طوفان الأقصى : أعمق الآثار وأهم الثمار
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فبعد مرور عام من غزوة الطوفان الأقصى، وبعدما كتبنا كثيرا عنه التمس مني أكتب شيئا عما استفدت منه أو عما يرى ثمرة من ثماره، فقلبت النظر في آثاره العميقة وفي ثماره اليانعة التي أثمرها فانتخبت منها ثلاثة قدرت أنها أهمها وأعمقها رأيتها تحققت عند الكثيرين وأود أن تتسع دائرة تحقيقها قدر الإمكان، وهي كالآتي:
أولا : إنها قضيتنا وستبقى قضيتنا
إن قضية فلسطين والأقصى قضية إسلامية وهي قضية الأمة الإسلامية جمعاء، وهي أم القضايا ولابد أن تبقى كذلك؛ مهما كانت الظروف التي تمر بها أقطارنا، ولقد رأينا علماء الجزائر وهم يعيشون تحت نير الاحتلال الفرنسي لم يسكتوا عن قضية الفلسطينية منذ سنواتها الأولى أيام الانتداب الانجليزي إلى غاية حرب 48 وما بعدها، فكان لهم دور بارز في الإسناد المادي والمعنوي، وفي عصرنا هذا قد نشأت أجيال وخلفت خلوف فرط كثير منا في تعريفها بما لها من حق في تلك الأرض وتلقينها ما عليها من واجب تجاهها، إنها أجيال لم تدرك زمان حروب فلسطين القديمة ولا انتفاضات أهلها الحديثة، فلما جاءت هذه الغزوة المباركة أحيت ذكرى الأقصى في قلوب العالمين وجعلت ذكره على طرف كل لسان، فانبعث أمل التحرير في النفوس في جديد واشتعلت الجذوة التي كادت أن تنطفئ، ورأينا لهيبها ينتقل إلى أولادنا فصاروا يرسمون خريطة فلسطين ويتوشحون الكوفية ويقلدون أصوات المجاهدين، ويتطلعون إلى متابعة أخبار إثخانهم في العدو، وإن سماعهم للخطب والدعوات التي كانت ترفع كل يوم، ومشاهدتهم لمظاهر الدعم الشعبي لإخوانهم، قد حفر -مع ما سبق وصفه من حالهم- في كيانهم أن فلسطين أرض إسلامية وعاصمتها القدس مسرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد رسخ في أذهانهم أن قضية فلسطين هي قضيتهم التي لابد أن يتمسكوا بها حتى تتحرر بإذن الله، وكفى بهذا غنيمة أحرزتها أمتنا وكفى به نصرا على الأعداء وعلى مزوري الخرائط وكل من يحاول تبديل الحقائق، أقول هذه الكلمات وأنا أتذكر أيام طفولتي لما كنا نتابع أخبار حرب المخيمات في لبنان ومجازر صبرا وشتيلا الأليمة، وقد عاينت وأيقنت أن تأثير الخبر مع الصورة أبلغ من الكلمات المجردة .
ثانيا : إنها قضية حلها في الجهاد والجهاد ألوان
لقد مرت القضية الفلسطينية في العقود الأخيرة بأسوأ مراحلها، حيث وضع بعض من كان يجاهد سلاحه ورضي بالتقسيم وتعلق بأمل سلم موهوم بشعار مخزٍ: الأرض مقابل السلام، وتلا ذلك موجة التطبيع مع الكيان الغاصب التي وقع في فخها أنظمة عربية عديدة، ولما كاد الثابتون على العهد ييأسون، جاء هذا الطوفان المبارك ليعيد إلى الأمة ذكر الجهاد وذكرياته، وأقنع بأحداثه كل المخلصين أن لا حل لقضيتهم إلا بالعودة إليه، ولقد أباح لنا الطوفان أن نتحدث عن الجهاد دون خوف أو خجل، وأن نسمي أبطال فلسطين بالمجاهدين بعد أن صارت كلمة الجهاد متهمة، لا تكاد تذكر إلا في المناسبات التاريخية، ولا تروى إلا عن الأمم الخالية.
إن هذا الطوفان قد فضح سذاجة وعمالة الطامعين في السلام مع الغاصبين، كما أنه عرى الجبناء المطبعين أمام شعوبهم وأبطل حججهم، فأي سلام يكون مع هؤلاء المجرمين وأي تطبيع يصح أن يبرم تتجاهل فيه أشلاء آلاف القتلى ويغتاظ منه مئات الآلاف من المشردين، لقد أقام أبطال غزة الحجة على الأمة حكومات وشعوبا؛ فأبانوا لهم أن هزيمة العدو ليس أمرا محالا، وأكدوا لهم أن الجهاد فرض ماض إلى قيام الساعة، وأنه إن ترك برهة فلإعداد عدته ليس إلا.
ولقد علمنا الطوفان وعلم أبناء الأمة أن الجهاد الذي أصله الجهاد بالنفس ليس محصورا فيه، وأنه محاط بألوان أخرى من الجهاد تخدمه وتسنده، يمكن لأهل الأقطار البعيدة عن ساحة الوغى أن يسلكوها؛ وهي ألوان لا تختص بمكان كما لا تتعلق بزمان ، وعلى رأسها الجهاد بالمال بدعم أهل الثغور والرباط سواء بتسليحهم أو تضميد جراح أهلهم وإطعامهم وإيوائهم، ومن ألوان الجهاد أيضا الجهاد الاقتصادي الذي تعلمته الأمة من خلال المقاطعة التي نبهتنا إلى عظيم أثر المال في بناء القوة، سواء القوة العسكرية في الحرب أو القوة السياسية في السلم، ومن ألوانه الجهاد الإعلامي الذي له دور في الدعاية والتعريف بقضية فلسطين في العالم بأسره من خلال نقل آلام المضطهدين ومعاناتهم ، وله دور من جهة أخرى في الحرب النفسية ضد العدو وجنوده، ورفع معنويات المجاهدين في الثغور وصب الصبر على أهلهم المكلومين.
ولقد سألني –إثر محاضرات ألقيت -كثير من الطلاب احترقت قلوبهم شوقا إلى الإسهام في نصرة إخوانهم، ولكنهم لم يجدوا ما ينفقون، سألوا عن دورهم وما يمكنهم تقديمه، فأجبتهم بأن نشر الوعي هو واجب كل المثقفين، وأن عليكم نقل هذه الحرقة التي قلوبكم إلى غيركم، وإن لم تكونوا أصحاب أموال لكنكم أصحاب أقلام وكلمة تقدرون على تحريض أرباب الأموال على الإنفاق، وعليكم أن ترفعوا من هممكم في العلم الذي تطلبون فلا يكون غاية مطلبكم شهادة أو وظيفة ؛ وليكن أهل غزة قدوة لكم فإنهم لم يطلبوا العلم من أجل عيش عاجل رغيد، ولكن جعلوه سلما لنصرة قضيتهم في كل مجال، فليكن طلبكم للعلم من أجل تقوية أمتكم، وإن قوة وطنكم من قوة الأمة لأن قوة الكل تأتي من قوة أجزائه، وإذا فقهتم المعنى الواسع للمقاطعة فعلى كل واحد منهم أن يلغي من ذهنه فكرة الاغتراب في أروبا، لأنه باغترابه سيبيع منتجات عقله إلى الأعداء، وكل مغترب هو الآن في خدمة اقتصاد الغربيين، وكل عالم يقدم لهم ثمرات عقله إنما يهديهم ما يتقوون به على أمتنا، وقد رأيتم أروبا كيف كشفت عن حقيقتها إذ هبت جل أقطارها لدعم الكيان الغاصب.
ثالثا : إحياء لحمة الوحدة والولاء المطلق في الإيمان
مما ينبغي الوقوف عنده مليا أن قضية فلسطين قد جمعت قلوب المسلمين المخلصين، ونفت الخبث عنهم، وهي لا تزال كذلك منذ بدايتها؛ فقد جمعت فلسطين الجزائريين على مختلف انتماءاتهم السياسية سنة 1948 ، كما كشف يومها عن ملاحدة شعوبيين كانوا مندسين في صفوف الحركة الوطنية فلفظتهم وطهرت صفوفها منهم، وهي كذلك اليوم قد اجتمع على نصرتها كل المسلمين المخلصين في هذه البلاد وغيرها، وكشفت أيضا عن جيوب شاذة صنعتها فروع الصهيونية في العالم فلفظتهم الأمة ومقتتهم. وإن من أجمل الأشياء أن يجد أبناء الإسلام الذين فرقتهم السياسة وغيرها -وهي أكثر ما يفرق الناس- مظلة تجمعهم ؛ وتذكرهم برابطة الدين الذي لن يجدوا غيره ليجمعهم، وإن من بركة هذا الطوفان أنه ذكرنا برابطة الإيمان التي تربطنا بأهل فلسطين وبجميع أهل الأوطان الإسلامية؛ كما أنه نبه كثيرا منا إلى أن الاشتغال بمعالي الأمور وكبيرها يعتبر أحد سبل الوحدة العملية المنشودة، وربما دعا كثيرين في هذا القطر وغيره إلى إعلاء عقيدة الولاء والبراء التي اعتراها التحريف والانحراف من جهات عدة؛ فحال دون الوحدة الإسلامية المطلوبة والمنشودة؛ فقد أدرك الناس أن الولاء في الإيمان لابد أن يعلو على الأعراق والقوميات، ولابد أن يتجاوز حدود الأوطان والأقطار، ولابد أن تذوب دونه الانتماءات الحزبية الضيقة، ولابد أن لا يتأثر بالاختلافات الكائنة بين المؤمنين مهما كان نوعها. فإن قيل إنه ليس كل الناس أدرك ما تقول يقال إنما ننوه بهذا ونذكره ليتنبه من لم ينتبه، وليلتحق بالركب من لم يلتحق، نسأل الله الهداية والتوفيق والسداد والرشاد والإخلاص في القول والعمل.
للاتصال المباشر يستعمل رقم الهاتف : 0550660118 ...
عقوبة من يدعو إلى دين غير الإسلام في الجزائر ...
صدر كتابان جديدان في يناير سنة 2020 للدكتور محمد حاج عيسى عن دار الإمام مالك البليدة الجزائر 1-عبادة الشكر..يقع في 70 صفحة من الحجم الصغير 2-الوصول إلى الضروري من علم… ...
قائمة الكتب المطبوعة...1-عقيدة العلامة ابن باديس السلفية وبيان موقفه من العقيدة الأشعرية، ومعه أضواء على حياة عبد القادر الراشدي القسنطيني ط1-2003 2-أصول الدعوة السلفية عند العلامة ابن باديس، ط1-2006 3-عوائق… ...
صدر في جويلية 2022 كتاب منهجية البحث في العلوم الإسلامية يقع في 64 صفحة وقد ضمنته برنامج السنة الأولى الجذع المشترك ...
تم بحمد الله التفرغ لتبييض جميع حلقات تربية الأولاد في الإسلام وتم نشرها كلها خلال الشهر الفارط وسنتفرغ بإذن الله لتبييض حلقات شرح منهج السالكين ونشرها تباعا ...
تطلب مؤلفات أد محمد حاج عيسى من موزرع دار الإمام مالك رقم 0552959576 أو 0561461020 ...
صدر في سنة 2021 كتاب منهج البحث في علم أصول الفقه يقع في مجلدين وهي أطروحة للدكتوراه عن دار البصائر العراقية في استنبول . ...
أنشأنا في الموقع فرعا جديدا تحت ركن الدروس والمحاضرات وسميناه : دروس العقيدة الاسلامية للمبتدئين وهو برنامج ميسر للتدريس في المساجد والمدارس القرآنية ...