نعود إلى كلمة أوباما فنقول:
إن أوباما قد ألقى في تلك المناسبة كلمة أكد فيها على سلوك سياسة جديدة في فرض الرؤية الأمريكية لقضايا الأمن والديمقراطية والاقتصاد في العالم، وذلك أن السياسة القديمة قد أساءت كثيرا إلى سمعة الولايات المتحدة الأمريكية، وهي سياسة تعتمد على تسخير التكنولوجيا لنشر السلام الذي تريده أمريكا، لأن القوة لم تعد لغة مقبولة في هذا العصر (وهذا ما نراه في الثورات).
وإن الرؤية الأمريكية لحل أزمات العالم لن تنفرد أمريكا بتنفيذها لوحدها، بل ذلك مسؤولية الجميع، والدول التي اعتادت على مواقف تقليدية ومقولات لا تتراجع عنها، لا بد أن تعي أنها لم تعد تعبر عن طموحات شعبها، وأنها بمواقفها وسياساتها تبني جدرانا تحول دون وصول الشعوب إلى تطلعاتها، يقول أوباما :"وقد آن الأوان لهدم هذه الجدران" (هدف الثورات اسقاط هؤلاء الحكام ليس بيد امريكا لوحدها بل بمشاركة غيرها).
ومن قضايا الأمن والسلام في العالم التي تهتم بها أمريكا قضية فلسطين، التي ينبغي أن تحل على ضوء الرؤية الأمريكية وتنفيذ جماعي لا انفرادي بحيث تتخلى دول المنطقة عن مواقفها القديمة، ولن يكون ذلك سهلا، لأن كثيرا من الحكومات تتكلم بلسان مزدوج فتقول في المجالس الخاصة غير ما تقوله في العلن، إذ هي تخاف من ردة فعل شعوبها التي لا تمثلها، وهذا يجعل من أولويات العمل في سبيل إرساء السلام تغيير قناعة الشعوب حتى يحصل الإجماع على نبذ الحروب (بعد الثورات تنزع الاقنعة وتصرح الانظمة بالتطبيع مع اليهود ولن تخاف من شعوبها لأن تكون قد ذاقت عذاب الحروب أو تخاف أن ينالها ما نال غيرها).
ويؤكد أوباما أن قرارات الحكومات لن تكون ذات مصداقية، إلا إذا كانت تمثل إرادة الشعوب، وفي هذا الصدد يعترف بأن فرض أمريكا للديمقراطية كان انتقائيا، وأنه كان يعتمد على القوة، لكن من الآن فصاعدا ستفرض الديمقراطية بطريق غير طريق القوة، ولن يكون ذلك انتقائيا (المعنى ان التغيير سيكون بالجملة ).
كما يتنبأ أوباما بأن شعوب العالم ستتحرك نحو التغيير، وأنها لن تتساهل طويلا حيال أولئك اعتادوا طمس أفكار المنشقين، وترهيب المعارضين السياسيين، ووعد بمؤازرة مطالب هذه الشعوب في أي مكان من العالم (اعطاء إشارة الانطلاق لكن يظهر أن موقعة ام درمان وغيرها أجلت الثوارات عاما كاملا).
انتهت القراءة وفيما يأتي أهم المقتطفات التي تستفاد منها هذه المعاني:
قال أوباما:« لقد توليت الحكم في وقت أصبح فيه الكثيرون في أرجاء العالم ينظرون إلى أميركا بتشكك وارتياب، وجزء من السبب في ذلك كان نتيجة لمفاهيم خاطئة، ومعلومات مضللة عن بلدي، وكان جزء من ذلك نتيجة لمعارضة سياسات بعينها، واعتقاد بأن أميركا انفردت بالعمل في قضايا هامة محددة ودون اعتبار لمصالح الآخرين، وأدى هذا إلى تغذية مشاعر العداء لأميركا التلقائية تقريبا، وهي التي كانت في أحيان كثيرة بمثابة ذريعة لعدم العمل الجماعي.
والآن، فإن مسؤوليتي، كمسؤوليتكم جميعا، هي العمل من أجل مصلحة دولتي وشعبي، ولن أعتذر أبدا عن دفاعي عن تلك المصالح. غير أنه يخالجني إيمان عميق بأن العام 2009 يشهد – أكثر من أي محطة في تاريخ الإنسانية – أن مصالح الدول والشعوب مشتركة، والمعتقدات الدينية التي نكنها في قلوبنا قادرة على تشكيل روابط جديدة بين الناس أو على شقهم وتباعدهم. والتكنولوجيا التي نسخرها يمكنها أن تنير السبيل إلى السلام، أو تنشر عليه الظلام إلىالأبد...
…
ولا يخطئن أحد في أن: هذا لا يمكن أن يكون مجرد جهد أميركي فقط. فأولئك الذين يؤنبون أميركا لانفرادها وحدها بالعمل في العالم لا يستطيعون الآن الوقوف جانبا والانتحاء في انتظار أن تحل أميركا مشاكل العالم وحدها، فقد سعينا – قولا وفعلا – من أجل عهد جديد من التعاطي مع العالم، والآن آن الأوان لنا جميعا كي نشارك بنصيبنا من واجب الرد العالمي على التحديات العالمية.
....
لم تعد القوة في عهد نشترك فيه في مصير واحد لعبة غالب ومغلوب، فلا تستطيع دولة ما ولا ينبغي لها أن تحاول السيطرة على دولة أخرى. وما من نظام عالمي يرفع دولة ما أو جماعة ما فوق الآخرين وينجح، وما من ميزان للقوى بين الدول قادر على البقاء. والانقسام بين دول الجنوب والشمال لا معنى له في عالم متصل، ولا للانحيازات المتأصلة في انقسامات الحرب الباردة التي طواها الزمن.
لقد آن الأوان لإدراك أن العادات القديمة والمقولات العتيقة لم تعد ذات صلة بالتحديات التي تواجه شعوبنا. فهي تقود الدول إلى التصرف بعكس الأهداف ذاتها التي تدعي أنها تسعى في سبيلها، وإلى التصويت في هذه الهيئة في كثير من الأحيان ضد مصالح شعوبها بالذات. فهي تبني جدرانا بيننا وبين المستقبل الذي تسعى من أجله شعوبنا، وقد آن الأوان لهدم هذه الجدران، وينبغي علينا أن نعمل معا في بناء ائتلافات تسد الفجوات، ائتلافات من مختلف الأديان والعقائد، من الشمال والجنوب والشرق والغرب والأسود والأبيض والحنطي.
....
ومع ذلك فإن جهودنا في الدعوة إلى السلام، لا يمكن أن تكون قاصرة على مجرد دحر المتطرفين الذين يمارسون العنف. لأن أقوى سلاح في ترسانتنا هو الأمل لدى بني البشر، والإيمان بأن المستقبل يملكه من يبنون وليس من يدمرون؛ والثقة في أن الصراعات يمكن أن تنتهي وأنه من الممكن أن يبدأ يوم جديد.
....
لقد آن الأوان لإعادة انطلاق المفاوضات دون أي شروط مسبقة تتعلق بقضايا الوضع الدائم: الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين، والحدود، واللاجئون، والقدس. والهدف واضح: دولتان تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، دولة يهودية لإسرائيل، مع توفر الأمن الحقيقي للإسرائيليين؛ ودولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة ذات حدود متماسة تُنهي الاحتلال الذي بدأ في العام 1967، وتحقق القدرات الكامنة لدى الشعب الفلسطيني.
وفي سعينا لتحقيق هذا الهدف، سنسعى أيضا لتحقيق السلام بين إسرائيل ولبنان، وبين إسرائيل وسوريا، وتحقيق السلام على نطاق أوسع بين إسرائيل وجاراتها العديدة. وفي السعي لتحقيق هذا الهدف، سنضع مبادرات إقليمية تشارك فيها أطراف عديدة، إلى جانب المفاوضات الثنائية.
مع كل ذلك، فإنني لست ساذجا، فإنني أعلم أن ذلك سيكون صعبا، ولكننا جميعا – وليس الإسرائيليون والفلسطينيون فحسب، ولكننا جميعا – يجب أن نقرر إن كنا جادين بشأن السلام، أم أننا سنكتفي بالتشدق به. ولكي نتخلى عن الأنماط القديمة، ولكي نكسر حلقة انعدام الأمن واليأس، ينبغي علينا جميعاأن نقول في العلن ما يمكن أن نعترف به في الجلسات الخاصة.
إن الولايات المتحدة لا تقدم لإسرائيل أي جميل حينما نرفض المزاوجة بين التزامنا الذي لا يتزعزع بأمنها وإصرارنا على أن تحترم إسرائيل المطالب والحقوق المشروعة للفلسطينيين.
وهناك دول أعضاء في هذه المنظمة لا تقدم أي جميل للشعب الفلسطيني حينما تفضل شن هجمات من النقد اللاذع ضد إسرائيل على الرغبة البناءة في الاعتراف بشرعية إسرائيل وحقها في العيش في سلام وأمن.
وينبغي أن نتذكر أن أفدح ثمن لهذا الصراع لم نتكبده نحن، لم يتكبده السياسيون. إنما تكبدته فتاة إسرائيلية من سيدروت تغلق عينيها خوفا من أن يقضي على حياتها صاروخ في قلب الليل. ويتكبده صبي فلسطيني في غزة ليس لديه مياه نظيفة نقية، ولا بلد يستطيع أن يصفه بأنه وطنه. هؤلاء جميعا هم أبناء الله، وبعد كل الأمور السياسية وكل تلك المواقف، فإن ذلك يتعلق بحق كل مخلوق من بني البشر في أن يعيش بكرامة وأمن، هذا درس موجود في كل الديانات الثلاث الكبرى التي تصف شريحة صغيرة من الأرض بأنها الأرض المقدسة. وهذا هو السبب في أنني حتى مع كل ما سيحدث من نكسات، وبدايات زائفة، وأيام عصيبة، فإنني لن أتردد أبدا في السعي من أجل السلام.
....
إن التغييرات التي تحدثت عنها هذا اليوم فلن تكون سهلة التحقيق. ولن تتحقق بمجرد أن يلتقي زعماء من أمثالنا في منتديات من هذا القبيل، بالرغم مما قد تكون منفعتها. لأنه وشأن أية تجمع لأعضاء فإن التغيير الحقيقي يمكن أن يتأتّى فقط من خلال الناس الذين نمثلهم. ولهذا السبب علينا القيام بجهد جهيد لإرساء الأرضية لإحراز تقدم في عواصمنا بالذات. فهناك سنحشد الإجماع لإنهاء الحروب ...
وأعتقد أن الناس في العالم يريدون ذلك المستقبل لأبنائهم، ولهذا السبب علينا أن ننتصر لتلك المبادئ التي تكفل بأن الحكومات ستكون مرآة لإرادة الشعوب، وهذه المبادئ لا يمكن أن تكون أفكارا تخطر في بالنا مستقبلا لأن الديمقراطية وحقوق الإنسان ضرورية لتحقيق كل من الأهداف التي تطرقت إليها هذا اليوم ولأن الحكومات المنبثقة عن إرادة الشعوب هي أكثر احتمالا بأن تتصرف وفقا للمصالح الأرحب لشعوبها بالذات لا بحسب المصالح الضيقة لمن هم في السلطة.
والاختبار الحقيقي لقيادتنا لن يتمثل في الدرجة التي نؤجج عندها المخاوف ونذكي الأحقاد القديمة لشعوبنا، والزعامة الحقيقية تقاس ليس بالقدرة على طمس أفكار المنشقين المناهضة، أو بترهيب ومضايقة المعارضين السياسيين في الوطن. إن شعوب العالم تصبو للتغيير. وهي لن تتساهل طويلا حيال أولئك ممن هم في الجانب الباطل من التاريخ.
...
وأنا أتعهد لكم بأن أميركا ستقف على الدوام إلى جانب أولئك ممن يطالبون بكرامتهم وحقوقهم، للطالب الذي يسعى لأن يتعلم والناخب الذي يطلب أن يسمع صوته والبريء الذي يصبو لأن يكون حرا والمضطهد الذي ينشد المساواة.
لا يمكن أن تفرض الديمقراطية على أية دولة من الخارج، وعلى كل مجتمع أن يبحث عن مساره الخاص ولا يمكن لأي مسار أن يكون خاليا من أية عيوب. وستسعى كل دولة لمسار مغروس في ثقافة شعبها وتقاليدها السابقة. وأنا أسلم بحقيقة أن أميركا غالبا ما كانت انتقائية في ترويجها للديمقراطية، إلا أن هذا لا ينال من التزامنا بل يعززه، وهناك مبادئ أساسية عالمية في طبيعتها وهناك حقائق معينة هي بديهية. والولايات المتحدة الأميركية لن تتوانى في جهودنا لمؤازرة حقوق الناس في كل مكان بتقرير مصيرها الخاص».
انظر الخطاب كاملا في الصفحة العربية من موقع "america.gov".