كلمات في الحياء
1- قال ابن القيم في مدراج السالكين ج٣ ص٢٤٩
"ولهذا كان خلق الحياء مشتقا من الحياة اسما وحقيقة، فأكمل الناس حياة: أكملهم حياء، ونقصان حياء المرء من نقصان حياته، فإن الروح إذا ماتت لم تحس بما يؤلمها من القبائح، فلا تستحي منها، فإذا كانت صحيحة الحياة أحست بذلك، فاستحيت منه".
2-قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي (ص: 69)
"فمن لا حياء فيه فهو ميت في الدنيا شقي في الآخرة، وبين الذنوب وبين قلة الحياء وعدم الغيرة تلازم من الطرفين، وكل منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا، ومن استحى من الله عند معصيته، استحى الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستح من معصيته لم يستح الله من عقوبته".
3-قال ابن تيمية رحمه الله كما في المجموع(10/ 109)
"والحياء مشتق من الحياة؛ فإن القلب الحي يكون صاحبه حيا فيه حياء يمنعه عن القبائح فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {الحياء من الإيمان} وقال: {الحياء والعي شعبتان من الإيمان. والبذاء والبيان شعبتان من النفاق} فإن الحي يدفع ما يؤذيه؛ بخلاف الميت الذي لا حياة فيه فإنه يسمى وقحا والوقاحة الصلابة وهو اليبس المخالف لرطوبة الحياة فإذا كان وقحا يابسا صليب الوجه لم يكن في قلبه حياة توجب حياءه، وامتناعه من القبح كالأرض اليابسة لا يؤثر فيها وطء الأقدام بخلاف الأرض الخضرة. ولهذا كان الحي يظهر عليه التأثر بالقبح وله إرادة تمنعه عن فعل القبح بخلاف الوقح الذي ليس بحي فلا حياء معه ولا إيمان يزجره عن ذلك".
4-قال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم(1/ 501)
"واعلم أن الحياء نوعان:
أحدهما: ما كان خلقا وجبلة غير مكتسب، وهو من أجل الأخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " «الحياء لا يأتي إلا بخير» " فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو من خصال الإيمان بهذا الاعتبار، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من استحيا، اختفى، ومن اختفى، اتقى، ومن اتقى وقي.
وقال الجراح بن عبد الله الحكمي - وكان فارس أهل الشام -: تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع...
النوع الثاني: ما كان مكتسبا من معرفة الله، ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهذا من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان... وفي حديث ابن مسعود: " «الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى؛ ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله» " خرجه الإمام أحمد والترمذي مرفوعا.
وقد يتولد من الله الحياء من مطالعة نعمه ورؤية التقصير في شكرها، فإذا سلب العبد الحياء المكتسب والغريزي، لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح، والأخلاق الدنيئة، فصار كأنه لا إيمان له.
5-قال الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص: 247)
"اعلم أن الخير والشر معان كامنة تعرف بسمات دالة، كما قالت العرب في أمثالها: تخبر عن مجهوله مرآته، وكما قال سلم بن عمرو الشاعر،
لا تسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهد عن الخبر
فسمة الخير الدعة والحياء، وسمة الشر القحة والبذاء. وكفى بالحياء خيرا أن يكون على الخير دليلا، وكفى بالقحة والبذاء شرا أن يكونا إلى الشر سبيلا".
6-قال الراغب الأصفهاني في الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص: 207-208)
الحياء: انقباض النفس عن القبائح، وهو من خصائص الإنسان، وأول ما يظهر من قوة الفهم في الصبيان، وجعله اللَّه تعالى في الإنسان ليرتدع به، عما تنزعه إليه الشهوة من القبائح فلا يكون كالبهيمة.
وهو مركب من جبن وعفة، ولذلك لا يكون المستحي فاسقًا ولا الفاسق مستحيًا لتنافي اجتماع العفة والفسق، وقل ما يكون الشجاع مستحييًا والمستحي شجاعًا لتنافي اجتماع الجبن والشجاعة، ولعزة وجود ذلك تجمع الشعراء بين المدح بالشجاعة، والمدح بالحياء نحو قول الشاعر:
يجري الحياء الغض من قسماتهم ... في حين يجري من أكفهم الدم
وقال آخر:
كريم يغض الطرف فضل حيائه ... ويدنو وأطراف الرماح دواني
...والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: البشر: وهم أكثر من يستحي منه، ثم نفسه، ثم اللَّه - عز وجل -، ومن استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه فنفسه عنده أخس من غيره، ومن استحيا منهما ولم يستحِ من اللَّه فلعدم معرفته بالله - عز وجل -، فإن الإنسان يستحي ممن يعظمه ويعلم أنه يراه أو يسمع نجواه فيبكته، ومن لا يعرف اللَّه فكيف يستعظمه، وكيف يعلم أنه مطلع عليه. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (استحيوا من اللَّه حق الحياء " في ضمنه حث على معرفته، وقال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) تنبيهًا على أن العبد إذا علم أن اللَّه يراه استحيا من ارتكاب الذنب، وقد سئل الجنيد - رحمه الله - عما يتولد منه الحياء من اللَّه تعالى، فقال:" رؤية العبد آلاء الله عليه، ورؤية تقصيره في شكره"،
7-قال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (1/ 277)
"ثمَّ تَأمل هَذَا الْخلق الَّذِي خص بِهِ الانسان دون جَمِيع الْحَيَوَان، وَهُوَ خلق الْحيَاء الَّذِي هُوَ من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا، بل هُوَ خَاصَّة الانسانية؛ فَمن لَا حَيَاء فِيهِ لَيْسَ مَعَه من الانسانية إلا اللَّحْم وَالدَّم وصورتهم الظَّاهِرَة؛ كَمَا انه لَيْسَ مَعَه من الْخَيْر شَيْء، وَلَوْلَا هذاالخلق لم يقر الضَّيْف، وَلم يوف بالوعد، وَلم يؤد امانة، وَلم يقْض لَاحَدَّ حَاجَة ، وَلَا تحرى الرجل الْجَمِيل فآثره والقبيح فتجنبه، وَلَا ستر لَهُ عَورَة، وَلَا امْتنع من فَاحِشَة، وَكثير من النَّاس لَوْلَا الْحيَاء الَّذِي فِيهِ لم يؤد شَيْئا من الأمور المفترضة عَلَيْهِ، وَلم يرع لمخلوق حَقًا ، وَلم يصل لَهُ رحما، وَلَا بر لَهُ والدا".
8-روى أبو عبد الرحمن السلمي (ت:325) في آداب الصحبة (ص: 73)
عن أبي محمد الجريري (ت:311) قال :"تعامل القرن الأول فيما بينهم بالدين زمانا طويلا حتى رق الدين ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى ذهب الحياء، ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة".
ثم قال : فكنت أستحسن هذه الحكاية لأبي محمد الجريرى فوجدت مثلها للشعبي فزادها حسنا .
ثم ذكر سنده إلى الشعبى (ت:110) قال:" تعامل الناس بالدين زمانا طويلا حتى ذهب الدين، ثم تعاشروا بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعاشروا بالحياء ثم تعاشروا بالرغبة والرهبة، وأظنه سيأتي بعد ذلك ما هو شر منه".