أولا : أحكام الوجوب
1-وجوب الأضحية
قال ابن تيمية (23/162):"وأما الأضحية فالأظهر وجوبها أيضا، فإنها من أعظم شعائر الإسلام، وهى النسك العام في جميع الأمصار والنسك مقرون بالصلاة في قوله: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) وقد قال تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2)". ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ومن لم يذبح فليذبح" (متفق عليه).
2-على من تجب؟
أوجبها أبو حنيفة على كل قادر، والجمهور على أنه تجزئ الشاة عن كل أهل بيت، لقول أبي أيوب رضي الله عنه:" كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصار كما ترى" رواه ابن ماجة والترمذي وصححه. وأهل البيت الواحد هم الأسرة ذات النفقة المتحدة عادة.
3-الاشتراك في الأُضحية
أما اشتراك أكثر من واحد وأكثر من رب بيت في الإبل والبقر فجائز مشروع على أن لا يتجاوز عدد المشتركين السبعة لحديث جابر رضي الله عنه قال:" نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة" (رواه مسلم). وأمّا الشّاة فلا يجوز الاشتراك فيها.
4-الاستدانة من أجل التضحية
من لم يجد ما يشتري به الأضحية فلا يجب عليه أن يستدين، ولكن إن كان له دخل يقدر به على السداد جاز له ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية(26/305):" إن كان له وفاء فاستدان ما يُضَحّي به فحسن، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك".
5-وقت التضحية
أول وقت التضحية بعد صلاة العيد في الأمصار ومضي قدر الصلاة والخطبة في غيرها، وهو مقتضى حديث جندب بن سفيان قال شهدت الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: "من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله" (متفق عليه). وآخر وقتها انقضاء اليوم الثاني من أيام التشريق، قال أحمد : أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانيا : أحكام الأضحية
1-ما يجزئ في الأضاحي
لا يجزئ في الأضاحي إلا الإبل أو البقر أو الغنم (والغنم جنس يشمل الضّأن والمعز) لقوله تعالى: (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) (الحج:34).
-ولا يجزئ من الإبل إلا الثّـني (هو الذي أتم خمس سنوات)
-ومن البقر إلا الثّـني (وهو الذي أتم سنتين).
-ومن المعز إلا الثّـني (وهو الذي أتم سنة كاملة).
-أما الضّـأن (الكبش والنعجة) فيجزئ فيه الجذع (وهو ما استكمل ستة أشهر) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا ضَحَايَا فَأَصَابَنِي جَذَعٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ أَصَابَنِي جَذَعٌ فَقَالَ ضَحِّ بِهِ (متفق عليه).
2-أفضل الأضاحي
أفضل الأضاحي الإبل فالبقر فالغنم لقول النبي صلى الله عليه وسلم:« من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن» (متفق عليه)، والضأن أفضل من الماعز، وذكر الضّأن (الكبش ) أفضل من أنثاه (النّعجة)، والانفراد في الضأن أفضل من اشتراك سبعة في البقر والإبل. وكلما كانت الأضحية حسنة سمينة وعظيمة فهو أفضل، قال الله تعالى : (وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ ) قال ابن عبّاس:" تعظيمها" استسمانها واستحسانها.
3-عيوب الأضحية
لا تجزئ التّضحية بالعوراء الواضح عَوَرُها، ولا العرجاء الواضح عرجها، ولا المريضة الواضح مرضها باتفاق العلماء نقله ابن قدامة وغيره. لحديث عبيد بن فيروز قال سألت البراء بن عازب ما لا يجوز في الأضاحي فقال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها والعرجاء بين ظلعها والكسيرة التي لا تنقي"، قال قلت فإني أكره أن يكون نقص في القرن والأذن قال فما كرهت منه فدعه ولا تحرمه على أحد، (رواه أهل السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان)، فهذا الحديث يدل على حصر العيوب التي تمنع إجزاء الأضحية. ويلحق بها ما كان في معناها ، كالعمياء والمقطوعة الرجل، ومعنى الكسيرة الهزيلة الضعيفة جدا.
وأما العيوب الأخرى التي ورد ذكرها في بعض الأحاديث فهي محمولة على الكراهة، ومن ذلك العيوب الموجودة في الأذن الواردة في حديث علي رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء (رواه أهل السنن وصححه الترمذي وغيره وضعفه الدارقطنى) والمقابلة ما قطع طرف أذنها، والمدابرة ما قطع منها جانب الأذن، والشرقاء المشقوقة الأذن، والخرقاء المثقوبة الأذن.
4-حكم الكبش المنزوع الخصيتين
كثير من الناس يعد نزع الخصيتين من العيوب وليس الأمر كذلك بل هو من أسباب تفضيل الأضحية على غيرها، قال ابن قدامة :" ولأن الخصاء ذهاب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه ويكثره ويسمنه، قال الشعبي ما زاد في لحمه وشحمه أكثر مما ذهب منه وبهذا قال الحسن وعطاء والشعبي والنخعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا".
وقد ورد في ذلك حديث مختلف في صحته رواه ابن ماجة عن عائشة وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد صلى الله عليه وسلم، والموجوء المنزوع الخصيتين.
5-العيب الحادث بعد شرائها أو تعيينها
ولحوق العيب بعد شراء الأضحية أو تعيينها لا يضرها ما لم يكن تعمده صاحبها، وقد سئل ابن الزبير عن ناقة عوراء فقال:"إن كان أصابها بعد ما اشتريتموها فأمضوها،، وإن كان أصابها قبل فأبدلوها"، رواه البيهقي، ومنه فكل عيب من العيوب السابقة يطرأ بسبب المبارزة التي شاعت في بعض المناطق يجعلها غير مجزئة ولا يدخل في الرخصة المذكورة.
ثالثا : أحكام لحم الأضحية
1-حكم إعطاء الجزّار شيئا من الأُضحية
لا يجوز إعطاء شيء من الأُضحية للجزّار الذي يستأجر للذّبح لحديث علي بن أبي طالب قال:« أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أُعطِي الجازر منها شيئاً » (متفق عليه) أي على سبيل الأجرة، فأما إن أعطي شيئا منها لفقره أو على سبيل الهدية فلا بأس لأنه كغيره ممن هم أهل ذلك.
2-حكم بيع شيء من الأُضحية
قال الإمام أحمد:" لا يبيعها ولا يبيع شيئا منها وقال سبحان الله كيف يبيعها وقد جعلها لله تبارك وتعالى"، ولا فرق بين لحمها وجلدها عند جمهور العلماء، ومن أدلة ذلك ما سبق من نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل شيء منها أجرة للجازر ، لأنها جعلت لله فهي كالوقف لا يجوز بيعه.
3-كيف يقسم لحم الأضحية ؟
روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في لحم الأضحية :« فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا »، والأفضل تقسيم لحم الأضحية إلى ثلاثة أثلاث (ثلث يؤكل ويدخر، وثلث يتصدق به، وثلث يهدى) وهو رأي منقول عن ابن مسعود وابن عمر وبه قال كثير من الفقهاء.
رابعا : آداب التضحية
1-الإخلاص، فلابد أن يكون المقصود بالذبيحة التقرب إلى الله تعالى، لا إرضاء الأطفال وإدخال السرور عليهم، أو الاستحياء من الجيران، ومن فعل ذلك فقد أثم وضيع أجر القربة.
2-ويكره لمن أراد أن يضحي أن يقص أظفاره أو شيئا من شعره سواء شعر رأسه أو إِبِطِه أو عانته؛ ابتداء من أول شهر ذي الحجة حتى يضحي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« من كان له ذبح يذبحه فإذا أهلّ هلال ذي الحِجَّة فلا يأخذنّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتّى يُضحّي» (رواه مسلم).
3-على من أراد الذبح أن يختار سكينا حادا حتى تزهق روح الذبيحة بيسر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« إنّ الله كتب الإحسان في كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة،ولِيُحِدّ أحدكم شفرته ولِيُرح ذبيحته» (رواه مسلم).
4-وعليه أن يجتنب شحذ السّكين أمام الأضحية لأن هذا من تمام الإحسان المأمور به وقد روى مالك في الموطأ أن رجلا أحد شفرة وقد أخذ شاة ليذبحها فضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالدرة وقال:« أتعذب الروح هلا فعلت هذا قبل أن تأخذها».
5-والسنة في الذبح أن توضع الأُضحية على جانبها الأيسر، ويضع الذّابح قدمه اليمنى على جانبها الأيمن، لحديث أنس قال:« ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما » (متفق عليه).
6-قال الزهري السنة في أن يستقبل بالذبيحة القبلة، وكان ابن عمر يستحب أن يستقبل القبلة إذا ذبح (رواه مالك في الموطأ).
7-يجب عليه أن يسمي (بسم الله) عند الذبح ويسن أن يقول:« بسم الله والله أكبر» وفي حديث عائشة عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال «بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد»، وروى الحاكم عن ابن عباس في قول الله تعالى: (اذكروا اسم الله عليها صواف ) قال:" قياما على ثلاث قوائم معقولة، بسم الله والله أكبر اللهم منك وإليك".
8-كذلك لا يجوز الشروع في سلخها وكسر عظمها قبل خروج روحها ، وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:« وذر الأنفس حتى تزهق ».
9-وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَخرج يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ وَلَا يَأْكُلُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ (رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.