الأحد 27 ربيع الثاني 1447

نافذة على التاريخ : عملية العصفور الأزرق

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

نافذة على التاريخ : عملية العصفور الأزرق

كتب بتاريخ 20 أفريل 2019


أنيسي اليوم كان كتاب "عملية العصفور الأزرق" للشيخ محمد الصالح الصديق، منذ مدة وهو ينتظر دوره لقراءته وقد جاء، وذلك أني كثيرا ما أدفع السآمة والفتور بتغيير جبهة القراءة ووجهة البحث، إلى جهات بعيدة عن تخصصي؛ ولا سيما الكتابات التاريخية المتعلقة بالجزائر .
ولقد استمتعت بقراءة أحداث فصل من فصول هزيمة فرنسا على المستوى السياسي والعسكري، هزيمة تتعلق بأهم عملياتها السرية لضرب الحرب التحريرية الكبرى، وبعد الفراغ منه رأيت أن ألخص أحداث القصة للقراء في مقالة موجزة؛ مع تضمينها تعليقات مقتضبة .
لقد كانت هذه المؤامرة التي عرفت عند المجاهدين "بعملية العصفور الأزرق" مؤامرة محبوكة من جهاز المخابرات الفرنسية حبكا دقيقا في ظنهم؛ مما جعل المسؤولين السياسيين يسبقون الأحداث ويتنبؤون بانهيار وشيك لجيش التحرير الوطني، ولكن دهاء المجاهدين الأحرار حولها إلى نصر عظيم لجيش التحرير، وقد عُرف بالعملية في غلاف الكتاب بأنها:"أخطر عملية وأخسها دبرها قادة الاستعمار الفرنسي لإحباط ثورة الجزائر التحريرية، فقلبها عليهم دهاة الثورة، فكانت بردا وسلاما على الجزائر، وشؤما ووبالا على فرنسا" .
بداية القصة كانت مع تعيين جاك سوستال اليهودي سنة –1955- واليا على الجزائر؛ حيث دبر بمعية أجهزته مؤامرة تقضي بتكوين مليشيات مسلحة مدربة تلتحق بالمجاهدين في منطقة القبائل، وتتوغل في صفوفهم، ثم تشرع في اغتيال القيادات، وإذا نجحت العملية وسعت إلى الجهات الأخرى، وكلفت أجهزته بإدارة خطواتها الأولى خائن من الخونة المخلصين من ناحية عزازقة، كانت له شركة نقل بري خاصة تسمى "العصفور الأزرق"؛ ولكن مشيئة الله أعمت بصيرة الخائن الذي فكر شخص واسع العلاقات وكتوم ليقوم باختيار هؤلاء الشباب الذين سيتم تجنيدهم؛ فلم يجد أصلح لهذه المهمة من صديقه "أحمد زيدان" الذي كان يمتلك مطعما في مدينة عزازقة؛ لكنه بهذا الاختيار قد أخطأ خطأ فادحا، لأن أحمد زيدان كان رجلا وطنيا قد انضم للثورة؛ لكنه كان يتكلف قول وفعل ما يبعد عنه شبهة التعاون مع المجاهدين
    فلما عرض عليه الأمر لم يجبه صاحبنا فورا ، وطلب مهملة للتفكير، لأنها مهمة صعبة وخطيرة، ثم انه سارع للاتصال بمسؤول الناحية محمد اعزورن (المعروف بالسي سعيد وسيصبح أحد العقداء) وهذا الأخير أعلم مباشرة كريم بلقاسم المسؤول الأول على منطقة القبائل في تلك المرحلة، وبعد مشاورة محمدي السعيد وعلي ملاح (والمعروف بالسي الشريف وسيصبح أحد العقداء وقائدا للولاية السادسة بعد مؤتمر الصومام) اتفق الأربعة على "التعاون مع سوستيل لتحقيق المشروع" وكُلّف محمد إعزورن بمهمة اختيار المناضلين المخلصين الأذكياء القادرين على تحمل أعباء هذه المخاطرة، ولا يمكن أن تشك فيهم الادارة الفرنسية.
 وحينها أعلن أحمد زيدان القبول للعميل، وتم تجنيد ما لا يقل عن 600 شاب، جمعوا في معسكرات مختلفة بغرض تدريبهم قبل إطلاقهم لاختراق صفوف المجاهدين، وفي سنة 1956 صار لاكوست هو والي الجزائر فتايع المشروع، ولما صرح تمهيدا لإطلاق العملية بتاريخ 28 سبتمبر 1956 بقوله: "سنتحصل في أواخر أكتوبر على نتائج هامة لها دلالتها الكبيرة جدا... وقد بدأ المسلمون يرفضون أوامر قادتهم، كما ان الفرق المسلحة لم تعد تخفي مللها وتعبها"؛ أصدر كريم بلقاسم الأوامر بالالتحاق الفوري لأعضاء المنظمة بصفوف جيش التحرير بعدتهم وعتادتهم؛ وكان ذلك في 30 سبتمبر.
 ولم ينس أحمد زيدان أن يهدي ثلاث طلقات للعميل ليرديه قتيلا قبل أن يلتحق بالمجاهدين في الجبال؛ فكانت الحادثة فاجعة بأتم معنى الكلمة للمخابرات الفرنسية وجيشها..
 هذه هي القصة باختصار.. وفي الحقيقة كنت انتظر من الكتاب تفاصيل أكثر وتدقيقا في الأخبار، وخاصة أن العقيدة السعيد اعزورن (ت1988) كان صديقا حميما للمؤلف، أسفت لسرعة انتهاء القصة، ولكني وجدت عوضا في تلك القائمة الطويلة التي حوت نحو 260 اسما من أعضاء هذه المنظمة، حتى أن عينى دمعت، وأنا أقلب تلك الصفحات وأقرأ تلك الأسماء...كما أن للكتاب في هذه الطبعة الثانية ملحقات مهمة فيها فوائد وزوائد.. رحم الله الشهداء الأبرار.

تم قراءة المقال 18 مرة