تم التطرق سابقا إلى تصريح البابا شنودا الثالث حينما قال : "ان النسخ التي لا توجد فيها العقيدة التي ندرسها في كنيستنا هي نسخ "غلط""
وكلمة "غلط " لا تحمل إلا دلالة واحدة، وهي أنها نسخ محرفة، يعني امتدت لها أيادي التحريف والتغيير، زيادة أو نقصانا، إضافة أو حذفا، أو تحريف معنى أو تحريف لفظ إلى غير ذالك مما تقتضيه معاني كلمة التحريف.
ويمكن طرح السؤال منذ متى بدأ التحريف في الإنجيل ؟ وإذا كانت الإجابة مجهولة زمانيا على مدار ألفي عام، فمعناه أن المحرَّف قد تعرض للتحريف، وهكذا في متوالية حسابية لا يُعلم حدّها ، وقد توصل العالم الألماني تشاندروف إلى أن أقدم مخطوط للإنجيل باللغة اليونانية هو النسخة السينائية التي تعرضت إلى أزيد من خمسة وعشرين ألف (25000) تعديل وتصحيح خلال مرحلة زمنية تعد بعشرة قرون، وقد عبثت بها خلال هذه المدة أيادي مالا يقل عن تسعة مصححين(24).
والسؤال المطروح: من هم هؤلاء المصححون أو المزورون؟
هل هؤلاء المصححون مستأمنون؟ ويمكن أن نقول ماهي دياناتهم؟ ماهي مذاهبهم الفكرية ؟ وبالتالي هل المسيحية الحالية هي الديانة التي جاء بها عليه السلام؟
إنّ ما جاء به عيسى عليه السلام هو ما ذكر في القرآن الكريم، في الحوار الذي يكون بينه وبين الله عز وجل يوم القيامة في سورة المائدة : " وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك انك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهـم شهيـدا مادمت فيهم فلم توفيتنـي كنـت أنت الرقيــب عليـهم وأنـت علـى كل شــيء شهيـــد " المـــائـــدة /16-17
سادسا : اختلاف الترجمات
لقد ضاعت أصول الكتاب المقدس ، فحرفت النسخ اليونانية وغيرها من الترجمات الحديثة في بحر من الاختلافات تجاوز ثلاثمائة ألف (300000) اختلاف كما ذكر بارت إلرمان وهو من أبرز علماء أمريكا المعاصرين في دراسة المخطوطات، وتجاوزت بذلك عدد كلمات الكتاب المقدس في حد ذاته(25).
وهذه بعض الأمثلة عن الترجمات المختلفة، فقد جاء في رسالة بولس الأولى الى ثيماوس 3 :16 (وبالإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرّر في الروح ، تراءى للملائكة، كرّز به بين الأمم، أومن به في العالم ، رُفع في المجد)
هذا النص لإثبات عقيدة تجسيد الإله وترجمتها كما يلي :
(And without vontroversy great is the mystery of godliness: God was manifest in the flesh, justified in the spirit, seen of angels, preached unto the gentiles, believed on in the word, received up into glory)
ففي الترجمات التالية :
NRSV,ESV,NASB,NIY,TNIV,NEB,REB,NTB,NAB,NLT,HCSB
نجد كلمة God التي تعني الله تحولت إلى  Heالتي تعني هو، ونجد أيضا في الترجمات التالية :
RSVmg,NRSVmg,ESVmg,NABmg
قد تحولت "الله "  Godإلى Which التي تعني : الذي،
فالذي تجسد وظهر إلى العيان ليس الله، وإنما هو سر الدين أو سر التقوى مما يعني بطلان عقيدة التجسيد(26) Incarnation
وهذا مثال آخر: فقد جاء في إنجيل يوحنا 9:35-37 عند قصة الرجل الأعمى الذي رد له المسيح بصره ، ولم يعجب هذا الأمر اليهود فناقشوا الرجل ثم طردوه (فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجا، فوجده وقال له :" أتؤمن بابن الله "؟ أجاب ذالك وقال : من هو يا سيد لأؤمن به "؟ فقال له يسوع :" قد رأيت، والذي يتكلم معك هو هو ") تحولت جملة "أتؤمن بابن الله " Do you believe in the son of god إلى "أتؤمن بابن الإنسان(27) "  Do you believe in the son of man؟
في الترجمات التالية :
RSV,NRSV,ESV,NASB,NIV,NEB,REB,NJB,NAB,NLT,HCSB
وقد ذكر الأستاذ يزيد حمزاوي العديد من الأمثلة في تغيير كلمات في الترجمات الحديثة المذكورة(28) ، أو حذفها تماما(29) ، ويرى كذلك أن النسخ الحديثة قد حذفت 30 بالمائة من النسخ القديمة (30) .
خاتـــمـــــة:
لقد بذل الأستاذ يزيد حمزاوي جهدا علميا معتبرا، هذا الجهد مكّنه من تبوء مكانة هامة في موضوع دراسة ونقد الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، فردّ بذلك على ادعاءات النصارى بصحة عقيدتهم وكتبهم وكشف المقاتل في كتبهم.
كشف عن التسمية التي هي ازدراء واحتقار، أطلقها عليهم الرومان، وتحداهم في مجالس حضورية  أن يثبتوا عكس ذلك وأفحمهم بسكوتهم.
تطرق أيضا إلى معتقداتهم الأساسية مثبتا أنها ليست من الوحي المنزل على عيسى عليه السلام، وإنما هي عبارة عن كفريات وشركيات خرافية قلدوا فيها من قبلهم من الوثنيين.
وبعدها ذكر الأستاذ يزيد بعض صفات الإله عند المسيحيين، حيث علق قائلا:" لم أرى كتابا يهين إلهه كالكتاب المقدس"، فهم يصفون الإله بكل صفات النقص والحقارة، وليتهم اكتفوا بذلك ولكنهم اتهموه بالعجز أمام غواية الشيطان وحيلته، وبالغوا في عدم تنزيهه متهمين إياه بالإباحية، إضافة إلى النصب والاحتيال.
ومن مقاتلهم فقدان النسخة الأصلية للكتاب المقدس إذ أنّ النسخ الأولى تعود إلى القرن الرابع للميلاد، فأين ما كٌتب قبل هذا ؟ وأين تعاليم المسيح عيسى عليه السلام الأصلية ؟ والكتبة والنقلة يتقلبون بين مجهول ومجهول ، ثم في النهاية الترجمات العديدة وما تعرضت له من التحريف والحذف والإضافة، كلها مقاتل في جسد الفكر التنصيري الذي يعتمد على الكذب والغش والتضليل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

1-ترجمة مختصرة عن الدكتور يزيد حمزازي منشورة على اليوتيوب
2-بن عاطي يوسف، حصة حوار مع داعية، قناة الأنيس الفضائية، الحلقة 11، منشورة على اليوتيوب 01/02/2018
3-حمزاوي يزيد، المسيحية البضاعة المغشوشة، مكتبة الإمام مالك باب الواد الجزائر، ط1، 1435 ه / 2014 م، ص 13
4-المرجع نفسه، ص 13
5- المرجع نفسه، ص 12
6-المرجع نفسه، ص 12
7-المرجع نفسه، ص 10
8- المرجع نفسه، ص 18
9- المرجع نفسه، ص 20
10-المرجع نفسه، ص 20
11- المرجع نفسه، ص23
12-المرجع نفسه، ص 39
13-المرجع نفسه، ص 77
14-المرجع نفسه، ص 72
15-المرجع نفسه، ص 85
16-المرجع نفسه، ص 86
17-المرجع نفسه، ص 79
18-المرجع نفسه، ص 80
19-المرجع نفسه، ص 82
20-المرجع نفسه، ص 82
21-المرجع نفسه، ص 82
22-المرجع نفسه، ص 83
23-المرجع نفسه، ص 84
24-المرجع نفسه، ص 79
25-المرجع نفسه، ص 87
26-المرجع نفسه، ص 123- 124
27-المرجع نفسه، ص 124
28-المرجع نفسه، ص 124- 128
29-المرجع نفسه، ص 133
30-المرجع نفسه، ص 193




تم قراءة المقال 181 مرة