وفي هذه الأيام التي تعرضت فيها جماعة الإخوان في مصر للإرهاب وللتصنيف بالإرهاب في آن واحد؛ رأيت أن أسطر هذه الكلمات للتأكيد على هذه الحقيقة وهي ضبابية المصطلح وتبعيته للمصالح، ومن شواهده المثالان الآتيان:
المثال الأول: في سنة 2006 طرح مركز مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة جماعة الإخوان في مصر وجماعة المدخلي في العالم، والشيعة في السعودية خصوصا كجماعات بديلة([2])؛ ينبغي دعمها من أجل سحب البساط من تحت أرجل الجماعات الجهادية، والجماعات الأخرى التي تعتبرها متطرفة وتهدد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط بصفة علنية ومباشرة، لكن فيما يبدو أن الحكومة المصرية الحالية لها وجهة نظر مخالفة وسبب الخلاف طبعا لن يرجع بالضرورة إلى مفهوم الإرهاب ولكن إلى المصالح.
فالولايات المتحدة تنظر فقط إلى مصالحها، فمن يهدد سياستها تعتبره إرهابيا، والمتطرف في جوانب أخرى التي لا تعني سياستها ولا تمس مصالحها بطريق مباشر، فلا ضير عندها أن ترفع عنه صفة التطرف ولو مؤقتا وتعتبره معتدلا([3])، فالنظام الشيعي في إيران يعتبر الشيطان الأكبر ونظاما إرهابيا متطرفا لعدة اعتبارات، وعلى رأسها أنه نظام نشأ وقام في ظل حماية الاتحاد السوفياتي على أنقاذ حكم الشاه الخادم الأمين للولايات المتحدة الأمريكية، ومنها أيضا أن إيران قوة عسكرية إقليمية تهدد الكيان الصهيوني في المنطقة بدعهما المباشر والعلني لحزب الله في لبنان وحركة حماس الفلسطينية، وأما التطرف الشيعي العقدي فلا يهمها، وإذا كان ذلك التطرف يسهم في ضرب وحدة دول إسلامية كالعراق أو السعودية؛ فهنا يصبح التطرف والأعمال الإجرامية وسطية واعتدالا ينبغي دعمها ماديا ومعنويا.
المثال الثاني : وفي سنة 2006 أيضا اختار الاتحاد السوفياتي جماعة الإخوان في الأردن من بين الجماعات الإخوانية الأخرى في العالم ليصنفها ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، وهي السنة نفسها التي استقبلت فيها موسكو وفدا عن حركة حماس –وذلك بدعوة منها-وهي ممثلة حركة الإخوان في فلسطين، وكل ذلك طبعا وفق المصالح الروسية فحركة حماس شوكة في حلق الكيان الصيهوني المدلل لدى الولايات المتحدة الأمريكية؛ فلا بد من اعتبارها حركة وسطية ومعتدلة، ولابد من دعمها سياسيا أو استغلالها مؤقتا في مساومات سياسية أخرى مع المعسكر الغربي، أما حركة إخوان الأردن فإن كثيرا من أعضائها ترجع أصولهم إلى جمهوريات القوقاز -ويعرفون بالشراكسة-، فلا يستغرب أن تتورط الحركة أو بعض المنتسبين إليها في الدعم العلني أو الخفي للمجاهدين في القوقاز، بل إن كثيرا من قادة الجهاد في الحرب الثانية في الشيشان كانوا أردنيي الجنسية ومن أصول شركسية.
وكذلك الحكومة المصرية اليوم تنظر إلى مصالحها، وعلى رأس تلك المصالح البحث عن الشرعية المفقودة، والسعي إلى فك العزلة السياسية عن نظامها، فهذا النظام يريد أن يبني شرعيته على حماية الشعب المصري من خطر الإرهاب، وهو ما جاء في تصريحات زعماء الانقلاب فور الانقلاب وقبل قرار تصنيف الجماعة، ولا يزال هذا النظام يبحث عن الإرهاب والإرهابيين، ويتمنى مزيدا من الأعمال التي تدخل الرعب في قلوب المواطنين -من نصارى ومسلمين-من أجل تأكيد شرعية النظام الحالي، ويسعى بطرق متنوعة لدفع جماعة الإخوان لتبني العنف أو بعض مظاهره على الأقل.
وبتصنيف الإخوان جماعة إرهابية سيستبيح النظام المصري مزيدا مما يسمى الإرهاب المضاد، لعله يدفع ببعض الأفراد المنتمين للجماعة إلى العنف وتكوين جماعات مسلحة فيتحقق له المراد، وهم قد علموا أنه بسبب العنف والإرهاب الذي مارسه جمال عبد الناصر على الجماعة فيما مضى؛ خرج من رحمها جماعة الجهاد وجماعة التكفير والهجرة.
ومن الدروس التي يستفيدها المسلم([4]) من هذا الحدث أن الغرب وذيوله في البلدان الإسلامية، لن ينفع معهم التنازل عن المبادئ مهما كانت درجات هذا التنازل، ولن يغير نظرتهم عنه محاولة تطوير الإسلام أو تهذيبه، ولن يشفع له عندهم تبرؤه من إخوانه المسلمين ونعته لهم بالتطرف ونحوه، كما لن يغرهم محاولة احتكاره لسمه الوسطية والاعتدال في الإسلام، ولن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، لأن الإسلام عندهم هو الإرهاب والوسطية تصلح للقرون الوسطى.
صدق الله العظيم إذا قال: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [البقرة/120]
1/ فنحن عندنا مصطلحات الجهاد، والخروج على الحاكم أو البغي، والحرابة أو قطع الطريق والإفساد في الأرض ونحوها؛ تغنينا عن هذه المصطلحات التي كل يفسرها بهواه.
2/ ينظر البند الخامس من توصيات التقرير ص 20-21 نسخة بالإنجليزية (pdf) في أحد الرابطين الآتيين:
(www.crono911.net/docs/AQB.pdf)
(www.fire-7.com/uploads/12992586552.pdf).
وتنظر ترجمته إلى العربية في موقع شبكة حنين ، المنتدى العام تحت عنوان "أمريكا تثني على ربيع المدخلي وتزكيه"
3/ دعوة هذا المركز لدعم الإخوان مجرد استراتيجية للعلة المذكورة أعلاه، وإلا ففي الجانب الإيديولوجي للنخبة الأمريكية نجد تقرير مؤسسة راند البحثية -التابع للقوات الجوية الأمريكية- (سنة 2007) يحدد الخط الفاصل بين المسلم المعتدل والمسلم المتطرف؛ هو الإيمان بإمكانية تطبيق الشريعة، فلا يكون معتدلا إلا من يصرح بعدم صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق في زماننا.
4/ أقوال المسلم عموما لأن الواقعين في فخ التنازل من أجل كسب رضا الأعداء ليسوا فقط جماعة الإخوان المسلمين.