الأربعاء 10 ربيع الثاني 1434

منهج البحث في علم أصول الفقه (مقدمة أطروحة دكتوراه)

كتبه 
قيم الموضوع
(19 أصوات)

 

   إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا e عبده ورسوله.

   أما بعد: فقد عرفت الأمة الإسلامية في العصر الحديث نهضة علمية شاملة بعد طول جمود وركود، وذلك لما استجاب طوائف من الناس لدعوة المصلحين الذين جعلهم الله تعالى حجة على خلقه وسببا لتجديد دينه، وقد أيقن الجميع أن هذه النهضة لا تكون حقيقية فاعلة ولا دائمة باقية إلا بتحرير الفكر وفتح باب الاجتهاد في الفقه بعد تأهيل الناس إليه، ولا شك أن التجديد في ميدان الفقه لا يتم إلا على أيدي أناس فقهاء قادرين على إرجاع كل حكم إلى دليله النقلي أو علته التي بني عليها، ولا يعجزهم الترجيح بين الأقوال المختلفة المتعارضة، واختيار ما هو أشبه بالأدلة وأقرب إلى تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية، ومتمكنين من التخريج والتفريع وإلحاق كل حادثة بأصلها، ولتحصيل هذه الأهلية كان لا بد من العناية بعلم الأصول الذي هو مفتاح باب الاجتهاد وأول شروطه وأهمها على الإطلاق، ولا يخالف منصف أن علم الأصول ميزان الفقه وقانون الفكر وضابط الفهم في دين الله تعالى.

   ولكن المتأمل فيه كما هو مدون في أكثر المصنفات الأصولية يجده لا يوصل إلى الهدف المنشود والغاية التي وجد من أجلها، وذلك للخلل الكثير الموجود في طريقة عرضه وصياغته، حيث سلك مصنفوا تلك الكتب مسالك غيَّرت كثيرا من معالم هذا العلم الشريف حتى آل إلى ما هو عليه الآن.

 

منهج البحث في علم أصول الفقه (مقدمة أطروحة دكتوراه)

 

ومما هو منتقد على هذه التصانيف أمور متعلقة بالمضمون: كإدخال مسائل كلامية وأخرى فرضية لا أثر لها في الفقه والاستدلال، ومناقشة مسائل لغوية دقيقة كان الواجب أخذها مسلمة كما قررها أهل اللغة، وكذلك مناقشة مسائل حديثية محضة، وربما خالفوا أهل الحديث فيها ولم يعتبروا قولهم، في حين نجد اعتبار أقوال الطوائف المنحرفة وإحداث المذاهب الجديدة التي لم يقل بها أحد من السلف، ومن أقدم من نبه على وقوع الخلل في المضمون الغزالي في مقدمة كتابه المستصفى والمازري في شرح البرهان وشهَّر ذلك الشاطبي في الموافقات .

ومنها أمور متعلقة بالشكل وطريقة العرض والاستدلال ونسبة المذاهب، كطغيان الأدلة العقلية على الأدلة الشرعية وكثرة الجدل، والوهم في نسبة الأقوال إلى أئمة المذاهب، ووقوع الخطأ في تصوير المسائل، وفي تحرير محل النزاع، والغلو في اعتبار الحدود المنطقية والمناقشات اللفظية، إضافة إلى الاختصار الذي عقد كثيرا من المصنفات، ومن أقدم من نبه على وقوع الخلل في طريقة العرض ابن خلدون في مقدمته، وممن نبه على الخلل في الجهتين المضمون وطريقة العرض ابن تيمية في منثور كلامه والصنعاني في كتابه مزالق الأصوليين.

لذلك ظهرت في هذا العصر الدعوة إلى تجديد علم أصول الفقه، تجديدا يتضمن تجريده من الشوائب العالقة به، وتصفيته مما ليس منه، وكذا إعادة صياغته صياغة جديدة تتناسب مع مناهج البحث المعاصر.

وقد رأيت الطريقة المثلى لبسط القضايا المتعلقة بتجديد علم الأصول: مناقشتها في بحث شامل عنوانه « منهج البحث في علم أصول الفقه ».

أسباب اختيار الموضوع

من خلال الإشكالية المطروحة يتضح السبب الرئيس لاختيار هذا الموضوع، وهو الإسهام في خدمة فكرة الصياغة الجديدة للعلم ليكون أكثر فاعلية وإنتاجا، وذلك بجمع تلك المآخذ في بحث شامل مع تأييدها بالأمثلة التي تقطع كل الشكوك في صدق دعوى المنتقدين.

ومما لفت انتباهي إلى الموضوع: أني لما قمت بدراسة أصول الفقه عند الشافعي رحمه الله، وتطرقت إلى منهجه في هذا العلم تبين لي أسس كثيرة سار على وفقها، وقد خالفه فيها أكثر من جاء بعده، وهذه الأسس في غاية الأهمية لأنها تعبِّر عن المنهج الأصولي الأصيل الذي كان في العصر الذهبي للفقه الإسلامي.

أهمية الموضوع

ويمكن تلخيص أهمية هذه الدراسة في النقط الآتية :

1-بيان أن العجز الذي تعيشه الأمة والجمود الذي عرفته في الجانب الفكري والفقهي راجع أساسا إلى الشوائب التي علقت بالإسلام الصافي والنقي لا إلى الإسلام في حد ذاته، وأن الخلل ليس في ذات علم أصول الفقه وإنما في الصياغة التي طغت على كتب المتأخرين من الأصوليين.

2-تحديد المفهوم الصحيح لتجديد الدين، وهو تصفية المضمون والرجوع به إلى ما كان عليه السلف، وترقية الشكل وتطوير صياغته على وفق منهج يحقق الغايات والأهداف.

3-وضع كتاب شامل يناقش منهج البحث في علم أصول الفقه بطريقة موسعة، وهذا أمر قل من تعرض له مع كثرة البحوث والدراسات في هذا الزمان إلا في دراسات لبعض القضايا الجزئية كالجدل والاستقراء عند الأصوليين.

الدراسات السابقة

ليس هناك فيما أعلم من تناول هذا الموضوع بالدراسة بصفة كلية وشاملة، لكن هناك من ألف كتبا قصد بها خدمة جانب من الجوانب التي تحتاج إلى علاج ودراسة، نذكر منها ما يأتي:

1-منهج البحث في أصول الفقه لعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، وهو بحث مختصر في نحو خمس وأربعين صفحة تعرض فيه إلى جملة من القضايا المنهجية في البحث والتأليف في علم أصول الفقه من غير استيعاب وهي كالآتي: التصوير العام، والإفادة من آراء المخالفين، واستدلالات الأصوليين، والجدل الأصولي، والعقيدة وأصول الفقه، والفروع وأصول الفقه.

2-التجديد والمجددون في أصول الفقه، وهي دراسة قدمها عبد السلام بن محمد بن عبد الكريم لنيل درجة الدكتوراه، جعلها في ثلاثة أبواب، تطرق في الباب الأول إلى جمود علم أصول الفقه عند المتأخرين ومدى الحاجة إلى تجديده، وذكر في الباب الثاني الجهود النقدية والتجديدية في علم أصول الفقه قديما وحديثا، وناقش فيه القضايا المنهجية التي أثارها ابن حزم والجويني والغزالي والعز بن عبد السلام وابن تيمية والشاطبي، وشرح في الباب الثالث: المنهج المقترح للنهوض بالدراسة الأصولية على هدي الجهود السابقة، لكنه في تقديري لم يستوعب القضايا التفصيلية لمنهج البحث، واقتصر فيما ذكره على دراسة نظرية غير معمقة، وأدرج في الباب الأخير قائمة بما يقترح إضافته إلى علم الأصول خرج فيها عند المقصود.

3-السبيل إلى تصفية علم الأصول من الدخيل لأسامة محمد عبد العظيم، وهي رسالة موجزة نبه فيها مصنفها على قضايا كلية لابد من حذفها من كتب الأصول وضرب لها أمثلة مستلة من مختصر ابن الحاجب ومنهاج البيضاوي، وقد جعله في الفصول الآتية: نفي خلاف غير المسلمين، ونفي خلاف الفرق الضالة، ونفي خلاف الأفراد من الفرق الضالة، وحذف ما لا جواب عنه، وحذف الأمثلة الفرضية، ونفي الخلاف اللفظي، ونفي ما لا قائل به من المذاهب.

[عملي في البحث ومنهج الكتابة]

وفيما يلي بيان الخطوط العريضة لعملي في هذا البحث ومنهجي في كتابته:

أولا : الاستقـراء والجمـع

وقد قرأت من أجل ذلك مصادر متنوعة قبل الشروع في كتابة المباحث هي: الفصول للجصاص والمقدمة لابن القصار والتقريب للباقلاني، والمعتمد لأبي الحسين وتقويم الأدلة للدبوسي، والإحكام لابن حزم والتلخيص والبرهان كلاهما للجويني، والقواطع لابن السمعاني، والعدة لأبي يعلى، واللمع والتبصرة كلاهما للشيرازي وإحكام الفصول والإشارة كلاهما للباجي، والأصول للسرخسي، والمستصفى للغزالي والواضح لابن عقيل والمحصول لابن العربي، والضروري لابن رشد ولباب المحصول لابن رشيق، والميزان للسمرقندي والأصول للامشي وأصول البزدوي، والمحصول للرازي والإحكام للآمدي، وشرح التنقيح ونفائس الأصول كلاهما للقرافي، وشرح مختصر الروضة للطوفي، والتقريب لابن جزي، والإبهاج ورفع الحاجب كلاهما لابن السبكي، والبحر المحيط وتشنيف المسامع كلاهما للزركشي، وإجابة السائل للصنعاني وإرشاد الفحول للشوكاني ونثر الورود للشنقيطي، والتحقيقات شرح الورقات لابن قاوان، كما رجعت إلى غيرها مما تيسر من المصنفات الأصولية والدراسات الحديثة عند النظر في المسائل الجزئية للبحث.

ثانيـا : كتابـة المباحـث

بعد الباب الأول التمهيدي ناقشت القضايا الأصلية في الموضوع وفق المنهجية الآتية:

1-التنظير والتأصيل، وأبحث فيه المسألة المنهجية التي أريد مناقشتها بإيراد الحجج النظرية لها وضوابطها، ومناقشة وجهة نظر المخالفين إن أمكن مع الاستئناس بكلام أهل العلم المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين.

2-التطبيق والتمثيل، وأذكر فيه نماذج تؤكد ما ذكرته في الجانب النظري مع الشرح وبيان وجه الربط وموضع الانتقاد، أو يكون فيها أمثلة لما ينبغي اجتنابه في العلم أو تصحيحه.

ثالثـا- الهوامـش :

1- عزوت الأقوال والأفكار المنقولة إلى مصادرها ذاكرا الاسم المشهور للكتاب أو ما يكفي للدلالة عليه مع اسم مصنفه، وحيث تتعدد المصادر أرتبها في الغالب ترتيبا زمنيا ، وأرجأت التعريف بالطبعات المعتمدة إلى فهرس المراجع .

2- خرجت الأحاديث من مصادرها بحسب الحاجة، فإن كان في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بذلك، وإن كان في الكتب الأربعة اكتفيت بها أيضا.

3- أما الآيات القرآنية فخرجتها في الصلب توفيرا للهامش (وقد ضبطت الآيات على وفق رواية حفص عن عاصم وترقيم الكوفيين).

4- وأما الأعلام فترجمت لهم في ملحق خاص أغنى عن فهرس الأعلام وحل محله، وذلك تيسيرا على القارئ وتجنبا لإثقال هوامش بعض الصفحات، غير أني لم أترجم للأعلام الذين ورد ذكرهم في الفصل الرابع من الباب الأول نظرا لكثرتهم.

رابعـا-الفهـارس

قد زودت البحث بالفهارس الآتية :

1-فهرس الآيات القرآنية .

2- فهرس الأحاديث

3-فهرس الآثار .

4- فهرس الأعلام وتراجمهم .

5- فهرس المصادر والمراجع.

6- فهرس الموضوعات.

خطة البحث

الباب الأول : علم الأصول؛ حقيقته وتطوره والحاجة إلى تجديده

الفصل الأول : مدلول منهج البحث في علم أصول الفقه

الفصل الثاني : مصادر علم أصول الفقه

الفصل الثالث : مكانة علم أصول الفقه

الفصل الرابع : المراحل التي مر بها علم أصول الفقه

الفصل الخامس : طرائق التصنيف في علم أصول الفقه

الفصل السادس : المتكلمون وعلم أصول الفقه

الفصل السابع : عوامل جمود علم أصول الفقه وآثاره

الفصل الثامن : مشروعية التجديد في أصول الفقه

الفصل التاسع : ملامح التجديد في علم أصول الفقه

الفصل العاشر : الرد على دعاة التجديد العصراني

الباب الثاني : منهج تصوير المسائل الأصولية وعرضها

الفصل الأول : الحدود والتعاريف

الفصل الثاني : الأمثلة الفقهية

الفصل الثالث:  التفريع الفقهي

الفص الرابع : تحرير محل النزاع

الفصل الخامس : اختلاف الاصطلاح

الفصل السادس : التقسيمات النظرية

الفصل السابع : تصور المسائل الأصولية

الفصل الثامن : الاختصار

الفصل التاسع : اللغة والأسلوب

الفصل العاشر : الترتيب والعرض

الباب الثالث : منهج تحرير المذاهب

الفصل الأول : حكاية الخلاف

الفصل الثاني : أقوال أئمة المذاهب

الفصل الثالث : تحقيق نسبة الأقوال

الفصل الرابع : من لا يعتد بقوله في الأصول

الفصل الخامس : المذاهب المحدثة

الفصل السادس : مذاهب المحدِّثين

الفصل السابع : مذاهب اللغويين

الفصل الثامن : مذاهب الفقهاء

الفصل التاسع : الخلاف اللفظي

الفصل العاشر : الجواز والمنع العقليان

الباب الرابع : منهج الاستدلال على القواعد الأصولية

الفصل الأول : الاستدلال على القواعد الأصولية

الفصل الثاني : استقراء الأدلة في أصول الفقه

الفصل الثالث : طلب القطع في أدلة أصول الفقه

الفصل الرابع : التثبت في الرواية

الفصل الخامس : الاحتجاج بالإجماع

الفصل السادس : الاستدلال بالمعقول

الفصل السابع : مناقشة أدلة المخالفين

الفصل الثامن : بناء مسائل الأصول على الفروع

الفصل التاسع : بناء مسائل الأصول على الكلام

الفصل العاشر : استقلالية الترجيح في الأصول

الباب الخامس : مسائل علم الأصول

الفصل الأول : موضوع علم الأصول

الفصل الثاني : مسائل الأدلة الشرعية

الفصل الثالث : المسائل الكلامية

الفصل الرابع : المسائل الفرضية والنظرية البحتة

الفصل الخامس : المسائل اللغوية

الفصل السادس : المسائل الحديثية

الفصل السابع : المسائل الفقهية

الفصل الثامن : المسائل المنطقية

الفصل التاسع : مسائل علم الجدل

الفصل العاشر : مسائل الأحكام والاجتهاد

نتائج البحث

وقد اجتهدت قدر الوسع في تهذيب بحثي هذا وتنقيحه، فما أصبت فيه فبفضل من الله سبحانه، وما أخطأت فيه فمن نفسي وبسبب تقصيري، والعصمة لمن عصمه الله تعالى والكمال لكتابه، وأما سوى ذلك فراد ومردود عليه. وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يوفقني لمزيد من فضله، وأن يتجاوز عما زل فيه القلم وزاغ فيه الفهم، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

 

تم قراءة المقال 30567 مرة