مقدمات لدراسـة العقيـدة
أولا-مـا هـو علم العقيـدة؟
علم العقيدة هو العلم الذي تُدرس فيه أركان الإيمان وأصوله؛ التي يجب على كلّ مسلم أن يؤمن بها، ويعقد عليها بقلبه عقدا جازما. وأركان الإيمان قد ذكرها النبي في حديث جبريل حيث قال:« الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره». وإن كان الإيمان يطلق في الشرع أيضا على ما هو أوسع من مجرّد الاعتقاد كما سيأتي.
ثانيا : لمـاذا نـدرس العقيـدة؟
1-لأنّ موضوع هذا العلم هو الفارق بين الإسلام والكفر، والمولى عز وجل يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران 85).
2-ولأنّ موضوع هذا العلم يُبيّن للمسلم حقوق رب العالمين، وقد جاء في الحديث: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟… حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» متفق عليه ( ).
3-ولأنّ موضوع هذا العلم يوضّح لنا ما هو الشرك، وما هي مظاهره وذرائعه لنجتنبها. وربنا سبحانه يقول : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48).
4-ولأنّ من صحّ اعتقاده في الله تعالى؛ سلمتْ أعمالُه من الشرك والبدعة والمعصية، إذ الشرك سببه سوء الظن بالله كما قال تعالى: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (فصلت:23)، ومن هذا الظن الفاسد ظنُّ غفلته عن الأعمال، وعدم قدرته على البعث، وعجزه عن الإجابة، أو عدم سماعه الدعاء، أو أنه لا يستجيب إلا بواسطة.
وكذلك البدعةُ سببها سوء الظن بالله تعالى وبالرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك أن الله تعالى أكمل الدين وأتمّ النعمة والرسول أدّى الأمانة وبلّغ الرسالة، والمبتدع يزعم أنه يأتي بأشياء فيها خير وزيادة عمّا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا اتهام للدين بالنقص أو للرسول بالخيانة.
والمعاصي سببها ضعف العقيدة أيضا، إذ الناسُ متفاوتون في الطاعة والعصيان؛ بحسب تمكن العقيدة من قلوبهم، فكلما قوي الإيمان نقصت المعاصي، وكلما ضعف الإيمان ازدادت المعاصي. فالعاصي حين يعصي يغفل أن الله سميع بصير، وينسى اليوم الآخر، فمن يطلب الرزق بالحرام؛ واقع في ذلك فضلا عن جهله بأن الله هو الرزاق وغفلته عن تقديره .
ثالثا : هـل تعلـم العقيـدة واجـب؟
الجواب يُعرف مما سبق، ونزيدُ بيان وجوب تعلمها من جهة عاقبة الإعراض عنها.
1-فالمعرض عن تعلم عقيدته في الدنيا ميت، قال الله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122)، وفي الحديث :«مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا ». والحياة نوعان حياة أبدان وحياة قلوب وإنما تحيا القلوب بالإيمان بالله وبذكره وطاعته، حيث تنال لذة وفرحا وسعادة وتلك هي الحياة الحقيقية.
2-وكذلك المعرض في الآخرة هالك، يقول الله سبحانه: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ. وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك 8-10).
ولابد أن نعي أننا جميعا معنيون بعلم العقيدة؛ لتعلم الاعتقاد وتصحيحه وتأكيده حتى تظهر ثماره في أقوالنا وأعمالنا، وكذا لمعرفة دليله وتبليغه.