الجمعة 22 جمادة الثاني 1447

ذكريات مخيمات اللاجئين في تندوف

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

ذكريات مخيمات اللاجئين في تندوف (1)
إن السفر الطويل وحيدا رغم ما يحفه من آفات ومخاطر ، يعتبر في عصرنا نوعا من الخلوة، خلوة قهرية يجد فيها المرء نفسه معتزلا الناس جبرا لا اختيارا، فتكون فرصة له لتعمير وقته بذكر الله تعالى أو مراجعة نفسه عموما أو في مواقف معينة، كما أنه قد تهجم عليه خواطر متعلقة بمشاريع مستقبلية فيضع خططها، وقد تستولي عليه ذكرايات الماضي باسترجاع أحداثها، ومحاولة ترتيبها واستذكار تفاصيلها والوقوف مع عبرها، وقد يتنقل من هذا الى ذاك، ومن خاطرة إلى أخرى، ولا يشعر بكيفية الانتقال ولا بسرعة مرور الزمن ، وربما يغفل حتى عن مراقبة سرعة سيارته، كأنه نائم لكن عيناه مفتحتان، و قد حدث لي هذا الصباح شيء لم يحدث من قبل من شدة الغيبة، فبينما أنا سالك طريقا عبرته ربما مئات المرات -وأقل الجمع اثنان-، من باب الوادي إلى تلمسان ، لم استفق إلا وأنا أرى لافتة في الطريق السيار تقول إني في اتجاه العاصمة، والحمد لله اللطيف بعباده الحفيظ عليهم.
لقد بدأت الرحلة بالذكر ولا شك، ولكن سرعان انتقلت إلى موضوع أهمني منذ مدة، تتابعت عليه منشورات في الفيسبوك، لا أذكره حتى لا يتشعب بنا الحديث، ثم وأنا أحلله ذكرت مواقف حدثت لي في تندوف أثناء زيارتي لمخيمات اللاجئين الصحراويين فيها، وقد كانت خمس زيارات في أربع سنوات، كانت مناسبتها ما يسمى ملتقيات حوار الأديان إلا زيارة واحدة كانت ملتقى خاصا بتكوين وتوجيه الأئمة فيها، وانتقلت من حادثة إلى حادثة، ومن زيارة الى أخرى، وذكرت بعض المشايخ الذين فقدناهم، الشيخ الحبيب يزيد حمزاوي ومواقفه والشيخ الوقور أبا عبد السلام وكلماته وتواضعه، والشيخ المحب نذير حمودي وأعماله -وقد تعرفت عليه هناك - رحمهم الله تعالى وغيرهم من الأحياء والأموات، وممن لا ندري ما فعلت بهم الأيام رحمنا الله وإياهم أجمعين.
وأبدأ بآخر لقاء لقينا فيه الرئيس السابق محمد بن عبد العزيز ، قبل اشتداد مرضه ووفاته رحمه الله، حيث استقبل الوفد الجزائري تكريما له على اسهامه في إنجاح تلك المتقيات، ولكن في تلك المرة لما تداولنا الكلمات، فاجئني الشيخ يزيد -ولا أدري هل تفاجأ غيري- بمحاولته إقناع الرئيس بتوقيف تلك الملتقيات المسمات حوار الأديان، وقوله أن أهل تلك الكنسية الأمريكية لا يؤمنون لا السلام ولا بالحوار ولا حقوق الإنسان، وردد مرارا عبارة تكتيك بلهجته المعروفة التي لا تخلو من حماس وانفعال، أي كل ما يقولونه ويزعمونه إنما هو تكتيك، وقد أجابه الرئيس بكل هدوء على كل جملة قالها بنظيرها خاتما إياها أيضا بكلمة تكتيك ، كما صنع الشيخ يزيد،  والذي فاجئني ليس هو القناعة بذلك في حد ذاتها، فأنا وإياه منذ أن تحدثنا في الموضوع متفقان على ذلك، وكنا حدثنا بذلك المسؤولين الجزائريين، وكذا بعض المسؤولين الصحراويين، وذلك في السنة الأولى التي حضرت فيها ، ولكن المفاجئ لي هو المقام والتوقيت، وأن الشيخ يزيد لم يحدثني بما زوره في نفسه، وربما زاد من انفعالي الذي وصفته بالافتجاء، التخوف من ردة فعل المضيف لنا في خيمته، وهو الذي أظهر لنا إكراما وتواضعا طال عجبنا منه، لكن جوابه الهادئ المرتب جعل الجلسة تمر عادية، وعرفني باختصار أن ممارسة السياسة ليست لأمثالي.
    وقبل أشهر قلبت النت بحثا عن أخبار تلك الملتقيات وعن الصور التي كانت تنشر إشهارا لها، فلم أجد لها أثرا ، وقد كانت من قبل موجودة، فقلت لعل الجميع أيقن أخيرا أن تكتيك الأمريكان كان أمتن، وأن الرجاء في رأفة رعاة الخراب؛ أشد ضلالا ممن يعلق الأمل على السراب.

ذكرايات مخيمات اللاجئين تندوف (2)
٢- من أهم الأشياء التي لاحظتها على هامش تلك الملتقيات ، حيث كنا ننتقل بين المخيمات لالقاء المحاضرات، والإجابة عن أسئلة الناس، الأمر الذي جعلني اكتشف شدة تمسك الصحراويين بدينهم،  وكما يقال بتعبير عصري إنه مجتمع محافظ بل شديد المحافظة، أبديت ملاحظتي لبعضهم فعلمت أنهم يرون أن الأمر في تراجع، وممن تحدثت إليه بذلك شيخ كبير زارنا اسمه سيد أحمد قيل لنا أنه رئيس حكومة سابق، فعلل لي الأمر بأن الاستعمار الاسباني اقتصر على المدن فقط ، ولم يختلط بالمجتمع الصحراوي، كما هو حال الاستعمار الفرنسي. 
٣-ومما سمعته من هذا الشيخ فاذهلني جدا، قوله -ونحن نتحدث عن مهمة مينورسو وعن إشكالية إحصاء السكان الذين لهم التصويت في استفتاء حق تقرير  المصير -: أنهم لم يعدوا الناس الذين كانوا راضين بمساكنة الاسبان في المدن ولم يهاجروا، قال: إن فقهاءنا قالوا لنا انهم ليسوا مسلمين!! فذكرني بأسنى المتاجر للونشريسي، وحسام الدين للأمير عبد القادر، ولم أكن اعلق على كلامه إلا بالسؤال.
 ومما أحفظه من كلامه أنهم قالوا للوسطاء (مينورسو) نحن نريد استفتاء على تقرير المصير، وهم يريدون الحكم الذاتي ، والآن نحن نقبل بأن يدرج في استفتاء تقرير المصير خيار ثالث هو الحكم الذاتي، لكن المغرب رفض ذلك، وإذا فسرنا القرار اللغز الأخير لمجلس الأمن بهذا المعنى، فإن الأمم المتحدة تكون قد تأخرت كثيرا في الاستجابة لهذا المقترح .
٤-كنت البارحة عزمت على تدوين كل تلك الذكرايات، لكني وجدتها كثيرة ، وأشغالي وواجبات الوقت زاحمت تلك الرغبة في تسجيلها ، ولا سيما أنها تحتاج إلى نوع ترتيب ، فاكتفي بما سجلت البارحة واليوم وقد قدمتها لتعلقها بأحداث الأمم المتخذة الأخيرة ، وأرجئ باقيها لوقت لاحق أن أطال الله في العمر، والحمد لله رب العالمين .

تم قراءة المقال 60 مرة