إن شغل البطالين في الاصطلاح الذي جرينا عليه هو النقد من أجل النقد بل هو النقد لكل عمل بناء، إنهم المبغضون لكل حركة إلا حركة اللسان، والمعادون لكل عمل إلا عمل الهدامين، تعطلت فيهم كل الحواس وملكت الحاسة النقدية عليهم جوارحهم فترى الواحد منهم بعينه ينقد، بأنفه ينقد، بيده ينقد ويتفقد، وبلسانه يحل ويعقد.
وقد يبتلى بعض الناس بهذا الجنس الضاري من البشر؛ فيحتار في علاج أمره وأمرهم لأنه إن احتج قالوا ملبس، وإن رد قالوا جريء، وإن سكت قالوا جبان، وإن اعتذر -إن كان مخطئا- قالوا مراوغ، ومهما صنع فعندهم من الجواب ما يذهب بالألباب، لكن قد ترك لنا أهل العلم بالأخلاق والآداب فنا من الفنون، لقب بالأجوبة المسكتة، التي تسد الباب على المجادل، وتقطع حوار المعاند بالباطل، ولسنا نعدم منها حلولا قدمها الحكماء الفطاحل، ومنها ما تمثله كثير من العلماء الأفاضل :
أقِلـوا عليهـم لا أبـا لأبيكـمُ ***من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
ومنها قول بعضهم :
متى كنتم أهلا لكل فضيلـة *** متى كنتم حربا لمن حاد أو كفر
متى دستم رأس العدو بفيلق ***وقنبلة أو مدفع يقطع الأثــــــر
تعيبون أشياخا كراما أعـزة *** جهابذة نور البصيرة والبصـــر
فهم بركات للبلاد وأهلهـــا***بهم يدفع الله البلاء عن البشـــر
هذا وإن أفرادا من أمة المليار يخوضون في هذه الأيام الحروب والمعارك من أجل الحفاظ على وجود هذه الأمة وعزتها وكرامتها، ولم يكفها أن قضايا المليار لا يهتم لها إلا الأفراد، حتى بليت بهؤلاء البطالين يقفون خلف الصفوف للتثبيط والصد والتجريح وربما تجد فيهم من يقول:" هؤلاء أرغبنا بطونا وأجبننا عن اللقاء"، اللهم إنا نعوذ بك من النفاق والشقاق وسوء الأخلاق.