طباعة
الاثنين 7 ربيع الثاني 1431

17-الشرك الأكبر

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، أما بعد: فإن الله تعالى خلق الناس ولم يتركهم سدى ولا هملا، وإنما خلقهم ليعبدوه وبالألوهية يفردوه ، قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56) وإنه سبحانه أرسل الرسل ليذكروا الناس بهذه الحقيقة ويدعوهم إلى هذه العقيدة، قال الله سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل:36)، فالعبادة هي حق الله تعالى الذي يجب على كل العباد أن يأتوا به، وحق الله تعالى الذي لا يجوز صرفه إلى غيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه:" فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وحقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يشْرِكُ بِه شَيْئًا" متفق عليه .

 

17-الشرك الأكبر

 

 حقيقة العبادة وحقيقة الشرك

   والعبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ومن الأعمال الظاهرة الصلاة والزكاة والدعاء والذبح والنذر والطواف، ومن الأعمال الباطنة وهي الأعمال القلبية المحبة والتعظيم والإخلاص والخوف والرجاء والتوكل.

   والتوحيد أن يخلص العبد العبادة لله تعالى ولا يجعل له شركاء في ربوبيته (أسمائه وصفاته وأفعاله)، ولا في ألوهيته (عبادته). والشرك هو ضد التوحيد، وهو صرف شيء من العبادات لغير الله تعالى، أو جعل شريك لله تعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله.

خطر الشرك

1-الشرك ظلم عظيم، فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله تعالى فقد ظلم وأتى بأعظم ذنب، قال تعالى :(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13)، وعن ابن مسعود قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ متفق عليه.

2-الشرك لا يغفره الله تعالى، قال :(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء48) إلا من تاب منه ومات على التوحيد.

3-الشرك يحبط الأعمال الصالحة، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65) ومعنى هذا أن من مات على الشرك فلن تنفعه صلاة أو صدقة أو حج أو جهاد .

4-الشرك يحرم الجنة، ويوجب الخلود في النار، ويحرم من الشفاعة التي لا تكون إلا لمن مات على التوحيد سالما من الشرك الأكبر، قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة:72).

 

مظاهر الشرك في الربوبية

1-التشريك في تدبير السماوات والأرض

   ومنها أن يعتقد أن بعض المخلوقات (كالأولياء والملائكة) تشارك الله تعالى في تسيير الكون وتدبير أمر السماوات والأرض، والله تعالى يقول : (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون:91) وقال : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء:22) .

2-التشريك في علم الغيب

    قال العلامة ابن باديس رحمه الله في العقائد (71):" ومن توحيده تعالى في ربوبيته الاعتقاد أن العبد لا يعلم الغيب وهو ما غاب عن الحواس "، ومنه فمن زعم أن بعض الناس يعلم الغيب فقد أشرك(انظر ص145) قال الله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل:65)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"  رواه أبو داود وصححه الألباني.

3-التشريك في التحليل والتحريم

   ومن مظاهر الشرك أن يعتقد أن بعض الناس لهم أن يحلوا ويحرموا، ويشرعوا من عند أنفسهم بحسب عقولهم أو عوائدهم، قال تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) (الشورى:21)، قال ابن باديس في العقائد (69):" ومن توحيده تعالى توحيده في شرعه فلا حاكم ولا محلل ومحرم سواه" لقوله تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (الأعراف:54) (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) (الأنعام:57) (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)(النحل:116).

4-اعتقاد النفع والضر في غير الله تعالى

   ومنها أن يعتقد أن بعض المخلوقات من الجن والإنس تملك النفع والضر للعباد من دون الله تعالى، وكذلك من يعتقد النفع والضر في الجماد كالأحجار والشجر (البلوط ) والخامسة ونحو ذلك، قال تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (المائدة:76).

5-نسبة الأفعال القبيحة لله تعالى

   كمن ينسب الله تعالى إلى الظلم وتعطيله عن الحكمة وعن الرحمة، ومنه احتجاج بعض الناس على قدر الله تعالى بقولهم: "علاش يا رب"، وقولهم: "إن الله تعالى يعطي اللحم لمن لا سن له"،" وأن الفقير يبكي والله يزيده فقرا" ونحوها من ألفاظ الكفر التي لا تجوز في حق ربنا الرحيم العدل الحكيم، الذي يقول:(ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (آل عمران182) ويقول : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) (النمل:62).

 

مظاهر الشرك في الألوهية

1-الاستغاثة والاستعانة بغير الله تعالى

   الاستغاثة بغير الله تعالى طلبا للشفاء أو الرزق أو الولد شرك أكبر، قال تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل:62) والاستغاثة نوع من الدعاء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الدعاء هو العبادة" رواه أهل السنن، قال الشيخ الميلي في رسالة الشرك(192) عن دعاء غير الله:" هو شرك صريح وكفر قبيح"، وكذلك يقال في الاستعانة، وقد قال تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" إذا سألت فاسأل الله وذا استعنت فاستعن بالله" رواه الترمذي وصححه.

2-الاستعاذة بغير الله تعالى

   الاستعاذة وهي الالتجاء والاعتصام وطلب الحماية أو الشفاء ، وهي حق لله تعالى فيما لا يقدر عليه البشر. يقول الله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأعراف 200). ويقول سبحانه : (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ) (الجن 6). ومن مظاهر الاستعاذة الشركية: تعليق تمائم الطلاسم ، وقراءة التعاويذ المجهولة المعنى وهي المقصودة بالرقى في قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الرقى والتمائم والتِّولة شرك " رواه أبو داود وصححه الألباني، (والتِّولة سحر المحبة والتأليف)، ومنه قول بعضهم: يا سيدي فلان في عنايتك، وإذا ذكر الجن يقولون: مسلمين مكتفين .

3-الذبح لغير الله تعالى

    ومن مظاهر الشرك الذبح لغير الله سبحانه خوفا ورجاء كالذبح للجن وللأولياء الموتى والأحياء، قال تعالى : (فصل لربك وانحر ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لعن الله من ذبح لغير الله " رواه مسلم. ومما ذبح لغير الله لحم الزردة، قال الشيخ أحمد حماني في حكم الزردة: " ثم إن الطعام واللحم المقدم في الزردة لا يحل أكله شرعا، لأنه مما نص القرآن على حرمة أكله فإنه سبحانه وتعالى يقول:(حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ) (المائدة3) فاللحم المقدم في الزردة من القسم الرابع أي مما أهل لغير الله، أي ذبح لغير الله بل للمشايخ ".

4-النذر لغير الله تعالى

   ومن العبادات النذر، وهو إلزام النفس بقربة لا تلزم أو أمر آخر مباح والمؤمن يفعله لله تعالى خوفا وطمعا ومحبة وتقربا، ولا يجوز ذلك لأحد سوى الله تعالى . قال تعالى : (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (البقرة 270) ومنه إن من يقول إن شفيت زرت سيدي فلان وإن نجحت ذبحت له وهكذا، قد وقع في شرك أكبر، قال ابن تيمية(33/123):" هو كالسجود لغير الله ". ولا يجوز له الوفاء وثبت أن رجلا نذر أن يذبح إبلا بمكان يدعى بوانة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا :لا ، قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم قالوا: لا . فقال صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك ". رواه أبو داود وصححه الألباني. انظر الشرك ومظاهره (267).

5-السحر والنشرة

  ومن مظاهر الشرك في العبادة السحر الصريح، قال تعالى على لسان هاروت وماروت : (إنما نحن فتنة فلا تكفر) (البقرة 102)، فمجرد تعلم  السحر يعد كفرا بالله تعالى، ومن السحر النشرة وهي حل السحر بالسحر، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: "هي من عمل الشيطان " رواه أبو داود وصححه الألباني، ذلك أن حقيقة السحر هو عبادة الجان وعبادة الكواكب من دون الله تعالى بدعائها وتمجيدها والخضوع والذل لها. المطوية رقم (11)

6-السجود لغير الله تعالى

    ومن أظهر مظاهر الشرك في العبادة السجود للقبور والأحجار والشمس والقمر والعباد تعظيما وذلا وخضوعا ومحبة لها ، قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت:37).

7-الطواف بالأضرحة والقبور

    ومن مظاهر الشرك الطواف بالأضرحة والقبور والأشجار والأحجار تقربا إليها ورجاء نفعها وضرها ، فلا طواف إلا لله تعالى وببيت الله الحرام قال تعالى : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج 29).

العذر بالجهل

   ومما ينبغي أن يذكر به في هذا المقام أنه ليس كل من وقع في الشرك من المسلمين يكون مشركا خارجا من ملة الإسلام، ولكن من فعل الشرك بعد العلم والبيان هو المشرك الكافر الخالد في جهنم، وأما قبل التعليم وإقامة الحجة هو معذور بالجهل إن شاء الله تعالى، لقوله تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء:15)، ولقوله : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:165)، فالواجب علينا المسارعة للنصح وإنقاذ الغافلين المتبعين للدجالين والمرتزقة المشعوذين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تم قراءة المقال 4406 مرة