الخميس 9 صفر 1443

التجديد في علم أصول الفقه مفهومه ومشروعيته ومحاوره الأساسية

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

التجديد في علم أصول الفقه
مفهومه ومشروعيته ومحاوره الأساسية

نشر في مجلة الاستيعاب الصادرة عن مخبر الدراسات الشرعية -جامعة تلمسان -العدد 5 -ماي 2020

     الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد فإن علم أصول الفقه إن علم أصول الفقه هو علم أصول التفكير الإسلامي، وهو علم المنطق الاسلامي والآلة العاصمة للذهن من الخطأ في فهم الدين وإعمال نصوصه، وهو "منهج بحث ومعرفة" مرتبط بكل مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولقد كان في عهده الأول محركا للفقه ومحييا له ودافعا للاجتهاد وضابطا له؛ ولكن مع تعاقب العصور أصابه الجمود والقصور فلم يعد مثمرا لما يرجى منه ومنتجا لآثاره، إذ أصابه ما أصاب العلوم الإسلامية جميعها في عصور الانحطاط، لا يستثنى في المنتسبين إليه والمؤلفين فيه إلا أفراد معدودون وُصفوا بالمجددين كابن تيمية وابن القيم والشريف التلمساني والشاطبي رحمهم الله، وفي عصر النهضة الحديثة تجدَّدت الدعوة إلى تجديد علم أصول الفقه بغية إحيائه ليعود فاعلا في الحياة الإسلامية مسهما في بناء حضارتها، واعتُبر ذلك ليس من الحاجات المهمة حسب، بل من الضرورات الملحة، واستند دعاة التجديد إلى أفكار بثها مجددون من أهل العصور السابقة منهم من ذكرنا، فوجدت دعوتهم المستجيب المؤيد؛ كما اعترضها الجامدون المحافظون، واستغلها من جهة أخرى الحداثيون المتحللون المشككون في ذات العلم وصلاحيته، فانقسم الناس في موقفهم من عملية التجديد إلى طرفين ووسط، والذين تبنوا الموقف الوسط تعدَّدت اتجاهاتهم واهتماماتهم في عملية في تجديد العلم، على مستوى التنظير أو التأليف، وعند النظر في هذه الاتجاهات نجدها متكاملة ومتآزرة تعتبر كلها من محاور التجديد بمعناه الشرعي الصحيح، وقد رأيت أن أجمع في تجلية هذه المعاني بحثا عنوانه:" التجديد في علم أصول الفقه مفهومه ومشروعيته ومحاوره الأساسية" يهدف إلى بيان مفهوم التجديد المطلوب ومشروعيته وإلى بيان محاوره الأساسية التي إذا اتضحت تقرب المعنى لدى المتوجس وزال اللبس، وانكشفت دعوى هادم الأصول باسم التجديد، وقد قسّمته حسب المعاني السابقة إلى مبحثين، الأول في بيان مفهوم التجديد ومشروعيته ومناقشة الرافضين له، وإبراز مبرراته المحدِّدة لاتجاهه وكذا الفرق تجديد العلم وتجديد الأصول، والمبحث الثاني في إبراز محاور التجديد التي تُكوِّن المعنى المتكامل له وهي: حذف الدخيل والمسائل الفرضية وإضافة مسائل وتوسيع أخرى، الابتعاد عن العصبية وتحقيق الحياد، وإبراز الترابط بين الأصول والفقه، وتجديد المنهج في عرض المسائل الأصولية، وأخيرا الرجوع بالعلم إلى ما كان عليه في عهد الأئمة المجتهدين.
 
المبحث الأول : مفهوم التجديد في علم أصول الفقه ومشروعيته
   إنّ مشروعية التجديد مرتبطة بالمبررات الواقعية وأيضا بالدلائل الشرعية ولابد من الوقوف عندها، لأن التجديد في العصر الراهن يتجذابه طرفان ووسط، طرف غالٍ منكر لعلوم السلف جملة وتفصيلا، وطرف جافٍ منكر لكل تجديد متخوِّف من فتح الباب لمن يريد هدم علوم الإسلام، ووسط إصلاحي يفسِّر التجديد بمعاني لا تمس الجوهر الأصيل والثوابت ويضبطه في إطار يجعله في منأى من أغراض الحداثيين والمنسلخين من الشريعة.
      المطلب الأول : مفهوم التجديد
    التجديد فعيل من "جَدَّ يَجِدّ بالكسر جِدَّةً فهو جَدِيدٌ وهو خلاف القديم و جَدَّدَ فلان الأمر وأَجَدَّهُ واسْتَجَدَّهُ إذا أحدثه فَتَجَدَّدَ(1) فمعنى التجديد في اللغة تصيير الشيء جديدا أو إرجاعه إلى حاله، بعدما طرأ عليه ما أبلاه وغيره(2).
    وقد تنوَّعت عبارات العلماء في تحديد معناه في الشرع، وتعدَّدت صيغهم، وليس ذلك اختلافا في المعنى، بل هو إما اختلاف في عبارة أو دلالة على جزء من المعنى، لذلك نرى أقوالهم يستلزم بعضها بعضا، وهي كلها لا تخرج عن المعنى اللغوي المذكور :
أولا : إحياء ما اندرس من معالم الشريعة والسنن ونشرها بين الناس، وقد نص على هذا المعنى ابن تيمية والمناوي ومن المعاصرين المودودي(3).
ثانيا : قمع البدع والمحدثات، وتنقية الإسلام مما علق به من أوضار الجاهلية، والعودة به إلى ما كان عليه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام(4). وهذا المعنى مكمل للسابق ملازم له لأن المخالفة للدين إما نقص منه أو زيادة فيه، فالتعريف الأول انصب على النقص والثاني انصب على الزيادة.
ثالثا: تنزيل الأحكام الشرعية على ما يجد من وقائع وأحداث، ومعالجتها معالجة نابعة من هدي الوحي(5). وهذا ربط للتجديد بالاجتهاد الذي هو أهم معالم الشريعة الإسلامية، وسر خلودها وصلاحيتها لكل الأزمنة والأمكنة.
   وقد جمع هذه المعاني الثلاث محمد رشيد رضا فقال: «المراد بتجديد الدين تجديد هدايته وبيان حقيقته وأحقيته، ونفي ما يعرض لأهله من البدع والغلو فيه، أو الفتور في إقامته ومراعاة مصالح الخلق، وسنن الاجتماع والعمران في شريعته»(6).
   ومن أحسن ما قيل في تلخيص تلك المعاني:« تجديد الدين بمعنى إحياء وبعث ما اندرس منه ، وتخليصه من البدع والمحدثات وتنزيله على واقع الحياة ومستجداتها»(7).
المطلب الثاني : دلائل مشروعية التجديد
الفرع الأول : الدلائل الصريحة في السنة النبوية
أولا: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :« إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»(8). وهذا نص صريح في أن الله تعالى يسخر لهذا الدين الذي ارتضاه ليكون خاتمة الأديان من يجدده في النفوس ومن يجدد معالمه ويطهره مما ليس منه حتى تبقى حجة الله قائمة إلى العباد، وفي نفس المعنى ورد حديث آخر لفظه: « لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ»(9). وقد أشار إلى هذه المعاني غير واحد من العلماء السابقين(10)، ومن معاني هذا التجديد والاستعمال تسخير العلماء الذي أبرزوا العلوم التي كانت كامنة فرسموا حدودها وقعدوا قواعدها وضبطوا مسائلها، كالشافعي مع أصول الفقه والشاطبي مع المقاصد .
ثانيا : ومن الأحاديث الدالة على معنى التجدُّد قوله صلى الله عليه وسلم :«بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»(11)، فمعنى العودة يلتقي مع معنى التجدُّد، وقد استدل به العلماء على معاني التجديد المذكورة بما فيها الدعوة إلى الاجتهاد(12).
الفرع الثاني : الدلائل المستنبطة من الكتاب والسنة
أولا : أدلة حفظ الدين كقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) إن الرسل عليهم السلام كانوا يبعثون مجددين للدين ومصلحين لما أفسده البشر، وقد جاء رسولنا صلى الله عليه وسلم بالشرعة الخاتمة فلا نبي بعده، ولذلك تكفل الله بحفظ هذا الدين قدرا ولم يكله إلى العباد، وقد هيأ لهذا الحفظ أسبابا ظاهرة تخدمه، منها العلماء المجددين للعلوم المتعلقة بهذا الذكر الحكيم، والذين ينفون عنه تحريفات الغالين وتأويلات الجاهلين وانتحالات المبطلين(13).  
ثانيا : أدلة شمول الدين وكماله، وكفايته لكل ما يحتاجه الناس، كقول الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل 89) وقوله تعالى: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (النساء 59)، وتفريعا على ذلك قال الشافعي:«فليست تنـزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها»(14)، ومقتضى هذا الشمول للأحداث في الأزمنة والأمكنة؛ أن يتجدَّد التفاعل مع نصوصه، من أجل تنزيلها على هذه الوقائع الممتدة غير المحدودة(15).
المطلب الثالث : الفرق بين تجديد الأصول وتجديد العلم
    إنَّ الدلائل المقدمة على مشروعية التجديد مضافة إلى التفسيرات التي ذكر العلماء للتجديد المذكور في الحديث النبوي، تُعطينا مفهوما واضحا متكاملا لتجديد الدين، والذي يعني إعادته إلى سابق وضعه تنقية مما ليس منه وإحياء لما نسي من تعاليمه، بما في ذلك الاجتهاد الذي يجعله صالح مصلحا للأوضاع البشرية، ويظهر من هذا التفسير ضرورة وجود أصول ومعايير ثابتة يتحاكم إليها في هذا التجديد، وهي عند التأمل نصوص الوحي وقطعياته وأحكام الشرع وكلياته التي كان عليها خير القرون..  
    فحقيقة الدين لا تبلى بتقادم الزمان ومرِّ العهود، وإنما يُضيعه أصحابه نسيانا وتحريفا زيادة ونقصا، والحديث أشار إلى هذا المعنى إذ قال صلى الله عليه وسلم :« من يجدد لها دينها » فأضاف الدين إلى الأمة ولم يقل يجدِّد لها الدين، وذلك أن الدين وما اشتمل عليه من عقائد وعبادات وأخلاق؛ ثابت لا يقبل التغيير والتجديد، أما دين الأمة بمعنى علاقة الأمة بالدين ومدى تمسكها وتخلقها به، فهو المعنى القابل للتجديد والتغيير، حيث يطرأ عليه الانحراف والتغيير والنسيان(16).
    وإذا طبقنا هذا المعنى على علم أصول الفقه نقول إن أصول الفقه التي هي مصادر الدين وقواعد الفهم المتعلقة بهذه المصادر ثابتة غير قابلة للتجديد والتغيير والاستبدال، لأنها أساس الدين بناء وفهما، وإنما الذي يقبل التجديد: هو تلك المؤلفات التي احتوت هذه الأصول وتلك المناهج التي أُلِّفت على ضوئها تلك المؤلفات، وسُلكت في معالجة القضايا الجزئية في العلم، تصويرا واستدلالا وترجيحا، وهذا يُوصلنا إلى التفريق بين تجديد الأصول التي هي الدين، وتجديد علم الأصول الذي هو طريقة عرض الأصول ومعالجة قضاياها، وهي علاقة عقل الإنسان بهذه الأصول.
    إنَّ تجديد العلم هو عملية نقدية لانجازات بشرية واجتهادات ظنية فردية؛ يُظن فيها أنّها انحرفت عن الطريق الصحيح؛ بينما تجديد الأصول هو نقد للدين في حد ذاته من جهة التشكيك في قطعياته وهدم كلياته.
    وهذه نقطة الاختلاف بين دعاة التجديد الإصلاحي الإسلامي ودعاة التجديد الحداثي العلماني(17).

المطلب الرابع : مبررات التجديد وأثرها في تحديد المنحى التجديدي
الفرع الأول : مبررات التجديد الواقعية في علم أصول الفقه
أولا : وجود مسائل إضافية من علم الكلام واللغة والمنطق وغيرها من العلوم؛ شغلت حيزا كبيرا في مادة العلم وقد ظهر عدم جدواها، حيث تجد في الأصوليين من يصرح بكونها دخيلة أو كونها غير مفيدة في الفقه، أو أن الخلاف فيها مجرد خلاف نظري أو لفظي، وقد اشتهر هذا المنحى على لسان الشاطبي، وقد تعلق بكلامه كلُّ دعاة التجديد بمختلف اتجاهاته(18).
ثانيا :  ومن الأمور التي تشبَّث بها المنتقدون للعلم: غلبة الجدل العقلي العقيم على المباحث الأصولية، وأيضا تحكيم القواعد المنطقية في مسائله وحدوده، وهذا أيضا مبررٌ مشترك بين دعاة التجديد(19).
ثالثا : من الأشياء المتفق عليها أن علم الأصول بصورته الموروثة صار لا يستجيب لحاجات العصر، لأنه اكتسى ثوب التجريد والنظرية وانفصل عن الفقه، فعلم الأصول صار منتجا للأقوال والجدال ولا ينتج فقها ولا فروعا(20)، وهذا أمر قد انتبه له بعض الأصوليين المتقدمين، فألفوا في تخريج الفروع على الأصول تكميلا لهذا النقص الواضح.
رابعا : إنّ العلم هو علم الاجتهاد، لكنه فشل في تكوين العقول المتحررة من التقليد؛ التي تمتلك آلات النظر في الأدلة، فتُرجح في المسائل القديمة وتخرِّج أحكاما للمسائل المستجدّة، فأصبح علم الأصول علما كماليا، ربما يستعمل في ترسيخ فكرة التقليد وغلق باب الاجتهاد وتعطيل الاستدلال(21).
الفرع الثاني : المنحى التجديدي لهذه المبررات
    إنّ المبررات الواقعية والمتفق عليها المذكورة؛ تؤكد أن العيب والنقص ليس في ذات أصول الفقه الإسلامي؛ ولكن في العلم الذي انحرف منهج التأليف فيه .
أولا : فدعوى وجود الدخيل يتضمن الإقرار بوجود الأصيل؛ الذي ينبغي الاقتصار عليه والاكتفاء به ربحا للوقت وتوفيرا للجهد، وشغلا للعقول بما يفيد في تكوينها وتأهليها لرُتب الاجتهاد، لا بما يرهقها ويعطلها وينحرف بمسارها ثم يُجمدها.
ثانيا : وكذلك انتقاد الجدل العقلي العقيم، واقحام قواعد المنطق في المسائل والحدود والاستدلال، فهو نقد لأمور إضافية في العلم وليست أصيلة فيه، وقد غلط غلطا عظيما من اعتقد أصالتها ومن ثَمَّ جعلها مبررا لإلغاء أصول الفقه، وتبديلها بأصول أخرى أكثر تحررا من القيود وأكثر إنتاجا حسب زعمه(22).
ثالثا : وانتقاد العلم بكونه منفصلا عن الفقه وغير منتج في عصرنا؛ مع الاقرار بكونه كان منتجا في عصر سابق؛ يؤكد أنّ التجديد المطلوب يتعلق بالصياغة والمنهج لا بذات الأصول، فالأصول منتجة بدلالة كونها أنتجت في عصر ما وصارت غير منتجة بسبب انفصالها عن الفقه ، وهذا نقد للعلم وليس للأصول.
رابعا : وكذلك إسهام العلم في ترسيخ التقليد بدلا أن يكون دافعا لحركة الاجتهاد، لا يبرر إلغاء الأصول؛ ولكن يبرر إعادة النظر في بعض مسائله، ومعالجة طريقة تدرسيه والتأليف فيه ليس إلا.   
المطلب الخامس :شبهات الرافضين للتجديد في علم أصول الفقه
    يعترض بعض المعاصرين على تجديد العلم فضلا عن غيره، ولهم في ذلك عدَّة حجج نختصرها في الفرعين الآتيين:
الفرع الأول : أن في التجديد إنكارا لجهود الأصوليين المتقدمين
    قيل: إن دعوى التجديد تتضمن إنكارا ضمنيا لجهود العلماء السابقين الكاشفين عن غوامضه والمتفننين في أساليب الكتابة فيه(23).وربما يقول آخرون إنَّ علم الأصول نضج ولم يحترق، نضج بتقرير قواعده وتفريع فروعه، ولم يحترق حيث إنه لم يبلغ النهاية في ذلك، ويردٍّد فريق ثالث:"أنه ما ترك الأول للآخر شيئا". الجواب عن هذا من وجوه:
أولا : أنّ مستند دعاة التجديد في القضايا محل النقاش؛ هو كلام الأصوليين المجددين أنفسهم، ولا يلزم من التجديد والالتزام بالقواعد المنهجية في التأليف أنْ تُنكر جهود المتقدمين، وإلا كان كلُّ واحد من الأئمة المصنفين على وفق طريقة مبتكرة؛ مخالفة لطريقة من تقدمه منكرا هو الآخر لجهود من تقدمه، وهذا الجويني يعطي لنفسه حق انتقاد من تقدمه، ويجوِّز ضمنا لمن بعده أن يتعقبه فيقول:«السابق وإن كان له حق الوضع والتأسيس والتأصيل فللمتأخر الناقد حق التتميم والتكميل...وهذا واضح في الحرف والصناعات، فضلا عن العلوم ومسالك الظنون، وهذه الطريقة يقبلها كل منصف وليس فيها تعرض لنقض مرتبة إمام»(24).
ثانيا : إنّ الذي لا يمكن جحوده هو التفوق العلمي للأصوليين المتقدمين، والتسليم بسعة مداركهم التي مكّنتهم من إثراء هذا العلم، ولكن ليس معنى ذلك قصر الإبداع والابتكار عليهم؛ حتى لم يبق لأحد بعدهم شيء يضيفه، ومنع المتأخرين من الانخراط في سلكهم واللحاق بركبهم، ومقولة "ما ترك الأول للآخر" قد قوبلت بالرفض منذ القديم، واعتبرت من أنماط التثبيط لهمم المتأخرين، كما أن شواهد التاريخ تنادي ببطلان هذه المقولة وفسادها(25).
ثالثا: إنّ من ملامح التجديد العلو في الإسناد والرجوع إلى ما كان عليه الأولون، وهذا مما لا يزال العلماء ينصحون به، كالشاطبي الذي نص على ضرورة تحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد لأنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين(26).
الفرع الثاني: فتح الباب للفوضى العلمية
    قيل: إنّ في هذه الدعوة فتحا لباب الفوضى العلمية، فيعسر ضبط اجتهادات الناس، لأنها تضع قوانين الاجتهاد في محل الاتهام، وسيتمكن كل متحلل من أحكام الشريعة أن يزعم التجديد، وأنه لا يعترف بتلك الأصول القديمة المدونة.
    والجواب: أن حركة التجديد إذا بلغت غايتها هي التي ستمكن من ضبط الاجتهاد، لأنّ من غاياتها سدُّ ثغرات هي موجودة ومنها ينفذ هؤلاء المتحللون، وليس من معنى التجديد كما قيل وضع قوانين الاجتهاد في قفص الاتهام، فإنّ الاختلاف في قواعد الاجتهاد قديم، وإنما يقول هذا من لم يتحرر عنده معنى التجديد المشروع المختلِف جذريا عن تجديد رافضي الشريعة الإسلامية، وإن جنس هؤلاء لا يزال موجودا، وليس السكوت عن الأخطاء المنهجية التي طغت على المؤلفات الأصولية، هو الذي سيصرفهم عن أعمالهم وأقوالهم وتشكيكاتهم(27).
المبحث الثاني : محاور التجديد في علم أصول الفقه
     بعد أن بينَّا مفهوم التجديد ومشروعيته، وأردفنا ذلك بتصحيح مساره والرد شبهات من يتوجس منه، ننتقل في هذا المبحث إلى شرح أهم محاور التجديد في علم أصول الفقه، وذلك سواء من ناحية الشكل أو المضمون، وسأحاول إبرازها بشكل موجز أجمع فيه بين التنظير والتطبيق، إمعانا في الإقناع بضرورة التجديد وإفاضة في شرح فحواه.
     المطلب الأول : حذف الدخيل والمسائل الفرضية
     أبرز محاور التّجديد حذف المسائل التي ليست من العلم، والمسائل التي الفرضية التي لا ثمرة لها، وبيانها فيما يأتي.
الفرع الأول : المسائل الفرضية
    فأمّا المسائل الفرضية المقدّرة فلا ثمرة ترجى منها؛ فهي مجرد حشو بلا فائدة، ومنها تلك المتعلقة بالجواز العقلي، كبحثهم في جواز حصول الإجماع عن توفيق بلا دلالة؟ وهل يجوز نسخ الحكم الثابت بالإجماع؟(28)، وهل يجوز أن ينسخ جميع القرآن؟(29).
   ومنها مسألة تخصيص العموم بصورة مجهولة التي عُدَّت من أسباب الإجمال، كما لو قال :" اقتلوا المشركين" ثم قال بعد ذلك:" بعضهم غير مراد لي من لفظي"، وقد علّق عليه عبد الرزاق عفيفي: «هذا مثال فرضي لا يقع مثله في التكليف»(30). ومنها مسألة تعارض الفعلين التي قال عنها المازري إنها لا تُتصوَّر، لأن كل فعل يختص بمحله ويقع في زمنه، والتضاد إنّما يتحقَّق مع تساوي الزمن والمحل(31)، ومسألة النهي عن شيء لا بعينه، ومسألة ارتداد أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من الأعصار(32)، وكالبحث في وجود مرتبة متوسطة بين الصدق والكذب، وهل يدخل جبريل عليه السلام في التكليف(33). وغيرها من المسائل التي هي محض فضول، ويمكن للخيال أن يقدرها، ولا يُمكن نسبتها لعلم من العلوم.
    ونقد إدراج هذه المسائل موجود في ثنايا بعض البحوث، كما نص عليه ابن القيم حين تعرض لحكم دراسة العلم(34).
الفرع الثاني : المسائل الدخيلة
    وأما المسائل الدخيلة التي هي من ضمن علوم أخرى، أو المسائل المستعارة التي لا يبنى عليها فقه، ولا تكون عونا في ذلك كما قال الشاطبي فما أكثرها(35)، وقد وقفت على اعتراف كثير من الأصوليين بأنَّ محل دراستها ليس علم الأصول، فإقحام مسائل الكلام التي لا حاجة إليها اعترف به أبو الحسين البصري والغزالي(36)، وهي لا تحتاج إلى تمثيل، وإقحام المسائل اللغوية التي لا حاجة إليها انتقده الجويني والغزالي قبل الشاطبي(37)، وانتقد ابن السمعاني والغزالي إقحام مسائل فقهية(38)، وانتقد ابن السبكي إقحام المسائل الحديثية(39)، وانتقد الغزالي اقحام مسائل علم الجدل(40)، وانتقد ابن رشد الحفيد إقحام مسائل المنطق، وله في ذلك عبارة رائقة تدل على عمق نظرته المنهجية، حيث قال: « فلنترك كل شيء إلى موضعه، فإن من رام أن يتعلم أشياء أكثر من واحد في وقت واحد لم يمكنه أن يتعلم ولا واحدا منها»(41).  
المطلب الثاني : إضافة مسائل وتوسيع أخرى
     من محاور التجديد المطلوب إلحاق مسائل أصولية، وبحوث كثيرة ذات خطر وأثر عظيم في تحقيق غاية هذا العلم، وتحقيق ما لم يتم تحقيقه؛ ومنها المسائل التي تحتاج إلى تتبع واستقراء للنصوص الشرعية كصوارف الأمر عن الوجوب(42)، ومنها ما هو جدير بالإدراج ونجده عند غير الأصوليين؛ كحجية الحديث الحسن والحديث الضعيف، ومنها ما يحتاج إلى مزيد تفصيل وتأصيل؛ كأسباب الزلل في التأويل الذي ابتدأه الجويني بالمثال ولما يتم، وتطوير بحث التفريق بين الاصطلاح الشرعي والوضعي؛ في ظل إثبات الحقائق الشرعية والعرفية، ومما اقترح في هذا السياق التفصيل في مسألة المذهبية(43).
    وعدَّ بعضهم من صور التجديد في هذا العلم التمحيص والترجيح فيما تنازع فيه الأصوليون(44). ونازع آخرون في عدِّ ذلك من صور التجديد، لأن المرجح لم يأت بشيء جديد، وإنما قد اختار قولا قد سُبق إليه(45)، والصواب أنه ليس كل ترجيح يُعد تجديدا، وإنما التجديد في الترجيح المبني على استقراءات مفيدة للقطع، حيث تصير المسألة الخلافية قطعية، وكذلك التجديد بإقصاء المذاهب المحدثة، والآراء غير المعتبرة من كتب الأصول، والإبقاء على ما فيه خلاف معتبر.
المطلب الثالث : الابتعاد عن العصبية وتحقيق الموضوعية
     من محاور التجديد أيضا تحقيق الحياد في كتب الأصول، والابتعاد عن العصبية التي صيرت من علم الأصول فرعا لا أصلا وتابعا لا متبوعا، فإنّ علم الأصول إذا كان يهدف إلى دعم المذاهب وتقرير التقليد، كما جرت عليه طريقة كثير من الفقهاء، فإنه لن يكون مفيدا لغرضه ولا محققا لهدفه(46)، إذ من الأصوليين من أكثر من إيراد المسائل الفقهية الفرعية وجرَّد قلمه للانتصار لمذهب إمامه، بل قرَّر قواعد الأصول على ضوء ما حكم به إمامه في هذه المسائل، فكأنه يؤلٍّف ليؤهٍّل ويكوٍّن مجتهد المذهب، لا المجتهد المطلق الذي يعتني ببحث القواعد الأصولية على ضوء أصول الشريعة، والاستدلال عليها بالكتاب والسنة دون ميل إلى نصرة مذهب إمام معين(47). وهذه نماذج لغير أصوليي الحنفية نُمثل بها لما ذكرنا:
    النموذج الأول: ابن السمعاني الذي قرر وجوب تقليد الشافعي، وله تعقبات كثيرة على الجويني الذي عُرف بعدم التقيد بالمذهب، منها قوله:"وهذا ترك لمذهب الشافعي رحمه الله، ومساعدة للمخالفين، وليس سبيل من ينتصب للتقدم في مذهبه ويعتقد أنه الفحل المدافع عن حريمه؛ أنه إذا جاء إشكال في المسألة يترك مذهب صاحبه ويوافق الخصوم، بل ينبغي أن يبذل له جهده ويجعل وكده لحل الإشكال، فإن أمكنه ذلك وإلا تركه إلى من يوفقه الله تعالى له ويهديه إليه»(48).
  والنموذح الثاني: أبو الخطاب الكلوذاني الحنبلي، ففي مسألة جواز التعليل بالحكم في إثبات حكم آخر ذكر قولين: الأول جواز ذلك ونسبه للحنابلة، والثاني عدم الجواز ونسبه إلى بعض المتأخرين، وقال عن الأخير: « وهو الصحيح عندي، ولكن ننصر قول أصحابنا»(49).
المطلب الرابع : إبراز الترابط بين الأصول والفقه
     من محاور التجديد الأساسية إعادة الترابط بين علم الأصول وعلم الفقه، وذلك عن طريق الحرص على التمثيل للقواعد الأصولية بالأمثلة الواقعة في النصوص الشرعية(50)، وكذلك باعتماد التفريع الفقهي على القواعد الأصولية الخلافية، بجلب فروع فقهية من كتب الخلاف المؤلفة على المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها، ولعل هذا المحور من الأمور التي يوافق عليها حتى بعض من يعارض دعوى التجديد بمعناها الإيجابي، إذ وجدنا في كلام بعضهم استثناء : العمل على إخراج مسائل العلم وبحوثه ومضموناته بأسلوب آخر يمتاز بمزيد من الوضوح والتفصيل، ويعزز بمزيد من الأمثلة الفقهية التي توضح العلاقة السارية بين القواعد الأصولية وثمراتها الفقهية(51).
    ومن المعاصرين من يدعو إلى تعديد التفريعات التي تتخرج على القواعد الأصولية، وإلى انتقاء أمثلة جديدة من الحوادث المستجدة في حياتنا المعاصرة، وذلك لإضفاء نوع من الحيوية في هذا العلم، ولبيان خلود هذه الشريعة وديمومتها، وكذلك لإشعار الدراسين بأهمية هذا العلم وجدواه فضلا عن تدريبهم على توظيفه في المسائل الفقهية(52)، وذلك من غلو في الإيراد ولا خروج إلى مناقشة المسائل الفرعية كما لوحظ على الحنفية، وهذه الطريقة المتوسطة هي التي سار عليه الإمام الشافعي واضع العلم(53) وكثير من المتقدمين كابن حزم وابن السمعاني والجصاص ومن المتأخرين ابن القيم في أعلام الموقعين والزركشي في البحر المحيط.
     وفي هذا المعنى يقول عبد الرزاق عفيفي:« ولو سلك المؤلفون في الأصول بعد الشافعي طريقته في الأمرين تقعيدا واستدلالا وتطبيقا وإيضاحا بكثرة الأمثلة ، وتركوا الخيال وكثرة الجدال والفروض واطرحوا العصبية في النقاش والحجاج، ولم يزيدوا إلا ما تقتضي طبيعة النماء في العلوم إضافته من مسائل وتفاصيل لما أصل في الأبواب، وإلا ما تدعو إليه الحاجة من التطبيق والتمثيل من واقع الحياة للإيضاح -كما فعل ابن حزم-لسهل هذا العلم على طالبيه ولانتهى بمن اشتغل به إلى صفوف المجتهدين من قريب»(54).
    وقد عدَّ بعض المعاصرين من محاور التجديد دراسة قواعد أصولية لم تدرس بطريقة شاملة تبرز خصائصها وأهميتها، وآثارها في الفقه ومسائل الخلاف(55)، وهذا المنحى متعلق باتجاه جديد من اتجاهات الدراسات الأصولية وهو تخريج الفروع على الأصول ، وأغلب الدراسات الأصولية الجامعية اتخذت هذا الطابع ؛ وفي اعتقادي أن الدراسات التي لم تصبغ بهذه الصبغة فهي غير مجدية.  
المطلب الخامس : تجديد المنهج في عرض المسائل الأصولية
    ومن محاور التجديد إعادة النظر في طريقة عرض مسائل العلم ابتداء من اللغة والأسلوب، وحسن التبويب والترتيب، حتى يسهل فهمه ويبعد عن التعقيد والغموض، الذي طبع أكثر الكتب الأصولية المتأخرة؛ وخاصة المختصرات الملغزة وحواشيها، فلا بد من تأليف كتب مختصرة للمبتدئين واضحة لا تحتاج إلى شرح لغتها، وأخرى متوسطة ومبسوطة يستغنى عن اختصارها، تُكتب بأسلوب منهجي موافق لروح العصر وميول أهله ويتلاءم مع قدرات الطلاب على اختلاف مستوياتهم(56).
    ومما يلتحق بتجديد طريقة العرض الالتزام بما تقتضيه المنهجية العلمية السليمة في وضع الحدود والتعاريف وحكاية المذاهب وذكر الأدلة ومناقشتها. والاعتناء بذكر أدلة القواعد الأصولية من الآيات القرآنية، وما ثبت من الأحاديث النبوية والآثار السلفية، وما صح من الأدلة العقلية والشواهد اللغوية(57). وشرح هذه القضايا وتفاصيلها وضوابطها؛ قد حاولت الإلمام به في أطروحة الدكتوراه الموسومة بمنهجية البحث في علم أصول الفقه.
المطلب السادس: الرجوع بالعلم إلى ما كان عليه في عهد الأئمة
     من محاور التجديد الأساسية: محاولة الرجوع بهذا العلم إلى ما كان عليه السلف وخاصة الأئمة المجتهدين، وذلك عن طريق اعتماد آثار الصحابة وإجماع السلف في أدلة الأصول، وتقديمها على أدلة المعقول، وكذلك عن طريق الاعتناء بنقل آراء الأئمة المجتهدين لمعرفتها وعدم الخروج عنها، وتقديم اختيارات أتباعهم على غيرهم من المتكلمين.
    ومن فوائد الالتزام بطرائق الفقهاء المتقدمين ابتداء من عصر الأئمة وسلفهم من الصحابة والتابعين، وأتباهم الأولين: تقليل الخلاف في المسائل الأصولية وإقصاء الكثير من الأقاويل الشاذة والمحدثة، وكشف إبهام بعض الأدلة المجملة، أو تقييد مطلقاتها، أو تخصيص عموماتها، أو دفع وهم التعارض بينها، والدعوة إلى الالتزام بآراء المتقدمين سبق إليه مجددوا العصور السابقة كابن تيمية، الذي جعل معرفة أقوالهم أفضل من معرفة أقوال المتأخرين في جميع علوم الدين(58)، وكذا الشاطبي الذي قال: « يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل»(59).
    وهذا الأمر يكاد يكون مُغيَّبا في طريقة المتكلمين الذين غلو في الاستقلالية عن مذاهب الأئمة في ميدان علم أصول الفقه، وصاروا لا ينظرون أصلا في آراء الفقهاء، أو ينظرون إليها نظرة دونية باعتبار قصورهم في علم الكلام وعدم إلمامهم بمسائله، ولا أظهر دليلا على ما أقوله من إهمال ذكر آراء الأئمة الأربعة وأتباعهم في أكثر كتب المتأخرين، وسننقل هنا نصوصا لعلها تكون صادمة للبعض، لكنها كاشفة لحقيقة موقف المتكلمين من الفقهاء، فهذا الباقلاني مؤسس طريقة المتكلمين الأشعرية؛ إذا قال أصحابنا وشيوخنا وأهل الحق والتحقيق فإنما يقصد المتكلمين لا الفقهاء(60)، وقد صدرت منه عبارات استعلاء فيها غض من الإمام الشافعي مؤسس هذا العلم فكيف بغيره، ومن ذلك عندما تطرق إلى مسألة تصويب المجتهدين؛ مذهب الشافعي في المسألة معروف ومنصوص في الرسالة(61)، ومع ذلك نسب إليه ضده وقال: «لولا أن مذهبه هذا وإلا ما عددته من الأصولية»(62)، وتكرر منه ذلك في مسألة تخصيص العلة(63)، وكذا الجويني فإن موقفه أشد تطرُّفا، وقد اختار في مسألة في نسخ القرآن بالسنة خلاف قول الشافعي والسلف وقال:« والذي اختاره المتكلمون وهو الحق المبين: أن نسخ الكتاب بالسنة غير ممتنع»، وقال في رد مذهب الشافعي في المسألة الأخرى وهي منع نسخ السنة بالقرآن:«..فإنّ منْعه كان منكرا من القول، وإن جوّزه وزعم أن الرسول يسن عند نزوله سنة بخلاف السنة الأولى، فيقع نسخ السنة بالسنة، فهذا من الهزء واللعب والتلاعب بالحقائق»(64). وهذا الموصوف بهذه الصفات هو رأي الشافعي البين الواضح في الرسالة(65)، ولا تسل عن موقفه من الأئمة الآخرين والمتأخرين من فقهاء الشافعية وغيرهم، وقد صدرت منه رحمه الله وعفا عنا وعنه عبارات غير لائقة في حقهم فقال: «وأما أبو حنيفة فما كان من المجتهدين أصلا، لأنه لم يعرف العربية»(66)، وما أكثر عباراته التي يلغي فيها الفقهاء إلغاء؛ بما فيهم كبار علماء الشافعية كالصيرفي شارح الرسالة، بل هو لا يستثني إلا من درس علم الكلام كأبي الطيب الطبري وهذا نصه: « وذكر القاضي أبو الطيب الطبري أن هذا المسلك من أعلى المسالك المظنونة وكاد يدَّعي إفضاءه إلى القطع، وإنما سميت هذا الشيخ لغشيانه مجلس القاضي مدة واعتلاقه أطرافا من كلامه، ومن عداه حثالة وغثاء»(67).
    ولذلك تجد المتكلمين يحكون الإجماع في مسائل خلاف الفقهاء فيها مشهور، وإنما يعنون بالإجماع إجماع المتكلمين، وأضرب مثالا واحدا في مسألة عملية مهمة جدا؛ وهي تقليد الميت من العلماء، حيث قال فيها الغزالي: «وقد قال الفقهاء يقلده وإن مات لأن مذهبه لم يرتفع بموته وأجمع علماء الأصول على أنه لا يفعل ذلك»(68). ولا أدري كيف تم هذا الإجماع والأمة لا تزال تقلد الأئمة الأربعة بعد موتهم وهي مجمعة إجماعا عمليا على إباحة تقليد الصحابة ومن بعدهم، ولذلك قال الصنعاني ترجمة المسألة:« واعلم أنه اختلف في جواز تقليد الميت فقيل يحرم وادعي عليه الإجماع، وقيل يجوز وادعي عليه الإجماع أيضا»(69).
   وفي مما يندرج في هذا المضمار ضرورة نفض الغبار عن مدرسة الفقهاء المتقدمين من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية، التي تحمل كثيرا من السمات المنهجية المفيدة في التجديد، وهي مخالفة لطريقة المتكلمين وأولى منها؛ إلا في قضية التعصب والتقليد، فهذه المسألة الحق فيها وقف بين غلو بعض الفقهاء وجفاء أكثر المتكلمين والعلم عند الله تعالى.

الخاتمة
     إنّ تجديد الدين بمعنى إحياء ما اندرس منه وبعثه، وتخليصه من البدع والمحدثات الملصقة به والاجتهاد في تنزيله على واقع الحياة ومستجداتها، أمر مشروع بل واجب من أعظم الواجبات وهو من مهام ورثة الأنبياء، وقد دل على وجوبه ووقوعه أحاديث نبوية صريحة كقوله صلى الله عليه وسلم :"إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل سنة من يجدد لها أمر دينها"، وهذا التجديد من مقتضيات حفظ الدين الذي وعد به رب العالمين، ومن سبل بيان شموله وصلاحيته للأزمنة والأمكنة، وعلم أصول الفقه من جملة العلوم الإسلامية التي ينبغي تجديدها بالمعاني الثلاثة المذكورة إحياء له وإثراء، وتخليصا له مما ليس منه مما أعاق إثماره، وربطا له بالفقه وسائر العلوم الإسلامية، وهذا التجديد كما هو موضح إنما يمس شكله ومناهج دراسته وإخلاءه مما ليس منه، وبحث سبل تفعيله وليس بمعنى تبديل الأصول التي هي مصادر الشريعة الإسلامية، أو استبدال آليات الفهم وقواعده، وعندما نظرنا في مبررات التجديد المشتركة والمتفق عليها وجدناها تخدم التجديد الشرعي لا الحداثي، ثم إنه بسبب وجود دعوات الحداثيين وجد طرف يرفض التجديد بالمعنيين، ويزعم أن تشريعه يفتح الباب للدخلاء المنحلين، وقد بيّنا أن ذلك غير لازم بل بقاء العلم معطلا هو الذي يفتح باب النقد للإسلام، كما أنّ الرافضين أيضا زعموا أن في التجديد إهدارا لجهود المتقدمين وإنكارا لفضلهم؛ وليس ذلك بلازم بل هو استمرارٌ لحركية التأليف وفق المناهج المناسبة لكل عصر، فكما خالف بعضهم بعضا في مناهج التأليف، وانتقد بعضهم بعضا في المسائل عبر الزمن ولم يعتبر ذلك إهدارا ولا إنكارا ، بل صنيعهم يشرع لمن جاء بعدهم أن يفعل نحو ذلك، ثم إن قواعد التجديد مستلهمة أكثرها من نصوصهم المصحِّحة والناقدة، وقد تم استقراء ما تيسر منها في هذا البحث، وهي في مجملها تصبُّ في ستِّ محاور أساسية يكمِّل بعضها بعضا، ومنخرطة كلها في معنى تجديد الدين المطلوب ولا محذور فيها، وهي: أولا : حذف الدخيل وإرجاعه وإرجائه إلى علومه الأصيلة، وكذا حذف المسائل الفرضية التي لا طائل من ورائها، ثانيا: إضافة مسائل مهمة حقها أن تدرس في أصول الفقه وتوسيع أخرى بالتفصيل والتأصيل الناتج عن الاستقراء، ثالثا : الابتعاد عن التعصب المذهبي وتحقيق الحياد قدر الجهد في علم نقصد به وضع معايير الآراء الصائبة في الشريعة الإسلامية، وليس الانتصار لمذهب معين دون غيره، رابعا : إبراز الترابط بين علم الأصول وعلم الفقه الذي هو ميدانه ومكان إنتاجه وإثماره، خامسا : تجديد المنهج في عرض المسائل الأصولية؛ تعاريفا وتقسيما وحكايةً للمذاهب وأدلة ومناقشة، سادسا: الرجوع بالعلم إلى ما كان عليه في عهد الأئمة المجتهدين، وقد علّلنا كل منحى من هذه المناحي، وذكرنا من أشار إليه من أعلام المتقدمين والمتأخرين ،كما أنّنا دعمنا الدعوى أحيانا بشواهد تقطع الشك باليقين في وجود الخلل والحاجة إلى التصحيح، وهذه المحاور وجد من اعتنى ببعضها، ولكن التجديد المجدى والمؤتي ثماره إن شاء الله تعالى يكون باتخاذها غايات وأهداف في الدراسات الجامعية الأكاديمية، وبإعمالها مجتمعة غير متفرقة فيما يُؤلف من مؤلفات تعليمية في علم أصول الفقه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش
1/ انظر المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي(1/ 92).
2/ انظر لسان العرب لابن منظور (2/50) مختار الصحاح للرازي (57) التجديد في الفكر الإسلامي لعدنان محمد أمامة (16).
3/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (18/297) فيض القدير للمناوي (2/365) التجديد في الفكر الإسلامي لعدنان أمامة (17).
4/ فيض القدير للمناوي (2/365) عون المعبود للعظيم آبادي (11/386-391).
5/ الاجتهاد للتجديد سبيل الوراثة الحضارية لعمر عبيد حسنة (20) نقلا عن التجديد في الفكر الإسلامي (18).
6/ مجلة المنار لمحمد رشيد رضا (30/115) ونقله في التجديد في الفكر الإسلامي لعدنان أمامة (17) عن السيوطي خطأ .
7/ التجديد في الفكر الإسلامي لعدنان محمد أمامة (19).
8/ رواه أبو داود في السنن (رقم:4291) والحاكم في المستدرك (4/522) وصححه البيهقي والعراقي وابن حجر والسخاوي في المقاصد الحسنة (ص:121) والمناوي في فيض القدير (2/365-366) والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم:599).
9/ رواه ابن ماجة (رقم:8) وصححه ابن حبان (رقم:326) وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم:2442).
10/ انظر : مدارج السالكين لابن القيم (3/79) الصواعق المرسلة لابن القيم (2/400).
11/ رواه مسلم (رقم:232) عن أبي هريرة ، ورواه الترمذي (رقم:2360) بسند آخر بلفظ :" إن الدين بدأ غريبا، ويرجع غريبا، فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي، من سنتي" وقال الألباني : ضعيف جدا.
12/ انظر : أعلام الموقعين لابن القيم (2/231).
13/ انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (11/ 435) التجديد والمجددون لعبد السلام بن محمد بن عبد الكريم (69).
14/ الرسالة للشافعي (20).
15/ التجديد في الفكر الإسلامي لعدنان محمد أمامة (24-25).
16/ التجديد في الفكر الإسلامي لعدنان محمد أمامة (66).
17/ انظر تجديد أصول الفقه الإسلامي للترابي (73).
18/ أليس الصبح بقريب للطاهر بن عاشور(181).
19/ تجديد أصول الفقه الإسلامي للترابي (68).
20/ منهجية الإمام الشافعي في الفقه وأصوله لعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان (122) وتجديد أصول الفقه الإسلامي للترابي (68).
21/ أصول الفقه لمحمد أبو زهرة (18) التجديد والمجددون في أصول الفقه لعبد السلام بن محمد بن عبد الكريم (40-41).
22/ انظر: منهجية البحث في علم أصول الفقه لمحمد حاج عيسى (135-136).
23/ حول تجديد أصول الفقه للبوطي (157).
24/ البرهان للجويني (2/744) ونحوه في الواضح لابن عقيل (5/425).
25/ انظر منهج البحث في الفقه الإسلامي لعبد الوهاب أبو سليمان (79-80).
26/ الموافقات للشاطبي (1/97) وانظر منهج البحث في الفقه الإسلامي لعبد الوهاب أبو سليمان (88).
27/ انظر: منهجية البحث في علم أصول الفقه لمحمد حاج عيسى (127).
28/ انظر الإحكام للآمدي (1/261-263) (1/264-267) (3/160) .
29/ الإبهاج لابن السبكي (5/1648).
30/ الإحكام للآمدي (3/11).
31/ المحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي شامة (191-192) .
32/ الإحكام للآمدي (1/280).
33/ البحر المحيط للزركشي (3/193) التحبير للمرداوي (1/255-168).
34/ مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/486) وانظر الإحكام للآمدي –مقدمة عفيفي-(ص :د).
35/ الموافقات للشاطبي (1/42).
36/ المعتمد لأبي الحسين البصري (1/3) المستصفى للغزالي (1/43).
37/ البرهان للجويني (1/136 و146) المستصفى للغزالي (1/43) الموافقات للشاطبي (1/42).
38/ القواطع لابن السمعاني (1/414) المستصفى للغزالي (1/304) و(2/456).
39/ تشنيف المسامع للزركشي (2/1073).
40/ المستصفى للغزالي (2/377-378).
41/ الضروري لابن رشد (37-38).
42/ انظر شرح الأصول من علم الأصول للعثيمين (163).
43/ التجديد والمجددون في أصول الفقه لعبد السلام بن محمد بن عبد الكريم (434).
44/ أصول الفقه نشأته تطوره ومدارسه والدعوة إلى تجديده لشعبان محمد إسماعيل (97).
45/ حول تجديد أصول الفقه للبوطي (163-164).
46/ انظر أصول الفقه لمحمد أبو زهرة (22).
47/ الإحكام للآمدي -مقدمة عبد الرزاق عفيفي -(د).
48/ القواطع لابن السمعاني (1/86).
49/ التمهيد لأبي الخطاب (4/44).
50/ أصول الفقه لمحمد أبو زهرة (14) وانظر التجديد والمجددون لعبد السلام بن محمد بن عبد الكريم (538).
51/ حول تجديد أصول الفقه للبوطي (183).
52/ أصول الفقه نشأته تطوره ومدارسه لشعبان إسماعيل (105) منهج البحث في أصول الفقه لعبد الوهاب أبو سليمان (213).
53/ الفكر الأصولي لعبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان (85و78).
54/ الإحكام للآمدي –مقدمة عبد الرزاق عفيفي-(ج).
55/ تجديد علم أصول الفقه لأبي الطيب مولود السريري (123).
56/ التجديد في الفكر الإسلامي لعدنان أمامة (150) أصول الفقه نشأته تطوره ومدارسه والدعوة إلى تجديده لشعبان إسماعيل (105).
57/ معالم أصول الفقه للجيزاني (533).
58/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/24).
59/ الموافقات للشاطبي (3/72).
60/ مدرسة المتكلمين لمسعود فلوسي (233).
61/ الرسالة للشافعي (479، 503-505).
62/ البرهان للجويني (2/861).
63/ البحر المحيط للزركشي (5/139).
64/ البرهان للجويني (2/851-852).
65/ الرسالة للشافعي (108-112).
66/ البرهان للجويني (2/873).
67/ المرجع السابق (2/547).
68/ المنخول للغزالي (591).
69/ إجابة السائل للصنعاني (410).


فهرس المراجع
1-الإبهاج في شرح المنهاج لابن السبكي، ت أحمد الزمزمي ونور الدين صغيري دار البحوث والدراسات الإسلامية وإحياء التراث دبي ط1-1424
2-إجابة السائل شرح بغية الآمل للصنعاني ت السياغي والأهدل، مؤسسة الرسالة ط1-1420
3-الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ، ت عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، ط2-1402
4-أصول الفقه لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي القاهرة، بدون
5-أصول الفقه نشأته وتطوره ومدارسه والدعوة إلى تجديده لشعبان محمد إسماعيل، المكتبة المكية ط1-1423.
6-أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم، ت طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل بيروت 1973م
7-أليس الصبح بقريب للطاهر بن عاشور، دار ابن سحنون تونس ودار السلام مصر ط2-1428
8-البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي، دار الصفوة الكويت ط1-1401
9-البرهان للجويني، ت عبد العظيم ديب ، مطابع الوفاء المنصورة 1991م
10-تجديد أصول الفقه الإسلامي للترابي دار البعث قسنطينة  بدون
11-تجديد علم أصول الفقه لأبي الطيب مولود السريري دار الكتب العلمية ط1-2005.
12-التجديد في الفكر الإسلامي لعدنان محمد أمامة
13-التجديد والمجددون في أصول الفقه لعبد السلام بن محمد بن عبد الكريم المكتبة الإسلامية القاهرة ط2-1425
14-التحبير شرح التحرير للمرداوي، ت عبد الرحمن الجبرين وعوض القرني وأحمد السراح مكتبة الرشد ط1-1421
15-تشنيف المسامع شرح جمع الجوامع للزركشي، ت عبد الله ربيع وسيد عبد العزيز، مكتبة قرطبة القاهرة ط2-1419
16-التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب الحنبلي، ت محمد بن إبراهيم، دار المدني جدة ط1-1406
17-حول تجديد أصول الفقه للبوطي دار الفكر ط1-1426
18-الرسالة للشافعي، ت أحمد محمد شاكر، دار الفكر، بدون
19-سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، مكتبة المعارف ط-1415
20-السنن لابن ماجة، ت محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر بيروت
21-السنن لأبي داود، ت محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بدون
22-السنن للترمذي، ت أحمد شاكر وفؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بدون
23-شرح الأصول من علم الأصول للعثيمين، دار البصيرة بدون.
24-صحيح ابن حبان (الإحسان لابن بلبان) ت شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة ط1-1408
25-صحيح مسلم ، ت محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر بيروت 1403
26-الصواعق المرسلة لابن القيم ، ت علي بن محمد الدخيل، دار العاصمة الرياض ط3-1418
27-الضروري في أصول الفقه لابن رشد ت جمال الدين علوي دار الغرب الإسلامي ط1-1414
28-عون المعبود لعبد الحق العظيم آبادي ، دار الكتب العلمية بدون
29-الفكر الأصولي لعبد الوهاب أبو سليمان ، دار الشروق جدة ط2-1404
30-فيض القدير للمناوي ، ت أحمد عبد السلام دار الكتب العلمية ط1-1415
31-قواطع الأدلة لابن السمعاني، ت محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية ط1-1418
32-لسان العرب لابن منظور، دار صادر بيروت 1412
33-مجموع الفتاوى لابن تيمية ، جمع عبد الرحمن بن قاسم، المكتب التعليمي السعودي بالمغرب
34-المحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول  لأبي شامة، ت أحمد الكويتي، دار الكتب الأثرية ، ط1-1409
35-مجلة المنار لمحمد رشيد رضا، عن المكتبة الشاملة .
36-مختار الصحاح للرازي ، ت أحمد إبراهيم زهوة ، دار الكتاب العربي بيروت ، ط1-1423
37-مدارج السالكين لابن القيم، ت محمد المعتصم بالله، دار الكتاب العربي ط1-1410
38-مدرسة المتكلمين ومنهجها في دراسة الأصول لمسعود فلوسي، مكتبة الرشد ط1-1425
39-المستدرك للحاكم دار المعرفة بيروت لبنان مع فهرس المرعشلي .
40-المستصفى في علم الأصول للغزالي، ت محمد سليمان الأشقر، مؤسسة الرسالة ط1-1417
41-المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي، المكتبة العلمية بيروت بدون.
42-معالم أصول الفقه عند أهل السنة للجيزاني، دار ابن الجوزي ط1-1416
43-المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري، ت خليل الميس، دار الكتب العلمية ط1-1403
44-مفتاح دار السعادة لابن القيم، ت علي حسن عبد الحميد، دار ابن عفان ط1-1416
45-المقاصد الحسنة للسخاوي، ت عبد الله محمد الصديق، دار الباز ط1-1407
46-المنخول من تعليقات الأصول للغزالي، ت محمد حسن هيتو، دار الفكر دمشق ط2-1400
47-منهج البحث في أصول الفقه لعبد الوهاب أبو سليمان، دار ابن حزم 1420
48-منهج البحث في الفقه الإسلامي لعبد الوهاب أبو سليمان، دار ابن حزم ط1-1416
49-منهجية الإمام الشافعي في الفقه وأصوله  لعبد الوهاب أبو سليمان، دار ابن حزم 1420
50-منهجية البحث في علم أصول الفقه لمحمد حاج عيسى، أطروحة دكتوراه جامعة الجزائر ، 2010-2011
51-الموافقات للشاطبي ، ت عبد الله دراز دار المعرفة بيروت بدون
52-الواضح في أصول الفقه لابن عقيل الحنبلي، ت التركي مؤسسة الرسالة ط1-1420



معلومات إضافية

  • الكاتب: مثال
تم قراءة المقال 1429 مرة