طباعة
الخميس 8 صفر 1432

اعتنائي اليوم (بالقبور)

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

اعتنائي اليوم

     اعتنائي اليوم بالقبور ليس لأني على وشك الانتقال إليها فقط، ولكن لأوصي أن لا يبنى على قبري ولا يجصص ولا يبيض ولا يكتب عليه في شواهد من الرخام ولا يزين به، أحرى أن يباهى به، ولا يجلس عليه ولا يصلى إليه، ولا يوقف عليه إلا للاعتبار والدعاء لي والاستغفار ولا يطلب مني شيء ولا يتوسل بي من حسن ظنه بي، وإنما يسلم ويمضي.

    هذا هو اعتنائي اليوم، وأزيد وأؤكد على الأستاذ مؤرخ الجزائر مبارك الميلي الذي لو كنت من الدائنين بالحلول لقلت إن شيخ الإسلام ابن تيمية قد حل فيه، ولكن أدين أن الله تعالى لا يحتاج إلى روح ابن تيمية ليجعلها في دماغ الميلي ولا أن يغرسها في قلبه، بل يخلق ما يشاء،

اعتنائي اليوم (بالقبور)

 

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :"لن تزال طائفة من هاته الأمة ظاهرين ..الحديث –أؤكد على مؤرخ الجزائر أن يحصي ما أنفق وصرف على بناء القبور في عصره هذا في جميع مدن الجزائر ؛ ويكاتب معتمدي جمعية العلماء في هذه المدن كلها ويواصلوه بالتقديرات التي يقدرونها وإذا تم له ذلك ، وهو سهل جدا فليقارنه بما أنفق وصرف على المدارس وطلبة العلم، وها أنا ذا أخبره أني قدرت ما في المقابر الثلاث في مدينة الجزائر بثلاثة ملايين على أقل تقدير ، وإن شاءت جمعية العلماء ولم تخش من جمعية علماء السنة فلترسل مندوبا مهندسا محكما . وأخبره عن عدة قبب في الزواوة تكلفت لبعض الشرفاء وارباب الزوايا بمائة ألف فرنك منها قبة شرفاء الشرفاء بأنحاء عزازقة الذين تركوا أحد طلبتهم الشيخ محمد الزرقي الأزهري في الأزهر نحو عشرين سنة في أشد الحاجة إلى القيام والنفقة والكتب ، وأنا مشاهد لحاجته وفقره مثلي إذ كنا معا في مصر، ثم لما قدمت قبله وجدت أهل قريته الشرفاء يبنون القبة لجدهم بمائة ألف ليباهوا سائر الشرفاء الذين لأجدادهم قباب فتأملوا جيدا ! وكذلك وجدت تجديد قبة سيدي محمد بن عبد الرحمن بالزواوة والدعوة إلى المبيت هناك والإطعام والمباهاة ووو...

 

    هذا هو اعتنائي اليوم وأزيد ، قال العلامة ابن القيم رحمه الله :" ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور، وما أمر به ونهى عنه وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأى أحدهما مضاداً للآخر مناقضاً له، بحيث لا يجتمعان. فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور، وهؤلاء يصلون عندها وإليها.

 

ونهى عن اتخاذها مساجد، وهؤلاء يبنون عليها المساجد، ويسمونها مشاهد مضاهاة لبيوت الله تعالى.

 

ونهى عن إيقاد السرج عليها، وهؤلاء يوقفون الأوقاف على إيقاد السرج عليها.

 

ونهى عن اتخاذها عيدا، وهؤلاء يتخذونها أعياداً ومناسك، ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد أو أكثر(الزردات والإطعام عليها)([1]).

 

وأمر بتسويتها كما روى مسلم فى صحيحه عن أبى الهياج (فذكر حديث الباب وحديث ثمامة بن شفي وهو عند مسلم أيضا) ([2]) قال: "كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس. فتوفى صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها"، وهؤلاء يبالغون في مخالفة هذين الحديثين، ويرفعونها عن الأرض كالبيت، ويعقدون عليها القباب.

 

ونهى عن تجصيص القبر والبناء عليه، كما روى مسلم فى صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال : "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلم عَنْ تَجْصِيصِ (الْقَبْرِ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأنْ يُبْنَى عَلَيْهِ بِنَاءٌ".

 

ونهى عن الكتابة عليها، كما روى أبو داود والترمذى فى سننهما عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَهَى أنْ تُجَصَّصَ) ([3]) الْقُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا". قال الترمذى: حديث حسن صحيح، وهؤلاء يتخذون عليها الألواح، ويكتبون عليها القرآن وغيره.

 

ونهى أن يزاد عليها غير ترابها، كما روى أبو داود من حديث جابر أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى أن يجصص القبر، أو يكتب عليه، أو يزاد عليه" وهؤلاء لا يزيدون عليه الآجر والجص والأحجار.. قال إبراهيم النخعى: "كانوا يكرهون الأجر على قبورهم"...([4])

 

   والمقصود: أن هؤلاء المعظمين للقبور، المتخذيها أعياداً، الموقدين عليها السرج، الذين يبنون عليها المساجد والقباب. مناقضون لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، محادون لما جاء به. وأعظم ذلك اتخاذها مساجد، وإيقاد السرج عليها. وهو من الكبائر. وقد صرح الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم بتحريمه الخ الخ اهـ ([5]).

 

   قلت : والعجب أنا إذا قلنا لهم هذا كله وهو مذهب مالك قالوا أنتم وهابيون ، وقلنا إن ابن القيم هذا كان بنحو خمسة قرون قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومالك بنحو أحد عشر قرنا ، ولكن الهوى مع تنفير بعض الحكومات الإفرنجية رعاياها من الإخوان الوهابيين الذين نعلم ونتحقق أنهم حنبليون كما قال الأستاذ حجة الإسلام الشيخ محمد رشيد رضا:" أني لا أعلم مذهبا وهابيا إنما هم حنابلة"، وأنا أقول :"إن الوهابي عربي مسلم سني سلفي فالمحرض المغرور بالمعاداة له ظاهر الحكم ، والله ولي الانتقام (نعم لأنهم يتأسفون لتفرق المسلمين) ([6]).

 

 

 

جريدة البصائر السنة الثالثة (3/16) (العدد91، ص4) بتاريخ 13 شوال 1356 الموافق لـ17 ديسمبر 1937.

 

 

 

 


[1] / هذه لفظة مدرجة من أبي يعلى رحمه الله للربط بواقع الجزائريين.

[2] / ما بين القوسين تلخيص من أبي يعلى وحديث الباب هو حديث أبي الهياج الأسدي قال: قال على بن أبى طالب رضى الله عنه: "أَلا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِى عليهِ رَسُولُ صلّى اللهُ تَعالَى عَليْهِ وآله وَسلّم أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالاً إِلا طَمَسْتَهُ، وَلا قَبْرًا مُشْرِفاً إِلا سَوَّيْتَهُ".

[3] / ما بين القوسين أسقطه أبو يعلى لانتقال البصر .

[4] / أسقط هنا أبو يعلى آثار أخرى عن السلف في معنى هذا الأثر .

[5] / انظر إغاثة اللهفان (195-197).

[6] / كذا بالأصل ولم أتبين معناها.

تم قراءة المقال 3472 مرة