المبحث الرابع :
نقد شهادات من قال برجوع الأشعري إلى عقيدة السلف
بعد أن بينت الأخطاء الاعتقادية التي وردت في المقالات والإبانة، وفندت قول من رأى أن الأشعري مر بثلاث مراحل آخرها الاستقرار على عقيدة السلف ، أرجع في هذا المبحث إلى نقد الشهادات المعتمدة للقول برجوعه إلى عقيدة السلف، وقد جعلته في المطالب الآتية :
المطلب الأول : الاعتماد على ثناء الأشاعرة على الأشعري
المطلب الثاني : الاعتماد على كلمات مجملة وأخرى مصحفة
المطلب الثالث : الاعتماد على تزكية لمجهول فيها ما يردها
المطلب الرابع : إنصاف الإبانة ومفاد رسالة ابن درباس
المطلب الأول : الاعتماد على ثناء الأشاعرة على الأشعري
من الأمور التي تمسك بها من قال برجوع الأشعري إلى عقيدة السلف بعض الشهادات الصادرة من بعض الأعلام، التي إذا تأملناها وجدناها لا تعدو أن تكون من مدح أئمة المذهب الأشعري ومؤرخيه لشيخ مذهبهم وطريقتهم، والذي لا شك فيه أن مثل هذه التزكيات والشهادات لا ينبغي أن تعتمد في مثل موضوع بحثنا وهو رجوع الأشعري إلى عقيدة السلف، لأن مراد من تكلم بكلمة "السنة" و""أهل السنة" غير مراد من يستدل بها.
والأشاعرة الذين يراد إقامة الحجة عليهم أغلبهم يظن أن عقيدته هي عقيدة السلف وأهل السنة، إذ جميعهم يقول إن الأشعري بعد رجوعه عن الاعتزال نصر مذهب السلف وعقيدة أهل السنة بالطريقة الكلامية، وهم جميعا يسمون أنفسهم أهل السنة وأهل الحق، ويصفون السلفيين السنيين بحق "حشوية" و"مجسمة" و"مشبهة" و"كَتَبَة الحديث" وغير ذلك من الألقاب التي يراد بها الذم ليس إلا.
وهذا في تقديري خطأ واضح بيِّن لا يحتاج إلى شرح طويل، وإن كان قد وقع فيه شيوخ أفاضل وعلماء سنيين أجلاء، ولا عصمة لأحد من السهو والخطأ، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وفيما يأتي بيان لتلك الشهادات.
أولا : شهادة أبي بكر بن فورك (ت:406)
من هذه الشهادات المعتمدة قول أبي بكر بن فُورك :« رجع الأشعري عن الاعتزال إلى مذهب أهل السنة سنة ثلاثمائة »([1]).
وابن فورك من أشهر أعلام الأشاعرة والمتنصرين لآراء الأشعري، وهو صاحب كتاب مجرِّد مقالات الأشعري الذي جمع فيه آراء الأشعري الكلامية من مختلف كتبه، وهو صاحب كتاب مشكل الحديث الذي أول فيه الصفات الواردة في السنة ما صح منها وما لم يصح وضمنه الرد على كتاب التوحيد لابن خزيمة وكتاب الأسماء والصفات للصبغي أحد تلاميذ ابن خزيمة، وهو في التأويل قد تعدى مذهب الأشعري إلى تأويل الصفات الذاتية كلها، ومع ذلك يزعم أنه ألف كتابه للدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة وأهل الحق والسنة، ويصف المثبتين لتلك الصفات بالمبتدعين والمجسمين.
فشهادة من هذه حاله للأشعري بأنه كان على السنة لا تفيد شيئا، ثم إن المتامل للعبارة المنقولة يجده يجعل للأشعري مرحلتين لا ثالث لهما، إذ لم يذكر للأشعري بعد الاعتزال إلا مرحلة واحدة وصفها بأنها مذهب أهل السنة الذي يعتقد هو أنه مذهب أهل السنة، وهذا يجعلنا نعكس الاستدلال بهذا النص بأنه لا تعرف للأشعري مرحلة ثالثة لأن ابن فورك من أعلم الناس بالأشعري ومذهبه كما سبق.
ثانيا : شهادة القشيري (ت:465)
ومنها قول أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري:« واتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن كان إماما من أئمة أصحاب الحديث ومذهبه مذهب أصحاب الحديث، وتكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة»([2]).
ولا يخفى أمر القشيري عقيدة وعلما بمذاهب المحدثين، فهو أشعري صوفي مشهور، ولم يكن من أهل الحديث رواية ولا نقدا ولا عقيدة، قال الخطيب البغدادي:« وكان يعرف الأصول على مذهب الأشعري والفروع على مذهب الشافعي»([3]). ووصف أهل الحديث عنده وعند ابن فورك سابقه يشمل رواة الحديث الذين لا شأن لهم بفقهه أو تأويله ويشمل من سموهم أهل النظر والعقل الذين يفقهون معناه وتأويله ، وهم يعدون أنفسهم وأهل الكلام على طريقتهم من الصنف الثاني من أهل الحديث ، أما أهل الحديث بحق فهم عندهم المشبهة والمجسمة.
وهذا النص عبارة عن وثيقة كتبها القشيري بخطه، ثم وقع عليها جمع من الأشاعرة الذين كانوا في بغداد أيام حدوث الفتنة بينهم وبين أهل السنة.
والاتفاق المذكور غير مسلم فإن أهل السنة لم يرضوا عن الأشعري وطريقته ابتداء من معاصري الأشعري إلى من عاصر القشيري ومن بعده، فمن معاصري الأشعري ابن سريج (ت:306) الذي اشتهر عنه ذم الكلام وأهله وقد قد اعتبر مجدد القرن الثالث ([4])، ومنهم البربهاري (ت:329) الذي لم يقبل من الأشعري كتابه الإبانة ([5]).
وممن نقل عنهم إنكار مذهب الأشعري وابن خويز منداد (ت:390) الذي قال: « أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام ، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريًا كان أو غير أشعرى، ولا تقبل لهم شهادة في الإسلام، ويهجر ويؤدًّب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها»([6]).
وممن اشتهر عنه ذلك أبو عبد الله ابن منده (ت:395) ومن أقواله:« ليتق الله امرؤ وليعتبر بمن تقدم ممن كان القول باللفظ مذهبه ومقالته، وكيف خرج من الدنيا مهجورًا مذمومًا مطرودًا من المجالس والبلدان؛ لاعتقاده القبيح وقوله الشنيع المخالف لدين الله مثل: الكرابيسي والشواط وابن كُلًّاب وابن الأشعري، وأمثالهم ممن كان الجدال والكلام طريقه في دين الله عز وجل» ([7]) ومنهم أبو حامد الإسفرائيني(ت:406) الذي كان يعلن براءته من الباقلاني الأشعري ومن قوله في القرآن كل يوم جمعة([8]).
ومنهم أبو نصر السجزي(ت:444) الذي صنف كتاب الرد على من أنكر الصوت والحرف، ومن أقواله :« ثم بُلِىَ أهلُ السنة بعد هؤلاء بقوم يدَّعون أنهم من أهل الإتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم، وهم : أبو محمد بن كُلًّاب وأبو العباس القلانسي وأبوالحسن الأشعرى. وبعدهم محمد بن أبى تريد بسجستان، وأبو عبد الله بن مجاهد بالبصرة. وفى وقتنا: أبو بكر بن الباقلانى ببغداد، وأبو إسحاق الإسفرايينى، وأبو بكر بن فورك بخرسان فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم، ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردُّوه على المعتزلة» ([9]).
ومن المعاصرين للقشيري أبو إسماعيل الهروي (ت:481) الذي صنف كتاب ذم الكلام وكان يبالغ في الرد على الأشعرية، وربما لعنهم ([10]).
ثالثا : شهادة ابن عساكر (ت:571)
وأما أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر فإنه وإن كان أحفظ أهل زمانه إلا أنه أشعري صرف، وكتابه تبيين كذب المفتري شاهد على ذلك، حيث لم يكتف فيه بالدفاع عن الأشعري بل زاد على ذلك أن ترجم لطبقات الأشعرية الناشرين لضلالات الأشعري، ومما مدح به الأشعري في مقدمة كتابه قوله:« أشد العلماء اهتماماً بعلم الكلام، وألدهم لمن حاول الإلحاد في أسماء الله وصفاته خصاماً، وأمدهم سناناً لمن عاند السنة، وأحدهم حساماً وأمضاهم جناناً عند وقوع المحنة وأصعبهم مراماً، ألزم الحجة لمن خالف السنة والمحجة إلزاماً، فلم يسرف في التعطيل، ولم يغل في التشبيه، وابتغى بين ذلك قواماً، وألهمه الله نصرة السنة بحجج العقول، حتى انتظم شمل أهلها به انتظاماً، وقسم الموجودات من المحدثات أعراضاً وجواهر وأجساماً، وأثبت لله سبحانه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات إعظاماً، ونفى عنه ما لا يليق بجلاله من شبه خلقه إجلالاً له وإكراماً، ونزهه عن سمات الحدث تغيراً وانتقالاً وإدباراً وإقبالاً وأعضاء وأجراماً، وائتم به من وفقه الله لاتّباع الحق في التمسك بالسنة ائتماماً»([11]).
وفي هذا الدفاع إقرار بمخالفته لمنهج أهل السنة والجماعة في العقيدة بالخوض في الجواهر والأعراض، وبنفي الصفات الموهمة للحركة والانتقال والصفات الدالة على معنى الأعضاء كما هو تعبيره، وهذا مع عدم صحة نسبته بهذا الإطلاق للأشعري -كما سبق تحقيقة- يدل على فساد معتقد ابن عساكر في باب الصفات مما يبطل الاستدلال بما تضمنه كلامه من نصرة الأشعري للسنة والاعتماد عليه في القول برجوعه على عقيدة السلف في مرحلة ثالثة.
رابعا : شهادة ابن السبكي (ت:771)
والكلام نفسه يقال عن ابن السبكي الأشعري المشهور بتعصبه على أهل السنة والجماعة نصرته للأشعرية، وقوله في مدح الأشعري:« أبو الحسن الأشعري كبير أهل السنة بعد الإمام أحمد ابن حنبل وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد رحمة الله واحدة لاشك في ذلك ولا ارتياب وبه صرح الأشعري في تصانيفه، وذكره غير ما مرة من أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل، هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه».
وهذا لا يفيد شيئا لأن فائدة هذا النقل عنده أن كل ما يقوله الأشعري في كتبه هو عقيدة الإمام أحمد والسلف وأهل السنة، وهذا ما يقوله الأشاعرة يقولون إن الأشعري نصر عقيدة السلف بطريقة الكلام، وهذا الكلام كله باطل؛ فعقيدة الإمام أحمد تعرف بالنقل عنه وعن أصحابه لا بنقل الأشعري الذي لم يكن له علم بتفصيل عقائد السلف، والزعم بأنه نصر عقائد السلف بطريقة الكرم فرع التسليم بمعرفته لعقائد السلف ونحن لا نسلم معرفته بدقائقها إلا جمل المقالات التي يوافقها في الظاهر ويخالفها عند التفسير والاستدلال.
ويقول ابن السبكي بعد أن سرد جملة من عقائد الأشعري وفيها الكثير مما يخالف عقيدة أهل السنة:« وفى الجملة لا يجحد علم الكلام إلا أحد رجلين جاهل ركن إلى التقليد وشق عليه سلوك أهل التحصيل وخلا عن طريق أهل النظر والناس أعداء ما جهلوا فلما انتهى عن التحقق بهذا العلم نهى الناس ليضل غيره كما ضل، أو رجل يعتقد مذاهب فاسدة فينطوى على بدع خفية يلبس على الناس عوار مذهبه ويعمى عليهم فضائح طويته وعقيدته ويعلم أن أهل التحصيل من أهل النظر هم الذين يهتكون الستر عن بدعهم ويظهرون للناس قبح مقالتهم»([12]).
وهو يصف أهل السنة بحق بالحشوية ويذمهم بالبدعة، وذلك أشهر من أن يظهر يكفي أن ننقل قوله في أبي إسماعيل الأنصاري الهروي :« وللأنصاري أيضا كتاب الأربعين سمتها أهل البدعة الأربعون في السنة، يقول فيها باب إثبات القدم لله باب إثبات كذا وكذا، ... ومن مصنفاته التي فوقت نحوه سهام أهل الإسلام كتاب ذم الكلام وكتاب الفاروق في الصفات وكتاب الأربعين وهذه الكتب الثلاثة أبان فيها عن اعتقاد التشبيه وأفصح»([13]).
وهو يعد ابن تيمية رأسا في الضلالة، ومن أقواله :« واعلم أن هذه الرفقة أعني المزي والذهبي والبرزالي وكثيرا ما أتباعهم أضر بهم أبو العباس ابن تيمية إضرارا بينا، وحملهم على عظائم الأمور أمرا ليس هينا وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم وأوقفهم في دكادك من نار المرجو من الله أن يتجاوزها لهم ولأصحابهم»([14]).
وإذا علم هذا تبين أنه لا معنى لتصريح ابن السبكي برجوع الأشعري إلى السنة ولا بكونه على عقيدة أحمد بن حنبل.
خامسا : شهادة ابن خلكان (ت:681)
وكذلك يقال عن عبارة ابن خلكان: «كان أبو الحسن الأشعري معتزليا ثم تاب». فإنها بغض النظر عن معتقد قائلها لا تفيد سوى المعنى المتفق عليه وهو تركه الاعتزال وتمامه :« ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة»، وقد قال في ترجمته أيضا:« هو صاحب الأصول والقائم بنصرة مذهب السنة، وإليه تنسب الطائفة الأشعرية، وشهرته تغني عن الإطالة في تعريفه، والقاضي أبو بكر الباقلاني ناصر مذهبه ومؤيد اعتقاده»([15]).
وهذا الكلام يؤكد أن ثناءه على الأشعري لا يختلف عن ثناءه عن الباقلاني وعن جميع المنتسبين إليه .
سادسا : ابن فرحون (ت:799)
وأما برهان الدين إبراهيم بن علي ابن فرحون الذي قال :« كان أبو الحسن الأشعري في ابتداء أمره معتزلياً، ثم رجع إلى هذا المذهب الحق، ومذهب أهل السنة ». فأمره لا يختلف عن سابقيه فهو أشعري على طريقة المتأخرين وليس في كلامه أكثر من الدلالة على الرجوع عن مذهب المعتزلة .
المطلب الثاني : الاعتماد على كلمات مجملة وأخرى مصحفة
وكذلك اعتمد من رأى خلاف ما ذكرنا على أقوال صدرت من أئمة سلفيين، لكن بعضها نقله مصحفا والبعض الآخر كلام مجمل ينبغي أن يرد إلى الكلام المبين المفصل.
أولا : النقول المصحفة
وأعني بالنقل المصحف نقلان أحدهما عن ابن تيمية والآخر عن الذهبي .
أما ابن تيمية فقد نُقل عنه أنه قال :« لما رجع الأشعري عن مذهب المعتزلة سلك طريق أهل السنة وانتسب إلى أحمد بن حنبل كما ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها »([16]).
والنقل الصحيح كما في الدرء وعنه في اجتماع الجيوش الإسلامية :« لما رجع الأشعري عن مذهب المعتزلة سلك طريق [ابن كلاب ومال إلى] أهل السنة وانتسب إلى أحمد بن حنبل كما ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها »([17]).
وهذا السقط مؤثر جدا في المعنى فالرجل مال إلى أهل السنة وانتسب إليهم، أما الطريق الذي سلك فهو طريق ابن كلاب والمقصود انه سلك طريقه في باب الأسماء والصفات.
وأما الذهبي فقد نقل عنه أنه قال في كتاب العلو:« كان أولا معتزليا أخذ عن أبي علي الجبائي ثم نابذه ورد عليه وصار متكلما للسنة ووافق أئمة الحديث، فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن الأشعري ولزموها لأحسنوا، ولكنهم خاضوا كخوض القدماء الأوائل في الأشياء ، ومشوا خلف المنطق فلا حول ولا قوة إلا بالله»([18]).
والنقل الصحيح المثبت في كتاب العلو :« كان أولا معتزليا أخذ عن أبي علي الجبائي ثم نابذه ورد عليه وصار متكلما للسنة ووافق أئمة الحديث [في جمهور ما يقولونه].... فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن الأشعري ولزموها لأحسنوا ، ولكنهم خاضوا كخوض القدماء الأوائل في الأشياء ، ومشوا خلف المنطق فلا حول ولا قوة إلا بالله ». كذا هو في مختصر العلو للعلي العظيم([19])، ولا شك أن ثمة فرقا بين قوله « وافق أهل الحديث » وقوله « وافق أهل الحديث في جمهور ما يقولونه ». على أن هذه الموافقة هي موافقة في الظاهر لا في الباطن كما سبق ذكره وبيانه.
ثانيا : الكلام المجمل
وأما الكلام المجمل فهو كلام شيخ الإسلام ابن تيمية :« وكان يحي بن عمار يقول: المعتزلة الجهمية الذكور والأشعرية الجهمية الإناث. ومرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية، وأما قول من قال منهم بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة، ولكن مجرد الانتساب إلى الأشعري بدعة ، لاسيما وأنه يوهم حسنا بكل من انتسب هذه النسبة وتنفتح بذلك أبواب الشر »([20]).
أقول إن هذا الكلام مجمل ولتحصيل الفهم الصحيح له لابد من وصله بكلام ابن تيمية في غير هذا الموضع، ولابد أيضا من ربطه بالسياق الذي ورد فيه .
1-أما كلام ابن تيمية في غير هذا الموضع فقد نقلت منه الشيء الكثير في المبحث السابق، وأزيد هنا كلاما آخر يجلي لنا موقف ابن تيمية من الأشعري . قال رحمه الله تعالى في منهاج السنة النبوية :« ثم إنه رجع وصنف في الرد عليهم ، ونصر في الصفات طريقة ابن كلاب لأنها أقرب إلى الحق والسنة من قولهم ( المعتزلة ) ولم يعرف غيرها، فإنه لم يكن خبيرا بالسنة والحديث »([21]). وقال أيضا :« فالقدر الذي يحمد عليه من مذهبه هو ما وافق فيه أهل السنة كالجمل ، وأما القدر الذي يذم من مذهبه فهو ما وافق فيه بعض المخالفين للسنة والحديث من المعتزلة والمرجئة والجهمية والقدرية ونحو ذلك»([22]). وقال كذلك :« وهو يحب الانتصار لأهل السنة والحديث وموافقتهم ، فأراد أن يجمع بين ما رآه هؤلاء وما نقل عن هؤلاء، ولهذا يقول فيه طائفة إنه خرج من التصريح إلى التمويه »([23]). فشيخ الإسلام شاهد على ضلال الأشعري في أبواب القدر والصفات الفعلية، ومنه لا يمكن ان يتصور أن يكون مقصوده أن من قال بقوله في الإبانة بالإطلاق مصيب ومن أهل السنة.
2- وأما السياق فإنه ومن دون أدنى شك عندي يدل على أنه أراد من قال بما في الإبانة في خصوص الصفات الخبرية الذاتية دون غيرها من المسائل التي خرج فيها الأشعري عن قول أهل السنة والجماعة ([24])، ودليل ذلك يأتي:
أولا : إن سياق كلامه هو الكلام عن الصفات وليس عن كل أبواب الاعتقاد ، بل وكان يتكلم عن الصفات الخبرية دون غيرها إذ قال قبل هذا الكلام :« وليس غرضنا الآن الكلام مع نفاة الصفات مطلقا؛ وإنما الكلام مع من يثبت بعض الصفات»([25]).
ثانيا : أنه لما رد على من وصف الأشعرية بأنهم جهمية قال :« مرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية ». وحمل قولهم على المتأخرين دون المتقدمين، والخلاف بين المتقدمين من الأشاعرة ومتأخريهم، إنما هو في الصفات الخبرية الذاتية.
المطلب الثالث : الاعتماد على تزكية لمجهول فيها ما يردها
قال ابن كثير في طبقات الشافعية :« ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال ، أولها حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة ، والحال الثاني إثبات الصفات العقلية السبعة وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ، وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك ، والحال الثالث إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جريا على منوال السلف وهي طريقته في الإبانة »([26]).
فهذا المجهول الذي قال هذا الكلام -أو المجهولون – في كلامه أخطاء واضحة سبق بيانها في المبحث الثالث :
أولا : أما المرحلة التي نسب فيها الأشعري إلى تأويل الصفات الخبرية فخطأ محض على الأشعري، إذ ليس له فيها بعد رجوعه عن الاعتزال إلا قول واحد هو الإثبات، وقد قال ابن تيمية إن من نسب له قولا بتأويلها فقد افترى عليه.
ثانيا : وكذلك من نسب إثبات الصفات العقلية دون ما سواها إلى ابن كلاب فقد أخطأ عليه وقد بينا أنه لم يكن يتأول إلا الصفات الفعلية ، فهذه المرحلة الثانية المزعومة فيها خطأ على الأشعري وابن كلاب كليهما.
ثالثا : الادعاء بأن الأشعري أثبت كل الصفات في كتاب الإبانة خطأ واضح قد بيناه وشرحناه مفصلا في المبحث الأول، حيث ظهر لنا أنه لم ثبت إلا الصفات الخبرية الذاتية كالوجه واليدين على طريقة أهل السنة أما الصفات الخبرية الفعلية فأثبتها على طريقة ابن كلاب.
والعمدة في الحكم الرجوع إلى الإبانة لا إلى ما قيل عن الإبانة .
المطلب الرابع : إنصاف الإبانة ومفاد رسالة ابن درباس
ومن باب الإنصاف أقول إن الإبانة مع ما فيها من الأخطاء الدالة على أن صاحبها لم يرجع إلى عقيدة السلف المحضة والصافية، إلا أنها خير من كتابه المقالات مع قلة كلامه فيه ، وخير من كتبه الأخرى، وذلك من جهة إعراضه عن الكلام عن بعض التفصيلات التي ضُلل بها، كالتصريح بإثبات الكلام النفسي ونفي الجسمية عن الذات الإلهية، واعتماد دليل الحدوث الباطل، وتفسير الكسب بما لا يعرفه العقلاء، زيادة على تصريحه في الإبانة بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
ولعل هذا ما جعل الذهبي يقول في كتابه العرش :« فله ثلاثة أحوال حال كان معتزليا وحال كان سنيا في بعض دون بعض، وحال كان في غالب الأصول سنيا وهو الذي علمناه من حاله»([27]). وكأنه يعني بالمرحلة الثانية ما دونه في كتبه المشهورة كاللمع وبالمرحلة الأخيرة ما سطره في كتابه الإبانة .
وفي كونه في غالب الأصول سنيا نظر، لأن ثمة أمور سكت عنها في الإبانة وصرح بها في اللمع فلا بد من التأكد من تراجعه عنها، بل ولو اعتبارنا ما سكت عنه في الإبانة قد تراجع عنه، وأضفنا إلى تلك الأصول في الوعيد والكرامات وعذاب القبر لم يصح أن نقول أنه في غالب الأصول سني، لأنه تبقى أمور عظيمة لابد من معرفة قوله فيها كتفسير التوحيد وطريق إثبات النبوة وتفسير المعجزة.
مفاد شهادة ابن درباس (ت:622)
ومن الشهادات المعتمدة التي لم نشر إليها فيما سبق شهادة ابن درباس صاحب رسالة الذب عن الأشعري ، وقد جاء في صدرها أن مؤلفها هو عبد الملك بن عيسى بن درباس (ت:605)([28])، ثم تبين أنها لابن أخيه أبي إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس (ت:622)، ولعل الناسخ وجد في الأصل ابن درباس فانصرف ذهنه إلى أشهر آل درباس الذي كان قاضي صلاح الدين الأيوبي في مصر.
ومن دلائل نسبها لإبراهيم بن عثمان شيوخه الذي نقل عنهم في هذه الرسالة وأولهم عمه أبو القاسم عبد الملك بن عيسى والحافظ السلفي وعلي بن المفضل المقدسي (ت:611) والقاسم ابن عساكر (ت:600).
ويظهر أن أبا إسحاق كان على الجادة أو على الأقل كان على طريقة الأشعرية المتقدمين منكرا لما أدخله المتأخرون من الأشاعرة في المذهب من تأويلات الجهمية، وشهادته هذه لا تفيد أكثر مما يفيده كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من صحة نسبة كتاب الإبانة للأشعري، وأن الأشعري لم يعرف عنه تأويل الصفات الخبرية بتأويلات الجهمية.
وقد نقل ابن تيمية عن ابن درباس هذا كلمة يفهم منها ذمه للكلام بإطلاق حيث قال:« وقد صنف أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن درباس الشافعي جزءًا سماه : تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة، ذكر فيه كلام السلف وغيرهم في معاني هذا الباب، وذكر أن أهل البدع كل صنف منهم يلقب أهل السنة بلقب افتراه ـ يزعم أنه صحيح على رأيه الفاسد ـ كما أن المشركين كانوا يلقبون النبي بألقاب افتروها .
فالروافض تسميهم نواصب، والقدرية يسمونهم مجبرة، والمرجئة تسميهم شكاكا، والجهمية تسميهم مشبهة، وأهل الكلام يسمونهم حشوية، ونَوَابت [النَّوابت: الأغمار من الأحداث]. وغثاء، وغُثْرًا [الغُثْر: سَفِلَة الناس]، إلى أمثال ذلك، كما كانت قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم تارة مجنونًا، وتارة شاعرًا، وتارة كاهنًا، وتارة مفتريًا»([29]).
في آخر رسالته يؤكد على انحراف الأشعرية المتأخرين حيث يقول وهو يتحدث عن كتاب الإبانة:« ولقد عرضها بعض أصحابنا على عظيم من عظماء الجهمية المنتمين افتراءً إلى أبي الحسن الأشعري ببيت المقدس، فأنكرها وجحدها، وقال: ما سمعنا بها قط، ولاهي من تصنيفه، واجتهد آخرًا في إعمال روايته ليزيل الشبهة فطنته، فقال بعد التحريك - تحريك لحيته -: لعله ألفها لما كان حشويًا، فما دريت من أي أمريه أعجب؟ أمن جهله بالكتاب مع شهرته وكثرة من ذكره في التصانيف مع العلماء، أو من جهله لحال شيخه الذي يفتري عليه بانتمائه إليه واشتهاره قبل توبته بالاعتزال بين الأمة عالمها وجاهلها؟
.... فإذا كانوا بحال من ينتمون إليه بهذه المثابة يكونون بحال السلف الماضي وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأعلام الفقهاء والمحدثين، وهم لا يلوون على كتبهم ولا ينظرون في آثارهم، وهم والله بذلك أجهل وأجهل، كيف لا وقد قنع أحدهم بكتاب ألفه الجهمية بعض من ينتمي إلى أبي الحسن بمجرد دعواه، وهو في الحقيقة مخالفة لمقالة أبي الحسن التي رجع إليها واعتمد في تدينه عليها»([30]).
وقد نقل الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي ترجمة عزيزة للمؤلف من كتاب تاريخ إربل للمبارك بن أبي الفتوح أحمد المعروف بابن المستوفي (ت:637)، فقال:«وقال ابن المستوفي في تاريخ إربل (2/215): هو أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس الماراني المصري المولد والمنشأ، من أهل الحديث الذين رحلوا في طلبه، وكتب الكثير، وسمع الكثير، شافعي المذهب، إلا أنه على ما قيل عنه، يطعن على أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه، ويقع فيه، سمعته من غير واحد»([31]). وهذا إن كان صحيحا فيفيد أنه كان على الجادة، وإن لم صحيحا فهو يفيد أن الأشعرية المتأخرين ألزموه ذلك لأنه خالفهم فيما يقولونه وفيما ينسبونه إلى الأشعري.
خاتمة
ولعل بعض الناس يرى فيما سطر في هذا البحث إضعافا لحجة من الحجج التي طالما تمسك به أهل السنة في هذا العصر في مواجهة الأشعرية، وأنه كان ينبغي السكوت عن هذه الأخطاء للمصلحة الراجحة، وجواب هذا الزعم الباطل أن المصلحة التي لا أرجح منها نصرة التوحيد وعقيدة أهل السنة، وكشف الأباطيل عن أن تنسب إلى عقيدة السلف، وإذا كانت الحجة التي يتمسك بها أهل المذهب ضعيفة، فمن واجب أهل الإنصاف بيان ضعفها والعدول إلى غيرها، وتصحيح الأدلة الضعيفة أو السكوت عنها إذا كانت تؤيد المذهب هذا شأن المتعصبة وليس ذلك من شأن أهل السنة، وإن مما نعتقده أن الاحتجاج بالأدلة الضعيفة مما يضعف الحق وأهله، ومما يشغل الناس في معارك جانبية لا تفيد الحقيقة شيئا.
وقد رأيت بعض الناس إذا بينت أخطاء الأشعري في كتبه وتجلى له أنه لم يكن على طريقة السلف أصيب بإحباط وكأن أهل السنة لم يكن من حجة على الأشاعرة سوى إثبات كتاب الإبانة والزعم بان الأشعري كان على عقيدة السلف، والواقع أن هذه الحجة التي جعلها بعضهم أصلا ما هي إلا نافلة من النوافل اعتمدها بعض أهل العلم على طريق الإلزام للمتأخرين من الأشاعرة الذين صاروا في باب الصفات إلى مذهب الجهمية والمعتزلة . لأنه لا حجة في قول أحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما الحجة في هذا الباب في كتاب الله تعالى وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفيما أجمع عليه سلف الأمة، وعلى ذلك اعتمد العلماء المحققون في هداية الأشعرية كما اعتمدوا على نقض الخيالات العقلية التي تشبثوا بها في رد النصوص، ولكن في عصرنا هذا قصرت الهمم عن تحصيل الحجج نقليها وعقليها، وقنعت بمثل هذه الحجة الإضافية على ضعفها، الأمر الذي جعل كثيرا من عوام أهل السنة يتجرأون على مناقشة أرباب الأشعرية في هذا الزمان ويظنون أنهم يقيمون عليهم الحجة بمجرد أن يقال لهم إن الأشعري رجع إلى عقيدة السلف.
مع أني اعتقد أن كتاب الإبانة يصلح لدفع تشنيع الأشعريين الذين سلكوا طرق الجهمية وأصبحوا يرمون أهل السنة والجماعة بالتجسيم والتشبيه لأجل إثباتهم للصفات الخبرية الذاتية ونفيهم لتأويلات المعطلة، وذلك بإلزامهم بتنزيل هذا الوصف على الأشعري الذي ينتسبون إليه، لأنه صرح بإثبات هذه الصفات كما صرح بالرد على من أول الاستواء بالاستيلاء من الجهمية ومن تبعهم.
هذا آخر ما أردنا تسطيره نسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفع به ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1]/ مقدمة الإبانة طبعة محمد بشير عيون (10) وتجد هناك جميع الشهادات الآتية حيث أثبت المحقق في مقدمته رسالة الشيخ حماد الأنصاري عن أبي الحسن الأشعري.
[2]/ تبيين كذب المفتري(ص:113) وقد نُقل هذا الكلام على أنه لابن عساكر في رسالة الشيخ حماد كما في مقدمة الإبانة (ص:9)، وقد قلد الشيخ حماد في هذا الخطأ غير واحد من الموافقين والمخالفين.
[3]/ وفيات الأعيان (3 /207).
[4]/ قال ابن سريج:« ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح، يفوته الفقه ولا يصل إلى معرفة الكلام» السير (14/203) تذكرة الحفاظ (3/23).
[5]/ طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2/18).
[6]/ جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (رقم 1800).
[7]/ ذم الكلام للهروي (4/424).
[8]/ قال الشيخ أبو الحسن الكرجي (ت:532):« ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري وعلقه عنه الإمام أبو بكر الزادقاني وهو عندي وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه "اللمع" و" التبصرة " حتى لو وافق قول الأشعري وجها لأصحابنا ميز وقال: هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي استنكفوا منهم ومِنْ مذهبهم في أصول الفقه فضلا عن أصول الدين» انظر الفتاوى الكبرى (4/284-285).
[9]/ الرد على من أنكر الصوت والحرف (222-223).
[10]/ انظر مجموع الفتاوى (14/354).
[11]/ تبيين كذب المفتري لابن عساكر (26).
[12]/ طبقات الشافعية الكبرى (3/421).
[13]/ طبقات الشافعية الكبرى (4/272).
[14]/ طبقات الشافعية الكبرى (10/400).
[15]/ وفيات الأعيان (3/284).
[16]/ مقدمة الإبانة (ص:19).
[17]/ درء تعارض العقل والنقل (2/16) اجتماع الجيوش الإسلامية (133).
[18]/ مقدمة الإبانة (ص:10).
[19]/العلو للعلي العظيم للذهبي (221-222).
[20]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/359).
[21]/ منهاج السنة النبوية لابن تيمية (5/277).
[22]/ منهاج السنة النبوية لابن تيمية (8/9).
[23]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/308).
[24]/ وقد رأيت الدكتور عبد الرحمن المحمود قد حمل كلام ابن تيمية على نفس المحمل الذي ذكرت، انظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/397) .
[25]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/357).
[26]/ طبقات الشافعية لابن كثير (1/210).
[27]/ كتاب العرش للذهبي (2/303).
[28]/ وفي النسخة التي طبعها على بن محمد بن ناصر الفقيهي نسبها لعبد الملك بن عيسى لكنه أثبت في الغلاف سنة وفاة ولده محمد (ت:659) وفي ص107 وعي أول الرسالة أثبت في الأصل ما جاء في المخطوط عبد الملك بن عيسى بن درباس وترجم في الهامش لولده محمد.
[29]/ مجموع الفتاوى (5/111).
[30]/ رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري لابن درباس تحقيق الفقيهي (ص:131-132).
[31]/عن موقع مجلة مركز ودود للمخطوطات.