الاثنين 27 شوال 1442

(39) التربية على العبادة : التربية على الأذكار النبوية مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

المبحث الثاني: التربية على الأذكار النبوية
   إن من العبادات العظيمة التي شرعت لهذه الأمة، والتي لها أثر كبير على السلوك والعقائد: الأدعية والأذكار، ومما يدل على أهميتها وعظم أثرها تلك المساحة الكبيرة التي احلتها في نصوص القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، بل إن صفة القرآن الكريم كله أنه ذكر، كما قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ) (الزخرف:44) وأنه كتاب تذكير كما قال سبحانه : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق: 45).     معنى الذكر المقصود هنا هو المعنى الخاص له؛ الذي يتضمن ما يجري على قلب العبد ولسانه؛ من الألفاظ المتضمنة الثناء على الله تعالى بجميل صفاته وأسمائه وأفعاله ونعمه وإحسانه، ومنه التسبيح والتكبير والتهليل وتلاوة القرآن الكريم، وليس المعنى العام للذكر الذي يشمل جميع أنواع العبادات القلبية والبدنية والعلم والعمل معا.
أهمية التربية على الأذكار
   إنّ لذكر الله تعالى أثر عظيم في تهذيب النفوس وفي تنشئة الأولاد على الاستقامة؛ لأن دوام الذكر ينمي في النفس مقام مراقبة الله سواء في السلوك الفردي أو في التعامل مع الآخرين، ومن شأن ذلك أن يزكي الروح ويهذب الأخلاق ويزيد في اليقين بالله تعالى ويقوي الشعور بالقرب من الله سبحانه.
  ومن آثار الذكر أيضا ترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوس الناشئة بطريق عملية، فإن فائدة الذكر لا تقف عند حفظ الأوراد المتعلقة بالأحوال والمناسبات من أكل وشرب ونوم ويقظة، ولكنها تتعدى إلى تعليم الولد الخوف والرجاء وتعليمه اللجوء إلى الله تعالى وطلب قضاء الحوائج منه وحده والتوكل عليه والاستغاثة به دون غيره، وبالذكر يتعلم الولد الاستئناس بالله تعالى في وحشته وحال خوفه وفزعه، وفي حال الضيق وعند مرضه فيطلب الفرج من الله، ولا يطمع في الشفاء إلا من الله تعالى.
   ومن آثار الذكر حفظ النفس والبدن، وتحصيل الصحة النفسية والجسمية، وهذا من مقاصد تربية الأولاد في الإسلام وقد سبق الحديث عنها، قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28) فذكر الله تعالى يسبب الاستقرار ويطرد الوسواس والاضطراب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :« مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» رواه البخاري.    وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ :« مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا» رواه أحمد وصححه ابن حبان.
   ومن آثار الذكر أنه مفتاح لأنواع الخيرات في الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم :« سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ» رواه مسلم. وأصل المفرّدين هم الذين هلك أقرانهم وانفردوا عنهم، فبقوا يذكرون الله تعالى.
أساليب التربية على الذكر
أولا : القدوة
   أول أسلوب يعتمد في التربية على الذكر هو القدوة، فعلى الأبوين أن يكونوا قدوة في هذا الباب حتى يحفظ الأولاد كثيرا من الأذكار من غير تكلف، وعليهم أن يتعمّدوا الجهر بها أمامهم، وخاصة الأذكار التي لا تتكرّر يوميا؛ كأذكار السفر والتهنئة والتعزية والغضب ورؤية الهلال ونزول الغيث وعيادة المريض ونحوها.
    وإن كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم قد تعلموا الأذكار من عمل النبي صلى الله عليه وسلم بها وتكرارها أمامهم وليس بتلقينهم إياها، وتعلم منهم أولادهم بالطريق نفسه، ومن شواهد ذلك ما ثبت عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ تُعِيدُهَا ثَلَاثًا حِينَ تُصْبِحُ وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهِنَّ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ» رواه أبو داود وحسنه الألباني.
   وأعظم ذكر كما سبق هو القرآن الكريم، فعلى الآباء أن يظهروا لأولادهم التزامهم بورد يومي من القرآن، وليجعل ذلك في ساعة معينة ثابتة بعد صلاة من الصلوات كالصبح أو المغرب، وكذلك مما تحصل به القدوة في هذا الباب بعض الأفلام والرسوم المتحركة التربوية التي يعتنى فيها بالأذكار اعتناء ظاهرا.
ثانيا: التلقين
   من الطرق المهمة لتربية الأولاد على الذكر التلقين، وليكن أوّل ما يلقن الطفل من الكلمات كلمة لا إله إلا الله وذلك قبل أن يعقل، وليبدأ المربون بنحو ذلك من الأذكار القصيرة المبنى العظيمة المعنى كقول بسم الله، والحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
  وينبغي أن يراعى التدرج في تلقين الأذكار ليسهل حفظها؛ فيبدأ بالذكر عند الطعام وبعدها، ثم الذكر عند النوم والاستيقاظ، ثم الخروج من البيت وهكذا، ويبدأ أيضا بالأذكار القصيرة والسهلة كما يتدرج في تحفيظ القرآن بدأ بقصار السور. مثلا في أذكار النوم يبدأ بأقصر ذكر وهو «بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا » وعند الاستيقاظ :« وَإِذَا قَامَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » رواه البخاري.
   ومن الأذكار التي ينبغي الاعتناء بتلقينها للأولاد؛ أذكار الصلاة كالتشهد والصلاة الإبراهيمية وغيرها، ومما ورد في هذا عن السلف حديث عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيَّ قَالَ كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ وَيَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» رواه البخاري.
    ومما يسهل تعليم هذه الأذكار للأولاد إذا ما عقلوا أن يهدى لهم كتيب جامع لأذكار اليوم والليل والمناسبات وجوامع الأدعية؛ كنحو حصن المسلم والكلم الطيب.
ثالثا : الترغيب والترهيب
   من طرق تربية الأولاد على الأذكار ترغيبهم فيها بتشجيعهم والثناء عليهم والابتهاج بهم عندما يشاهدون وهم يرددونها أو يكررونها، وكذلك بمكافأتهم وغيرها من طرق الترغيب.
   ومن الطرق التي يرشد إليها المربون إجراء المنافسات بين الأطفال في حفظ الأذكار؛ كما يفعل ذلك في حفظ القرآن الكريم، وجعل الجوائز عليها.
    ومن الترغيب ترغيب من عقل من الأولاد بفضائل الذكر في الدنيا والآخرة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: « كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ » متفق عليه، وقوله:« إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا عليه السلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ وَأَنْهَاكَ عَنْ اثْنَتَيْنِ آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ وَأَنْهَاكَ عَنْ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ ..»الحديث (رواه أحمد وصححه الألباني)
    كما يستعمل الترغيب يستعمل الترهيب أيضا، ومن طرق الترهيب أن يرهب بأن من غفل عن ذكر الله كان عرضة لأذى شياطين الجن ووسوستهم ومشاركتهم له في المأكل والمسكن، وبأن تروى لهم بعض الأحاديث التي تحذر من الغفلة عن ذكر الله كقوله صلى الله عليه وسلم:« مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ » وَمَعْنَى قَوْلِهِ تِرَةً يَعْنِي حَسْرَةً وَنَدَامَةً (رواه الترمذي وصححه).

تم قراءة المقال 411 مرة